صدور النسخة العربية لكتاب - قاموس النقد الأدبي -
صدر هذا الأسبوع ضمن سلسلة «معاجم»  ، عن دار الرافدين في بيروت/لبنان، كتاب جديد للباحث الجزائري الدكتور محمّد بكّاي، وهو عبارة عن ترجمة لــ»قاموس النقد الأدبي» من تأليف جويل جارد طامين وماري كلود هوبير. القاموس الّذي ترجمه وقدمه وعلق عليه الدكتور محمّد بكّاي، يهدف إلى تحديد المصطلحات التي قد يُواجهها طلاّب الآداب في مُصنّفات النقد، أو التي يُـجابهها الـمُتعلّم في تحليل النّص. ينتمي بعضها إلى مفردات اللّسانيات والبلاغة، والبعض الآخر إلى مفردات النقد الأدبي، وأخيراً يُشير البعض الآخر إلى التاريخ الأدبي.
لذلك يمثل هذا القاموس -كما ورد في المقدّمة- «عملاً اِنتقائيًا؛ لأنّه يحمل هدفًا تاريخيًا وآخر شكليًا. مع محاولة اِجتناب أية لغة منطقية أو أيّ حكم قيمي، وعدم التعليق على صحة المفاهيم المقدمة». وقد تم اِقتراح 434 قسمًا. داخل كلّ قسم، توجد كلمات مكتوبة بخط مائل. كما تمت فهرسة قائمة المصطلحات والقسم الّذي يُحلّلها. وفي المجموع، توجد تغطية أكثر من 700 مفردة. بحيث ينتظم كلّ قسم على النحو التالي: التعريف مع الشّواهد، ويُتبع بقائمة من المصطلحات التي قد يكون الرّجوع إليها مفيداً أيضًا، والكُتب التي يمكن الاطّلاع عليها حول الموضوع. وجاءت الكُتب عامة جدًا، وفيها إشارة باِسم مؤلِّفها وتاريخ النشر.
من جانب آخر، تحدث مترجم الكِتاب، الدكتور بكّاي، في مقدمته عن أهمية القواميس، وضرورتها في حقل المعارف. ومِمَّا جاء في حديثه: «وُجدت القواميس لتكون جامعة للمعارف ومحيطة بالـمفاهيم، وهي تسلك سُبلاً مستقيمة ومنظّمة لتيسير الوصول إلى الـمصطلحات التي يرُومها أهل الـمعرفة والتخصّص. ونظراً لأهميتها البالغة، فقد كان تبويب القواميس وتنسيقها سانحة لإثراء ثقافتنا وجعلها موسوعية، فالحاجة لمثل هذه الـمصنفات الجامعة الوافية، من شأنه تذييل الـمصاعب في فهم ما اِحتجب عنا». كما أكد على أهمية الكتاب الذي قام بترجمته، وجاء هذا التأكيد من خلال قوله: «تكمن أصالة (قاموس النَّقد الأدبيّ) الّذي ننقله لقراء اللّغة العربية، في إحاطته الواسعة بمختلف أركان النظرية الأدبية ومقولاتها الـمفاهيمية ومدارسها الفنية واصطلاحاتها الـنقدية، على تباين وجوهها وتنوّع أُسسها الجمالية. وستثري هذه الخصوبة النظرية والثقافية والـمعرفية، التي يكتسيها القاموس، مشهدَنا النقدي العربي حتمًا. إضافة إلى هذه الأصالة، يخوض القاموس في الـمعطيات الفلسفية والقيم الإنسانية التي تحفّ الأثر الأدبي وتُؤثر بشكل أو بآخر على الـمعجمية النقدية في صياغة مصطلحاتها، كشفاً لأوجه الجمال التي تحملها النصوص الأدبية بمختلف أنواعها (الشِّعر والـمسرحية والرواية...). كما لا يخلو القاموس من عنايته الواضحة باللّمسة الثقافية التي تُرافق العصور الأدبية وتَحْبِكُ أنواعها؛ حيث يكشف القاموس مثلاً عن تطوّر الأغراض الأدبية كالهجاء والمدح والغزل من عصر لآخر، حسب حدودها الإبستيمية ورؤاها الثقافية». مؤكدا أنّ «القاموس مرآة عاكسة لتمظهرات الثقافة الشعبية أيضا، مثل: الكرنفال والأهازيج والـمحكيات والشِّعر الرّعوي ...إلخ وصولاً إلى الفنون الشعبية المُعاصرة التي تستمدّ هيئتها من ألوان النظريات الأدبية ومعالم التصورات الفلسفية للوجود والعالم والذات الإنسانية».
