شجرة البلاغة تَنْعى  غُصنها الأخضر!
بقلم : يوسف وغليسي
وداعا أيّها (الأخضر) المختضَر؛  وقد كانت العرب تُطْلق هذا الوصف على من مات شابّا، وما أراك إلا كذلك، فقد اخْتضَرك الموتُ وأخذك غصنا طريّا في عزّ الإيراق، وإن كنتَ في ربيعك التاسع والستّين! ...
وداعا، وقد باغتني نبأ رحيلك الفادح، وما كدتُ أصدّق ما أتاني لولا أن تفنّدونِ!
وكنتُ، قبْلا، أسبّح بكرة وعشيّا لمن سخّر لنا هذا الرجل (الأخضر) العظيم، فأخرج لنا من اسمه الكريم خضِرا، ثم أخرج منا -عبْره- حَبّا علميا متراكبا ...؛ فما أعظم ما فقدْنا وما أفظع! والحمد لله على كل حال.
تعرّفتُ إلى اسم الأخضر عيكوس، وأنا تلميذ في إحدى الثانويات النائيات؛ فقد كان المشرف على (البريد الأدبي) في جريدة (النصر)، وكفى بذلك باعثا على الشهرة في خيال من يحلمون برؤية خربشاتهم الإبداعية منشورة على صفحات «النصر» (وما أدراك ما النصر!).
وحين دخلت الجامعة فوجئت به أستاذي في مادتي المفضلة (العروض وموسيقى الشعر)، وفي عام التخرّج اصطفيته مشرفا على مذكرتي لليسانس، فكان خير سند لي، وقد انتهت الرحلة الأولى بأحسن حال وأرفع مرتبة (الأول على دفعتي)؛ ولم يفُتْني أن أوثّق ذلك الجميل في (إهداء) مذكرتي تلك وقد صارت كتابا منشورا (لغة الشعر الجزائري المعاصر).
تحت وطأة إعجابي الكبير به، شخصيا ومعرفيا، أصررتُ عليه مشرفا على رسالتي للماجستير، بالرغم من أنّه كان مجرد (أستاذ مساعد مكلف بالدروس)، ولمّا يناقش الدكتوراه (لكنّ الإدارة تساهلتْ مع أمثاله لقلة المؤطّرين في ذلك الزمان!)؛ فكنتُ الطالب الوحيد في الماجستير الذي يشرف عليه أستاذ لا يحمل سوى الماجستير!، وكان ذلك الاختيارُ مبعثَ استغراب كلّ زملاء الدفعة الذين تفنّنوا في اختيار أصحاب «الدالات» المفخّمة ممّن كان بعضهم ذوي شهرة وطنية، وربّما عربية (كحال أستاذينا الكبيرين الدكتور عبد الله حمادي والدكتور رشيد بوالشعير) !، وممّا زادهم غرابة أنّ أستاذي المصطفى (فضلا عن أنّه ليس دكتورا) كان قد فقَدَ إدارته لمعهد الآداب واللغة العربية ونحن في منتصف الليسانس، فكان خصومُه الكثر يعاملونه معاملة المدير المخلوع! كل ذلك لم يزدني إلا إصرارا على هذا «الملك المهزوم»!.
وما كدتُ أنهي رسالتي حتى وجدتُه دكتورا، وقد استعاد ملكه الضائع وصار مديرا مرّة أخرى!
من أطرف الحماقات التي ارتكبتُها معه حينها (وقد قصصتُها على الملأ أثناء اشتراكنا في إحدى المناقشات مؤخرا، تأكيدا على روحه الديمقراطية العجيبة) أنّه حين ناقش الدكتوراه (عام 1995)، وكنتُ أشتغل في الصحافة المكتوبة، أعطاني نسخة من أطروحته كي أكتب ملخصا عنها وعن وقائع المناقشة، فكتبتُ عنها عرضا مفصّلا ولم أنتبه إلى أنّني قد ملأتُ عرضي بأحكام وانتقادات غير لائقة (ربما)؛ من نوع : لو قال كذا لكان أفضل، ولو فعل هذا لصار أحسن، وأنّ ما فعل هنا قد سبقه غيره إلى فعله، وأن لا جدوى من هذا الفعل الآن!..
إلى آخر تلك الحماقات التي لم أنتبه إليها إلا حين قال لي بعض أصدقائي : أنسيتَ أنّك أنت الطالب وهو الأستاذ، وليس العكس؟! ...
وكنتُ أتوقّع أن ينزعج قليلا (على الأقل) ممّا فعلتُ، لكنّه ظلّ –سنوات بعد الحادثة- مصرًّا على أنّني لم أقل ما يسوء أو ينوء! فاللهم اغفر لي وارحمه!
وحين لجأتُ إلى جامعة وهران (عام 1996) لتسجيل دكتوراه الدولة، بعدما صارت جامعتي قسنطينة تشترط الإعفاء من الخدمة الوطنية لأجل ذلك (وهذا من أغرب ما حدث!)، وقبل أن أتّصل بالمشرف الجديد (الدكتور عبد الملك مرتاض)، استأذنتُه في التخلي عنه، فأذِن لي برحابة صدر واسعة، مردفا : مرتاض أستاذنا جميعا، وإذا احتجتَ أيّ شيء فأنا في الخدمة...
أذكرُ أنّني حين استضفتُ أستاذي د. مرتاض في بيتي (سنوات بعد تلك الحادثة)، وبمجرد دخوله بيتي فاجأني بقوله : هذا ثاني بيت قسنطيني أدخله في حياتي!، قلتُ له بفضول : ومن ذا الذي سبقني إلى هذا الشرف العظيم؟! فأجابني : الأخضر عيكوس !
قلتُ له : لا أستغرب ذلك؛ فقد دعاني –من قبل- إلى الإفطار في بيته ذات رمضان عصيب، وأجبتُ دعوته (رفقة صديقي الطاهر يحياوي) وأنا لا أزال طالبا في الليسانس!.
لقد كان رجلا كريما متواضعا محبوبا لدى أصدقائه ومريديه ومرتادي مكتبته العامرة (اليمامة) التي أنشأها –بهامش ربحيّ محدود جدّا- والتي كانت خير عون لجمهور الباحثين...، ولكنّني أخشى على (اليمامة) الآن من آل بيت الفقيد، وأتوقّع –بحرقة كبيرة- المصير المأساوي الذي ستؤول إليه؛ فقد سألتُ ابنَه الصغير مصعب (ذا الثلاثين عاما) هذا السؤال، ولم تخيّبْ إجابتُه (الوجودية) اليائسة ما كنتُ أتوقّعه! ...
وأخشى كذلك على تراث الرجل المخطوط من سياسة الأوراق المحروقة (تماما كالأرض المحروقة!) أو المدفونة (لا فرق تقريبا، وإن كان بعض الشرّ أهونَ من بعض!)، إلا إذا استطعنا أن نوثّق أسماءنا (ولو مجازا!) ضمن «فْريضة» الإرث، حتى نتمكّن من انتزاع نصيبنا من ذلك التراث (غير المادي!)؛ فالمصلحة الثقافية الواحدة أوْلى بذلك التراث!
لقد كان الرجل شاعرا مبدعا، وباحثا بلاغيا، وقارئا ناقدا...
ومن آلاء ذلك أنّه خلّفَ ديوانا مخطوطا (رسائل مغلقة إلى حبيبتي ليلى)، نعرفُه من زمان التتلمذ له، وأشهر ما فيه قصيدته السائرة :
أهواك ليلى وأهوى الأصل والنسبا  ** وأعبد الله في عينيك والعربا
وقد فاز في مطلع سنوات التسعين بجائزة وزارة المجاهدين الشعرية، ورأيناه في نشرة الثامنة -حينها- وهو يشدو بلسان شعري وطني مبين!...
كما ترك كتابا نقديا سمّاه (قراءات نقدية في الشعر الجزائري المعاصر)، كنتُ قد استعرتُه منه في منتصف التسعينيات، وقرأته، ووثّقت منه ما احتجت إليه في ذلك الوقت؛ وفيه ما يقارب العشرين قراءة في دواوين شعراء أبناء جيله (الغماري، عاشوري، جوادي، حمادي، أزراج، لحيلح، حمدي، شقرة، شكيل، لوصيف، بوزيد حرز الله، زينب الأعوج، نادية نواصر، زتيلي، رزاقي)، سبق له نشرها منجّمة في جريدة (النصر)، وقد أخبرني -يومها- أنّه أودع الكتاب المؤسسة الوطنية للكتاب التي غلّقت بابها دونه، قبل أن تغلّق أبوابها إلى الأبد!
