حملـة تنفـض الغبـار عن قبور بونية قرطاجية بجيجـل
قامت أول أمس، مديرية الثقافة بجيجل بالتنسيق  مع جمعية الوفاء  للابداع الثقافي   بحملة تنظيف للموقع الأثري الرابطة الذي يعود للفترة البونية القرطاجية «التواجد الفنيقي» ، ، وهي عملية كشفت عن مدى التدهور الذي لحق محيط الموقع وعن اعتداءات دفعت إلى رفع دعاوى قضائية.
عملية التنظيف تتطلب خصوصيات و دقة
العملية التطوعية انطلقت في حدود الساعة الخامسة مساء ، بالموقع الأثري بمدينة جيجل، و المطل على البحر بمنطقة الرابطة بالجهة الصخرية، أين قدمت بوذراع سميرة رئيسة مصلحة التراث الثقافي بمديرية الثقافة، مجموعة من الشروط الواجب احترامها خلال عملية التنظيف، كون عملية  تنظيف  موقع  سياحي تختلف عن  موقع الأثري، قائلة « فالتنظيف في الموقع الأثري يتطلب الدقة و الحذر والعمل  بطريقة أفقية، لإزالة الأوساخ و الأتربة الظاهرة، و للقيام بعملية تنظيف واسعة لابد من أن تراسل وزارة الثقافة، و تعين فريق حفريات مختص،  مع  تكوين الملف الأثري،  ثم  تقدم رخصة للفريق قبل القيام   بعمليات حفر معمقة مع استخلاص بقاع الأرض».
 و قد أشارت مديرة الثقافة، بأنه يتوجب على المشاركين فهم طبيعة عملية التنظيف، و الغاية منها و التي يراد بها تنظيف المحيط من بقايا الأوساخ الظاهرة للعلن، و كذا المساهمة في غرس ثقافة     الحفاظ على المواقع الأثرية، كما أن العملية تساهم في التعريف أكثر بالموقع، خصوصا لدى فئة الشباب، مضيفة بأن المبادرة  تزامنت مع موسم الاصطياف و سيتم جعل الموقع في حالة رفع الحجر الصحي و زوال حدة فيروس كورونا، كوجهة سياحية لزوار الولاية،  حيث تم التدخل بالتنسيق مع جمعية الوفاء الوطنية للإبداع الثقافي و بمشاركة العديد من النشطاء في المجتمع المدني، فيما ثمن  هشام زيغاوي رئيس الجمعية،   حضور مواطنين في العملية التطوعية، خصوصا فئة المثقفين و الفنانين  ، مشيرا،  إلى وضع    مع قطاع الثقافة للقيام بحملات مماثلة تشمل مواقع  أثرية أخرى.
و قد توزع المشاركون بعد تقديم الشروحات عبر القبور الموجودة، وشرعوا في عملية التنظيف وفق التعليمات المقدمة، و الملاحظ  هو الانتشار الكبير للأوساخ   و الفضلات المنتشرة داخل القبور،  خاصة بقايا الطعام التي   غزت المكان، فقد استغرب حاضرون من سلوكات غير مسؤولة أفسدت جمال المكان الأثري المطل على البحر،.
  و قد استمرت عملية التنظيف ما يقارب الساعة من الزمن، بحيث تم جمع كمية من الأتربة، بقايا الطعام و الفضلات ووضعها في أكياس، ليكتسي الفضاء حلة جميلة، وقد طالب بعض الشباب الحاضرين بضرورة الإسراع في تسييج الموقع الأثري لحمايته، مشيرين، بأنه   شهد تنظيم العديد من حملات التنظيف و التي كانت في المستوى، لكن  الوضع يتطلب في الوقت الراهن من وزارة الثقافة تخصيص غلاف مالي معتبر، لتسييج الموقع الأثري لحمايته أكثر، و القيام بحفريات، بإظهار الجانب المدفون منه الموقع، مشيرين، بأنه في حالة تجسيده، ستصبح له أهمية كبيرة و يعتبر شاهدا على التواجد الفنيقي بالمدينة، و يصبح مقصدا للزوار.
 قبور وأثاث جنائزي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد
و يعود إنشاء الموقع الأثري الرابطة، حسب الأستاذة سميرة بوذراع رئيسة مصلحة التراث الثقافي بمديرة الثقافة، إلى الفترة البونية القرطاجية في الجزائر القديمة، و تحديدا بين القرن السادس إلى غاية القرن الثالث قبل الميلاد، و هو عبارة عن بقايا من القبور المنحوتة في الصخر و تم نحتها من أجل دفن و استقبال الموتى، تتكون من نوعين، بسيطة أو مركبة، و استخدمت لدفن الموتى، و الأثاث الجنائزي المتواجد داخل القبر، يوضح المستوى المعيشي للإنسان في تلك الفترة، و من خلال طريقة الدفن يتم معرفة الحياة الدينية للمجتمعات القديمة.
و يعتبر الرابطة وفق المتحدثة من أنذر المواقع في العالم، خلال الحروب البونية، قام الرومان بتدمير جميع المواقع التي كانت تحت حكم قرطاج، و جعلها مناطق ملعونة و لم تسكن لقرون، وتم  البناء فوق المدن القرطاجية، و قد كانت المدن قليلة، فقد تأسست مدينة إيجلجلي عبر البحر الأبيض المتوسط، وكانت بداية اكتشاف الموقع الأثري عندما قام الخبيران ألكي و زوجته بحفريات سنة 1937 م،  حيث وجدا ما يفوق ثلاثة آلاف قبر ، حينها كان الموقع كبيرا للغاية، وقد أدى  زلزال   ضرب جيجل عام  1856 م،  لانهيار القبور و غمرتها المياه، كما  انهارت  الواجهة و دفنت في البحر، بالإضافة إلى أن الموقع تعرض للتخريب بعد الاستقلال من خلال الغزو البشري للمنطقة، ما  أدى لتدمير بعض القبور، وتشير الأستاذة سميرة بوذراع بأن معالم الموقع غير واضحة، فالمنطقة الحالية المتبقية تتضمن ما يقارب 20 قبرا،    و وحده المختص الأثري من  يستطيع تحديد معالم القبور.
و تشير بعض المقالات و الأبحاث، بأن المقبرة شاهد على التواجد الفينيقي في جيجل والتي برزت بشكل كبير في القرن ال19 من خلال الأبحاث الأثرية التي قام بها الملازم "دي فور" سنة 1885، أين ذكرت  المؤرخة "سوزيت غرانجيه" في هذا الصدد "لم يهتم الملازم دي فور بعد انتهائه من البحث بنشر أي شيء عن نتائج أبحاثه، أما البقايا التي عثر عليها في الدهاليز والسراديب الجنائزية، فلا تتعدى بعض الخوابي و القلال وأواني الفخار وبعض الأشياء التي نقلت إلى فرنسا، وهي من غير أهمية مقارنة بالمسكوكات أو النقوش وشواهد القبور التي كان من الممكن أن تؤرّخ بدقة متناهية لتاريخ جيجل إبّان الاستيطان الفينيقي".
 أما الدكتور محمد الصغير غانم، أستاذ التاريخ القديم بجامعة قسنطينة، فقد ركز على أهمية الأبحاث والاكتشافات الميدانية التي قام بها عالم الآثار الفرنسي "ألكي"في الرابطة سنة 1928، حيث عثر عمال مجموعة "مونديت إفريقيا للفلين" عن طريق الصدفة على قبور دهليزية وسراديب منحوتة في الصخر وفي حالة جيدة، وقد أعيد الحفر مجددا في المقبرتين سنة 1935، ولعلّها آخر مرة شهدت فيها الرابطة عمليات التنقيب عن الآثار بطريقة منظمة عدا بعض الأبحاث الأكاديمية المحضة والقليلة لطلبة معهد الآثار.
و قد تعرض الموقع في الوقت الراهن لاعتداء من قبل أشخاص قاموا بتسييج جزء من الموقع المتبقي، أين قامت مصالح مديرية الثقافة برفع دعوى قضائية ضد المعنيين، وإبلاغ مصالح البلدية من أجل التدخل و منع الاعتداءات الحاصلة و إزالة السياج الذي وضعه أحد المواطنين، و ذكر القائمون على القطاع بأن القطعة الأرضية المسيجة تدخل ضمن الموقع الأثري، و ينتظر أن تفصل السلطات القضائية في القضايا المرفوعة من قبل مصالح الثقافة و المتعلقة بالإعتداء على المواقع الأثرية.                كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى