صدر منذ أيّام، عن منشورات إبداع، كتاب جديد، للكاتب والباحث والناقد عبد الملك بومنجل، وكان عنوانه الرئيسي هو «حوار الحضارات»، وأرفقه بــعنوان فرعي هو “تعارفٌ وتثقاف”، وفيه يحدّد ماهية هذا الحوار وثمرته وهو «التعارف» بعدّه تعاونًا في المعروف علاوة على الاجتهاد في معرفة الآخر، و»التثاقف”، بعدّه تبادلا للمعارف والمهارات والخبرات والمنجزات يقوم على أساس العطاء والأخذ بلا هيمنة ولا استعلاء.
الكِتاب، انطلق فيه المؤلف من مسلّمتين أساسيتين، هما: أنّ إنسانية الإنسان تقتضي أخلاقيته وأخلاقيته تقتضي حواريته. وأنّ روح الحضارة الإسلامية هي روح حوارية أصلا وليست صدامية إلاّ اضطرارا. وقد أعتمد عليهما لبناء تصور شامل عن حوار الحضارات بعدّه تعاونا في تحصيل المعارف النافعة، وترسيخ القيم الإنسانية الفاضلة، وتفاعلا بانيا بين ألوان المعارف وأنماط الثقافات، تُحترم فيه كرامة الإنسان وحريته وحقه في الاختلاف، وتُتبادل فيه القيم والمعارف والخبرات والمنجزات بطريق الحوار والإقناع والجاذبية الفكرية أو الروحية، لا بطريق الجبر والقهر والهيمنة والاستعباد.
الملاحظ في هذا الكتاب البحثي، أنّ منهج صاحبه كان بالأساس التأصيل والاستنباط والتحليل والتأريخ والمقارنة بين الأوضاع والمواقف والأطروحات والنظريات. وهذا ما جعله يستعين بجملة من المصادر والمراجع، وأن يستثمر منها أكثر المضامين اتصالا بالموضوع وخدمة له، وأن يتولى بنفسه نسج خيوط البحث تركيبا وتحليلا واستنباطا وتأصيلا مع تقديم نماذج بعينها.
وبهذا الخصوص، أوضح الدكتور بومنجل للنصر: «حرصت في كتابي هذا على أن أقدّم نماذجَ راقية هادية لحوار الحضارات، أؤسس بها لما أنشده من إشاعة الإيمان بالحوار خيارا أمثل للتعامل بين الشعوب والأمم والحضارات، فكان لزاما أن أختار من التاريخ القديم والحديث تجاربَ وأعلاماً في حوار الحضارات، وكان لزاما أن أعتمد على أكثر المصادر شهرة ودلالة على روح التحاور والتفاعل والإنصاف التي امتلأت بها تلك التجارب وأولئك الأعلام، فاتخذت من كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) لزيغريد هونكه، وكتاب (أثر العرب في الحضارة الأوروبية) لعباس محمود العقاد، وكتاب (حوار الحضارات) لروجه غارودي مصادر أساسية لي. ولأنّي توخيت الإيجاز مع التركيز على جوهر الموضوع دون الإسهاب في الشواهد والهوامش المتصلة به، فقد اقتصرت على المصادر والمراجع ذات الصلة المباشرة والعميقة بموضوع حوار الحضارات، ولم أر ضرورةً للاستكثار من كلّ ما له صلة بهذا الموضوع».
نوّارة لحـرش

الرجوع إلى الأعلى