يتحسّر البعض على ملتقيات زمان الأدبية، فيشدّهم الحنين إليها، على اعتبار أنها محرّضة على الإبداع، و محفّزة على التأليف و الكتابة، و الحضور الجماهيري، و يلقون اللوم على منظمي بعض المهرجانات الحالية، التي برأيهم، لم تخرج عن النمط التقليدي في التنظيم، مما جعلها شبيهة بالتجمعات العادية، المستنسخة عن التجارب السابقة، و يسجل أصحاب هذا الرأي، اختفاء العديد من المهرجانات بالجزائر و تونس، من دفتر التظاهرات الأدبية والملتقيات، بعدما داهمها الفشل، وجعل المشارك فيها، في مواجهة مباشرة مع الصدى،
و الكراسي الشاغرة، ويطالب هؤلاء بتجديد هذه الملتقيات، و إضافة بهارات وتوابل جديدة، تكون قادرة على تحقيق الإضافة المنشودة.
بينما يقف على الضفة الأخرى، منظمون لا يزالون يؤمنون، بأهمية هذه التظاهرات الثقافية، التي تنعش الإبداع، باعتبارها متنفس للتعريف بإبداعات الكتاب و الشعراء، وبرأي هؤلاء فإن الكاتب و الشاعر، عليه ألا يعيش في برجه العاجي، وأنه مطالب كغيره، بالمشاركة في مثل هذه الملتقيات، للتعريف بإبداعه والتسويق له و لأفكاره و قناعاته، ومسايرة راهن محيطه، منبهين إلى أن العديد من التظاهرات، والمهرجانات لا تزال موجودة، تصارع على أكثر من صعيد، من أجل البقاء، و أنهم باعتبارهم ناشطين و منظمين، يسعون في كل نسخة، إلى الخروج من القوالب الجاهزة، و من القاعات المكيفة، وغير المكيفة، إلى كنف الإبداع و التميز، وذلك عبر استحداث آليات جديدة، لإضفاء الحيوية على هذه الملتقيات، حسب رأي عدد من الكتاب الجزائريين و التونسيين.

الجموعي ساكر

- سونيا مدوري شاعرة تونسية : ما فائدة ما نكتب إذا لم نقرأ كتاباتنا للجمهور..


قالت الشاعرة التونسية سونيا مدور «تلعب الملتقيات الثقافية، في كل أنحاء العالم، دورا مهما في التعريف بالمبدع عن قرب، حيث تسمح بتبادل الثقافات، و الإطلاع على التجارب الإبداعية المختلفة، و تفتح له آفاق أرحب، تجنح به إلى الانتشار، و يحق لي أن أتساءل: ما فائدة ما نكتب إذا لم نقرأ كتاباتنا للجمهور؟!، و نحن هنا في تونس لدينا عدة ملتقيات ثقافية عريقة، عملت على دعوة الأدباء من كل أنحاء العالم للتعرف عليهم عن قرب، وتكسير ذلك الحد الوهمي، الذي يشعرنا بأن الأديب، بنى لنفسه برجا عاجيا و أغلق على نفسه فيه. و قد خاضت تونس تجارب مختلفة، في تنظيم الملتقيات و المهرجانات، فمثلا ملتقى الربيع الدولي للآداب والفنون، ببوسالم ولاية جندوبة، تأسس سنة 1986، وقد توافدت عليه أسماء عربية لامعة، على غرار أدونيس، محمد بنيس، واسيني لعرج، أحمد عبد المعطي حجازي، السيد حجاب وغيرهم كثير. كما احتضنت عاصمة الأغالبة القيروان مهرجان الربيع، وهو المهرجان الذي أضحى منارة ثقافية، تستقطب كل الأجيال، كما أشير إلى مهرجان توزر الدولي للشعر، الذي بدوره تعاقبت عليه وجوه بارزة، بدءا بالشاعر المرحوم الميداني بن صالح، و وصولا إلى الشاعر عادل بوعقة، والقائمة تطول، لكن لا بد أن نشير في النهاية، إلى أن المكسب الوطني الكبير، الذي أضيف مؤخرا، للساحة الشعرية الثقافية التونسية، و أشع بنوره على العالم العربي، هو أيام قرطاج الشعرية، التي تأسست منذ 03 سنوات، وهي بادرة مثمنة لدور الثقافة في النهوض بالأجيال القادمة.

- نعيمة مديوني شاعرة تونسية: الملتقيات مفيدة للمبدع في غياب نقد أدبي متابع


قالت رئيسة صالون همسات أدبية، الشاعرة التونسية نعيمة مديوني» إن الملتقيات الأدبية، تساهم في تبادل التجارب الكتابية، و تنمي القدرة على النقد السليم، المتجرد من التعصب و الأنا، وهي أيضا تسمح بتنمية المقدرة الإبداعية، لدى رواد الحركة الكتابية، في ظل غياب القراءات المسترسلة للدراسات العميقة، والبحوث سوى في مستوى الشعر أو النثر، فمغازلة ما يعرضه الطرف المقابل، من شأنه أن ينمي فكرة المحاكاة، و يساهم في التزود بلغة جديدة متجددة، وبالتالي فرصيد المبدع والإبداع لا ينفك ينمو و يتنامى».

- عبد الحكيم ربيعي كاتب تونسي: للتنظيم إكراهات قد لا يعلمها إلا المنظمون


أما الإعلامي والكاتب التونسي عبد الحكيم ربيعي فيرى» أن تنظيم الملتقيات والمهرجانات الثقافية والأدبية ضروري، ولا يمكن مناقشة الجدوى من تنظيم الملتقيات الأدبية، والمهرجانات الثقافية، دون الحديث عن إكراهات التنظيم ، التي لا يعلمها إلا المنظمون، و المهرجانات و اللقاءات، بمثابة الفضاء الذي يتلألأ فيه الإبداع، وأعتقد أن المنتقدين للملتقيات، لم يطلعوا على تلك الإكراهات في التنظيم، وآسف إن قلت إن موقف هؤلاء خاص، وعدائي للتظاهرات الثقافية».

أحمد يونس سعود أستاذ جامعي: الملتقيات تكشف عن الوجوه الجديدة وتحفّزها


 و يرى الأستاذ الجامعي يونس سعود «تدخل فلسفة تنظيم الملتقيات الأدبية، بالنسبة للهيئات الثقافية، ضمن دائرة تفعيل، وتنشيط الحياة الثقافية، أما بالنسبة للمبدع، فتمثل رافدا من روافد التجربة الفنية، ذلك أن تلك الملقيات، تبعث في المبدعين، روح الرغبة في الكتابة، وتطوير تجاربهم، كما أنها تكشف، عن الوجوه الإبداعية الجديدة، وتحفزها على الانخراط، في الحياة الثقافية، وتمنح الأدباء على اختلاف مستوياتهم، مساحة للقراءة والتجديد، إلا أن المؤسف حاليا، هو انعدام هذه الملتقيات، أو إسناد تنظيمها لأشخاص، لا علاقة لهم بالإبداع، وبالتالي لا تؤدي الغاية من تنظيمها».

- سعاد عكرمي شاعرة: التظاهرات الثقافية تواصل بين الأجيال الأدبية


و قالت الشاعرة سعاد عكرمي «يجد الكاتب المشارك في الملتقيات الأدبية، والأمسيات الشعرية ضالته، و ذلك الاحتكاك، يمده بالرغبة في الكتابة أكثر، بل و حتى في تأثيرها على الكيف و الكم، كما أن هذه اللقاءات، من شأنها بناء جسر، تواصل بين الأجيال، فضلا عن تكوين شبكة علاقات إنسانية وإبداعية».

- خليل عباس شاعر جزائري: أدعو إلى تحرير الفن و الأدب من القاعات المغلقة


و قال من جهته الشاعر الجزائري خليل عباس «نسمع كثيرا عن الملتقيات والنشاطات الأدبية، التي تنظمها الهيئات الرسمية، وغير الرسمية بالجزائر، و التي تحولت إلى مجرد لقاءات، بين المنظمين و أصدقائهم، تفتقر إلى الغاية أو الهدف، الأساس الذي أقيمت من أجله، وهو معرفة إلى أي مدى وصل تطور الأدب ؟ وهل ما زال الأدب ( الفوتوغرافي)  يلتقط و ينقل لنا الواقع بكل أبعاده، أم أنه قاصر على مسايرة واحتواء قضايا الأمة؟ وهل عندنا فعلا دراسات نقدية جادة تعمل على مرافقة الحركة الأدبية وتصحيح مسارها؟ أعتقد أنه على كل من يحترف الكتابة أو يشرف على تنظيم أي تظاهرة، أن يطرح على نفسه هذه الأسئلة، فالملتقيات ليست مجرد مجالس للمجاملات أو رحلات للتفسح والولائم، بل هي فرصة لالتقاء الأقلام الجادة، و تلاقح الأفكار واكتشاف مبدعين جدد، والاحتفاء بتجارب إبداعية أضافت جديدا للساحة، و مواكبة ما هو موجود في الساحة الوطنية والعربية وحتى العالمية، فتقديم المختلف والمبتكر والتنويه بالنصوص المدهشة، ومنحها حقها من الضوء، يمكن هذه الهيئات من كسب ثقة الجماهير وبلوغ الهدف الأسمى الذي نظمت من أجله، و إني أدعو كل الأصدقاء المبدعين وعلى رأسهم الناشطين الفاعلين في الميدان الثقافي، إلى تحرير الفن والأدب من القاعات المغلقة للمؤسسات الرسمية، والخروج به إلى الهواء الطلق والساحات والاحتكام إلى العامة «ألقوا بالأدب إلى الشارع يحتضنه الشعب».

- الطيب عبادلية روائي جزائري: يجب إعادة النظر في تفعيل الملتقيات برؤية مواكبة للعصر


و أكد الروائي الجزائري الطيب عبادلية «مشاركتي خارج الوطن، كشفت لي أن بعض الملتقيات، نجحت وعمرت طويلا، لرعايتها من طرف الوزارة الوصية، وتأمين غلاف مالي مخصص لها، ناهيك عن حصة المساهمين المؤمنين بالثقافة كفاعل محرك للتنمية، وتهذيب السلوك، والإيمان بأن الحركة الثقافية إن تعطلت ماتت،، حتى ننجح لابد من إعادة النظر، في تفعيل الملتقيات الثقافية، وبرؤية جديدة تواكب العصر، وتراعي الخصوصية، فرعاية المهرجانات الغنائية، مكلفة حتى في التعويض، والدورات الرياضية لها مصاريفها ومنحها، وللثقافة شيء آخر، حتى التعويض الرمزي ينعدم، وهذه لم تدخل في تفكيرنا، ومنهجية تنظيم ملتقى، يمكنه أن يقدم الإضافة كيفا وكما،، إن تنظيم ملتقى أدبي محلي بلدي أو ولائي، يتطلب منك تأمين، إمكانات مادية تغطي تكاليف الضروريات، وعندما تتوسع دائرة الرغبة، والطموح لتنظيم ملتقى جهوي أو وطني، تعظم وتزيد المتطلبات، فيضاف لها التكفل التام، هذا يحتاج بالضرورة إلى راع لهذا المشروع، فلا مديرية الثقافة تمتلك حق الرعاية، لضعف أو شح مادي، لذلك يتطلب منك الأمر، السعي لدى جهات أخرى إدارية، تمتلك ما تؤمن به الرعاية والتكفل، الاختيارات صعبة ومحرجة، كما أن إرضاء الكتاب، والشعراء غاية مستحيل تحقيقها، ولأنك لا تمتلك القدرة على التعويض، على الأقل لتكاليف النقل، وهذا من المعوقات التي تجعل الحضور متردد، وهي سبب مفتوح للانتقاد بتوصيف المشاركين،،،وفي ظل غياب القدرات المالية، وثقافة الرعاية والإشهار، والدعاية بفعل ثقافي مميز، وتأمين شهادات وتكريمات رمزية، وتكريم مناسب لرمز من الرموز، تظل الملتقيات إثبات وجود، ومتنفس لحركة ثقافية ترفض الموت الاستباقي».

- عبد المجيد علاق شاعر جزائري: نوعية المدعوين للملتقيات أثرت على جماهيرية الإبداع

و قال الشاعر الجزائري عبد المجيد علاق «كرئيس لفرع إتحاد الكتاب الجزائريين فرع ولاية أم البواقي، وكمناضل ثقافي لأكثر من عشر سنوات، أرى أن المنظم،  عليه أن يكون كاتبا حقيقيا، له نص حقيقي، ليعرف من يدعو من الأدباء، همه جمع الكتاب الحق، وليس ولائم، ومواعيد كمية، كما يجب أن يكون له علاقات فعلية مع الإدارة، مبنية على التنسيق والتشارك،  وأن يعرف القانون جيدا، حتى إن وجدت عراقيل إدارية، من طرف قطاع الثقافة، يستطيع الشكوى لدى السلطات ونيل حقه، والأكثر ضرورة،استغلال الإعلام في التنظيم، ونشر ما يقوم به بالنسبة للابداع، فضلا عن انتقاء النص الماجد وصاحبه،  فقلة الجمهور له علاقة بالمدعوين لهذه الملتقيات، فالمدعو صاحب النص الماجد، يبني صرحا مستقبليا، بينما الثاني يفشي ويكرس الرداءة، وللأسف استغل العنصر الثاني السنوات الأخيرة للظهور، فصارت محافل الأدب والشعر، هرج ومرج، ومواعيد وإصدارات تافهة، كلها على حساب النص الماجد، لكن هذا لا يجعلنا ننسحب، بل واجبنا البقاء، لنترك شمعة، وسط كل هذا الظلام الدامس».

الرجوع إلى الأعلى