التمسّك بالفرنسية حرم الأدب الجزائري من الانتشار في العالم
 يعتبر الكاتب و المترجم البروفيسور ناصيف العابد، بأننا في الجزائر متأخرون في ما يخص التوجه إلى الترجمة من و إلى الإنجليزية،  إذ قضينا سنوات عديدة و نحن ندور في فلك الفرنسية وحدها وهو ما حد من مقروئية كتابنا،  رغم مستوى و نوعية الإنتاج الأدبي، مؤكدا في هذا الحوار الذي خص به النصر، بأن هناك عوامل سياسية حالت دون مضينا قدما في هذا النسق، ما يضعنا اليوم أمام مسؤولية تكثيف الإنتاج لتدارك الوقت الضائع، خصوصا في ظل انفتاح فئات طلابية و أخرى مثقفة على المطالعة بهذه اللغة التي باتت مؤلفاتها مطلوبة أيضا في مجال البحث العلمي.
حاورته هدى  طابي
 ناصيف العابد، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة منتوري قسنطينة، مترجم و كاتب صدر له سنة 2000 ديوان شعري باللغة الفرنسية بعنوان» رجل وشمعة و القليل من الناس»،  بالإضافة إلى  ترجمة من العربية إلى الفرنسية لديواني «عولمة الحب عولمة النار» و «اللعنة و الغفران « للشاعر عز الدين ميهوبي، كما أصدر سنة 2018 ديوانا شعريا باللغة الإنجليزية يحمل عنوان « الموفي بالوعد»، زيادة على كتاب أكاديمي عنوانه  «مدخل إلى علم الاتصال ـ وجهة نظر علم النفس».
لا أريد أن أنطفئ!
ـ النصر:  تعد من القلائل الذين اختاروا الإنجليزية كمادة للنشر رغم محدودية قرائها، لماذا؟
ـ ناصيف العابد: لابد من التوضيح أولا بأنني لست مترجما محترفا، بل أصنف نفسي في خانة الهواة، فأنا لا أملك شهادة في الترجمة، فالشغف هو الذي دفعني إلى دخول عالمها.
 إجابة على سؤالكم، يمكنني اختزال الأمر في نقطتين، السبب الأول، لاختياري للإنجليزية كمادة للكتابة و للترجمة و النشر، مرتبط بكوني أستاذا بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة قسنطينة، أما ثاني سبب فيعود إلى قناعتي بأن المثقف الجزائري مطالب بالإسهام في إثراء الساحة الأدبية المحلية و تقديم إضافة نوعية. ولأن من يجيدون الإنجليزية في بلادنا قلائل، فإنه من واجبنا تكريس معرفتنا بها لخدمة هذا المسعى، شريطة توفر الرغبة و الكفاءة، و عن نفسي أقول بأن هناك مثلا إنجليزيا معناه «إن لم تنتج و تنشر ستنطفئ» و أنا لا أريد أن أنطفئ.
ـ هل يمكننا الحديث اليوم عن نشاط ترجمة حقيقي من و إلى الإنجليزية، وهل الإسهامات المتوفرة تتماشى مع تزايد الإقبال على هذا اللون الأدبي في بلادنا؟
ـ الساحة الجزائرية بحاجة للكثير من الكتب، وبالأخص باللغة الإنجليزية وذلك بالنظر إلى تزايد الاهتمام في أوساط الطلبة و المثقفين على المطالعة بهذه اللغة، من جهة ثانية فإن الاعتماد على مؤلفاتها، لم يعد منحصرا في شق حب الأدب، بل إن إصدارتها تعتبر جد مهمة في المجال الأكاديمي، لأنها لا تزال شحيحة كمادة للبحث العلمي يعتمد عليها طلبة الدكتوراه و الماستر و الجامعيون عموما لإنجاز بحوثهم و مذكراتهم.
الإنتاج لا يغطي الاحتياجات
 في ما يخص التلاؤم بين العرض و الطلب، يمكن القول بأننا لا نزال بعيدين عن المستوى المطلوب، فالإنتاج قليل و لا يغطي الحاجة، لأن الترجمة من و إلى  الإنجليزية لا تزال فتية، عكس الفرنسية، لأننا ببساطة تأخرنا في الانفتاح على هذه اللغة، و لم نقبل عليها و على أدبها بشكل عام، إلى غاية مطلع الألفينات، وذلك بعدما فرضت نفسها بفضل الإنترنت و فايسبوك و غيرها من الوسائط المعلوماتية .
ـ هل تعتقد أن الخلفية السياسية لعبت دورا في هذا التأخر ؟
ـ  فعلا، الفرنسية لا تزال تحظى بحصة الأسد في الأدب الجزائري كتابة و ترجمة، بالنظر إلى حجم استخدام هذه اللغة، باعتبارها لغة رسمية ثانية، فالعوامل السياسية لعبت دورا رئيسيا في تشكيل صورة الساحة الثقافية و الأدبية الجزائرية كما نعرفها اليوم، أولا لأن الاستعمار قضى 130سنة هنا، و أثر بشكل كبير على كل المجالات، ما كرس إيديولوجيا لهيمنة التيار الفرنكوفوني على الساحة الثقافية.
قبل سنوات أقر الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد برنامجا لتكريس ثقافة الكتاب في المجتمع و أعطى اهتماما كبيرا للكتب الإنجليزية في محاولة لترقية مكانتها من خلال كسر أسعار الكتب و توفيرها، و أذكر أنني اشتريت آنذاك مؤلفات لشكسبير بمبلغ لا يتعدى 7دج، لكن بعد رحيله، توقف كل شيء و ارتفعت أسعار الكتب بشكل كبير، لأن من جاؤوا بعده لم ينتهجوا نفس السياسة، وهو ما أثر على المقروئية، من ناحية ثانية، لا أحد ينكر بأن غالبية المثقفين يفضلون الترجمة من و إلى اللغة الفرنسية لأغراض تجارية.
الأهداف الاقتصادية تتحكم
في الترجمة
 ـ ما ذا تقصد بالترجمة لغرض تجاري؟
ـ  القصد هو أن من يجيدون الإنجليزية في بلادنا قليلون،  منهم من لا يهتمون أساسا بنشاط الترجمة، و منهم من يفضلون الترجمة من و إلى الفرنسية، كونها أكثر مقروئية و مبيعا، ناهيك عن أن من يترجمون للإنجليزية ينقسمون أيضا إلى فئتين، فبعضهم  يفضلون الترجمة إلى ألوان أدبية دون غيرها كالرواية مثلا، لسهولة العمل عليها و كونها لا تتطلب الكثير من الوقت، بمعنى أن هناك ميلا لترجمة ما يحقق المبيعات، وهو ما وضع حدودا للعملية ككل، مثلا  عبد الحميد بن هدوقة كاتب عميق و أدبه نخبوي ، لذلك لا نجد اليوم من يتوجه لترجمة أعماله إلى الإنجليزية.
ـ ماذا خسرنا خلال السنوات الماضية بسبب انغلاقنا و ما الذي سيقدمه لنا الانفتاح على الإنجليزية في ظل التوجه نحو تكريس استخدامها في الجامعات؟
ـ خسرنا الانفتاح على العالم ، فلو أننا كنا أكثر تعاطيا مع الإنجليزية منذ  20 سنة، لواكبنا تطورات الساحة الأدبية العالمية بشكل أفضل، ولفتحنا لأدبنا مجالات أوسع و ضاعفنا حجم مقروئية كتابنا و عرفنا بمنتجنا الثقافي، ففي الصين لا يتحدثون الفرنسية، لكنهم يفهمون الإنجليزية، و عليه فإن الترجمة من العربية إلى الإنجليزية و العكس، سيخدم أدبنا كثيرا في ظل سهولة هذه العملية، خلافا للترجمة إلى الفرنسية.  وذلك بفضل سلاستها و وفرة المفردات والمرادفات المطابقة للمعاني، فتراكيب اللغة العربية تخدم الترجمة من و الى الإنجليزية، فإذا ترجمنا أعمال كتابنا كابن هدوقة و كاتب ياسين و محمد ديب و غيرهم، فإن كل من يتحدث الإنجليزية سيتعرف عليهم و على أعمالهم.
الترجمة إلى هذه اللغة ستسمح لنا أيضا بالانفتاح على جديد العالم في ما يخص الإنتاجات الأدبية و التعرف على الأنماط المبتكرة، لأن الأعمال الإنجليزية بدأت تجد لها مكانا في مجتمعنا، فالكثيرون باتوا اليوم قراء دائمين للكاتب و الروائي البريطاني «دان براون» الذي أسس للون مختلف من الأدب  يلقى رواجا كبيرا في أوساط القراء الجزائريين.
 حاورته هدى  طابي

الرجوع إلى الأعلى