نهبُ الذاكرة

* نشاط التهريب يتوسع و يعتمد على تقنيات حديثة
* الدرك يسجل تزايدا في التهريب و تطوّرا في تقنياته بالشرق    
* مختصون يدعون لتشديد الإجراءات العقابية و تطوير أساليب الرقابة
* استثمارات و مشاريع على مواقع أثرية و مواطنون يتعمدون التخريب    

عرف مؤخرا نشاط تهريب الآثار في الجزائر تزايدا عبر مختلف المعابر الحدودية، إذ بات يصنف ثالثا بعد جرائم المخدرات و الاتجار بالأسلحة، كما أخذ أبعادا أوسع و تعدى الشعوذة و أساليب التنقيب و التهريب القديمة، ليعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، عقب انفتاح السوق الإلكترونية على الآثار،  ما ضاعف الطلب عليها حتى في دول الخليج العربي، و سهل على اللصوص بيعها، خصوصا بالإقليمين الجنوبي و الشرقي للبلاد ، لغناهما بهذه الكنوز التي باتت مصدر تمويل هام للمتطرفين.
في الجزائر استفحل هذا النشاط خلال العشرية السوداء، ليتوسع مداه جراء حربي العراق و سوريا، وهو ما أفرز تطورا في طبيعة الوسائل اللوجيستيكية، التي يستخدمها المخربون من تجهيزات تباع على الإنترنت أو تهرب إلى الدول المستهدفة عن طريق أفراد و جماعات إجرامية، تنشط ضمن منظمات يصعب كبحها، خصوصا في ظل وجود ثغرات في قانون حماية التراث الجزائري 98ـ 04، الذي يرى مختصون بأنه يستوجب مراجعة استعجالية، كما يؤكدون بأن جزءا من مسؤولية حماية التراث الثقافي، يقع على عاتق المواطن الذي يفتقر في بعض الأحيان للوعي الكافي بأهمية هذا الموروث الإنساني و المورد الاقتصادي.
أعدت الملف : هدى طابي
الجزائر متحف مفتوح في مواجهة الإرهاب الثقافي
 تعتبر الجزائر متحفا أثريا مفتوحا، و قد وقّعت مطلع سبعينات القرن الماضي على «اتفاقية حماية التّراث العالمي، الثّقافي والطّبيعي»، بمنظمة اليونسكو ، و صنفت بدءًا من الثمانينيات، سبعة مواقع  ضمن قائمة التّراث الإنساني، كما  اكتشفت منذ أيام فقط فسيفساء جنائزية من العهد البيزنطي بمنطقة نقرين بتبسة إلا أنها خربت في غضون يومين، و قبلها اكتشف موقع يزيد عمره عن 2.4 مليون سنة بعين بوشريط في سطيف سنة 2019.
 و تعد آخر المكتشفات ضمن سلسلة طويلة من المواقع التي بات التصريح بها معقدا، رغم إلزامية ذلك قانونيا، و السبب هو حمايتها من عمليات التخريب قصد السرقة و التهريب، التي تطالها بشكل دائم، منذ سنوات عديدة، كما صرح به للنصر  في وقت سابق، مدير الثقافة لولاية ميلة جمال بريحي.
 باستثناء  الفترة الاستعمارية التي نهبت خلالها ثروات عديدة، تعتبر مرحلة التسعينيات منعرجا فاصلا بالنسبة لهذا النشاط، و ذلك بعدما خدم الإرهاب الأمني، الإرهاب الثقافي، كما عبرت مديرة المتحف الوطني العمومي بقسنطينة، آمال سلطاني، مشيرة إلى أن هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا سهلت استباحة التراث، فيما تؤكد مختلف أجهزة الأمن بأن هذا النشاط عرف تزايدا في السنوات الأخيرة، إذ كشفت المديرية العامة للأمن الوطني سنة 2016 ، بأن مصالحها عالجت منذ التسعينات 170 قضية تتعلق بتهريب ما يتجاوز 10 آلاف قطعة أثرية.
 بالمقابل، أكد ممثلون عن مكتب الشرطة الخاصة بالقيادة الجهوية للدرك الوطني خلال ملتقى حول حماية التراث ومكافحة التهريب انعقد بقسنطينة سنة 2017، أن الجزائر تتكبد سنويا خسائر تعادل  6 مليار دولار، بسبب تهريب الآثار و التحف.
