تكشف الدكتورة الشابة سوسن شدادي الأستاذة بجامعة كنساس بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيسة مؤسسة «تعليم بدون حدود»، عن مشاريعها المتعلقة بتصدير الثقافة الجزائرية للعالم بالنظر لما تتمتع به من زخم، كما تتحدث ابنة قسنطينة عن واقع البحث العلمي ببلادنا وتبرز رأيها في ظاهرة السرقة العلمية والمشاكل التي يصادفها الطلبة في إعداد رسائل التخرج، لتتطرق أيضا إلى خصوصية تجربة الدراسة في أمريكا ولمواضيع أخرى تطالعونها في هذا الحوار الذي أجرته معها النصر.
حاورتها: ياسمين بوالجدري
درستِ اللغة الإنجليزية والتسويق بجامعة قسنطينة، لماذا قررت الجمع بين هذين التخصصين؟
بكل بساطة لأن الانجليزية هي لغة العلم التي تعتبر المفتاح في العالم بأسره للتواصل مع العالم، و تعلم هذه اللغة سهل علي التواصل في الجامعات و البلدان التي واصلت فيها تعليمي. أما التسويق فهو تخصص يتناسب مع اللغة و في الحقيقة أحب التعامل مع الناس في إطار مهني و معرفة كيفية استعمال المنتجات في العالم و التطوير في مختلف القطاعات. التسويق مهنة عالمية تقبل التطوير بكل سهولة.
فتحت لك منحة “فولبرايت” الباب أمام الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية. أخبرينا كيف بدأت هذه المغامرة
كنت قد بدأت العمل على تحقيق حلمي بالدراسة في واحدة من أرقى الجامعات في العالم في انجلترا و هي أوكسفورد. وقبل ذلك كنت قد بدأت التحضيرات الإدارية لمنحة «فولبرايت» لكن لم لكن أعرف أنني سأختار عراقتها و تنافسيتها.
هكذا تأقلمت مع الدراسة في أمريكا
التحضير كان عبر امتحانات لغوية أو امتحانات تطبيقية كالرياضيات و الاحصاء، وقد قبلت في الاختبار الأولي و سعدت كثيرا لذلك. بعدها كان يجب اختيار الجامعات التي سأتابع فيها الدراسات العليا فقُبلت في جامعة كنساس لتحضير الماستر و لم أكن حينها أعرف شيئا عن الولايات المتحدة  الأمريكية و لا عن هذه الجامعة.
هل وجدت في البداية صعوبات في التأقلم مع الدراسة في أمريكا وكيف واجهتها؟
في الحقيقة كان التأقلم صعبا بعض الشيء لكن مع مساعدة الطلبة الأجانب مثلي أصبح الأمر أسهل و بدأ اكتشاف الجامعة الأمريكية. كانت الدروس مكثفة أين كنت أقضي وقتي بين القسم و المكتبة، إلى أن أكملت الماستر في الدراسات الأمريكية ثم تلقيت اقتراحا لمواصلة البحث في إطار منحة أخرى للدكتوراه في نفس التخصص. كنت أستمتع بالدراسة بجامعة كنساس فكل المرافق كانت تساعد الطالب على النجاح من خلال إعطاء تسهيلات للدراسة أو البحث.
المكتبة كانت تبهرني بكل المصادر المفتوحة و التجهيزات كما كانت مفتوحة للطالب و الأستاذ، والجامعة كانت بدون أبواب أو حارس وهذا ما أدهشني في بادئ الامر لأنها مختلفة عن جامعات الجزائر. أحسست أن الطالب و الأستاذ هما مركز اهتمام الاداريين في الجامعة بالدرجة الأولى.
الطالب الجزائري لا يتعلم كتابة مقال أو أطروحة
التأقلم كان صعبا لأن النظام هناك مختلف عن الجزائر أو حتى انجلترا لكن الطلبة الأجانب و فريق «فولبرايت» سهلوا كل شيء. بالرغم من أنني كنت أتكلم الانجليزية بكل طلاقة، إلا أنه كان صعبا علي فهم بعض العبارات المتعلقة بثقافة أمريكا التي كانت مختلفة كذلك. كان واجبا علي معرفة بعض الأشياء التي تعلمتها بعد ذلك، فبدأت حياتي كطالبة بالجامعة تصبح أكثر متعة و لم أحس بالوقت إطلاقا.
بالإضافة إلى تخصصك في الدراسات الأمريكية، أنت مهتمة بالبحث في التعايش بين الثقافات. هل ترين أن المجتمع الأمريكي بلغ فعلا مرحلة التعايش مع ما نراه اليوم من مظاهرات ضد ما يعرف بالعنصرية ضد السود؟
المجتمع الامريكي كان ولا يزال يحاول اجتياز هذه المرحلة من تاريخه. الأمر ليس سهلا.  التاريخ جعل بعض الطبقات غير قادرة على نسيان ما حدث في السابق.
