حضور جماهيري لافت على العرض الأول لفيلم هليوبوليس بقسنطينة
شهدت قاعة العروض الكبرى أحمد باي، مساء الخميس ،إقبالا لافتا للجمهور و بالأخص الشباب، لمشاهدة العرض الأول للفيلم السينمائي  « هليوبوليس» للمخرج جعفر قاسم.
توافد الجمهور على القاعة الصغرى للصرح الثقافي، أدى إلى تأخير عرض الفيلم لقرابة ساعة كاملة، قبل أن تنطفئ الأضواء ويستمتع الحضور رفقة طاقم العمل بمن فيهم المخرج والممثلون الرئيسيون، بأحداثه التي تحكي في قرابة ساعتين من الزمن، قصة أحداث دامية وملحمية شهدتها قرية « هليوبليس» بولاية قالمة، خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر و تحديدا سنة 1945 ، إذ كانت هذه الأرض شاهدة على واحدة من أبشع المجازر في تاريخ البشرية، راح ضحيتها أكثر من 45 ألف قتيل في كل من قالمة و سطيف و سوق أهراس و مسيلة و خراطة.
 و يقدم الفيلم المثير للجدل، العديد من القصص في شكل بطولة جماعية، كما يحاكي بطريقة إنسانية تفاصيل يوميات عائلة زناتي،  المكونة من الأب  عزيز بوكروني و الابنة سهلية معلم و الابن مهدي رمضاني ، و كيف تحولت حياتهم من عائلة برجوازية إلى عائلة شهيد ضحى بحياته ليرفع راية بلده المحتل ، بعدما وجد نفسه ينساق  صدفة نحو النضال السياسي، رغم معارضة  والده « ابن أحد قياد المنطقة، والذي فضل بدوره استبدال المنصب و الأوسمة بالبندقية في نهاية المطاف.
الفيلم لم يخلو من بعض المواقف الكوميدية، التي تعكس شخصية الجزائري البسيط  و التي برع في أدائها الممثل فضيل عسول  و بين مشهد و  آخر انتقل  جعفر قاسم من صور الريف الجزائري و حقوله الجميلة جمال وجوه الفلاحين و بساطة ملامحهم التي ترسمها التجاعيد و البشرة السمراء و الارتباط الوثيق بالأرض، إلى صور القمع ووحشية المستعمر، الذي حول  محارق القمح و الشعير  إلى مكب لجثث جزائريين  خدموا الأرض لسنوات ثم  تحولوا إلى رماد ينثر عليها، إذ قدم المخرج ضمن إطار تراجيدي مناظر الجثث المرمية في كل مكان ، بعد مظاهرات سلمية رفعوا  خلالها مطلب الحرية، كمقابل لمساندتهم لفرنسا في حربها ضد ألمانيا النازية، لكنهم دفعوا ثمن ذلك من دمائهم ، لأن السلطات الاستعمارية أخلت بوعدها  بعد انتصارها.
ردود الأفعال على العرض كانت إيجابية، وعكست رضا واسعا وسط الجمهور، حيث تعالت الزغاريد و التصفيقات مباشرة بعد نهاية العرض  كما صفق الحاضرون مطولا للمخرج جعفر قاسم و كل الطاقم الفني بعد اعتلائهم للمنصة، وقد عبر المخرج، عن فخره بالحضور و بالتفاعل و بالمشاهد الرائعة التي تتكرر في كل ولاية يعرض فيها العمل، مؤكدا بأنه دافع له لمواصلة العطاء في مجال السينما الثورية، خاصة و أن تاريخ الجزائر غني جدا كما قال، و يحتاج لتسليط الضوء عليه لكن بنظرة مغايرة عن ما  اعتدنا عليه خلال سنوات السبعينيات و الثمانينيات. من جانبه، قال المخرج علي عيساوي، بأن جعفر قاسم، نجح في أول تجربة سينمائية له، و وجد لنفسه بصمته فريدة و متميزة ، أما الممثل المسرحي جمال مزواري،  فقال بأن ممثلي العمل برعوا في تجسيد الشخصيات أما المخرج فقد عاد بنا لنعيش ما عاناه إخواننا إبان الاستعمار. .     

* المخرج جعفر قاسم  
الفيلم ليس سردا تاريخيا بل معالـجة إنسانية لأحداث هليوبوليس
* تعمدت عدم التركيز على صور القتل وفضلت أن أكون موضوعيا
صرح المخرج جعفر قاسم، صاحب المسلسل الثوري هليوبوليس، أول أمس، خلال ندوة صحفية نشطها رفقة أبطال العمل بمناسبة عرضه في قسنطينة، بأن الفيلم قد حقق أهم أهدافه وهو مصالحة الجمهور  و بالأخص فئة الشباب  مع السينما، مشيرا إلى أنه سينظم بداية من شهر جويلية القادم، جولة فنية رفقة كل طاقم العمل، سيجوبون خلالها مختلف مشاتي و قرى الجزائر، خصوصا المناطق التي تفتقر لقاعـــات السيــــنما لتقـــــديم عــروض مجانية. و في رده على سؤال النصر، حول مدى تخوفه من خوض هذه التجربة، لم ينف  المخرج،  المخاوف التي اعترته مع بداية التصوير، كونها أول تجربة سينمائية ثورية له، و أول فيلم ثوري في تاريخ الجزائر يتناول مجازر 8 ماي بشكل مفصل، وقال جعفر قاسم، بأن أي ممثل أو مخرج ينتابه ذلك الشعور بالخوف قبل تقديم أي عمل حتى لو كان رصيده السينمائي كبيرا، وهو أمر لا يستثنيه خصوصا وأن الجمهور عرفه أكثر في مجال التليفزيون، مضيفا، بأن العمل كان بمثابة مجازفة يفتخر بها، خاصة بعد مشاهدته في القاعات و رؤيته لإقبال الجمهور  وتفاعله مع أحداثه، موضحا بأن الفيلم ليس سردا تاريخيا وثائقيا لما حدث في هليوبوليس بولاية قالمة، بقدر ما هو معالجة إنسانية للواقعة و محاولة  لتصحيح بعض الأفكار المتعلقة بها و بدور الأعيان و القياد فيها، وذلك من خلال قصة عائلة زناتي و شخصيتي  مقداد ابن «القايد» التي أداها عزيز عكروني، و « محفوظ « الذي لعب دوره رمضاني مهدي،  و اللذان التحقا بالكفاح المسلح في نهاية المطاف رغم انصهارهما في محيط المعمرين.  وكما ركز المخرج على، تبيان الطبيعة السردية للسيناريو والحوار والتي قال بأنها تبتعد كليا عن لغة الوثائقيات، وهو ما يجيب حسبه، عن الانتقادات التي طالت الفيلم بسبب طريقة التعاطي مع قصة الأحداث و إغفال تصوير بعض التفاصيل كخطاب فرحات عباس مثلا، فالسينما كما قال، لا تخلو من الخيال و الإبداع لا يمكن أن يتحقق دون هامش حرية معين يبرز العاطفة الإنسانية بكل تناقضاتها، مضيفا بالقول بأنه فضل أن يكون موضوعيا أكثر عند إخراج العمل ، بعيدا عن كونه جزائريا و هي مجازفة هدفها تعريف العالم من خلال العروض الدولية مستقبلا، بما اقترفته فرنسا في حق الجزائريين بعيدا عن الذاتية التي تفرضها وطنية كل جزائري، مؤكدا بأنه تعمد عدم التركيز على صور القتل و التنكيل و حرق الجثث، حفاظا على مشاعر المشاهدين، و بعيدا عن التعاطي السياسي مع الأحداث والجدل حول ملف الذاكرة. المخرج، قال بأن سيناريو  هليوبليس، فرض عليه اختيار مدينة عين تيموشنت لأجل التصوير، مشيرا إلى أن طبيعة العمل تحق له حرية التصرف في الأحداث و الأماكن، كما أنه فضل اعتماد اللهجة البيضاء بدل القالمية، ليعطي للفيلم بعدا وطنيا، كاشفا بأن هناك من الممثلين الفرنسيين من ذرفوا الدموع عند قراءة النص، علما أن أغلبهم كانوا يجهلون فعليا ما حدث من مجازر في الجزائر إبان الاستعمار، وهو تحديدا ما دفعه للتفكير في خوض تجربة التاريخ مجددا، و لما لا تقديم عمل عن التجارب النووية الفرنسية في منطقة رقان، كما يطمح مستقبلا لتصوير فيلم تاريخي كبير عن تاريخ الثورة الجزائرية لا يتناول شخصية ثورية بعينها أو حدث واحدا بل يكون امتدادا لعدة مسارات تاريخية بارزة. وعن نيته في عرض الفيلم في الخارج، أقر مخرجه بصعوبة الأمر، مؤكدا بأن أي فيلم من إنتاج الدولة سيكون من الصعب أن يشارك في مهرجانات دولية أو يعرض في دور السينما  خارج الجزائر، على خلاف  الأعمال المشتركة، كاشفا عن سعيه لإيجاد وسطاء و موزعين يسهلون هذه المهمة، إذ وقع كما قال، اتفاق  مع موزع في أمريكا و الشرق الأوسط لعرض الفيلم هناك، فيما يبقى الأمر أصعب بالنسبة للعروض في فرنسا.

* الممثل عزيز عكروني
كنــت متخـــوفا من تجســــيد شخصيـــة مقــــداد
من جانبه، قال الممثل عزيز عكروني، صاحب دور «مقداد»    بأنه  تخوف كثيرا و أحس بمسؤولية كبيرة، عقب اختياره لأداء الدور، حيث قرأ النص دفعة واحدة و أعجب كثيرا بطريقة سرد الأحداث و  حبكة القصة، خاصة و أن الفيلم يتناول فترة جد حساسة من التاريخ النضالي للجزائريين، لكنه يغوص  أكثر في الجوانب الإنسانية للبشر و ارتباطهم بالأرض.

* الممثلة سهيلة معلم
أول مرة تظهر فيها المرأة الجزائرية البرجوازية إبان الثورة
سهيلة معلم، التي تؤدي دور « نجمة» في الفيلم، و هي ابنة  أحد الأعيان ، قالت بأنها جد سعيدة بمشاركتها فيه، خصوصا وأنها قدمت صورة غير معهودة عن نساء الجزائر إبان الاستعمار، ويتعلق الأمر حسبها، بالمرأة البرجوازية المثقفة المتعلمة و دورها في سير الأحداث وكيف أنها كانت مستعدة للتخلي عن حياة البذخ والرفاهية لأجل الدفاع عن الوطن. وأرجعت الممثلة، الفضل في دخولها لعالم السينما للمخرج جعفر قاسم، خصوصا وأنه فتح لها باب التجربة بعدما تعود عليها الجمهور كوجه كوميدي في التلفزيون.

*  السيناريست صالح شيهاني
هليوبوليس مكان يسرد الشخصيات في قالب تاريخـي
قال كاتب السيناريو « صالح شيهاني»، أنه أراد من وراء النص  تعريف العالم بمنطقة هليوبوليس، التي تعد حضنا جمع الكثير من الجزائريين على حب الوطن، وأرض تضحية قدمت أبنائها جنودا و محاربين في صفوف فرنسا ضد ألمانيا النازية لأجل تحقيق وعد الحرية، غير أن الثمن كان الغدر و سقوط آلاف الضحايا أمام مستعمر لا يعترف بكلمة الشرف.                                                   

الرجوع إلى الأعلى