تحدث الباحث والناقد الدكتور محمّد تحريشي، خلال نزوله ضيفًا على جلسة المنتدى الثقافي الجزائري الاِفتراضي، عن النقد و رهاناته، في ندوته التي حملت عنوان «النقد الجزائري من الحداثة إلى ما بعد الحداثة: الرهانات والاِتجاهات»، و التي أدارتها الدكتورة آمنة بلعلى، و طرحت عليه مجموعة من الأسئلة حول إشكالات النقد الجزائري.
 من بين الأسئلة، سؤالها حول النقد في الجزائر وعلاقته بالنقد العربي المشرقي، فرد الدكتور محمّد تحريشي « مصطلح النقد الجزائري يطرح أكثر من سؤال، بداية من التساؤل هل النقد الجزائري يخص تلك الأعمال الجزائرية التي تناولها الدارسون في أعمالهم، أو أنّه يخص كلّ الأعمال التي كُتبت في الجزائر، أو أنّه كلّ نقد قام به جزائري على أعمال إبداعيّة مهما كان اِنتماء أصحابه، أو أنّه يخص كلّ عمل ظهر في هذه الرقعة الجغرافية التي تمتد إلى ما قبل التاريخ، وهو ما يُؤكد ثراء النقد الجزائري وتعدّد اِتجاهاته».
 و قدم في هذا السياق تعريفا جامعًا عن النقد الجزائري، حيث اِعتبره ذلك النقد الّذي كتبه جزائريون، بكلّ اللغات و التي عالجت مختلف الأعمال الإبداعية، سواء لجزائريين أو لمشارقة أو لغربيين، و قسم الممارسة النقدية إلى ثلاثة مستويات هي المستوى الكلاسيكي، المستوى الحداثي، المستوى ما بعد الحداثي.
كما تطرق الدكتور تحريشي للنقد الأكاديمي، الّذي وصفه بالنقد المدرسي، مستدركاً « لهذا يمكن أن نقول على هذا النقد بأنّه نقد من المنهج إلى النص، بحيث يأخذون المنهج و يطبقونه على النص، دون أن يأخذوا نظرة عامة على النص تستطيع أن تقدم أحكام قيمة باِعتباره كلٌ متكامل، بل أغلب هذا النقد هو نقد أقوال، كما أنّ مجمله نقد عاطفي ويحتكم إلى أحكام عامة، لكن هذا لا يدل على عدم وجود اِستثناءات في بعض الدراسات التي يمكن اِعتبارها تأسيسية، لكن في عمومه فالنقد الأكاديمي هو نقد مجحف، و هذا بشهادة المبدعين لأنّه لا ينظر إلى الأعمال الإبداعية بشموليتها، بل ينظر إليها من خلال الشواهد».
وفي مورد إجابته عن سؤال حول كيفية مساهمة نُقاد اليوم في خلق الرابط بينهم وبين الشباب الباحث و بين زملائهم وعن الخروج من إطار المناهج المحايثة، قال موضحا «يجب أن نقف هنا على زاويتين الأولى تتمثل في الرحلة التي يقوم بها الناقد، وهذه الرحلة إمّا أن تكون من المنهج إلى النص، وهنا لابدّ عليه أن يحيط بالمناهج التي تساعده في الرحلة نحو النص، و الرحلة الثانية تتمثل في الاِنطلاق من النص إلى المنهج، و رأى أنّه في كلتا الرحلتين لابدّ أن تكون هناك مجموعة من الإمكانيات أبرزها اِمتلاك الوعي النقدي، واِمتلاك القيمة الجمالية، ومعرفة الأدوات الإجرائية، إضافة إلى تربية الذوق الفني الجمعي، وبالتالي تجاوز الذوق الفردي الذاتي».
تحريشي أضاف في ذات النقطة « المشكل عندنا هو أنّ الباحثين يسعون إلى البحث عن طريقة للحصول على شهادة مشاركة أو اِعتراف من أجل الترقية في الجامعة، ناهيك عن مشكل التواطؤ بين المبدعين و بعض الأساتذة الذين يدرجون أعمالاً في الجامعات رغم محدوديتها». و تابع بكثير من الواقعية المرة «بعض المنابر أصبحت توزع لقب ناقد على من تشاء، حتّى وصلنا إلى أن نقول أنّه لم تعد هناك جدوى من النقد، فأصبح اليوم الّذي يبرز هو الّذي لديه الجرأة أو  اللا حياء أكثر من الآخر».
نقطة أخرى لم يغفلها الدكتور ضيف المنتدى، وهي ركض الباحثين نحو النقد الثقافي، في السنوات الأخيرة، وحول هذا الشأن قال «التحوّل إلى النقد الثقافي كان من باب الدرجة (الموضة)، ومشكلة الدارس في النقد الثقافي تكمن في أنّه لا يُسافر في عُمق المرجعية الثقافية للمنهج أو للرؤية النقدية، وهذا ما أدى إلى التباين وعدم التمييز بين النقد الثقافي و بين الدراسات الثقافية وبين الأنثروبولوجيا الثقافية».
وفي معرض حديثه عن الحداثة و مصطلحاتها، ميز الدكتور تحريشي بين مصطلحي الحداثة وما بعد الحداثة، مُعتبراً أنّ الحداثة جاءت لتحطم كلّ المركزيات المسيطرة على المجتمع التقليدي ، خاصةً تلك الأحادية في الطرح والتفكير، أمّا ما بعد الحداثة، فتشمل كلّ المحاولات الساعية لبناء مركزيات جديدة»، مؤكداً في ذات المعطى، أنّ الحداثة تسعى إلى اِبتكار أفكار ونظريات جديدة، عكس ما بعد الحداثة التي تشمل ذلك الموقف المُضاد للشمولية السياسية، والّذي يسعى إلى تحرير الإنسان، و تدعو إلى الاِعتماد على الأنساق الفكرية المفتوحة، و تفكيك كلّ السرديات الكُبرى.
وفي حديثه عن النقد الأكاديمي، أكد الدكتور تحريشي أنّ النقد الأكاديمي كان له دور أيضا في التأسيس للنقاد .وهكذا – حسب قوله دائما- فإنّ «الجامعة كانت حاضنة للثقافة والنقد الجزائري، إضافة إلى المراكز الثقافية والجرائد، كما كان للبعثات الجامعية التي أُرسلت للخارج دورٌ مهم في بروز النقد الجزائري، حيث تمكن الباحث الجزائري من التعرف على مختلف المناهج الغربية المتعدّدة، الحداثية منها و ما بعد حداثية، وكما كان للتلاقح بين الجامعة الجزائرية والجامعة المشرقية والغربية دورٌ بارز في تطوّر النقد الجزائري».
نوّارة/ ل

الرجوع إلى الأعلى