و تمت الإشارة خلال الملتقى إلى أن قيمة المسروقات ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بسبب تزايد نشاط الجماعات المتطرفة في سوريا و العراق التي حولت التراث الإنساني إلى أحد أهم مواردها المالية، خصوصا و أن قيمة حفريات بسيطة، قد لا تتعدى صخرة بها سهم صغير، تعادل 150 أورو، في السوق السوداء التي تعتبر إيطاليا و ألمانيا أكثر الدول تداولا فيها.
خلال ذات الملتقى، ذكر محافظ الشرطة مصطفى بالموكر، رئيس الفرقة الاقتصادية و المالية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بقسنطينة، بأن دراسة حول نوعية المتورطين في قضايا التهريب، أوضحت بأن 38 بالمئة منهم، أشخاص تتراوح أعمارهم بين 39 و 74 سنة، بينما 73 بالمئة منهم دون مستوى تعليمي، و 8 بالمئة جامعيون و أصحاب اختصاص، مقابل 7 بالمئة أعوان أمن و حراسة، سواء في المواقع الأثرية أو المتاحف و 17 بالمئة فلاحون، بينما يشكل البطالون 29 بالمئة من الناشطين في هذا المجال.
و في سنة 2018 نشرت وزارة الثقافة بيانا حول إحالة 43 متورطا في جريمة المتاجرة غير  المشروعة بالممتلكات الثقافية و تهريب الآثار أمام العدالة، وذلك  خلال السداسي الأول  فقط من العام، مع استرجاع 4427 ممتلكا ثقافيا.
تورط سياح و علماء أجانب والآثار الرومانية الأكثر طلبا
تؤكد مصالح أمنية مختلفة، بأن مدن الشرق تعتبر أكثر المناطق عرضة لنشاط التهريب، حيث يسيل الإرث الروماني لعاب تجار و زبائن الآثار عبر العالم، خصوصا في أوروبا و تحديدا إيطاليا و ألمانيا.
 من جهة ثانية، يشكل الجنوب الكبير معضلة حقيقية أمام خلايا مكافحة التهريب بسبب شساعة الشريط الحدودي و كثرة النشاط السياحي، إذ يؤكد مختصون بأن أصابع الاتهام توجه أيضا للسياح و حتى الباحثين، وحسب الأستاذ شعيبي عبد الحق، محافظ التراث الثقافي بالمتحف الوطني العمومي سيرتا، فإن التراث  يتعرض للنهب بطرق مختلفة عن طريق التنقيب العشوائي، وحتى باسم البحث العلمي وقد حدثت مواقف عديدة في الطاسيلي و في مناطق أثرية أخرى أين استخدم باحثون و علماء آثار أجانب تقنيات حديثة و نوعية من الأوراق ذات الخصوصية الكيميائية لنقل الرسومات الحجرية و غيرها، كما يوجد حسبه، سياح أجانب يحترفون سرقة الآثار، ففي سنة 2011، عالجت محكمة تمنراست بأقصى الجنوب الجزائري، قضية تتعلق بخمسة سياح ألمان اتهموا بتهريب الآثار في منطقة جنات جنوب حظيرة الطاسيلي، إذ عثر عليهم من قبل مصالح الدرك الوطني في الموقع المسمى «تادارت» وهم يقومون بنشاطات مشبوهة على متن سيارتهم الخاصة بعدما ظن أنهم تاهوا في الصحراء ورجحت  وسائل إعلام إمكانية تعرضهم للاختطاف.
 تشديد إجراءات تنقل السياح في الطاسيلي منذ حادثة سرقة المتحف في 2011

من جهتها أكدت فاطمة تقابو، ملحقة الحفظ بالديوان الوطني للحظيرة الثقافية للطاسيلي ناجر للنصر، بأن آخر عملية سرقة كبرى كان المتهم فيها أجانب هي القضية سالفة الذكر و التي تخص اعتداء قام به مجموعة من الألمان على أحد المتاحف، وحاولوا بعدها الهروب عبر الحدود مع ليبيا قبل أن يتم توقيفهم، حيث شددت منذ ذلك التاريخ  إجراءات حماية التراث المادي، وضبط برنامج تكوين سنوي لفائدة ضباط  الجمارك وشرطة الحدود، خصوصا و أن هنالك أجانب يخفون طبيعة تخصصاتهم في علم الآثار ويفضلون دخول المنطقة دون بطاقات مهنية خلال الموسم السياحي ليتمكنوا من معاينة المواقع الأثرية والتنقيب بأريحية، خصوصا في ظل صرامة إجراءات مرافقة و متابعة الباحثين و علماء الآثار خلال تنقلاتهم في المنطقة، وحتى وإن لم تتم حسبها، معالجة قضية مباشرة من هذا النوع، إلا أنه واقع معروف في منطقة الطاسيلي، التي تستهدف فيها بشكل كبير قطع أثرية من المستحثات و رؤوس السهام وذلك لسهولة تهريبها و قيمتها التاريخية والجمالية .

وبخصوص تخريب المواقع الأثرية، أوضحت المتحدثة، بأن المواقع المتواجدة في عمق الصحراء تتمتع بحماية أكثر مقارنة بالمواقع الواقعة على الطريق الوطني بين إليزي و جانت، والتي تعد أكثر تضررا، وهو ما ترتب عنه قرار بإلزام السياح بعدم التحرك في منطقة الصحراء الكبرى دون دليل سياحي وحراسة أمنية وهذا بهدف الحد من تحركاتهم وتنقيبهم عن الآثار، كما ضبطت في ذات الإطار خارطة حماية تمتد على 138 ألف كلم، بدأ العمل عليها منذ 2012، تزامنا مع برنامج تعاون لتكوين وكلاء السياحة والأسفار ليلعبوا دور الحراس إضافة إلى نشاط الدليل السياحي.أما فيما يتعلق بالمحجوزات فكل ما يتم استرجاعه، يمر عبر بوابة شرطة الحدود كما قالت، وهي مسترجعات تبلغ ذروتها خلال الموسم السياحي الذي يعرف تزايدا في محاولات السرقة حسبها.
مراجعة قانون حماية التراث الثقافي
ويشير مختصون في حماية الآثار، إلى أن محاربة نشاط التخريب والتهريب يستوجب سد ثغرات قانون 48 ـ 04المؤرخ في جوان1998، المتعلق بحماية التراث الثقافي بالنظر إلى تضارب بعض مواده مع مواد قانون الإجراءات الجزائية خصوصا ما تعلق بالحق في نقل التحف و المتاجرة بها، و إجراءات التحفظ و مدة الإيداع قيد التحقيق، و التستر على الاكتشافات الأثرية، وقد سجلت بعض الحالات خلال تحضيرات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية.وسعيا من أجل، حماية التراث الجزائري من عمليات النهب المتكررة و المتزايدة، كان وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، قد أعلن سنة 2017، عن مراجعة قانون حماية التراث 98ـ04، وتشديد العقوبات على عمليات الاتجار وتهريب الآثار، مشيرا حينها، إلى أن هذه الجرائم باتت « مصدر قلق كبير للوزارة»،  لأنها تعتبر كما عبر «إرهابا ثقافيا».

فؤاد عقون رئيس خلية الآثار بالقيادة الجهوية للدرك بقسنطينة
تزايد في نشاط التهريب بالمنطقة الشرقية و تطور في التقنيات والوسائل
يؤكد المساعد فؤاد عقون، رئيس الخلية الجهوية لمكافحة المساس بالممتلكات الثقافية بالقيادة الجهوية للدرك الوطني بقسنطينة، وهي هيئة استحدثت سنة 2012، بأن السنوات الأخيرة عرفت تزايدا ملحوظا في نشاط سرقة وتهريب الآثار، بعدما ساعد التطور التكنولوجي على كشف القيمة المادية لهذا الموروث في سوق الفن العالمية، مشيرا إلى أن لصوص الآثار و المهربين يستهدفون بشكل أساسي المواقع غير المصنفة و غير المحروسة، ويستخدمون في نشاطهم أجهزة متطورة على غرار الحواسيب و أجهزة الكشف عن المعادن من خلال الاتصال بالأقمار و هي معدات تقدر قيمة بعض ما حجز منها بحوالي 120 إلى 150مليون سنتيم، يحوزون عليها عن طريق التهريب كذلك، كما يستخدمون إلى جانب ذلك، أساليب الشعوذة لاستخراج الكنوز حسب زعمهم.
و يوضح المساعد عقون، بأن هؤلاء المهربين ينشطون إما بشكل فردي بالاعتماد على وسائل التواصل التي تغطيهم عن وسطاء السوق، أو بشكل منظم ضمن شبكات دولية ووطنية   متصلة مع بعضها البعض عن طريق الشبكة العنكبوتية، و الملاحظ حسبه، هو أن هؤلاء المجرمين طوروا تقنياتهم و وسائلهم بدليل ما تم ضبطه و استرجاعه من أجهزة متطورة في إطار نشاط محاربتهم، كما أن التحريات التي عرفتها تدخلات جهاز الدرك أثبتت تفاوتا في مستوى المتورطين في هذه القضايا، بما في ذلك أشخاص ذوي مستوى جامعي ينشطون بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية، ويروجون للآثار المسروقة عبر مواقع الانترنت. ومن خلال معاينة المحجوزات في عديد القضايا، يتضح جليا كما قال المتحدث، بأن الآثار الرومانية تعد الأكثر استهدافا من قبل اللصوص و المهربين، وذلك لكونها تحفا تسيل لعاب الدول الغربية كإيطاليا و ألمانيا، وهو تحديدا ما يفسر ارتكاز نشاط التخريب و النهب و التخريب في الإقليم الشرقي للبلاد، لاعتبارات لها صلة بالتاريخ وبالثراء الآركيولوجي الذي تزخر به الولايات 15 الشرقية،  مع ذلك فإن أكثر المناطق تضررا من هذه الآفة هي الولايات الواقعة على محول ميلاف كويكل جميلة، أي باتنة و خنشلة سطيف و قسنطينة، لأن هذا المحور غني بالمواقع الأثرية، فمثلا  الدولة العثمانية كانت في ميلة و قسنطينة و تركت إرثا كبيرا من المسكوكات الذهبية التي تعتبر من القطع الأكثر طلبا.
وبخصوص المناطق التي يمسها نشاط التنقيب العشوائي و التخريب العمدي بشكل مضاعف، فيوضح رئيس خلية مكافحة المساس بالممتلكات الثقافية، بأن التحريات تشير إلى أن عمليات الحفر تتم عادة في المحيط غير المحمي المحاذي للمواقع المصنفة الموجودة في الولايات المذكورة، أما بالنسبة للتخريب غير العمدي، فيشمل كما قال، اقتطاع الأعمدة المصقولة لغرض الزينة واستخدام الأحواض الأثرية لسقي الأنعام وهو سلوك ناجم عن نقص الوعي عند بعض المواطنين.
الأنترنت سهلت الجريمة الالكترونية وضاعفت عمليات النهب
وبالعودة للحديث عن اعتماد المهربين على التكنولوجيا  لتسهيل نشاطهم، أوضح المتحدث، بأن معالجة هذا الشق من القضايا، دفع القيادة العامة للدرك الوطني، للاستثمار في العنصر البشري وكونت إطارات من مختلف الرتب لأجل إحصاء و متابعة المجرمين و تكييف قضاياهم بشكل قانوني مستوفي لكل الجوانب، من خلال متابعتهم بحسب طبيعة نشاطهم، فإن وجد شخص يعرض قطعا أثرية أصلية للبيع عبر الانترنت يطبق عليه قانونا الآثار و البيع على الشبكة الالكترونية، و في حال تكوين جماعة أشرار و وضوح محاولة تهريب قطع أثرية تطبق على المتهمين إجراءات قانون حماية الآثار بالإضافة إلى قانون العقوبات.
وبالرغم من تحكم فرق الدرك في الجانب التكنولوجي، إلا أن الإحاطة بكل شىء و تضييق نشاط الاتجار غير الشرعي عبر الشبكة، يعد مهمة صعبة، لأن وسائط التواصل كما أضاف، سهلت على لصوص الآثار عرض القطع قصد البيع و التواصل مع الزبائن و حتى مع المخابر الأجنبية دون رقيب وفي ظرف قياسي، وقد عالجت الخلية الجهوية في هذا الصدد 17 قضية من هذا النوع سنة 2018، كما سجلت سنة 2019 قضية تتعلق بشخص تعرض لنوبة صحية على الطريق بين خنشلة والعاصمة، ولدى تدخل مصالح الحماية المدنية لإسعافه عثر في سيارته على كمية كبيرة من القطع الأثرية الرومانية و اللوحات الزيتية و مجموعة من الأحجار، بالإضافة إلى وثيقة مخبرية تلقاها المعني عن طريق الانترنت كرد من أحد المخابر الفرنسية، التي أجرت خبرة على أجزاء من الأحجار المحجوزة وأكدت بأنها ثمينة و أصلية.
و عليه فان حماية الآثار لا يجب أن تقتصر حسبه، على النشاط الردعي للدرك بل يتعين أن تشمل المراقبة القبلية للمواقع بالتنسيق مع كافة الأطراف الفاعلة بما في ذلك مديريات الثقافة والجماعات المحلية وديوان حماية المملكات الثقافية، خصوصا وأننا نتحدث كما عبر، عن أكثر من 200 موقع مصنف و غير مصنف يدخل في إطار اختصاص الخلية الجهوية بقسنطينة.