العنصرية النظامية أو البنيوية  متجذرة بعمق في النظام الأمريكي بشكل عام، وأظن أن التغيير يمكن أن يبدأ عبر حراك السود المسمى black lives matter ولكن لا يزال هناك طريق طويل من أجل المساواة في المجتمع، المؤسسات و خاصة العقليات.
تركزين عبر المحاضرات التي تقدمينها عن بعد، على تلقين الطلبة مهارات البحث العلمي، ما هي أكثـر الأسئلة التي ترِدك منهم؟
الكثير من الطلبة يسألون عن كيفية نشر المقالات و المساهمة في البحث العلمي سواء كانت التخصصات تقنية، علمية أو دبية. الطلبة الجزائريون لم يتعلموا في الجامعة كيفية كتابة مقال أو حتى أطروحات نهاية الشهادات الماجستير أو الدكتوراه. هذه الأشياء يجب إدراجها في المقررات الجامعية حتى تصبح الأمور واضحة، ولو حدث هذا الأمر سنرى كيف سيستطيع الطلبة إحداث ثورة في النشر و المساهمة البحثية.
العالم العلمي أصبح يكتب و يقرأ بالانجليزية
تردني أسئلة أخرى عن اختيار مواضيع البحث أين نجد الكثير من الطلبة ينتظرون أساتذتهم من أجل إعطاء موضوع البحث وهذا يكسر الإلهام و الإبداع البحثي الذي يجب أن يكون من الطالب الذي يرى مشاكل يمكن حلها عبر البحث، بينما يكون الأستاذ مساعدا فقط في التوجيه و تسهيل بعض الأمور البحثية.
قلتِ في إحدى المحاضرات أن لا شيء يبرر السرقة العلمية وحذرت من هذه الظاهرة. برأيك لماذا ما زلنا نرى طلبة دراسات عليا يرتكبون هذا الخطأ؟
السرقة البحثية مشكل في كل الجامعات في العالم لذلك توجد وسائل للتحري في كل الجامعات المحترمة، أين تتم توعية الطالب قبل إقصائه، أما في الجامعات الجزائرية لا يقوم الأستاذ بشرح هذه الأشياء لأنه منشغل بمادته أو تخصصه، كما أن كثرة الطلاب عامل آخر إذ تنقص الجودة في تأطير الطالب لأن الأساتذة المؤطرين يتلقون كثيرا من الطلبة في آن واحد.
يستغرق العديد من طلبة الدكتوراه في الجزائر وقتا طويلا في مناقشة الرسائل، قد يصل إلى 5 سنوات، وهو أمر يرجعه الطلبة عادة لعدم إمكانية النشر في مجلات محكمة والانشغال بالتدريس وأحيانا أخرى بالسعي إلى تقديم مذكرة متكاملة وأكثـر جودة أو بنقص المراجع. ما رأيك في هذا الأمر وما هي النصائح التي توجهينها لهؤلاء الباحثين؟
هذا المشكل مسجل في الكثير من الجامعات وحتى في الدول المتقدمة. فالبحث العلمي عبارة عن بيئة تقنية أين تلتقي عوامل كثيرة لإنجاحه، وهي الفكرة و الطالب الباحث مع الأستاذ المؤطر و مركز البحث الذي يوفر هذا الإطار، و إذا نقص عامل من هذه العوامل سيصعب إعطاء نتائج سواء تقنية تكنولوجية أو حتى في مجالات أخرى.
المستقبل سيكون للتعليم الهجين
صعوبة الوصول إلى نتائج يعطل النشر و إعطاء مصداقية مشروع البحث الذي يكلل عادة بالشهادة مثل الدكتوراه على مستوى عالمي عبر محاضرات و مجلات بحث عالمية. أعرف الكثير من مخابر بحث بسيطة نشرت أشياء غاية في الدقة و الأهمية لأنها تتوفر كل عوامل مشروع البحث الناجح. 
اتجهت الجزائر في الآونة الأخيرة إلى تعميم التدريس بالإنجليزية بل وحتى تقديم الأطروحات بهذه اللغة. ما قراءتك لهذا القرار وكيف يمكن أن يساهم في تطوير البحث العلمي بالجزائر؟
كما سبق و قلت، الانجليزية هي لغة العلم و الاستعانة بالانترنت تصبح أكثر جدية عند البحث عن المراجع بالانجليزية. إذا أردنا مقارنة بحث جامعاتنا أو حتى اختيارنا في مسابقات تصنيف الجامعات، يجب أن تكون المواقع الالكترونية لهذه الجامعات باللغة الانجليزية. العالم العلمي يكتب و يقرأ بالانجليزية.
أرى أنه من الذكاء أن نكثف استخدام الانجليزية لأننا خسرنا الكثير من الوقت،  لكن تعلم أي لغة أخرى هو كنز، فأنا أتكلم الفرنسية التي هي مكسب زائد و لغة تواصل يجب احترامها وعدم ربطها بعامل التاريخ. في ما يخص البحث العلمي أرى البحوث المكتوبة بالانجليزية تعرض في العالم بأسره لكن استعمال لغة أخرى سيكون متخصصا و لا يرقى للعالمية أبدا.

برأيك، ما الذي يحتاج إليه البحث العلمي في بلادنا؟
إذا أردنا إحداث قفزة نوعية في البحث العلمي، يجب إعادة الاعتبار للطالب والأستاذ. هذان العاملان اللذان يساهمان في إعطاء نتائج مميزة في معادلة البحث العلمي. يجب كذلك ربط الجامعة بالمؤسسات وبداية ما يسمى بالبحث العلمي التطبيقي المؤسساتي. المؤسسة تظهر حاجتها البحثية من أجل منتوج و المخبر في الجامعة يطور المنتوج و في الأخير ننتج ما نسميه 100% منتوج بحثي جزائري من بيئة جزائرية، كما أن كل الأطراف تكون رابحة.
زوجي ساعدني والعائلة أهم شيء بالنسبة لي
فرضت أزمة كورونا التعليم و الإعداد للبحوث عن بعد وتم فتح مئات المصادر مجانا عبر الأنترنت. ما الذي سيتغير في البحث العلمي الكلاسيكي في عالم ما بعد الجائحة؟
الكثير من المهن و الكثير من المناصب ستتم مراجعتها لأن أهميتها سقطت خلال هذه المرحلة. التعليم عن بعد لم و لن يحل محل التعليم الكلاسيكي، لكن سيكون في المستقبل ما يسمى بالتعليم الهجين أو استعمال الاثنين في ميادين وتخصصات معينة و أطر أخرى.
البنية التحتية يجب أن تكون كذلك في المستوى، وأتكلم هنا عن برمجيات التعليم عن بعد وكيفية التأقلم وكذلك سبل التواصل كالانترنت التي يجب أن تكون عالية التدفق لإنجاح العملية التعليمية.
أسست منصة أسميتها «تعليم بلا حدود»، من أين أتت هذه الفكرة وما الهدف منها؟
الفكرة جاءت من ثقافة السيليكون فالي في جودة التعليم و تعليم ما هو أساسي للطالب حتى يكون جاهزا لسوق العمل في أكبر المؤسسات و في كل التخصصات. قمت بدراسة ميدانية و اخترت بعض التخصصات التي يجب أن تكون تطبيقية وتسمح للطالب أو حتى المهني بالحصول على عمل في بيئة تنافسية مثل سيليكون فالي بصورة سريعة و بمهارات تقنية كبيرة من قيادة، تواصل، برمجة وتكنولوجيات متقدمة مثل استعمال الذكاء الاصطناعي التطبيقي الذي يعتبر من أهم مهن المستقبل.
خلال المخيم الافتراضي الأخير الذي شاركت فيه تحت عنوان «قصص نساء جزائريات ناجحات»، تلقيت العديد من الأسئلة من طرف أشخاص أرادوا أن يعرفوا كيف يمكن للمرأة أن توازن بين النجاح المهني وأسرتها. بحكم تجربتك وأنت زوجة و أم، كيف يمكن للمرأة تحقيق هذه المعادلة؟
أظن أن هذا ينطبق على الزوج و الزوجة. بكل صراحة السر هو في تنظيم الأولويات، لأن الحياة كلها ضروريات لكن يجب أخذ الأشياء المهمة جدا والمتعلقة بالعائلة و الأطفال و إعطاؤها وقتها. العائلة هي أهم شيء و بعد ذلك يأتي الباقي. زوجي يساعدني كثيرا و العائلة الكبيرة كذلك، كما اغتنم كل الوقت و لا أضيعه في أشياء لا تساعدني و ليست لها أهمية. بالطبع يجب اعتبار الراحة من أهم الأوقات في اليوم كذلك.
العنصرية البنيوية متجذرة في عمق النظام الأمريكي
ما هي مشاريعك المستقبلية؟
الكثير ومن بينها كما تفضلتم المنصة الافتراضية “تعليم بلا حدود” التي يمكن أن تكون الأولى من نوعها في الجزائر حيث سأقوم بتكييفها مع الثقافة و الواقع التعليمي في الجزائر. لدي مشاريع أخرى بحثية في مجال تخصصيي وهو الدراسات الامريكية و كيفية ربطها بأشياء موجودة الجزائر، أفريقيا والعالم العربي كذلك.
أسعى كذلك إلى أن تكون هناك دراسات جزائرية للتعريف بالثقافة الجزائرية في مخابر البحث و المحاضرات العالمية. هناك مشاريع أخرى في ما يخص التنوع واحترام الآخرين سواء في الرأي أو الاختلافات في الجزائر وكيفية التحاور بين فئات وطوائف الشعب الواحد الذي يجب أخذه من زاوية التنوع و الثراء الثقافي في الفرد الجزائري الذي يعتبر فريدا من نوعه مقارنة بما هو موجود في الكثير من الدول في العالم.
للجزائر بصراحة، زخم ثقافي رائع وكبير يجب تصديره للعالم و جعله سفير الجزائر الثقافي.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى