عُدت من  إيطاليا بعد 30 عاما للمساهمة  في إنشاء صناعة سينمائية حقيقية
* طلبُ العلم وتعطُّشي للثقافة العالمية دفعاني للهجرة
سافر إلى إيطاليا للدراسة، فعاد إلى وطنه بعد غياب 30 سنة، محملا  برصيد علمي، و آخر فني و ثقافي، صقله بعديد التجارب التي خاضها مع كبار الممثلين و المخرجين الإيطاليين و الأجانب، من خلال أعمال سينمائية ضخمة،  منها فيلم «ماركيز» ، لكن بلوغه أعلى رتب النجاح و نيله جوائز كبيرة، لم ينسه وطنه الأم الذي غادره في العشرية السوداء، ليس هروبا، و إنما تطلعا لغد أفضل للجزائر، إنه  المخرج السينمائي و الفنان التشكيلي دليل بلخودير الذي ترك بصمته في الخارج، و يريد أن يتفنن في وضعها في بلده، من خلال مشاريعه التي انطلق في تجسيد بعضها، كتأسيس مهرجان دولي و نادي لصناعة السينما، و عقد اتفاقيات مع أجانب في هذا الإطار، كما يطمح للقيام بأعمال كشف عنها في حواره مع  النصر.
حاورته: أسماء بوقرن
* هاجرت إلى إيطاليا خلال العشرية السوداء، و أنت في الـ 19 من عمرك، هل هربت من الوضع أم لأسباب أخرى؟  
ـ لا، لم أهاجر من بلدي بسبب العشرية السوداء، و إنما طلبا للعلم، لقد سافرت إلى إيطاليا سنة 1989، ثم عدت للإقامة بها سنة 1990 ، بعد أن  نلت شهادة البكالوريا ببلدي لأواصل دراستي هناك، فاخترت تخصص علوم الأرض.
 كما أن تعطشي للثقافة العالمية كان من الدوافع التي جعلتني أهاجر، كنت أطمح للبحث في مجال المقارنة بين الثقافات، مع إعطاء ثقافتنا حقها،  و هذا ما لم أتمكن من القيام به في بلدي، فاكتشفت قيمة ثقافتنا الحقيقية من وراء البحر الأبيض المتوسط، و كان ولعي بالفن التشكيلي، أحد الحوافز لأحول موهبتي إلى فن أحترفه، من خلال التكوين و تعلم تقنيات الرسم و النحت.
اسمي ضمن قائمة الفنانين الإيطاليين المعاصرين
* هل واجهت صعوبات في البداية في التأقلم مع الوسط الإيطالي، خاصة و أنك كنت صغيرا في السن ؟
ـ لم أجد صعوبة كانت لدي إرادة كبيرة لتحقيق الأفضل، في  البداية سجلت نفسي في الجامعة، و درست اللغة الإيطالية لكونها لغة الفن و الفنانين، و أنا كنت حريصا على التكوين في مجال الفن التشكيلي، فسجلت نفسي في مدرسة الفنون الجميلة بروما، و درست تخصص النحت و الفسيفساء، كما تكونت في معهد فني، و دون اسمي ضمن قائمة الفنانين الإيطاليين المعاصرين.  
*  تدوين اسمك ضمن قائمة الفنانين الإيطاليين المعاصرين، يدل على ما قدمته من أعمال ناجحة أليس كذلك؟
ـ نعم، شاركت في عدة معارض فنية فردية و جماعية، احتضن بعضها قصر المعارض بروما، و كانت أول مشاركة لي سنة 1991 في معرض «فاكس أرت»،  كما شاركت أيضا في مهرجان الثقافة العربية في باريس في 1994،  و معرض في متحف بصربينيا سنة 1995، كما نظمت في نفس السنة معرضا في روما، و عرضت أيضا أعمالي في فضاء «بودوني» بروما في معرض خاص اسمه «أفريكا».
نلت الجائزة الأولى في مهرجان شارك فيه 40 فنانا أجنبيا بصقلية
* هل تمكنت من تحقيق التميز و نيل جوائز؟
ـ حصلت على عدة جوائز في روما و ميلانو و فرنسا، إحداها خلال مشاركتي في مهرجان  «فومارا دارتي» بجزيرة صقيلية، الذي تنافس فيه 40 فنانا من مختلف دول العالم، كانت تجربة مميزة، لأن الأعمال كانت تنجز بعين المكان، و تشرف لجنة عالمية على عملية التقييم، فنلت الجائزة الأولى، و قد طُلب مني حينها  أن أشرف على الديكور الداخلي لغرفة فندق فني بالجزيرة ، يطل على البحر،  و هذا الفندق عبارة عن إقامة فنية مجانية، يقصدها الفنانون بعد الحصول على الموافقة لتحضير أعمالهم. و نالت آنذاك أعمالي رواجا كبيرا و تلقيت دعوة إلى عديد البرامج في التلفزيونات الإيطالية و الألمانية و الفرنسية.
* هل كنت تركز في الأعمال التي تقدمها على إبراز ثقافة بلدك و صورته الحقيقية التي شوهتها تداعيات العشرية السوداء؟
ـ بكل تأكيد، لقد استغليت إقامتي في الخارج في ذاك الظرف العصيب، من أجل إبراز جمال بلدي و طيبة شعبه ، و التأكيد على أن حياة الجزائريين ليست دما و قتلا كما يروج لها.
كما كنت حريصا على إثبات أن التعصب الديني ليس نابعا من جذورنا و ثقافتنا، و كلما كانت تتاح لي الفرصة، أتحدث عن إيجابيات بلدي و ما يزخر به من مقومات سياحة و جذور تاريخية.
*  لم تستغل هجرتك إلى إيطاليا في التكوين العلمي و احتراف الفن التشكيلي فقط، بل أنك دخلت عالم السينما أيضا، كيف كان ذلك؟  
ـ دخلت بوابة التمثيل السينمائي بعد أن  تعرفت على مخرجة إيطالية تملك دار إنتاج، و طرحت عليها فكرة فيلم قصير حول حياة مهاجر، فرحبت بها، و نجح الفيلم و شاركنا به في عديد المهرجانات، بعد ذلك شاركت في أفلام كثيرة، أذكر منها فيلم «ماركيز» سنة 1996،  و هو إنتاج فرنسي إيطالي إسباني مشترك، و شاركت إلى جانب ممثلين معروفين، و كان إنتاجا كبيرا جدا، و لم أكتف بالمشاركة كممثل، و إنما عملت إلى جانب جنود الخفاء للإلمام بمختلف فنون صناعة السينما.
المبادرات الثقافية يجب أن تنبع من الفنانين
*  تمكنت من تحقيق نجاحات و فرضت وجودك في الخارج، ثم قررت العودة إلى الجزائر، كيف وجدت الساحة الفنية الثقافية هنا؟
ـ عدت إلى وطني منذ نحو أربع سنوات، و أنا في الـ 49 من عمري، فوجدت الساحة الثقافية الفنية  قاحلة، بالرغم من الإمكانيات الموجودة، كأنها أرض خصبة مهملة، فالجزائر بمثابة سيارة تسير  بسرعة 380 كلم في الساعة، لكنها تستعمل سرعة 10 كلم في الساعة. نحن نملك مواهب شابة، و الدليل أن فنانين من أصول جزائرية هم الآن نجوم في السينما الأجنبية.
*  ماذا تقترح لإنعاش الساحة الفنية ؟
ـ النهوض بالقطاع الثقافي الفني يتطلب  أن نغير استراتيجية العمل،  لتصبح المبادرات الفنية الثقافية تنبع من رحم الفنانين، مع ضرورة التخلي في ميدان الثقافة عن العمل بالقرارات الفوقية، لأن بلدنا بحجم قارة و كل ولاية لها خصوصيتها، و هذا ما طرحته خلال لقائي بوزيرة الثقافة مؤخرا، مع التأكيد على أن دور الوزارة المرافقة، و ليس فرض رؤى على الفنانين. و يجب أن يدرك الجميع أن الإنتاج السينمائي محفز اقتصادي و ثقافي و سياحي، سيجعلنا نستقطب ملايين السياح.
سجلنا مليونا و نصف مليون زيارة لموقع المهرجان شهريا
*  بعد عودتك أسست مهرجان البوابة الرقمية الدولي للفيلم القصير، حدثنا عن ذلك..
ـ نعم، قررت مباشرة العمل لإعطاء دفع للساحة الثقافية و بعث صناعة السينما في الجزائر، فأسست مهرجان البوابة الدولي للفيلم القصير، و يهدف إلى تكوين مخرجين شباب و تنظيم ورشات افتراضية يشرف عليها مخرجون عرب و أجانب، لتلقين كل أبجديات  صناعة الأفلام و تعليم كل مراحل تجسيدها، كما نقدم فقرة كل أسبوع تسمى «رحالة»، تعرض خلالها فكرة معمقة بالصور و الفيديوهات حول المعالم و الآثار و الشخصيات التاريخية، و كذا إبراز كل ما هو مادي و غير مادي.
و قد سجلنا 250 ألف زيارة للموقع شهريا، و  بلغت في بعض الأحيان مليون و نصف مليون زيارة، و أشير إلى أن دورات المهرجان تنظم كل شهر، و قمنا بـ 11 دورة لحد اليوم،  و قد وصلتنا في دورة سبتمبر الجاري 6 أفلام من إسبانيا ، مع مشاركة جزائري مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية.
أشير إلى أن للمهرجان لجان دولية مختصة دائمة، تنتقي  الأعمال، و هي من العراق و إيران و السودان و مصر و فرنسا و إيطاليا و إسبانيا، و نصبت الإعلامية وسيلة فيلالي سفيرة دائمة للمهرجان في الكويت، بالإضافة إلى سفراء دائمين في إيطاليا و إسبانيا، كما تقدمت بطلب إلى هيئة مهرجان البندقية الدولي للسينما في طبعته 77، لتخصيص مراسل هناك، و حصلت على  الموافقة في ظرف وجيز، باعتباري أحمل الجنسية الإيطالية و الجنسية الجزائرية، كما عقدت اتفاقيات مع أجانب من أجل إقامة دورات تكوينية في المهن السينمائية.

عقدت توأمة مع مهرجان دولي لتكوين الشباب في صربيا
* حدثنا عن عقود الشراكة التي أبرمتها و كيف سيتم تجسيدها على أرض الواقع؟
ـ عقدت شراكة مع مهرجان دولي بصربيا اسمه «الحياة ما بعد البترول»، و سيتم في نهاية الحجر الصحي، تنظيم ورشات تعليمية تكوينية للشباب الجزائري بصربيا في المهن السينمائية، و سيقومون في نهاية التكوين بإعداد أفلام،  من أجل التمكن من تطوير عالم السينما في الجزائر، التي يعد تاريخها مادة خصبة للإنتاج السينمائي، وكذا للتعريف أيضا بثقافتنا و موروثنا،  سيكون المهرجان  جامعا و شاملا للفنون يشمل السينما و تنظيم بالموازاة مع ذلك محاضرات أدبية يحضرها مثقفون، للتحدث عن السينما في الأدب و الأدب في السينما، و ذلك خلال شهر أفريل2021 .
و في إطار النادي الثقافي الذي أسسته في عنابة للصناعة السينمائية ، و الذي أسعى لتحويله إلى جمعية،  أنا بصدد التحضير لتنظيم بعثات إلى الخارج للشباب الذين يخضعون للتكوين في النادي في مجال فنون السينما و صناعة الفيلم بمختلف التقنيات، و عددهم 100 شاب و شابة، حيث أبرمت اتفاقيات في إطار التبادل الثقافي و توسيع الرؤى، مع جمعيات ببلجيكا و إيطاليا و هولندا تهتم بالشأن السينمائي.
أنتجت أول فيلم إيكولوجي مصور بالطاقة الشمسية في الجزائر
*  أنتجت أول فيلم سينمائي قصير بعنوان «الرجوع»، حدثنا عنه..
