دحو جربال يفتح أوراق الجزء الثاني من مذكرات - بن طوبال -
قدم أمس، الباحث في التاريخ دحو جربال، خلال ندوة نشطها بدار الثقافة بقسنطينة، جانبا من الجزء الثاني من مذكرات لخضر بن طوبال، التي نشرها مؤخرا، و قال بأنه يستعرض من خلالها وجهة نظر المجاهد حول حرب التحرير عموما، مع التفصيل في مشروع شال ، و تبيان حقيقته كمخطط سياسي هدفه القضاء على المقاومة و تكريس استقلال صوري أو انتداب  على شاكلة استقلال تونس و المغرب آنذاك، مضيفا، بأن العمل يواصل سرد ظروف اغتيال عبان رمضان، ناهيك عن الغوص في بعض التفاصيل الدقيقة التي تخص محاولات توظيف هذه الحادثة إيديولوجيا وسياسيا، لخلق الصراعات.

الباحث، قال خلال الندوة التي نظمتها جمعية فضاءات سيرتا،   بأنه من الإجحاف أن نقدم تاريح أول نوفمبر 1954، على أنه يوم قام فيه الشعب كرجل واحد ضد المستعمر، لأن من فجروا الثورة حقيقة ومن قادوها في أحلك الظروف، هم ثلة قليلة من الرجال السباقين إلى اعتناق الفكر الوطني التحرري، في وقت كانت هذه العقيدة غير راسخة بشكل عميق في أذهان كل فئات الشعب.
 و أضاف بأن كتابة التاريخ قضية حساسة ، لذلك يجب ذكر الأمور بمسمياتها، و قدم قائمة اسمية تضمنت عددا ممن أحصتهم لجان أول نوفمبر بالمنطقة الثانية، وهم مجاهدون سجل أسماءهم بالتنسيق مع لخضر بن طوبال و مجاهدين آخرين، تعامل معهم خلال رحلة التأريخ والتوثيق التي خاضها، كما استرسل جربال، في الحديث عن عمله حول مذكرات بن طوبال، الصادرة حديثا، وقال، بأنه لم يكن قادرا في بداياته كجامعي باحث في التاريخ المعاصر للجزائر، على قبول الرواية الأساسية للأحداث الثورية و الاكتفاء أكاديميا بالطرح الضيق المبني على وثائق أرشيفية تركها الحاكم المدني أو العسكري السابق، لأن ذلك يعني قراءة التاريخ من منظوره الغير ، لذلك قرر رفقة بعض الباحثين كسر القاعدة و الاجتهاد لجمع مادة تأريخية مصدرها الفاعل الحقيقي، حيث عمل رفقتهم بداية من سنة 1980 على جمع شهادات أكثر من 40 مجاهدا و مناضلا، بمن فيهم محمد مشاطي، و ذلك بغرض تحويل الذاكرة الشفهية إلى كتاب و وثيقة مرجعية، وهو عمل تطلب 42سنة كاملة من 1980 إلى 2022.
 واعتبر المؤرخ، بأن هذا المسعى ضروري لتصحيح النظرة العامة للحركة الوطنية، خصوصا وأن جزءا هاما من المواضيع التي تتعاطى مع هذه القضية، تكون وكأنها رد فعل على ما يقال أو ما يكتب و ينشر في فرنسا، ما يحبسنا، حسبه، داخل حلقة الأخذ والرد التي تجرنا دوما إلى طرح وحيد يستند بالأساس إلى منظور الغير، ولذلك فإن كتابة التاريخ بالاستناد لشهادات الفاعلين الحقيقيين، يمكن أن تفسر  بعض الأمور و بالأخص ما تعلق بشرح الوسط الذي نبتت فيه فكرة التحرر المطلق وليس المتدرج، لأن هذه الفكرة لم تكن سائدة وراسخة بشكل واسع شعبيا، كما قال وهو ما يضعنا أمام صورة أوضح عن طبيعة الكفاح و التحديات التي خاضها من حركوا الثورة فعليا، كما يسمح التأريخ أيضا بشرح عملية انتقال الجزائري من مجرد إنسان عادي أو حامل للسلاح إلى مناضل سياسي، متشبع بفكر تحرري واسع الأفق و مقتنع ومؤمن وملتزم بمعركة طويلة المدى لنشر هذه العقيدة. 
تطرق دحو جربال خلال حديثه، إلى الانقسام الذي حدث في حركة انتصار الحريات، وكيف أثرت هذه المحطة على صناعة الأحداث لاحقا، ناهيك عن ذكره لبعض المجريات التي ميزت مؤتمر الصومام، و تحدث عن مواضيع من قبيل توزيع الرتب و المسؤوليات و غيرها من القضايا التي تشكلت حينها، بما في ذلك إشكالية التصنيف بين المقاومة وحمل السلاح و الصفة العسكرية والطرح السياسي، كما أسهب في الحديث عن أحداث 20أوت 1955، وقال بأنها تعد بمثابة محطة مفصلية في تاريخ المسار التحرري، لأنها قلبت الموازين و أعادت تقديم جيش التحرير للشعب كجيش وطني وليس كمجموعة مقاومين يحملون سلاحا ضد المستعمر، فهذه المعارك هي من شجعت الجزائريين على صعود الجبال بحثا عن حماية الجيش، كما أنه تاريخ انبثقت عنه مشاكل تنظيمية جديدة خصت كيفية تنظيم المشاركة الشعبية في الكفاح المسلح، وقال مدير المجلة الجزائرية للدراسات والنقد الاجتماعي
«نقد»،  بأن بعض الملفات التاريخية المتعلقة بالتصفيات والمشاكل الداخلية يجب أن تدرس بموضوعية، لأنها مادة أولية للتفكير في تفسير الأحداث السابقة و حتى الحالية  مشيرا إلى ضرورة أن نضبط ترجمة صحيحة للمفاهيم  فالمصطلح الفرنسي"دونجوروز" مثلا، لا يعني خطيرة عندما يوظف لوصف هذه الأحداث بل يعني جادة. وخلال نقاش على هامش الندوة، قال الباحث، بأن بن طوبال وبعد مرضه و تعرضه لحادثة معينة في قسنطينة، قرر أن ينقطع عن السياسية، و قال أيضا، بأنه لا يشاهد الوثائقيات الفرنسية حول  حرب الجزائر،  بما في ذلك الوثائقي الأخير     لبنيامين سطورا و الذي وظفت فيه موسيقى لوالد ماسياس و تم إدراج حادثة مقتله ضمن الأحداث، مضيفا، بأن العمل حاول تشويه حدث تاريخي مهم وهو الثورة الجزائرية و أي حديث حول ما جاء فيه، يوجب طرح سؤال عن الجهة التي فوضت سطورا للكتابة حول الذاكرة، وما إذا كانت هذه الجهة هي الحكومة الفرنسية، معلقا في الأخير، بأننا جعلنا من بعض المؤرخين نجوما.
هدى طابي 

الرجوع إلى الأعلى