فيلم - قرطبة -.. قصة مسجد ورهانات التعايش في بلاد الأندلس
قدم المخرج بن سالم بوعبد الله مساء الأحد المنصرم، العرض الأول لفيلمه الوثائقي الموسوم «قرطبة» والذي أنهى إنجازه منذ شهرين فقط في لندن وفضل أن يراه الجمهور الجزائري أولا، و يروي الفيلم قصة مسجد قرطبة بإسبانيا وهي قصة مثيرة تعكس في ظاهرها تعايشا دينيا يضرب أروع الأمثلة في العالم بين «الإسلام والمسيحية»، وتخفي في باطنها صراعا سياسيا اقتصاديا ظهر سنة 2006 وضرب تصنيف اليونيسكو لسنة 1984، لهذا الفضاء كمعلم ديني عالمي يجمع «المسجد والكنيسة»، عرض الحائط في زمن «العيش معا في سلام».
على مدار 58 دقيقة من الإبحار في تاريخ الحضارة الإسلامية بالأندلس، والاستمتاع بالهندسة المعمارية الإسلامية لتلك الحقبة في قرطبة، عاش الحاضرون بمقر جمعية «صحة سيدي الهواري» نقلة سينمائية بين فضاءات مقر الجمعية الأثرية التي تجمع بين العمران الإسباني والعثماني، إلى قرطبة والأندلس في تزاوج تاريخي مميز، هذه النقلة السينمائية كانت مع العرض الأول لآخر فيلم وثائقي للمخرج الجزائري بن سالم بوعبد الله، حيث صال وجال بين أرجاء مسجد قرطبة الذي يشهد على 8 قرون من التواجد الإسلامي في الأندلس، كل شبر فيه يروي قصة تاريخية ويربط الماضي بالحاضر من خلال الصراع المتواصل لغاية اليوم بين المدافعين على ضرورة الإبقاء على المسجد مكانا والتسمية إلى جانب الكنيسة الكاثوليكية التي تسعى للاستيلاء على المكان وإنهاء تواجد المسجد خاصة في التسمية رغم وجود تصنيف عالمي لليونيسكو بأن «مسجد وكنيسة قرطبة معلم تاريخي أثري»، ورغم وجود بيان ضد قرار الكنيسة موقع من طرف 1,5 مليون مدافع عن القضية خاصة المقيمين بقرطبة، وحسب الباحثين والأستاذة والصحفيين المشاركين في الفيلم والمنضوين في مؤسسة جمعوية للدفاع عن المسجد، فإن محاولة الكنيسة الكاثوليكية الاستيلاء على المسجد كليا، راجعة لكونه معلما سياحيا مهما في إسبانيا حيث يزوره ملايين السياح سنويا وكل داخل يدفع مبلغ 8 أورو من أجل الدخول الذي من المفروض أن يكون مجانيا بالنظر للأموال التي ترصدها السلطات لتسيير هذا الفضاء والمساهمات التي تأتي من عدة أطراف أيضا، ووفق المهتمين بالقضية وهم إسبان، فإن دفع ثمن تذكرة الدخول يعتبر غير قانوني ولكن القائمين على الكنيسة يستفيدون من تلك الأموال، ويبدو حسب التدخلات في العمل السينمائي، أن هذه المداخيل المالية هي أساس الصراع للاستحواذ على المسجد بصورة نهائية. وبخصوص عدم وجود رأي لشخصية أو باحث من الدول الإسلامية للمشاركة في الفيلم، أوضح المخرج أنه اتصل بهيئات تمثل فعاليات المجتمع الإسلامي ومنها «منظمة المؤتمر الإسلامي» التي رفض أمينها العام التدخل، مما جعل العمل يقتصر على الباحثين والمهتمين الإسبان منهم أساتذة وأدباء وصحفيين.
وبعيدا عن الصراع الإيديولوجي، فإن الفيلم كان ناجحا من الناحية التقنية، من اختيار زوايا التصوير والإضاءة التي كانت متدرجة حسب المكان وغيرها من التقنيات المتحكم فيها، ولكن ما شد انتباه وحرك إحساس الجمهور المتابع، هي الموسيقى الأندلسية الرائعة التي قال المخرج إنه أرادها موسيقى تحاكي تلك الحقبة الزمنية حتى ترافق التصوير وتحمل المشاهد للعهد الأندلسي الذي لم يغفل منه المخرج علماءه ومبدعيه المسلمين، منهم خاصة الشعراء و العلماء الذين كانت أعمالهم أولى إشعاعات النور للحضارة الأوروبية والاشراقة الفكرية التي صنعت نهضة القارة العجوز.
للعلم، فإن المخرج والمنتج بن سالم بوعبد الله أنجز أكثر من 15 فيلما وثائقيا أغلبها عن أماكن أثرية عبر العالم والمناطق الإسلامية، وقال في تدخله على هامش العرض، إنه ينجز أعماله السينمائية لصالح عدة هيئات دولية خاصة في بريطانيا وكذا لصالح دار الإنتاج التي يملكها، مبرزا أنه «لولا قلة الإمكانيات المادية لأنجزت الكثير من الأفلام التي تعكس مرور الحضارة الإسلامية في عدة دول أوروبية خاصة وتأثيرها العلمي والثقافي على انبعاث الحضارة الغربية الحديثة»، مضيفا أن الأموال ليست وحدها التي تعرقل الأعمال السينمائية منها الأفلام الوثائقية، بل الإجراءات البيروقراطية التي قال إنها تحول دون إنجاز مثل هذه الأفلام في الجزائر، ورغم هذه الإجراءات إلا أن الفيلم تحصل على الموافقة والترخيص لعرضه في قصر الثقافة بتلمسان، قبل أن يجول في دور السينما بأوروبا منها باريس ولندن وتركيا وغيرها.     
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى