إغفال الجامعات للتكوين تسبب في تدهور المسرح الجامعي
يعاني المسرح الجامعي من أزمات متعددة ومختلفة في الوطن العربي حيث أرجع مسرحيون ونقاد تدني مستواه إلى غياب التكوين المسرحي داخل أسوار الجامعة وهو ما جعل العروض الطلابية تفتقد لأساسيات المسرح كما أن غياب الاهتمام بالمسرح الجامعي من قبل إدارات الجامعات في العديد من البلدان العربية، جعله يبدو قريبا من العروض الإرتجالية ولا يلامس جوهر المسرح وذلك غياب ديكور ملائم وأزياء مسرحية وغيرها من متطلبات فن المسرح.
النصر التقت بمخرجين مسرحيين في المهرجان الوطني للمسرح الجامعي في طبعته الرابعة الذي أقيم بالمسرح الجهوي بقسنطينة ورصدت أراء أهل الاختصاص حول المشاكل التي يتخبط فيها المسرح الجامعي سواء في الجزائر أو الوطن العربي.

• استطلاع  : حمزة دايلي

المخرج المسرحي حسان بوبريوة

المسرح الجامعي أضحى ارتجاليا  بعد أن كان مسرحا مكونا

العروض المسرحية الجامعية يغلب عليها الطابع الارتجالي وتبتعد عن العمل الفني المبني والمحكم ، فالمسرح يبقى مسرحا سواء كان جامعيا أو احترافيا، يمر بمراحل تحكم نجاحه أو فشله، منها اختيار النص والعمل على السينوغرافيا و الديكور، وغيرها من أساسيات العمل المسرحي، أنا لا أريد أن أقول أن المسرح الجامعي هو مسرح مخبري بالدرجة الأولى، لأنني شهدت مراحله الذهبية سنوات السبعينات والثمانيات في الجزائر، إذ كان يشكل حركة مسرحية بحد ذاتها، حيث كان المسرح الجامعي يقدم أعمالا جميلة وتكاد تكون قريبة للمسرح المحترف، وهو ما خلق منافسة شريفة من ناحية العروض، ويجب التاكيد هنا أن الإطار العام في تلك الفترة كان يسمح بظهور مسرح جامعي تحكمت فيه التوجهات السياسية والإيديوليوجة وأنا أتحدث بالدرجة الأولى عن التوجه الاشتراكي حيث أن معظم الطلبة تأثروا بهذا المد الذي ساهم بشكل كبير في جعل المسرح الجامعي مسرحا جادا ينطلق من أفكار تلك المرحلة.
المسرح الجامعي هو نتيجة لمراحل التعليم المختلفة التي كرست غياب التكوين المسرحي فمع اختفاء المواد الفنية والثقافية من المؤسسات التعليمية الجزائرية، هذه الظروف كلها جعلت المسرح الجامعي يكاد ما يكون سباق في الوقت بدل الضائع لأن معظم الطلبة ليس لديهم إطلاع على التجارب المسرحية ولم يشاركوا في مسرحيات من قبل.
هناك مواهب كثيرة في الجامعة لكن غياب التكوين جعلها طاقات مهدرة فحتى دارسي الفنون في الجامعات هم دارسي فنون نظرية وليسوا متكونين إذا ما تعلق بالمسرح ، هذا الأخير الذي لديه تقنياته وأسراره لا تكتشف إلا بالممارسة الفعلية له.فالرقي بالمسرح الجامعي لا يتم إلا بتوفير الظروف المناخية  اللائقة له لينمو ويزهر  وأنا أقصد بالظروف المناخية التهيئة الثقافية التي تنطلق من تصور لمشروع مسرحي مبني على التجريب والدراسة والتجديد وليس قيام بمسرح جامعي بدخول مسابقة تتم بين الكليات المختلفة.

 

محمد حبيبي أستاذ أدب عربي بجامعة جازان السعودية

التكوين المسرحي في الجامعة لا يستمر لطبيعة الدراسة الجامعية

المسرح الجامعي هو متنفس لدى الطالب وليس هدفه الرئيسي من دخول الطالب للجامعة فإذا ما تحدثنا على العموم  فإن مستوى المسرح الجامعي ضعيف بشكل عام وذلك راجع  لنقص مستوى التكوين، لكن توجد عروض ذات مستوى وذلك لاستعانتها بالمسرح المحترف وهو ما تم تلمسه في كثير من العروض التي يتم مشاهدتها إذ يتم الاستعانة بمخرجين معروفين وذلك من أجل نيل جائزة المنافسة المسرحية الجامعية .
تجدر الإشارة أن وجود الطالب في الجامعة هي مرحلة مؤقتة وهو ما أثر على إحداث تراكم في التجارب المسرحية الجامعية إذ لا يكون تواصل خبرات مع الذين تكونوا لمدة ثلاث أو أربع سنوات وبين القادمين الجدد وهو ما يعكس حالة تدبدب في مستوى المسرح الجامعي بشكل عام .
المسرح باعتباره نافدة وعي داخل المجتمع الجامعي يخاطب شريحة الشباب رغم ذلك لا يتم الاعتناء به من قبل إدارات الجامعات حيث بالكاد تخصص له ميزانيات مالية وتنعدم المسارح الجامعية في الكثير من الجامعات العربية فأي محاولة لقيام مسرح جامعي في أي جامعة هي محاولة لإنتاج وعي طلابي.

 

المخرج المسرحي السوداني مكي سنادة

المسارح الجامعية كانت نواة المسرح في الوطن العربي

المسرح الجامعي هو المؤسس للمسارح المحترفة وخلق ما يعرف بالسمات الأولى لتأسيس المسرح في الوطن العربي وذلك في مراحل زمنية سابقة، حيث نلاحظ أن كثير من المسارح في الوطن العربي كانت نشأتها المسرحية طلابية أو جامعية وأنا أتحدث عن السودان نموذجا حيث كانت جامعة الخرطوم هي مهد المسرح، حيث ساهم العمل الطلابي المسرحي على تكوين معهد متخصص في الدراما والمسرح فيما بعد، كما أن العروض المسرحية الطلابية كانت بدرجة كبيرة من ناحية الوعي المسرحي.
فرغم أن المسرح هو مادة اختيارية وليست إجبارية في مدارس التعليم فإن إدخاله في المنظومات التعليمية في كثير من البلدان العربية ساهم وسيساهم في تطوير المسرح الجامعي والمسرح المحترف على المدى البعيد.
فالنقد المسرحي الذي يمارس على المسرح الجامعي أنظر اليه بصفتي كناقد بأنه نقد يمارس على الهواة ولا يجب أن يكونا نقدا قاسيا مثلما هو عليه الحال إذ تعلق الأمر بالمحترفين لأنني أحيانا أجد مواهب طلابية تستحق أن تستمر في المسرح باعتبار أن المسرح الجامعي أرض خصبة لاكتشاف المواهب، فمحاكمة المسرح الطلابي يجب أن يكون فيه مرونة وإعداد للطالب بحيث يمكن له أن يكون ضمن المسرح المحترف.

 

جمال خالد الشايجي ناقد مسرحي من الكويت

إنه مسرح جامعي وليس مسرحا للهواة  أو المحترفين

المسرح الجامعي يتناول مواضيع تهم الطالب، فنحن حين نتحدث عن الطالب وعلاقته بالمسرح الجامعي نحن نتحدث عن متعلم في كليات الجامعة المختلفة من هندسة وطب وغيرها من التخصصات وهو ما يجعل العمل المسرحي الجامعي يمتاز بخاصية المخبرية والتجربة حيث يمثل أول لقاء ما بين المسرح والطالب الجامعي لذلك فأنا لا أعتبره مسرح هواة ولا أعتبره مسرحا محترفا هو مسرح جامعي يعبر عن أفكار الطالب و يمتلك خصوصياته التي تميزه فلا يمكن الحكم عليه إلا بفهم هذه الخصوصيات وعلى ناقد المسرح الجامعي أن لا يرى الأعمال المسرحية بنفس المنظار الذي يحكم به على الأعمال المسرحية المحترفة.
وأنا نوهت في العديد من الملتقيات التي تناقش المسرح الجامعي بضرورة أن يمثل الطالب لكن على الجامعة أن تستعين بخبرات محترفة إذا تعلق الأمر بهندسة الصوت ومهندس الإضاءة وغيرها من الأمور التقنية وهو ما سيكون الطالب ويعرفه على أبجديات العمل المسرحي المحترف ويبدأ خطواته الأولى من الجامعة.
وأنا أعتقد بأن مهمة المسرح الجامعي هي تحبيب الطالب في المسرح حيث أن النقد القاسي لطلاب الجامعة قي يحبطهم في الأخير لذلك يجب أن نراعي في نقدنا للأعمال المسرحية جانب التجربة الأولى لدى الطالب. فيجب تشجيع الطالب الجامعي الذي يتعب في الدراسة إذا ما التحق بالمسرح الجامعي وذلك انطلاقا من فهم واعي بأن نظم مسرح الكبار ليست هي نظم مسرح الجامعة.

 

صلاح ميلاط مخرج مسرحي

الجامعة تتقشف في تمويل العروض المسرحية الطلابية

المسرح الجامعي ضحية تقشف الجامعة في كل ما تعلق بالنشاطات والفنون الثقافية،  فالمسرح بشكل عام  تحول من فن إلى صناعة فنية وأنا أقصد بالصناعة احترافية العمل  انطلاقا من نوعية الديكور وصولا إلى السينوغرافيا حيث نجد كل الفرق المؤسسة للمسرح حاليا والناجحة تنتمي للمسرح المحترف عكس ما كان في وقت مضى مع قلة المسارح المحترفة، فكان المسرح الجامعي إيمان ونضال، ولا تهم المستحقات المالية التي كانت ترجى من العروض، لكن مع وجود متطلبات العصر المتعددة فقد تغير الوضع إذ نجد أن الممثلين الجيدين حتى وإن كانوا يدرسون في الجامعة ،يعملون مع مسارح محترفة وهو ما أثر على نوعية العروض المسرحية الجامعية لأنه لا يوجد انفاق حقيقي على الأعمال المسرحية وكل ما تمت مشاهدته من عروض هو نتيجة ارتجال الفرق الطلابية في كتابة النصوص والإخراج دون أن تكون لديهم فكرة واضحة عن مفهوم المسرح بشكل عام.
كما أن عدم احتكاك المسرح الجامعي بالمسرح المحترف عمق الفجوة كثيرا إذا تعلق الأمر بنوعية العروض حيث نتلمس ظواهر خطيرة إذ يمثل طلبة في المسرح الجامعي وهم لم يشاهد من قبل عروضا مسرحية وذلك لانعدام ثقافة المشاهدة والإطلاع لدى الطلبة الجامعيين في الوقت الحالي وما زاد الدين بلة هو غياب الأبحاث المتخصصة في المسرح فكل ما يتم دراسته في الجامعة عبارة عن تنظير وبعيد عن روح المسرح.

 

ياسين تونسي مخرج مسرحي

المسرح الجامعي لم يصل بعد لمرحلة المسرح المخبري

المسرح الجامعي كان يساهم في رفع المستوى المسرحي في الجزائر حيث كانت نصوص مسرحية تكتب على مستوى الجامعة كما أن الحركة النقدية المسرحية كانت ناشطة في الجامعة فإذا تحدثنا عن المسرح الجامعي في فترات تاريخية سابقة في الجزائر فإنه كان مسرحا متكاملا من جميع النواحي الفنية.
لقد افتقدنا المسرح الجامعي ومستواه المرضي طيلة عشرين سنة الماضية فلم يعد هناك مسرحا بقدر ما هناك عروض تحاول أن تشكل مسرحا لأن جل اهتمام المسارح الجامعية هو النصوص الأدبية وكتابها الكبار حيث يتناسون أن المسرح هو عبارة عن مراحل من اختيار النص إلى اختيار اللباس فكلها تساهم في جعل المسرحية متكاملة فنيا.
المسرح بشكل عام هو مسرح مخبري يعتمد على التجارب الجديدة لكني أعتبر أن المسرح الجامعي الذي شاهدت عروضه لم يصل بعد الى هذه المرحلة فقد انتكس إلى بدايات ظهور المسرح.

الرجوع إلى الأعلى