هكذا ترافق العلوم  و المعارف  الحرف
على هامش اللقاءات التي جرت بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 3 والتي جمعت أساتذة ممثلين عن كليتي الفنون والثقافة وكلية الهندسة المعمارية وكذا السيدة مريم تركي منسقة المشاريع الوطنية بالجزائر والسيدة بلينتا إيمكو (الألمانية) المسؤولة عن بيداغوجيا البرنامج بهدف التحضير لماستر في «الديزاين» تشترك فيه جامعة قسنطينة 3 وأونودي، التقينا ممثلتي المنظمة الدولية التي كانت قد قدمت مبادرات سابقة وشكلت نوايا عملية أثمرت عن ورشات للحلي التقليدية بباتنة وورشات النحاس بقسنطينة ويأتي الآن الاهتمام بالبعد الأكاديمي حتى يجتمع الإبداع المؤسس مع الحرفيين الذين لهم مهارات يجب الاستفادة منها.
النصر: ما هي المهام الأساسية للأونودي في الجزائر في علاقتها مع الحرف التقليدية؟
مريم تركي: إن هذا النوع من المشاريع التي ترعاها الأونودي مرتبطة مباشرة بالتنمية المحلية وما والاها من أبعاد تابعة أساسها إدماج الشباب وكذا النساء في المجالات الاقتصادية ودائرة الشغل إضافة إلى التكوين ومكافحة الفقر وهي الأهداف المركزية للأمم المتحدة. هذه هي الخطوط العريضة التي تنطلق منها المشاريع المتعلقة بتنمية القطاعات الإبداعية في المجال الثقافي وهي تجربة رائدة وحديثة وهذا بفضل الآفاق الحقيقية التي أحصتها منظمة الشغل العالمية والمتمثلة في إمكانية خلق خمسة ملايين منصب شغل جديد في الضفة الجنوبية للمتوسط.
النصر: كيف تمكنت الأونودي من تغيير نشاطاتها من التنمية الصناعية إلى التنمية المحلية من خلال تطوير الحرف والثقافة؟
مريم تركي: رأت الأمم المتحدة ومنظماتها أنه من الضروري التكيف مع الواقع الجديد في جميع المجالات ورأت أنه في بلداننا هناك إمكانيات حقيقية، ففي الجزائر توجد ثقافة حقيقية وتراث غني ومتنوع ولا يتناقله ويتوارثه سوى الشباب الذي يملك من الطاقة ما هو ضروري لذلك. في ظل تيارات العولمة هناك نوع من البحث عن الهوية لكن بمسحة معاصرة تنطلق من تكييف الوسائط والأدوات والسلع الاستهلاكية مع القوانين الجديدة للمجتمع المعاصر أي أن الهدف هو الذهاب نحو التطوير والإبداع الأحسن.
النصر: هناك وثيقة تم توقيعها عام 2006 بين الجزائر والأونودي لكن يبدو أن خطابك هذا يذهب إلى أبعد مما هو في الوثيقة؟
مريم تركي: بالضبط، نحن الآن نذهب أبعد إلى حقول أخرى.
النصر: كيف تمكنتم من منهجية محاولة دمج الجانب الأكاديمي والتكوين مع الجانب التقني والممارسة للحرف التقليدية؟
مريم تركي: بعد مرحلة توصيف الوضع جاءت مرحلة تدخل مختلف الشركاء الدوليين والوزاريين من أجل مناقشة المقترحات وتفاصيل إمكانيات تحقيق المشروع. تم تشكيل لجان لدراسة المواضيع المتعلقة بدراسة تطوير نوعية السلع والاهتمام بكامل سلسلة القيم المتمحورة حولها. الأساس هو خلق نظام حيوي يتمكن من خلاله الشركاء من خلق المعابر وتقديم نتائج العمل وهنا تأتي مرحلة وضع خطة العمل التي تتمثل في التكوين الذي يحاول الاستجابة للحاجات الميدانية للحرفيين والمؤسسات الصغيرة. في نموذج الحرف بقسنطينة مثلا اتبعنا نفس المنهجية التي استعملت في سبع دول (الجزائر، المغرب، تونس، مصر، لبنان، الأردن وفلسطين) مع بعض الإجراءات لتكييفها حسب الواقع.
النصر: في ماذا تتجسد هذه المقاربات النظرية؟
مريم تركي: إنها تتجسد في خلق وحدة مركزية (Hub) وهي مساحات جغرافية حقيقية متخصصة للإبداع وخلق العلاقات مع المتخصصين. في باتنة مثلا تم خلق وحدة للإبداع في مجال الحلي والتي انضمت للعمل عليها جمعية الصائغين من أجل البدء في مرحلة التكوين وتشكيل مؤسسات مصغرة تتم مرافقتها بهدف تطوير نشاطاتها والذهاب نحو الإنتاج.
النصر: ما هي الملامح المركزية للبرنامج البيداغوجي اللازم لتغطية مثل هذا النشاط الحرفي؟
بلينتا إيمكو: نعتمد أساسا على المعرفة الحقيقية للمجال الذي يتم التعامل معه، أي النزول إلى الواقع وتمضية الوقت من أجل معرفة ما تم إنجازه و ما لم يتم إنجازه. تبدأ العملية بمعرفة الإشكالية ومختلف التحاليل والمقترحات التي تم تقديمها وبالتالي فإن فكرة (Hub) هي فرصة للحرفيين لأن هناك تكوين في مجال المعلوماتية والطباعة بثلاثة أبعاد. في نموذج باتنة مثلا فإن الحرفيين يأخذون الحلي من كل الأنواع والأشكال ويقومون بتغيير بعض التفاصيل لكنهم لم يكن في مقدورهم إنتاج أشكال جديدة بالشمع أو بثلاثة أبعاد كما هو الحال في دول أخرى أين يتم إنتاج أعداد كبيرة من الحلي. بدا لنا أيضا أنه من الضروري سد بعض الثغرات المتعلقة بالتكوين وتطوير أشكال العمل أي تنمية سلسلة القيم.
يصبح التواصل مع الحرفيين في الميدان أيضا ضروريا؟
بلينتا إيمكو: بالطبع، لأن النزول إلى الميدان ضرورة تنمي التواصل مع الحرفيين والبدء في عملية التكوين لأن هذه العملية تقوم على التكيف. من خلال زياراتنا المتكررة للميدان فإننا رأينا أن أي تكوين للحرفيين في مجال الاتصال أو التسويق مثلا له بعد أكاديمي ولذا وجب تكييف البعد المنهجي مع الميدان ونشر المعلومة بطريقة بسيطة يمكن للجميع فهمها واستعمالها. مقياس الاتصال البصري مثلا يمكن من التواصل عن طريق مشاهدة الكثير من الصور وهذا ما يسهّل على الحرفيين تتبع المعلومة وفهم التمارين المختلفة وهذا ما لمسناه لدى حرفيي باتنة والذين كان هدفهم هو إنتاج أوسع للحلي المحلية.
النصر: من الذي يتدخّل في هذا المجال؟
بلينتا إيمكو : يشاركنا في التكوين خبراء دوليون بحيث تدخلت خبيرة دولية مختصة في الديزاين من أجل  تقليص النقائص والتحضير لهذا البرنامج الذي أشرك جملة من الكليات من جامعة قسنطينة 3 ونحن الآن بصدد التحضير مع الأساتذة من خلال فرق عمل إنجاز برنامج يضم كل هذه الآمال والأهداف.
النصر: كيف تقيّمون تجربتكم مع حرفيي النحاس بقسنطينة؟
بلينتا إيمكو: أنا الآن بصدد التحضير للذهاب والالتقاء بهم لأنني لم أرهم منذ سنتين ومن واجبي القول بأن لديهم مواهب كبيرة وقدرات هائلة على الإبداع ولكن للأسف هي آخذة في الاندثار بسبب تيارات العولمة وهذا ما يستوجب دفع تربية جديدة على التراث ليس لدى الحرفيين بل لدى الجمهور الذي من واجبه أن يعرف ما يشتريه ويعرف أيضا ما تحكيه المقتنيات النحاسية من تاريخ. ما دام كل شيء يتعرض لرياح التغيير فإن التراث الجزائري كي يتمكن من الاستمرار والبعث على الحرفيين أن يقدموه بشكل معاصر ليمكنوه من أن يحكي قصصه بطريقة مغايرة أي أكثر قرب من العصر. منتوج جديد من أجل مستهلك جديد.
النصر: كيف كانت صورة العلاقة مع الحرفيين؟
بلينتا إيمكو: بالنسبة لي كانت التجربة مع الحرفيين غنية ومثقفة باعتبار أن أعمارهم تمتد من 25 حتى 70 سنة، اجتمعنا في قاعة كبيرة وكانت الأصوات تتعالى من كل جانب وأحسست بحبهم للمهنة واهتمامهم الكبير بالحرفة وغمروني بكثير من الاحترام لأنهم فهموا أننا لم نكن هناك كي نقود ونتحكم وإنما كي نشارك ونعطي.
النصر: ما هي استراتيجية الأونودي بالنسبة لتعاملها مع الشباب؟
مريم تركي: بدأ الاهتمام بالشباب من خلال دمج البعض منهم في عمل المنظمة ذاتها وهنا بجانبي الآنسة فرقاني التي تشغل منصب عضو التطوير وقد قدمت الكثير من أجل النشاطات التي نقوم بها من خلال التنسيق والتسيير والمحافظة على التواصل بيننا وبين مجمل الحرفيين. فكل النشاطات التي تقوم بها الأونودي في قسنطينة مثلا ارتكزت على مواهب الشباب مثل المصوّر طارق لزعر الذي حصل على جائزة قدمت له من قبل ممثل الإتحاد الأوروبي في الجزائر، كباب عبد الرحمان الحرفي الذي مزج الاسمنت مع النحاس وقام بمعرض في باريس وفيينا.
بلينتا إيمكو: اتصلت أنا شخصيا مع مسؤولي المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بقسنطينة كي نبيّن بأننا مجرد أدوات وصل بين مؤسسات وأشخاص موجودين في المدينة وأنا فرحة جدا لأنني أتعلم كثيرا مع كل زيارة للميدان وسعيدة لخوض هذه المغامرة الجميلة.
النصر: ما هي آفاق كل هذا العمل؟
مريم تركي: بالنسبة للأونودي هي تجسيد كل البرامج ومنح حياة طويلة لهذه المشاريع وإيجاد شركاء وتوسيع مثل هذه الأشغال في ولايات جزائرية أخرى حتى تعم الفائدة.
أجرى الحوار: عبد السلام يخلف

الرجوع إلى الأعلى