الرعب قد ينتقل إلى الضفة الأخرى
  "خليل" هي الرواية الأخيرة لياسمينة خضرا وهي صادرة عن دار القصبة بالجزائر 2018، تقع الرواية في مائتين وستين صفحة من الحجم المتوسط وبخط بحجم مقبول يعين على القراءة بارتياح. تقع في قسمين متناسبين في عدد الصفحات؛ فجاء القسم الأوّل بعنوان: طيور الأبابيل (les oiseaux d’Ababil ) الّذي يشتمل على ثمانية أجزاء مُرقمة تصاعديًا ينتهي في الصفحة 129 وبعدها يأتي القسم الثاني موسومًا: كونشرتو دو مينور لفدائي (Concerto en do mineur pour un Kamikaze) ويقع في سبعة أجزاء ويبدأ في الصفحة 130 وينتهي في الصفحة 260.
ا.د.محمد تحريشي
إنّ رواية "خليل" هي نص سردي يندرج ضمن تجربة الكتابة عند الروائي ياسمينة خضرا حول الإرهاب بوصفه حالة من الحضور والغياب، ويبدو أنّ هذا النص يستدعي نصوصًا أخرى للكاتب نفسه لاسيما خرفان المولى
(les Agneaux du seigneur) وصفارات إنذار بغداد (les Sirènes de Baghdad). ذلك أنّ موضوع الإرهاب شكل الحدث الرئيس في هذه الروايات التي فيها الكثير من المتباين والمتشابه من الأحداث وتقاطعها وتشابك الشخصيات والأماكن والأزمنة لتجعل المؤلف يستقل برؤية فنية وجمالية تنهل من أسس فكرية وأيديولوجية بين الواقع والمأمول في صراع حاد بين الخير والشر وبين الحق والباطل وبين الظلم والعدالة؛ صراع أوجد لغة حكائية وبنية سردية تجعل لكلّ نص خصوصيته الفنية والجمالية وفي الوقت ذاته مندمج مع ذلك الخيط السردي الرابط بين كلّ أعمال المؤلف لما يسعى أن يكون ذلك الناطق باسم أولئك المقهورين والمغمورين. "ارفعوا المستوى، يا أبناء العم"، قال. ما يحدث هو النتيجة المنطقية لعملية قديمة مثل الغريزة الإقطاعية: الاستبعاد يُفاقم الحساسيات، الحساسيات تثير الإحباط والإحباط يُولد الكراهية والكراهية تؤدي إلى العنف. وهذا أمر رياضي". ص:91 1.
إنّ رواية "خليل" هي تحليل عميق لموضوعة الإرهاب من منطلق أنّ معالجة هذا الأمر لا يرتبط بما نسمع أو نرى في وسائل الإعلام، أو ما يُراد تسويقه من ارتباط الإسلام بالإرهاب، وأنّها نتيجة وضع هش أساسه التهميش والتمييز بين المواطنين، وكان لابدّ من وجود صوت مغاير يجعل القارئ يغير من زاوية الرؤية ليقف على حقيقة المأساة أنّ المواطنين درجات انطلاقا من أصول ذويهم، وأنّ هذه الظواهر السلبية هي نتاج وضع اجتماعي غير سوي تغيب فيه العدالة أو الإحساس بها. إنّ رواية "خليل" هي ذلك الضمير الحي الّذي يريد أن يسمع أصوات هؤلاء المقهورين والمهمشين الّذين هم في حقيقة الأمر ضحايا وضع لم يختاروه مما أدى إلى غياب المنطق والعقل والتعقل: "لن تكن بلجيكيا بحق، لقد وعدني إلياس. لن يكون لديك سيارة مع سائق وإذا حدث لك، من خلال معجزة ما، أن ترتدي بدلة وربطة عنق، فإنّ أعين الآخرين ستذكرك بالمكان الّذي أتيت منه". خليل:23 2.  