ـ أنتجت أول فيلم إيكولوجي في الجزائر مصور باستعمال الطاقة الشمسية، بعنوان « الرجوع»، و ذلك  في إطار النادي الثقافي الذي أسسته بعنابة نهاية 2018،  و بالموازاة مع تصوير الفيلم، قمت بحملات تنظيف لأماكن التصوير و إعادة الاعتبار لها بطلاء الفضاء و زرع النباتات، من خلال استدعاء شباب لحضور تصوير العمل، من أجل تحفيزهم على  المساهمة في العملية، و أتيحت الفرصة للبعض منهم، للتمثيل في أحد مشاهد الفيلم.  
 كما قمت بالموازاة مع عملية التصوير، بتنظيف شاطئ في سيدي سالم بعنابة كان في حالة مزرية ، و هو الشاطئ الذي تنطلق منه قوراب الموت، و قد أطلقنا عليه في الفيلم «شاطئ العروس»، لأنه تم التصوير به مشهد الفتاة التي تفقد خطيبها و زوجها المستقبلي في عرض البحر، فتنتحر هناك، و هي ترتدي فستان الزفاف، عندما تعلم بالفاجعة، و يعد هذا المشهد من أنجح و أجمل المشاهد في العمل.
نلت الجائزة الأولى بأول فيلم أنتجته العودة
ـ أنوه بمشاركتي في إطار فردي خاص في سبتمبر 2019، في الملتقى الدولي الأول للفيلم الوثائقي بغليزان، الذي يشترط إنتاج فيلم في مدة لا تتعدى 60 ساعة، و موضوعه «وعدة سيدي محمد بن عودة» ، فأنتجت فيلم وثائقي قصير  عنوانه «حجر الباز» ، و نلت به الجائزة الأولى، و كان هناك مشاركون من مختلف الدول، كتونس و مصر و اليمن .
تجسيد مهرجان البوابة في أفريل 2021
* ماذا عن مشاريعك المستقبلية ؟
ـ من بين مشاريعي ، تجسيد مهرجان البوابة الافتراضي على أرض الواقع، في أفريل 2021 و ذلك في ولاية عنابة ، هذا ما وعدتني به وزيرة الثقافة خلال لقائي بها،  و سيقام بشكل سنوي، و سيكون جامعا لكل  الفنون.
أحضر أيضا لتنظيم ملتقى «خمسة» بتونس ، و هو عبارة عن مبادرة جزائرية على أرض تونسية ، ينتقل خلالها  شباب من الجزائر إلى تونس، لحضور ورشات تعليمية و تصوير عمل خلال 5 دقائق بالطاقة الشمسية.
هناك مشروع آخر مع أجانب، لإطلاق قناة ثقافية على الويب، متخصصة في النشاطات الثقافية في كل الولايات، و سيتم توظيف مراسلين بكل ولاية، كما سيتم إضافة برنامج عيون لمهرجان البوابة الافتراضي،  يشرف القائمون عليه على تصوير نشاطات ثقافية، لتسليط الضوء على المشهد الثقافي في كل منطقة.
كما أطمح لتنظيم مهرجان في الهواء الطلق بالصحراء، لتقديم عروض أفلام في الجنوب، مع استضافة مخرجين من الخارج.
*  ما هي الرسالة التي توجهها للشباب الذي ينوون الهجرة و يرون بأن نجاحهم مرهون بقوارب الموت؟
ـ فكرة الشباب عن الهجرة خاطئة، فهم يعتقدون أن البلدان الأوروبية و الأجنبية عموما جنة ، و كل شيء يقدم بها على طبق من فضة، حقيقة بها أشياء جميلة و إيجابية و تتيح الفرصة لكل من لديه إرادة حقيقية و أهداف مسطرة لتحقيق أحلامه، لكنني  أؤكد أن في بلادنا نستطيع أن نبني ما لايمكن بناؤه في أوروبا، شبابنا بحاجة فقط إلى التوجيه الصحيح .                         أ ب



الرجوع إلى الأعلى