ونظراً للاِرتباط الـمكين بين الأدب والنقد واللّغة، جاء القاموس غنيًا بالتصورات النظرية في اللّسانيات والصّوتيات ونظرية الخطاب والبلاغة. وعلى الرغم من هذا الثراء الّذي يزخر به القاموس، والّذي يُـميز هذه التشكيلة الوفيرة من التخصّصات الدقيقة ويُلمّ بها، إلاّ أنّ طريقة تقديمها للمتخصِّصين وغير الـمتخصصين، كانت بلغة شارحة وموضوعية، كثيفة ودقيقة لتحديد الإطار العام لكلّ مصطلح نقدي. ورُتبت هذه الـمصطلحات بآلية سلِسة، تُتيح للقارئ نهجًا واضحًا يسير على هديه لإدراك بغيته، فمن ذكرٍ لأبرز الـمقولات الفلسفية والنقدية (الوجودية والبنيوية...الخ)، إلى تعرّضٍ للمدارس الأدبية الكُبرى والمذاهب الفنية البارزة (الرومانسية والاِنطباعية والسريالية...إلخ)، التي تركت بصمة على النظريتين النقدية والأدبية على حدّ سواء.
أمّا الشواهد الـمعروضة في ثنايا القاموس (مقاطع الـمسرحيات والأقوال الـمأثورة والخُطب والأشعار وغيرها...) فأغلبها مستمدّ من الفرنسية الكلاسيكية. وهي –حسب المُترجم- سانحة لعرض فصوص وجواهر الأدب الفرنسي العريق مع فولتير وألفونس آلي ولافونتين... وغيرهم.
المترجم بكّاي، يقول أيضا إنّ الكثافة الاصطلاحية حضرت داخل القـاموس لغزارة التوجهات الـمهمة لفلسفة الأدب، وهي تحافظ على القرابة بين حدود الفلسفة والنقد واللسانيات والتاريخ، جامعة نشاطهم المشترك في إبراز جمالية الأدب ومعالم النقد الأدبي في الحقب الزمنية الـمختلفة. وعلى الرغم من كثافة المصطلحات، إلاّ أنها حافظت –حسب بكّاي دائما- على الأصيل منها والشائع أكاديـميًا والمستخدم باِستمرار في الـمصنّفات النقدية واللّسانية.
وعن جدوى ترجمة القاموس إلى العربية، يؤكد الدكتور بكّاي في نص مقدمته للكِتاب على هذه الجدوى والأهمية والضرورة، قائلا: «إنّ نقل هذا القاموس إلى اللّغة العربية، بمثابة غنيمة ثـمينة للقُراء العرب في الاِقتراب من صور التعدّدية الجمالية للنقد الأدبي الغربي وميادينه الاِصطلاحية المُتشعِّبة بين البلاغة وتحليل الخطاب واللسانيات وفلسفة الفن، لأنه يحمل في ثناياه تفاصيل جوهرية حول اِنبعاث الـمدارس الأدبية ورسم مساراتها الحافلة، إلى جانب ذكر أعلام الأدب والصالونات والـمنابر الأدبية ومدارس التعليم الحرّة ومنعطفات الأحداث التاريخية الحاسمة، ودورها في تشكيل الأذواق الأدبية ورسم الحساسيات الجمالية. معتمدا أسلوب الجمع الفريد ليكون شاهداً على تحوّل المقولات النقدية التي سايرت سمات الأدب عبر العصور، التي اِرتحلت من الـجدل والسفسطة والتكلف الأسلوبي إلى الأشكال الشِّعرية الحرة والاِنهمام الأنطولوجي وصولاً إلى العبث ما بعد الحداثي. بعبارة أخرى، يحمل القاموس من التنوع الكثير وهو يرسم خرائط ودلائل للمهتمين بحقل النقد الأدبي».
في الأخير يؤكد الدكتور بكّاي،  أنّ جلّ ما يمكن قوله، هو أنّ هذا القاموس لا يحرمنا من متعة قراءة سردياته الاِصطلاحية واِكتشاف ثرائه الواسع، فهو يُخضع القارئ لنوع من التأثير والشاعرية، ويحلق به في سماء الأدب وفنونه الـمختلفة، ويُغطّي ما يعوزه من مفتاحية اِصطلاحية وإلـمام بالنظريات الأدبية الغربية. وهو بالـمختصر الـمفيد، -حسب قوله- عُدّة أساسية لا غِنى عنها لكلّ مبتدئ في حقل النّقد الأدبيّ.
نوّارة لحـــرش

الرجوع إلى الأعلى