فسيفساء تعكس هوية قسنطينة الثقافية احتفالا بعيد الفنان
احتضنت أول أمس، دار الثقافة مالك حداد بقسنطينة، احتفالية كبيرة،  بمناسبة عيد الفنان حضرها والي قسنطينة، بمعية أعضاء من الجهاز التنفيذي، بالإضافة إلى عدد من الممثلين و المغنيين من أبناء المدينة، و شاركت فيها جمعيات ثقافية و شبانية قدمت عروضا متنوعة في مجالات إبداعية  عديدة، كما شارك مبدعوها في إنجاح العرض الفني الرئيسي، أوبيريت «مهبط الفن و مقام المبدعين».
الاحتفال كان كبيرا و استغلت فيه كل فضاءات دار الثقافة، بما في ذلك الساحة الخارجية التي هيأت لاستقبال الفنانين على طريقة نجوم السينما، إذ تم مد بساط أحمر عند المدخل الرئيسي للبناية الثقافية، واصطفت على مقربة منه تشكيلة من سيارات قديمة الطراز، استخدمت لإيصال ضيوف الحفل فيما يشبه استعراض هوليوودي، يذكرنا بحفلات الأوسكار الراقية.
بالورود  وعلى أنغام موسيقى المالوف دخل  الفنانون إلى بهو دار الثقافة، أين رسمت جدارية جميلة بريشة بعض التشكيليين الشباب حملت عنوان» عيدنا ريشة ولون» ،  وذلك تكريسا لأهمية الفن التشكيلي ضمن الخارطة الثقافية و الفنية و الإبداعية للولاية، كما صرحت به مديرة دار الثقافة أميرة دليو، التي قالت بأن الاحتفالات بقسنطينة تعتبر جزءا من تظاهرة وطنية تهدف لإعادة الاعتبار للمبدعين عبر الوطن، و تؤكد على أن الفن لغة نتحدثها يوميا، حتى وإن لم نكن نصغي لحروفها جيدا بسبب زخم الحياة و صخبها، مشيرة إلى أن مدينة سيرتا كانت ولا تزال عاصمة للفن و للثقافة، و من شأن هذا النوع من التظاهرات أن يعيد للياليها المضيئة وهجها و يعيد الفنان إلى جمهوره و الجمهور إلى العروض و النشاطات، وهو تحديدا ما حاول مقدمو عرض مسرح الشارع الترويج له، عبر  لوحة « عيدنا قناع و خشبة».
الى جانب ذلك أشرفت جمعيات أبرزها البليري ، و الماسيل و البهاء للفنون و جمعية جسور، على معرض للأنشطة الحرفية و الإبداعات اليدوية تحت شعار «عيدنا فن وعمارة»، وهو فضاء خاص بقطع الزينة و الديكور و اللوحات الزيتية.
 فنانون قابلناهم على هامش العروض، تحدثوا عن المناسباتية في التعامل مع الفن والفنانين و عن التغييب و الغياب و عن جديدهم، حيث قالت الفنانة فتيحة سلطان بأن الإبداع هو أكسجين الفنان و أن أي تراخ في الظهور على الشاشة لن يكون وليد تغيب متعمد، فالفنان لا يمكن أن ينقطع عن جمهوره إلا لأسباب قاهرة.
و كشفت الفنانة بأنها بصدد التحضير لبعض المشاريع التي قد تعيدها إلى الشاشة قريبا ، خارج السباق الرمضاني، علما بأنها  شاركت قبل سنتين في مسلسل «اللقاء الأخير»،  و كانت حاضرة العام الماضي في الفيلم السينمائي «دزاير» الذي يروي قصة حياة شهيدة ظلمها التاريخ و نستها الذاكرة الجماعية، و تتمنى برمجة عروض وطنية للفيلم، في إطار الجولات  الفنية التي يشرف عليها المركز الوطني لتطوير السينما.
 الفنانة تحدثت عن مشكل شح النصوص، وقالت بأن ضعف السيناريو و الأفكار هو أيضا من العوامل التي تسببت في تراجع الإنتاجات التليفزيونية لممثلي قسنطينة الذين، قيدتهم المناسباتية كذلك و انحصار شبكة العروض في الموسم الرمضاني، كما طرحت مشكلة ثانية تتعلق بنقص التمويل كذلك.
