إضاءة على البعدين الثقافي و الاجتماعي للشعر
 احتضنت يومي الإثنين والثلاثاء المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور، الملتقى الأدبي الأول « قسنطينة المعلقة في القصائد»، و هو موعد عرف مشاركة مثقفين و أدباء كسروا الصورة النمطية للقاء الشعري و حرروا القصيدة من قفصها اللغوي المنمق، ليمنحوها بعدا آخر يعكس أهميتها الأنثروبولوجية و الاجتماعية ، حيث ناقشوا قدرة بعض القصائد على  تقديم صور رمزية أو مباشرة ،عن العادات والتقاليد و المعتقدات المجتمعية، و تحدثوا عن جمالية الرسم الدلالي اللغوي لجغرافيا المدينة في الشعر، وهو ما يعتبر بمثابة مادة  يمكن الاستناد إليها في عملية توثيق الكثير من الجوانب المتعقلة بالتراث المادي و اللامادي.
اللقاء يعتبر محطة أولى في إطار بعث الحركية الثقافية في المدينة، التي عاشت حالة سبات مطول منذ قرابة سنة كاملة، كما قالت مديرة المكتبة وافية درواز، مؤكدة أنه من حق قسنطينة على أبنائها، أن يحتفوا بها على الدوام، خصوصا في ظل توفر مادة شعرية وتاريخية وفنية هامة ستخصص لها مواعيد دورية، مشيرة إلى أن كل توصياتها  ستجمع  لاحقا في مؤلف واحد يوثق للتراث المحلي.
أما بخصوص الملتقى الذي اختتمت فعالياته أمس، فقد جاء متنوعا، حيث عرف برمجة معرض للكتاب و افتتاح فضاء مكتبي خاص بالإصدارات القديمة، إلى جانب تنظيم جلسات بيع بالتوقيع لكل من الشاعر نور الدين درويش و الدكتور نذير طيار و الدكتور عبد الله حمادي.
الدكتوران حمادي و طيار قدما محاضرتين منفصلتين، تناولتا موضوع القصيدة، فاختار عبد الله حمادي أن يغوص في رمزية قصيدة « المنصفة» لمفتي قسنطينة الشيخ المولود بن الموهوب،  مشيرا إلى أن  هذه القصيدة  صورت جانبا هاما من واقع المجتمع القسنطيني خلال فترة زمنية معينة، طغت خلالها ممارسات و طقوس  وعادات مثل «النشرة» و «الزيارة» و»البرمة « وغيرها. و أضاف أنه استطاع أن يفك شيفرة القصيدة و يفهم رموزها بفضل اضطلاعه على كتب الرحالة الذين مروا بقسنطينة و تحدثوا عما شاهدوه فيها، على غرار كتاب « فايسات»  و رحلة الوزان و رحلة الشيخ الورتلاني و كتب أخرى، تحدثت عن طقوس أهل المدينة، كاحتفالات الغراب و زردة سيدي مسيد .
 و قال حمادي أن قصيدة «المنصفة»، بعثت بإشارات و رموز للمجتمع المحلي دون الدخول في التفاصيل، كما جاء فيها أيضا، ذكر بعض شيوخ الطرق الصوفية بقسنطينة و وصف وسرد بعض القصص والأحداث ، على غرار  قصة سيدي محمد الغراب وصراعه مع الباي صالح ، مشيرا إلى أن هذه القصيدة تعد بمثابة وثيقة اجتماعية ثقافية و أدبية في نفس الوقت.
 من جانبه قال، الدكتور يوسف وغليسي، بأن القصيدة سالفة الذكر، تصنف في خانة القصيدة الأنثروبولوجية، وهو نوع نادر جدا من الشعر، رغم أهميته البالغة في عملية التأريخ للثقافات المحلية، مؤكدا بأن  لهذه القصيدة تحديدا، أثرا ثقافيا كبيرا على المجتمع المحلي.
و أضاف المتوج حديثا بجائزة البابطين، بأنه منشغل بإعداد مشروع هام  موسوم «شعرية الجسر»، و هو عبارة عن عمل جامع يضم عددا معتبرا من النصوص الشعرية العربية الفصحى التي قيلت في قسنطينة، من أقدم العقود إلى غاية وقتنا الحالي، داخل الجزائر وخارجها، ليكون العمل بمثابة أنطولوجيا شعرية تضم كذلك دراسة نقدية لبعض النصوص.
 و قدم الدكتور نذير طيار، محاضرة لخص فيها مضمون كتابه «قسنطينة تاريخ اسم..حفريات في النسق المعرفي  الفرنسي»، و عرض الآراء الثلاثة بخصوص الجغرافيا الاسمية لقسنطينة ، وهي كما أوضح محاولة لوضع الرأي الفرنسي في حجمه الحقيقي.
 الشاعر تحدث كذلك عن الحضور  اللافت و الطاغي لقسنطينة في الشعر الجزائري المعاصر، لأنها، كما قال، مدينة ساحرة لا يمكن أن يعيش فيها المرء أو يمر بها، دون أن يعشقها، مستشهدا بما كتبه عنها  « غاي دومو باسون»، مؤكدا بأن حضور المدينة في الشعر، يحتكم لمستوى البلاغة اللغوية للشاعر  و قدرته على نقل الصورة بكل جماليتها، خصوصا و أن للشعر دورا آخر غير الوصف، فالقصيدة لا تختلف عن الرواية، حسبه، رغم أنه أقل قدرة على  عكس أو تصوير التفاصيل الدقيقة، مع ذلك فهو قادر على عرض الإنسان في كل حالاته، بما في ذلك علاقته بالمدينة وهو تماما ما نجده في قصائد الشعر الشعبي، على وجه الخصوص.
ختام اليوم الأول من الملتقى، عرف قراءات شعرية لقصائد تغنت بالمدينة و تاريخها و جسورها، و تعرف فعاليات هذا اليوم،  برمجة محاضرات إضافية، أهمها محاضرة للأستاذ عبد السلام يخلف بعنوان « قسنطينة بلغة مالك حداد من الحنين إلى
 الهاوية».
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى