خريدة الأصبهاني تُجمع وتُحقق في كتاب واحد لأول مرة منذ 8 قرون بقسنطينة

استطاعت دار "مداد يونيفارسيتي براس" من قسنطينة أن تجمع في غضون خمس سنوات الموسوعة الثقافية التي وضعها الفارسي عماد الدين الأصبهاني الكاتب، حيث حُققت ونُشرت معا في كتاب واحد لأول مرة منذ أن وضعها مؤلفها الأول قبل أكثر من 800 سنة، بينما تعتبر من أكبر المراجع حول التاريخ الثقافي والأدبي الإسلامي التي تغطي حوالي مئة سنة من الجزء الأخير من القرن الحادي عشر إلى شق واسع من القرن الثاني، لكنها لم تجد بعد اهتماما كبيرا من الأوساط العلمية داخل الوطن رغم وصولها إلى الطبعة الثانية.

وعرضت دار نشر "مداد يونيفارسيتي براس" الموسوعةَ خلال مشاركتها قبل أسبوع، في معرض الكتاب العلمي الذي نظمته جامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة، حيث التقت النصر بصاحبتها نسرين بن علاق، التي سردت علينا تفاصيل مشروع الموسوعة بداية من إنشاء مؤسستها في عام 2005 عن طريق وكالة "أناد"، المعروفة سابقا برمز "أنساج"، وانطلقت في نشاطها بمنشورات قليلة مستثمرة في قلة الكتب حينذاك مع عدم توفرها على الإنترنيت، كما أكدت صاحبتها أنّها سعت إلى استدراك النقص المذكور من خلال استهداف اختيار كتب في مختلف الميادين.
واعتبرت محدثتنا أن موسوعة "خريدة القصر وجريدة العصر" لعماد الدين الأصبهاني الكاتب تمثل أكبر إنجاز حققته مؤسستها منذ بدايتها، حيث أوضحت أن تحقيقها استمر لمدة خمس سنوات، ليثمر الجهد المبذول عليها بنشر أول نسخة كاملة منها بمختلف مجلداتها، بعد أن كانت منشورة من قبل في أجزاء مبعثرة بين عدة دول إسلامية.
وحاولت المؤسسة عند بداية العمل عليها التواصل مع محققين جزائريين من أجل التكفل بالعمل عليها لكن الأمر لم يفلح، ما جعلها تتجه إلى محققين من تونس، أين تكفل بالتحقيق الدكتور مبروك المناعي مع مجموعة من الباحثين، مثلما أكدت صاحبة الدار، التي أضافت أن الجدية في العمل كانت أمرا ضروريا، خصوصا وأن الطبعة الأولى من الموسوعة كانت بدعم من وزارة الثقافة ما جعل الدار مطالبة بالالتزام برزنامة الآجال، بينما نبهت إلى أن الحصول على جميع أجزاء الموسوعة تطلب التوجه نحو عدة بلدان إسلامية، على غرار إيران وتونس وسوريا، بالإضافة إلى التواصل مع جميع الأطراف التي تحوز على حقوقها من أجل شرائها، ليعاد تحقيقها بشكل كلي ودقيق في هذه الطبعة الكاملة.
طباعة الموسوعة وشراء حقوق أجزائها كلف الملايير
وتستذكر محدثتنا نشر الطبعة الأولى من الموسوعة في عام 2017، حيث أوضحت أنها صنعت المفاجأة لدى العديد من الناشرين في العالم العربي، مؤكدة أن ناشرا كويتيا لم يصدق في البداية أن الموسوعة الكاملة قد جمعت في كتاب واحد، ثم اقتنى نسخة منها، وعاد بها إلى بلده، لتتلقى الدارُ بعد ذلك أصداء عديدة حوله. من جهة أخرى، نبهت صاحبة الدار أن مشروع تحقيق موسوعة الأصبهاني وطبعها قد كلف ميزانية ضخمة تقدر بالملايير، لأنها تتضمن شراء الحقوق ودفع مستحقات المحققين بالعملة الصعبة وتكاليف الطبع الفاخر لجميع مجلدات الكتاب، مؤكدة على جودة النسخ.
وقد أشارت نفس المصدر إلى أن الدار شرعت في العمل عليها بمجرد توقيع العقد مع وزارة الثقافة، التي كانت تعتزم اقتناء 1500 نسخة منه، ثم تراجعت بعد ذلك واقتنت ألفا فقط، ما وضع "مداد يونيفرسيتي برس" في مواجهة بعض الصعوبات خصوصا وأنها كانت قد أعلنت عن الطبعة الثانية للموسوعة، وقد نُشرت في بيروت، فضلا عن أن صاحبتها استثمرت موارد مالية كبيرة في المشروع دون أن تتلقى أي دفع مسبق من طرف الوزارة.
وتحدثت صاحبة الدار عن قلة اهتمام بكتاب الأصبهاني الذي جمعته على المستوى الوطني من طرف الهيئات الرسمية؛ ورغم تأكيدها على أن وزارة الثقافة قامت بدعم نشر هذه الموسوعة في إطار الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب وتطويرها، إلا أنها أوضحت أن الدار لا تحوز أي رجع صدى حول توزيع النسخ التي اقتنتها الوزارة على مكتبات المطالعة العمومية أو المؤسسات والهيئات التابعة لقطاع الثقافة، كما أشارت إلى أن الربح المادي جزء فقط من أهداف المشروع، معتبرة أن مهمتها تكمن في النشر وترقية القراءة ولا تقتصر على الجانب التجاري فقط، كما يستهدف مشروع "الخريدة" إتاحة الموسوعة لمختلف القراء، خصوصا وأن سعر النسخة الواحدة بجميع مجلداتها تقدر بحوالي 42 ألف دينار، بينما أكدت أن الدار لم تتلق أي طلبية لاقتناء الموسوعة أو مختلف كتب الدار الأخرى من الجامعات أو أي هيئة تابعة لوزارة التعليم العالي.

تكاليف صناعة الكتاب تضاعفت بثلاث مرات
وقالت صاحبة الدار إن أغلب الطلبة لا يمكنهم اقتناء كتاب مماثل، لذلك يجب أن يتاح لهم في المكتبات، بحسبها، خصوصا الطلبة الذين يحتاجون إليه بحكم تخصصهم، في حين نبهت أن السعر المذكور يخص الطبعة الأولى التي أنتجت قبل أن تعرف أسعار المواد الأولية لصناعة الكتاب الارتفاع الذي تشهده حاليا، ويقدره أهل المجال بتضاعف بأكثر من ثلاث مرات، مثلما أكدت. وترى بن علاق أن الناشرين لا يستطيعون الصمود في سوق الكتاب دون دعم الدولة في إطار إستراتيجية وطنية، خصوصا عند العمل على ضمان منتج ذي جودة، لكنها لفتت إلى أنها لا تقصد الدعم المادي فقط، وإنما ينبغي بحسبها إعادة النظر في العملية برمّتها وطريقتها.
أما خارج الجزائر، فقد تم توزيع نسخٍ من الموسوعة في جميع البلدان العربية، كما اقتنت هيئة ثقافية تونسية وحدها خمسين نسخة خلال تكريم صاحبة الدار من طرف الرئيس التونسي السابق، المرحوم الباجي قايد السبسي. وقد أكدت صاحبة الدار أنّها لم تستفد من الدعم المخصص للمؤسسات التي أنشأت بقروض "أناد" بحصة عشرين بالمئة على غرار الكثير من أصحاب المؤسسات المنشأة بالصيغة المذكور، لكنها قالت إنها تتلقى طمأنة من الجهات الوصية التي تقربت منها بخصوص الدعم مع القوانين الجديدة التي يجري العمل عليها.
وتأتي موسوعة "خريدة القصر وجريد العصر" لعماد الدين الأصبهاني الكاتب، الذي يعرف بالأصفهاني، في ثلاثة وعشرين مجلدا فاخرا، فهي تعتبر من أكبر ذخائر التاريخ الثقافي والأدبي الخاصة بالقرن الثاني عشر ميلادي وجزءا من القرن الحادي عشر، حيث جمع فيه الأصبهاني تراجم أدباء عصره والعصر السابق له مباشرة، فضلا عن أخبارهم وآثارهم على امتداد ما يقارب القرن من الزمان، كما خصص فيها الشق الأكبر للشعر والشعراء، مثلما جاء في الصفحة الأخيرة من غلاف الكتاب، مع التأكيد على أن الموسوعة لم يسبق أن حققت أو نشرت دفعة واحدة، كما تتميز الطبعة الجزائرية بـ"تحقيق الكتاب بصورة آنية، بعد أن تم بشكل زماني"، وبـ"نشره مجتمعا بعد أن نشر متفرقا: أي في النظر إليه والاهتمام به للمرة الأولى في كليته وتمامه وكماله".                     سامي حبّاطي

الرجوع إلى الأعلى