 من جانبها، تحدثت التشكيلية لطيفة بولفول، عن تأثير الجائحة على العملية الإبداعية و كيف تسبب الحجر الصحي و الخوف العام من المرض في عرقلة سيرورة الحياة، و تطرقت من جانبها إلى قضية تغييب المنتج الثقافي الجزائري و تعمد تقزيم المبدع المحلي، وهي نظرة ضيقة قالت بأنها دفعت بالكثير من الكتاب و الروائيين والمبدعين للانسحاب كليا من الساحة بسبب الاكتئاب.  
أما مغني المالوف العربي غزال، فقال بأن عيد الفنان هو مناسبة للتأكيد على دور هذه الشريحة من المبدعين في بناء الجزائر الجديدة، التي يجب أن  نؤسس لها وفق ذهنيات أكثر انفتاحا على روح المبادرة و الاستثمار الثقافي و أقل اتكالية على الدولة، مضيفا بأن المرحلة القادمة لابد و أن تعرف إشراك الفنان بصفة أكبر في تسيير المؤسسات الثقافية عن طريق اعتماد نظام مناقشة تشرف عليه لجان مشتركة تعمل تحت تأطير الإدارة، لكن وفق منظور فني خالص.
 وقال المسرحي صلاح الدين ميلاط، بدوره بأنه من واجبنا تغيير نظرتنا للفن والتعامل معه بجدية أكبر، من خلال تكريس التربية الفنية التي من شأنها أن تنشئ فنانين متكاملين و أكفاء، إلى جانب إعادة تشكيل ذهنيات المتلقين و تشكيل جمهور نوعي وذواق، وهو تحديدا ما يعمل عليه رفقة عدد من الفنانين المشرفين على ورشات مدرسة مسرح قسنطينة التي استحدثت قبل ثلاث سنوات.
سهرة أمس عرفت كذلك، تكريم بعض الوجوه الفنية المحلية ، على غرار عبد الله حملاوي، لطيفة بولفول، عزوز بوعبيد و فتيحة سلطان، إلى جانب عرض أوبيريت فنية بعنوان «مهبط الفن و مقام المبدعين» و هي عبارة عن عرض مسرحي موسيقي متكامل يعيد إحياء كل الطبوع الفلكلورية لولاية قسنطينة، و يصور ضمن قوالب موسيقية بعض عادات أهل المدينة وتقاليدهم، و هي حكاية شيخ شاعر يبحث عن روح المدينة في زمن العصرنة، من إعداد أميرة دليو و نص شوقي ريغي، و مشاركة عباس ريغي وأحمد بن خلاف و إلياس عطاش و فلة الفرقاني و عبد الجليل أخروف  و أحمد حمامص و صلاح الدين تركي.
إعادة افتتاح مكتب بيت الشعر بقسنطينة
تزامنا مع اليوم الوطني للكتاب، خصص رواق عرض على مستوى بهو دار الثقافة، لعرض مجموعة من الإصدارات الأدبية لكتاب شباب من قسنطينة، إلى جانب جلسة بيع بالتوقيع  للشاعرة كلثوم دفوس، حيث تراقصت الكلمات والأشعار على وقع أنغام  عرض موسيقي بعنوان «نوطة و نغم»، قدمه طلبة الورشات الفنية للمؤسسة.
كما تم في ذات الإطار، توقيع اتفاقية بين دار الثقافة مالك حداد و بيت الشعر الجزائري، لإعادة افتتاح مكتب بيت الشعر بالمدينة، وقد أشرف على هذه الخطوة الدكتور بشير غريب نائب رئيس الهيئة الشعرية، الذي قال بأن الوقت قد حان لكي تعود الكلمة لمدينة العلم و أم الحواضر، وذلك من خلال جمع شعرائها ضمن بيت يخدم الشعر وكل الحقول الفنية التي تتصل به، حيث سيتم في إطار ذلك اقتراح برنامج نشاط يضم ندوات وملتقيات أدبية وجلسات شعرية، إضافة إلى العمل على توثيق المدونات و المخطوطات الشعرية المغمورة و إعادة الشعر للواجهة الثقافية، خصوصا بعد فترة الركود الثقافي التي طبعت سنتي الحراك و الجائحة.
 وقد تم في هذا الصدد تعيين خمسة شعراء شباب للإشراف على نشاطات بيت الشعر بالمدينة، من بينهم  سوسن نوري و حليم بولكعيبات.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى