الفقه الإسلامي كان سباقا لحماية البيئة و تقنين العمران
أكد أمس مشاركون في ملتقى دولي حول المدينة و التطور العمراني في ضوء فقه العمران و الاجتماع البشري، احتضنته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بأن الفقه الإسلامي كان سباقا إلى تنظيم عملية بناء المدن و تحديد المقاصد منها و تبيان المآخذ في  ما يتعلق بأنماط التعمير و ما يترتب عن ذلك من تنظيم للحياة الاجتماعية، بمختلف جوانبها.
 و بين المتدخلون الذين مثلوا جامعات الجزائر حضورا  و المغرب و مصر عن طريق تقنية التحاضر عن بعد ، دور الفقه الإسلامي في تحديد معالم المدن  و كيف لعبت الشريعة دورا أساسيا في تنظيم الجوانب الحياتية بها على عديد الأصعدة ، بما في ذلك  اقتصاديا و اجتماعيا و زراعيا و ثقافيا و دينيا، حيث أوضح الأستاذ كمال لدرع، مدير الملتقى و عميد كلية الشريعة و الاقتصاد، بأن النظرة الضيقة للفقه الإسلامي تستوجب التصحيح، لأنه علم لا ينحصر في مجالات محدودة تتعلق بالصيرفة الإسلامية و تنظيم العلاقات بين البشر، بل يشمل جوانب حياتية أوسع، بما في ذلك العمارة و بناء المدن، وذلك من خلال ضوابط و تشريعات و توجيهات و اجتهادات تضمنتها كتب النوازل و الفتاوى التي ناقش كثير منها إشكالية تطور المدينة الإسلامية ، مع تبيان خصوصيتها، مستشهدا في ذلك بخصوصية المدينة المنورة، أول مدينة بالمفهوم الشامل و الحديث بنيت في تاريخ الإسلام، مؤكدا بأن ما جاء في كتب الفقه كاف لضمان تعمير مدن قوية تستجيب للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية للمجتمعات، كما أنه قادر على اقتراح حلول لمشاكل المدن الجديدة في الجزائر.
 من جانبهم اتفق المتدخلون في أشغال  الجلستين الأولى و الثانية من عمر اليوم الأول من الملتقى، الذي تختم فعالياته مساء اليوم، على أن هناك ضوابط واضحة في الشريعة الإسلامية،  تتعلق بما يصح اعتماده في البناء و ما هو مكروه كذلك، خصوصا و أن المدن اصطلاحا ذكرت لـسبع عشرة مرة في القرآن الكريم، و قد تبع ذكرها تبيان، لما وجب أن تكون عليه من ناحية البنيان، حيث أن الشريعة شددت على ضوروة تقييد أعمال البناء بمراقبة شديدة ،حرصا على عدم الوقوع في تجاوزات تتعلق بالسلامة.
كما أن احترام الطريق شرط مذكور في كل المصادر الفقهية، إلى جانب شروط احترام الأنهار و النهي عن التعمير فوقها، ناهيك عن تحديد أحكام بناء السدود و أحكام رفع الجدران و ضرورة احترام خصوصية الأفراد و عدم التطاول في البنيان و الابتعاد عن الإسراف في الزخرفة و منع الضرر عن الآخرين و التفرقة في المضاجع داخل البيت الواحد ، إضافة إلى تبيان الحالات التي يتعين فيها احترام رأي الحاكم و الحالات التي يمنع فيها البناء أو التعمير، حفاظا على البيئة، وذلك حسب ما ذكره كل من  الدكتور سعيد الشوية، من مركز أولاد أزبار بتازة بالمغرب، و الباحثة دليلة شايب، من جامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة التي ركزت على الأهمية التي يوليها الفقه العمراني الإسلامي للبيئة، و كيف أنه كان سباقا إلى تحريم تخريبها و التعدي على الأرض و إفساد الماء و الزرع، لغرض التعمير و بناء المصانع و المنازل.
 من جانبه، ذهب الدكتور محمد يسري أبو هدور، من جامعة الإسكندرية بمصر، إلى الحديث عن أصل ميلاد المدن في بلاد الإسلام و ربط تاريخ نشأتها بدور الأسطورة، مؤكدا بأن للخرافة أو الأسطورة جانبا رئيسيا في ثقافة تعمير المدن في بلاد العرب والمسلمين، على غرار مدينتي كربلاء و القيروان، بمعنى أن هناك علاقة عاطفية أو إيديولوجية دائمة بين قصص المدن و بين تطورها و نمط الحياة فيها.
من جانبها، قالت الباحثة سكينة هنوز، من جامعة الأمير عبد القادر، بأن المدن في الإسلام ذات هندسة متطابقة يتوسطها المسجد عموما، و يكون بمثابة مركز لها، فيما يتوسع البنيان على نطاق أوسع في  شكل حلقة دائرية متكررة عادة، و ذلك استنادا لنمط عمران المدينة المنورة و المسجد النبوي، وهو تأكيد، حسبها، على أن العمارة الإسلامية ليست فوضوية و تحتكم فعليا للتخطيط.
 أما رئيس اللجنة العلمية للملتقى الدكتور عبد الرحمان خلفة، فقال بأن الهدف من الملتقى هو تبيان فقه بناء المدن و تعميرها ، بناء على ما بينه علماء مسلمون، على غرار  موسى المازوني و الونشريسي و غيرهم، ممن  وضحوا ضوابط  بناء المدن الحديثة و ميزتها التي تجمع بين المحافظة على الخصوصية الاجتماعية و تسمح بالانفتاح على مختلف أنماط البناء العصرية، بما يحفظ مصالح الناس و يكرس الآداب العامة داخل المجتمع.
و من أبرز توصيات اليوم الأول من الملتقى، ذكر المتحدث السعي لبعث الاهتمام بالمدن الإسلامية القديمة في الجزائر، على غرار  قصبة بجاية و سويقة قسنطينة و المدينة القديمة بتلمسان، على اعتبار أنها موروث حضاري،  تاريخي و هوياتي هام لا يحظى بالعناية والترويج اللازمين، عكس ما هو حاصل في  دول  الجوار، فهذه المدن، كما أضاف الدكتور خلفة،  تؤرخ لعمر الأمة و هو ما يوجب صيانتها و ترميمها و الترويج لها سياحيا.
 هدى طابي  

الرجوع إلى الأعلى