تحديــت كـورونــا والمـرض لأكتـب - جنـون الدايـات والبايـات -
يواصل الفنان و السيناريست سعيد بولمرقة الغوص في أغوار التاريخ، سعيا منه للكشف عمّا يختزنه صخر قسنطينة العتيق من أسرار تاريخية لمختلف الأحداث خلال  مختلف الأحقاب ، فبعد الفيلم التاريخي «حنينة»، و قبله « البوغي» و مسرحية «صالح باي»، ها هو الفنان  و الكاتب يعود إلى النبش في التاريخ، من خلال محاولة إماطة اللثام عن الكثير من الحقائق، و التي يجهلها سكان قسنطينة ، حتى من يحملون منهم ألقاب  بايات و  دايات.
الفيلم يحتوي حقائق مرعبة عن دسائس الحكم العثماني
سعيد بولمرقة و رغم الظرف الاستثنائي الذي يعيشه العالم بأسره، إلا أنه تحدى جائحة كورونا و المرض، و استغل الحجر المنزلي لكتابة سيناريو فيلمه الجديد، و الذي  يكشف عن حيثياته حصريا في هذا الحوار الذي خص به النصر، مشيرا أنه اختار للعمل عنوانا مميزا   و متميزا «جنون الدايات و البايات»، يكشف من خلاله الصراع على السلطة، و ما تبعه من دسائس و مكائد،
و الذي جعل الحكم العثماني في آخر مراحله  يسمى   «الرجل المريض».
* سعيد بولمرقة، يبدو أن فترة الحجر الصحي و رغم تأثيرها على معنويات الفنان، لم تمنعك  من رفع  التحدي وكتبت سيناريو لفيلم تاريخي جديد. هل لك أن تحدثنا عن هذا المشروع الفني؟
     هذا السيناريو كان الغرض من كتابته الكشف عن حقائق حقبة تاريخية، كانت قسنطينة  و الجزائر العاصمة مسرحا لها... حقائق تجبرنا جميعا على التعرف عليها، فمضمون السيناريو مبيّن في العنوان «جنون الدايات و البايات».
* ماذا تقصد بالضبط بكلمة الجنون؟
     بعد وفاة الداي محمد عثمان الذي دامت فترة حكمه للجزائر العاصمة 20 سنة، و هي نفس المدة التي حكم فيها صالح باي بايلك قسنطينة، سجل تدهور  في أوضاع الحكم العثماني في الجزائر و حتى في تركيا، حيث لقبت وقتذاك الدولة العثمانية بـ «الرجل المريض»، و هو ما أدى بالبايات و الدايات الذين  تعاقبوا على الحكم بعد حسين داي و صالح باي إلى الجنون، ليستمر الوضع على حاله إلى غاية آخر داي في الجزائر و هو حسين داي...
لا أفكر في الربح بل تسليط الضوء على الحقائق التاريخية
*  نفهم من هذا أنك غصت في عالم الدسائس وخبايا تلك الفترة
      فعلا ، كلمة «الجنون» تؤكد في هذا السيناريو سلسلة المكائد و الدسائس فيما بين الدايات         و البايات، و هو ما يمكن الاصطلاح عليه في الوقت الراهن بالصراع على السلطة...
فحسب الوقائع التاريخية، فإن كل من حكم بعد الداي عثمان (1792)، مات إما شنقا أو بقطع الرأس، على غرار مصطفى باشا، الحاج محمد، علي الغسال، عمر آغا... و يبقى الداي علي خوجة يشكل الاستثناء، بحيث لم يقتل لا شنقا و لا بقطع الرأس، بل توفي بوباء الطاعون.
* كان هذا بالنسبة لدايات العاصمة، فماذا عن بايات بايلك قسنطينة؟
     نفس السيناريو عاشه بايات قسنطينة بعد وفاة صالح باي، و البداية كانت بالباي عثمان، و الذي أمر الدرقاوي بلحرش خلال معركة وادي الزهور (الميلية) بقطع رأسه، ليخلفه على رأس البايلك عبد الله باي، الأخير الذي لقي حتفه على يد الداي الحاج محمد، بعدها كان الدور على علي باي و شاوش باي اللذين تقاتلا من أجل الحكم، بعدها تم شنق حسين باي (نجل صالح باي)، في نفس المكان الذي تم تنفيذ الحكم فيه على أبيه (القصبة)، و هو نفس مصير بقية البايات تشاقر و أحمد طوبال ...

أنتظر قرار لجنة القراءة قبل الحديث عن ميزانية  العمل
كل هذه الاغتيالات تؤكد جنون الدايات و البايات وتمسكهم بالحكم، و تسلطهم الذي جعل نهايتهم كلها متشابهة.
* الآن و قد انتهيت من كتابة السيناريو، هل لنا أن نعرف متى سيتم تجسيده في فيلم تاريخي سينمائي؟
      كخطوة أولى و بعد الانتهاء من كتابة السيناريو، أعلم كل المهتمين و عشاق الفن السابع بالجزائر حصريا عبر جريدة النصر، بأنني سأعرض هذا السيناريو قريبا جدا على لجنة القراءة التي يرأسها المخرج الكبير محمد حازورلي.
* حسب رأيك، و من منطلق تجربتك الشخصية في مجال  الأفلام التاريخية   ما هي الميزانية التقريبية التي يجب رصدها لإنجاز  هكذا عمل ضخم؟
     والله و بكل صراحة هناك طريقة تعامل معروفة عندنا و منذ زمن طويل، و هي سياسة الكيل بمكيالين...
فمثلا فيلم البوغي كلفنا سنة 2014 ميزانية إجمالية قدرها 10 مليار سنتيم، و وقتها تناولت العديد من الصحف هذا الرقم بشيء من المبالغة، من خلال التأكيد على أن فيلم البوغي أخذ حصة الأسد، إلا أن الواقع و الحقيقة غير ذلك تماما، و ما عليهم سوى التحقق من ذلك بأنفسهم، لأنني كفنان أهتم أكثر بالجانب الفني و لا دخل لي في الأمور الأخرى.
الجدل المثار حول ميزانية « البوغي» مبالغ فيه
في فيلم البوغي شاركت ككاتب سيناريو، مستشار تاريخي، و حتى كممثل، و تواجدي ببلاطوهات التصوير كان طيلة مدة التصوير، حيث كان هناك احتكاك يومي مع المخرج علي عيساوي، و مسؤول دار الإنتاج (3 ف)،   بالنظر لأحداث السيناريو الذي تطرق للحملة الأولى على قسنطينة سنة (1836)، و الحملة الثانية سنة (1837)، بالإضافة إلى القصة الرومانسية. و هي الأحداث الموجودة كلها في فيلم أحمد باي، الفيلم الذي سيبث عن قريب و بإمكان الجميع أن يحكم بنفسه و يقدر تكلفة   «جنون الدايات و البايات»؟...
كورونا وراء توقف إنجاز مسرحية «دان خوان»
و مع ذلك عملت من خلال تجربتي و خبرتي المتواضعة في بلاتوهات التصوير، على أن لا تكون التكلفة كبيرة جدا، لأن هدفي من هذه الأعمال ليس الربح المالي، بقدر ما هو تسليط الضوء على الكثير من الحقائق التاريخية و الكشف عنها.
* بعيدا عن التاريخ و الأفلام و المسلسلات، ما هو جديد سعيد بولمرقة في المجال المسرحي؟.
     (يبتسم ثم يضحك مطولا).. كتبت مسرحية «دان خوان» و المأخوذة عن الكاتب الفرنسي موليير..
* متى كتبت هذه المسرحية و قد كنت منشغلا بكتابة سيناريو فيلم تاريخي كبير؟.
    

العمل السينمائي الأخير لا علاقة له بهذه المسرحية، كون هذه الأخيرة   كتبتها سنة 2010 (؟).. و كانت الزميلة الصحفية بالقناة الإذاعية الثالثة حياة قربوعة قد روجت لها عبر أمواج الأثير، ليتم قبولها من طرف إدارة المسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني بقسنطينة سنة 2019، حيث كان مدير مسرح قسنطينة قد وعدني بإنجازها خلال شهر مارس، لكن شاء القدر أن تكون جائحة كورونا لنا بالمرصاد، و مع ذلك طمأنني مدير المسرح بالشروع في إنجاز هذه المسرحية، بمجرد أخذ السلطات العليا للبلاد قرار رفع إجراءات الحجر الصحي...
* و هل هناك أعمال جديدة في الأفق؟.
     بالإضافة إلى الفيلم التاريخي السالف الذكر، و كذا مسرحية «دان خوان»، إليكم هذا الخبر الحصري..  أنا أعكف على تحضير مسلسل تاريخي ثوري، يروي قصص فدائيي قسنطينة، و هو المسلسل الذي قررت إنجازه بعد قراءات عديدة و متعددة عن كل فدائي شهيد، على غرار داودي سليمان المدعو حملاوي، عمار قيقاية، فضيلة سعدان، مريم بوعتورة...
أحضر لمسلسل يتناول حياة فدائيي قسنطينة
للإشارة فإن سيناريو هذا المسلسل، لن يتم التركيز فيه على الجانب الثوري فقط، بل حتى على الحياة الاجتماعية  لكل فدائي و فدائية.
 ح.ب

الرجوع إلى الأعلى