إنّ رواية "خليلّ نص يسافر في التاريخ ويربط الأسباب بالمسببات والنتائج بالعواقب في رؤية فينة قد تحقق اجماعا لدى القراء كما أنّها يمكن أن تكون مصدر تباين واختلاف حول موضوع الإرهاب لما يصبح ظاهرة تتعدى الحدود ولما يغير الرعب موقعه ويصبح فيروسا متنقلا فتختلط الأوراق بين الضحية والإرهابي، ومن ثمّ فإنّ غياب التنشئة الاجتماعية أدى إلى أوضاع غير مستقيمة تحتاج إلى كلّ الرعاية والاهتمام.
استثمر ياسمينة خضرا كلّ ما من شأنه أن يُزكي نظرته من أنّ القراءة واجبة قبل إصدار الحكم وهو إذ يكتب هذه الرواية يفترض وجود قارئ أصدر حُكما قبل أن يقرأ، ومن كانت استراتيجيته في هذه الرواية أن يجعل القناعة والاقتناع ينموان مع مسار الأحداث لرسم معالم وعي بالواقع وبالأحداث من أن كلّ ما وقع ما كان له أن يقع لو أنّ العناية والاهتمام والثقة كانت أكبر، وأنّ مُحاربة اليأس والقنوط والفشل تحتاج جهود الجميع من دون إهمال أو تراخٍ. إن ياسمينة خضرا هاهنا ينطلق من الفرضية ويعكسها ليثبت بها فرضية أخرى وهي أنّ الجميع مسؤول عن الوضع المُتردي الّذي أوصل إلى الإرهاب: "حتى مع وجود سرج مطرّز بالذهب على الظهر، سيظل الحمار حمارًا. كنت أتوقع عظة في القواعد أو درس في الحياة... أخيرا، الكلمات المقصودة لإيقاظ مسؤولياتي. لم يكن لدي سوى الحق في انتقاد الاحتقار. لا صفعة، لا تهديد، لا عقاب. مجرّد استعارة سريعة، جعلني ازدراءها يائسًا على الهلاك. ص: 85 3.
إنّ رواية "خليل" تطرح مسألة الرعاية والتربية موضوعًا للنقاش برؤية تنطلق من الواقع لترسم قيمًا جمالية لرؤية فنيّة تعول على الخيال من جهة وعلى قدرة المتلقي على التخييل لتجعل المسألة أكثر عمقًا وتقدم وجوهًا أخرى للحقيقة لم يكن ممكنًا رؤيتها بتغيير زاوية الرؤية والانحدار أو حتى الانكسار، وتقول إنّ ما يبدو فشلا أو سلبيًا ما كان ليكون كذلك لو تكلف به من البداية مهما اجتهدت أطراف خارجية في الاستثمار فيه: "لم يكن يلقي والدي نظرة على كشوف نقاطي، على الرغم من بعض الملاحظات الكارثية، كان يفضل أن يدمر نفسه في لعبة الرهان، أمّا بالنسبة لأمّي فهي أميّة لا تميز بين فاتورة وبين استدعاء. في الواقع لم يكن أحد يهتم في المنزل"  خليل 67 4 .
إنّ هذا الوضع غير السوي يكشف عن الاختلال الأسري والعائلي في التربية والعناية بالأطفال؛ هو في الأساس وضع غير طبيعي حيث تخلى كلٌ عن دوره، وإذا كان الأمر كذلك فهو كفيلٌ أن يكون حاضنة لكلّ الانحرافات. إنّ المؤلف يربط هاهنا بين هؤلاء المُغرر بهم وبين الوضع الأسري والبيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشبان حيث تُركوا ضحية للإهمال والتهميش والإحساس بالمواطنة من الدرجة الثانية. يسعى المؤلف إلى تشريح هذا الوضح الّذي هو أشبه إلى جثة هامدة تركت لتتعفن أكثر. إنّ التمزق العائلي والاستقالة الجماعية للعائلة عن مهامها ودورها الاجتماعي في بناء مجتمع صالح هو عامل مهم وقوي لاستيطان الإرهاب هاهنا ومن ثمّ يسمح بانتقال الرعب من ضفة إلى أخرى.   

الرجوع إلى الأعلى