كلّ ذلك فضلا عن إرثه الأكاديمي البلاغي المتمثل في رسالتيْه : للماجستير (الصورة الشعرية في القصيدة الجاهلية)، والدكتوراه (ظاهرة البديع في الشعر العربي-المصطلح والوظيفة).
ما ينبغي أن ننسى أيضا أنّه سليل عائلة ثورية مجيدة؛ فقد كان يسمّي نفسه (ابن الشهيديْن)؛ إذ استشهد والداه في ثورة التحرير المباركة، مثلما استشهد جدّه في ثورة المقراني، ولذلك كان حريصا على الدفاع عن منظمة أبناء الشهداء وكلّ الهيئات والشخصيات التي تمتّ إلى الثورة بماتة...
كان ثوريا اشتراكيا بروليتاريا، بما لا يتنافى مع المبادئ الإسلامية التي جُبل عليها، بل ربما كان من أحسن الذين يمثلون ما كان يُعرف في ثقافة السبعينيات باسم (الاشتراكية الإسلامية) !التي تغنّى بها الشاعران الكبيران محمد العيد ومفدي زكريا، والتي أريد لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن يكون مرجعها الأوّل!
تغمدك الله بشآبيب رحمته الواسعة، أيّها الأستاذ الصديق الحبيب،، سلام على روضة من رياض الجنة ستؤويك خضِرا مضِرا، كما كنت لنا في حياتك،، سلام على شجرة زيتون مباركة (لا شرقية ولا غربية) تظلّل قبرك الكريم،،
سلام عليك في جنات النعيم!

أفتخرُ لأني عشتُ زمنه
جمال فوغالي
 هذا الذي غادرَ إلى الملكوتِ الأعلى في صفائهِ وطهارتهِ،أستاذي، وأفتخرُ لأني عشتُ في زمنهِ، وهو أستاذي ولم أجلسْ لدروسه بالمدرجات ولم أكن أمامهُ، ولكنني جلستُ لشعره وليسَ لأحدٍ أن ينازعني في ذلك، وقد كان أستاذي عبر جريدة النصرِ، في ذلك الزمن  الذهبيِّ الذي كان وليته يعود، والذي ذهبَ إلى غير معاد، وجريدة النصرِ فيه زربيةٌ موشاةٌ بألوان قوس قزحٍ من الإبداعِ لأسماءَ كان هاجسها الكتابة  الإبداعية:شعرا وقصةً ونقداً وفنوناً، وكان الخط العربي سيدها الأرقى، وكان أستاذي الأخضر عيكوس حاضرا في الحضور الأبهى في كل أسبوعِ من تلك السنواتِ الملأى بالمحبة وبالمقَةِ التي تعانق المحبةَ،ولمْ يلتقِ أحدنا الآخرَ إلاَّ بعد سنواتٍ،وقد تكرست الأسماءُ بما تكتبُ وتعلنه في الناس،وكان أستاذي الأخضر عيكوس موجها وناصحاً وناقدا ومتابعا رحيماً،عطوفاً،محباً،وقد عرف بالتجربةِ العاشقةِ،وأنَّ أولئكَ الذين يراسلونهُ عبر جريدة النصر، يجيئون الكتابةَ الإبداعيةَ،والشعر خاصةً،وهو الشاعر، زغبَ التجربة، رهيفي المشاعر، يحلمون أحلامهم، وهي مشروعةٌ، أن يكونوا شعراء وكتاباً، وقد ظهرت حروف أسمائهم بجريدة النصر، وهي الوحيدة آنئذٍ بكل الشرق الجزائري، وهاهم أولاءِ الآن كتابا مرموقين وأساتذةً يملؤون أماكنهم إبداعاً ومعرفةً، ولأستاذي الأخضر عيكوس أن يفرحَ،وهو بيننا، ولهُ أن يسعدَ وهو بين رحمة من الله في كل ما قام به في حياتهِ معلماً مرشداً،والعلماءُ من أرومته ،ورثة الأنبياءِ.
ألم يكن أستاذي الأخضر عيكوس يشرح ويدلِّلُ على ما يقولُ بما حباه اللهُ،الذي دعاهُ إليه فلبى النداء،ونعم تلبية النداء،من ملكةِ القدرةِ على القراءة لتلك النصوص التي تصلُ جريدة النصر،وذائقتهُ الشعريةُ غذتها حفظه للشعر العربي في أرقى تمظهراته وعبر عصوره كلها،وقد نهل منهُ ما يجعلهُ أهلاً لقراءةِ ما يرسله المرسلون،ثقةً فيه وإيمانا برأيه،ويجدون في ذلك لذةً ما بعدها لذة،ويسعدون بردود أستاذي الأخضر عيكوس،فيزدادون تقديراً لهُ وإكباراً، وهو ماضٍ فيما يقومُ به مؤمناً وكأنما أوتيَهُ من لدنِّ العزيزِ الحكيمِ،وهو قد اصطفاهُ إلى رحمتهِ،وقد تركَ خلفهُ  من الذين تعلموا على يديه ما تنوء به العصبةُ من أولي العزم،وأنا واحدٌ منهم،وقد عشتُ زمنهُ الأبهى،وذلك فخري،وهو ما أعتزُّ به،أتموتُ،أستاذي الأخضر عيكوس،تلكَ فريةٌ كبرى ووضاءةِ الأحبةِ الألى أقبلوا وتركوا أقلامهمْ والمدرجات ليجيؤوكَ مهطعين، يريدون وداعك ولا يستطيعون،إنك في نبضِ القلوبِ وفي التاريخ...
القليعة/الجزائر:08/12/2019

راعي المواهب وفاتح الأبواب
محمد كعوان
يشاء الله عز وجل أن أقف هذا الموقف لأقول كلمة حق في أستاذي ومشرفي في مرحلة الماجستير وصديقي بعد ذلك الأستاذ الدكتور لخضر عيكوس رحمه الله ، إذ لا شيء أصعب من فقدان عزيز على قلوبنا، صاحب فضل على مسيرتنا العلمية، فقد كان بتواضعه وعلمه وشخصيته القوية محبوبا ومحترما ومهابا.   أحببناه وانتظرنا حصته في مدرجات الجامعة بفارغ الصبر، كان ذلك سنة 1988 حينما درسنا  مقياس العروض وموسيقى الشعر،  وهو الذي فتح أعيننا على الشعر الجزائري المعاصر، ووطد علاقتنا بتلك الشخصيات الشعرية التي كانت تحضر الأمسيات الأدبية التي كان ينظمها القسم بالتعاون مع نادي الاثنين ، وبعدها النادي الأدبي،  إذ كان سببا في ما آل إليه حال قسم اللغة العربية من نشاط ثقافي دؤوب على امتداد السنة ؛ من أمسيات شعرية ، ومجلات حائطية ، وندوات فكرية ، فهو الموجه والمشجع للمواهب التي أطرها القسم في تلك الفترة الزاهية ، وكان من خراج ذلك عشرات الأسماء الأدبية ، وعشرات الأساتذة الجامعيين الذين أثرت في مسيرتهم العلمية تلك النشاطات الثقافية . وإذا كانت هذه الشخصية الثقافية والعلمية قد أسهمت بشكل إيجابي في رعاية عشرات المواهب الشعرية التي تخرجت من البريد الأدبي لجريدة النصر، فإنها قد فتحت أفقا آخر لاستمرار هذا التأثير وهذه الرعاية ، ولعل مكتبة اليمامة التي أوجدها أستاذنا لتكون في خدمة الطلبة والباحثين هي خير مثال على ذلك الاهتمام وتلك الرغبة الملحاحة في خدمة العلم والباحثين . فمن خلال هذه المكتبة استمر تأثير الرجل على جيل كامل من الطلبة ، وبالخصوص طلبة المدرسة العليا للأساتذة والذين كانت استفادتهم كبيرة، حيث كانت إقامتهم قريبة من المكتبة ، وكان للرجل دوره الأبوي في الإشراف على بحوثهم وتوجيهها الوجهة الصحيحة ، وكانت المكتبة زاخرة بما يكفي لسد حاجة الطلبة المتزايدة لنصوص الأدب الجزائري ، وهو ما لم يكن متوفرا في المكتبات الجامعية ، وبالخصوص في مكتبة المدرسة . وقد كان اتصاله بي من حين لآخر لتقديم يد المساعدة للطلبة الذين أصبح مشرفا على طموحاتهم العلمية بطريقة غير مباشرة ، واستمر في مساعداته تلك إلى آخر أيامه، أذكر جيدا إشرافه على رسالتي للماجستير سنة 1995، حيث دخلت مكتبه لأضع مشروع الرسالة، وقد كان برفقة أستاذنا الراحل عمار زعموش ، وما إن قرأ إشكالية الموضوع المقترح والذي كان يعنى بالشعر الجزائري المعاصر حتى فرض نفسه مشرفا، لإحساسه الكبير ومعرفته بهذا الخطاب. وكان كريما بتوجيهاته العلمية والمنهجية القيمة، كما كان ديمقراطيا في تعامله مع طلبته ، حيث كان قد اقترح علي حذف بعض الأسماء الشعرية ، ولما رفضت ذلك بجرأة لأن هذا الأمر يتعلق برؤية موضوعية ، على الباحث أن يتحلى بها وتنعكس في البحث ، تجاوز هذا الأمر وقال للجنة المناقشة : لقد أمرت الطالب ولكنه ركب رأسه ، وأنا أحمله مسؤولية ذلك . وكانت اللجنة حينذاك مشكلة من خيرة الأسماء العلمية الجزائرية والتي شرفني بإشراكهم في مناقشة رسالتي ، وكان مستشرفا وعارفا بما سيؤول إليه حال كثير من الباحثين الجادين من أمثال الدكتورة آمنة بلعلى والتي كانت رسالتي هي باكورة مناقشاتها العلمية ، وقد واجهتني بوابل من الملاحظات القيمة ، وهي خريجة جامعة السربون والمتخصصة في الخطاب الصوفي ،  أما أستاذ الأجيال عبد الله العشي فقد أثر في مساري العلمي تأثيرا كبيرا بملاحظاته القيمة والتي لا تزال ذاكرتي ترددها لحد الساعة ، فهو لا يتخير لطلبته إلا الأسماء التي يراها قديرة وجديرة بتقديم الأفضل . ولعل من محامد تلك الفترة أن الطالب لا يعرف اللجنة التي ستناقشه إلا بعد الإعلان عن موعدها ، أي قبل أسبوع من إجرائها ، وهو الأمر الذي يجعل المناقشة أكثر موضوعية ومصداقية مما هو عليه الآن . لقد فقدنا أستاذا قديرا ، ومشرفا ملهما وإنسانا خدوما ، محبا لوطنه فهو ابن الشهيدين ، وقد كان مترفعا عن كثير من الأمور التي كان الأساتذة يتسابقون لتحصيلها (التربصات العلمية خارج الجزائر) ، وكانت مبادئه النبيلة هي الموجه لكل تصرفاته. كما كان جريئا في مواقفه مع زملائه الأساتذة، كان صوته يملأ  رواق قسم الأدب العربي ، كما كان مرحا ميالا للتنكيت والمزاح مع طلبته وزملائه . كان شاعرا حساسا ، صاحب ذاكرة قوية .وعلينا كطلبة أوفياء لعطاء أستاذنا  أن نعمل على نشر مجموعته الشعرية  الوحيدة: « رسائل مغلقة إلى حبيبتي ليلى « والتي كان يردد نصوصها كلما أتيحت له الفرصة في الأمسيات الشعرية الجامعية خصوصا. أما المخطوطة النقدية الموسومة بقراءات في الشعر الجزائري المعاصر والتي كنت قد قرأتها سابقا فهي تمثل تأريخا لعديد الأسماء الشعرية الجزائرية المعاصرة، وهي عبارة عن قراءات نقدية انطباعية لكثير من النصوص الشعرية والتي أصبح أصحابها الآن قامات باسقات في سماء الإبداع الجزائري  رحمك الله أستاذنا وأسكنك فسيح الجنان.

الرجوع إلى الأعلى