ثغرات قانون 98ـ 04 تحولت إلى منافذ للمهربين
وفيما يتعلق بالجانب الردعي، يشير المساعد فؤاد عقون   إلى أن قانون 98 ـ 04، المؤرخ في 16 جوان 1998، يستوجب التحيين والإثراء بالنظر لمرور سنوات عديدة على صدوره، وهي ضرورة تفرضها معطيات الواقع الحديث  خصوصا وأن هذا القانون يتضمن في بابه الثامن مثلا جنحا غير مصرح بها بشكل مباشرة، مثل عدم التصريح بالمكتشفات الفجائية، وهو شق تتطرق إليه المادة 55  بالعبارة الآتية «يعرض من لم يصرح بالمكتشف الفجائي لـ ..»، لكن دون تفصيل دقيق يحدد مصدر هذا المكتشف الذي ربما قد يكون إرثا عائليا أو تذكارا تم اقتناؤه من الخارج أو غير ذلك.
 من ناحية أخرى، فإن القانون لم يتطرق للتهريب بعبارة مباشرة، وهو ما يتطلب الإسراع في مراجعته وإثرائه، لأن الثغرات الموجودة فيه تكون عادة منافذ يستغلها المحامي الذكي لتبرئة موكله.
تسجيل 51 قضية تخريب و تهريب خلال سنتين و حجز آثار من مختلف الحقب
 وفي إطار قضايا متابعة المهربين و محاربة الاتجار غير الشرعي بالآثار، سجلت الخلية الجهوية خلال السنتين الفارطتين، 51 قضية تخريب و تهريب مع حجز آثار من مختلف الحقب، ففي سنة 2018، بلغ عدد القضايا 26، منها 20 جنحة و 6 تتعلق بمعلومات قضائية، تم على إثرها توقيف 30شخصا، مع حجز 577 مسكوكة، أي قطع نقدية بين النوميدية والإسلامية والرومانية، إضافة إلى نصبين جنائزيين رومانيين و 34 قطعة حجرية  بين الأعمدة والأحجار المصقولة، كما تم اكتشاف تخريب موقعين أثريين و مقابر، و حجز ثلاثة تماثيل رخامية ومعدنية و21 مخطوطا بينها مخطوط واحد نادر، زيادة على 32 قطعة حلي برونزية، و 15 آنية فخارية و  مصابيح قديمة و جزئيات من الصحون ، و 19 أداة حجرية تعود لما قبل التاريخ و تحف صغيرة تعرف بالقطع ذات العنق.
 إضافة إلى محجوزات تستعمل في التنقيب منها جهازان للكشف عن المعادن و كمية من الزئبق و وسائل معدنية و كتب و طلاسم تستعمل للبحث عن الآثار عن طريق الشعوذة و 30 قطعة من الأحجار الكريمة مختلفة الأحجام.
أما في سنة 2019، فقد سجلت ذات المصالح، 25 قضية منها 7 جنح و 18 معلومة قضائية، تم خلالها استرجاع 9 تماثيل كلها مقلدة  و 51 قطعة نقدية، منها 27 مقلدة و 12 رومانية من مادة البرونز، إضافة إلى استرجاع   9قطع  فضية عثمانية، و كذا أواني معدنية و 5توابيت حجرية و أعمدة و  3 قطع برونزية متأكسدة و 9 قطع من حجر السيلاكس و 35 مفتاحا لأبواب خشبية قديمة و  40 حجرا براقا مصقولا من مختلف الألوان و 47 حجرا براقا مصقولا مختلف الألوان و 95 حجرا يحتمل أنها من زمرد و 8 أحجار بيضاوية الشكل و 25 حجرا أملس مجهول النوع و أربع تحف و جهاز قياس الحرارة و إطار مزخرف و أربع لوحات زيتية تعود للفترة المعاصرة و صور لمسكوكات أثرية و تحف، يرجح أنها تستعمل للتفاوض عبر الانترنت. وفيما يتعلق بتخريب المواقع و الحفر غير الشرعي عولجت قضايا عبر عدة ولايات، ناهيك عن تسجيل قضايا تتعلق باقتطاع أعمدة و استخدام أحواض أثرية قديمة لسقي الحيوانات سجلت6 منها في 2018، و 4 في 2019.           هـ.ط

الأستاذ شعيبي عبد الحق محافظ التراث الثقافي بمتحف سيرتا
لا بد من تشديد الإجراءات العقابية في قانون حماية الآثار الجديد
من جانبه، يرى الأستاذ شعيبي عبد الحق محافظ التراث الثقافي بالمتحف الوطني العمومي سيرتا، بأن قانون 98ـ 04، يراعي بعض الجوانب لكنه يغفل جوانب أخرى، على غرار تأثير الوسائط الحديثة، وهو ما يوجب تثمينه لأنه لم يعد يتماشى مع الرهانات المعاصرة بما في ذلك التجارة الالكترونية و كيفية نقل التحف من الخارج للداخل و طرق حيازة القطع و نقل الملكية وما إلى ذلك.
وعليه كما قال، يتعين أن يتم الفصل جيدا في مفهوم التحفة والموقع في القانون الجديد الذي يجب أن يشدد الإجراءات العقابية المتعلقة بالاعتداء على المواقع إما بالبناء العشوائي ضمن محيطها أو بالتخريب قصد السرقة و الاتجار غير الشرعي، خصوصا وأن غالبية القضايا تعالج في العدالة على أساس أنها جنح و تكون الأحكام الصادرة في حق المتهمين فيها مخففة لا تعدى أحيانا ثلاثة أشهر حبسا، ولذلك يتوجب مستقبلا مراجعة جانب العقوبات القانونية المسلطة على كل علميات الاتجار غير القانوني و رفع عقوبة المساس بالتراث لما يزيد عن ثلاث سنوات لحماية هذا الإرث، الذي يتعرض للنهب بطرق مختلفة عن طريق التنقيب العشوائي، وحتى باسم البحث العلمي وقد حدثت مواقف عديدة في الطاسيلي و في مناطق أثرية أخرى كما قال، دخلها علماء آثار وباحثون أجانب لأغراض السرقة تحت غطاء البحث، كما أن هناك من السياح من يحترفون سرقة الآثار .
و بالحديث عن إمكانية استرجاع التحف الموجودة في متاحف الخارج، أوضح الأستاذ شعيبي، بأن المشكل يكمن في عدم تحكمنا في جرد المواقع و القطع الأثرية التي تضمها المواقع المصنفة، ولذلك تتعذر علينا المطالبة بتراثنا المنهوب حسب تعبيره، بالرغم من كون الجزائر عضوا في منظمة الإنتربول، لأننا ببساطة لا نملك بطاقات تقنية تضم أرقاما تسلسلية تعرف بهذه التحف، وعليه فإنها تسرق في بعض الأحيان و نعلم بوجودها في متاحف معينة بالخارج لكننا نعجز عن استرجاعها، لنفس السبب. من جهة ثانية، فإن تحيين القانون يستوجب أيضا إعادة النظر في بعض  الجوانب المتعلقة بحماية الآثار، ففي العشرية السوداء  تأثر القطاع بشكل كبير كما أشار، وهو ما خلق إشكالات كبيرة خصوصا فيما يتعلق بالبناء في المواقع الأثرية و التستر على ما يتم اكتشافه أثناء عمليات الحفر قصد البناء.

مديرة متحف سيرتا آمال سلطاني
مشروع لتحيين قانون حماية التراث سيعرض قريبا على البرلمان
من جانبها أوضحت مديرة متحف سيرتا العمومي آمال سلطاني، بأن قانون حماية التراث الثقافي 98ـ 04، لا يزال كافيا لمواجهة خطر السرقة والتخريب و التهريب، خصوصا وأنه معزز حسبها، بإجراءات قانونية تكميلية وطنية و دولية على غرار الاتفاقية الدولية 1970، ناهيك عن قوانين لاهاي.  مع ذلك فأن تطورات الواقع، تفرض كما قالت، تحيين هذا القانون و إثرائه، خصوصا ما تعلق بتعزيز آليات التطبيق وقد عقد قبل سنتين حسبها، لقاء لهذا الغرض على مستوى وزارة الثقافة، جمع خبراء في المجال من  مختلف المتاحف و الحظائر و من وزارات أخرى ذات صلة، حيث قدمت مقترحات عديدة للوزارة بخصوص إثراء القانون، أشارت المتحدثة، بأنه حاليا قيد الدراسة على أن يتم طرحه للنقاش قريبا على مستوى المجلس الشعبي الوطني.
 و من بين المقترحات التي تم رفعها، توسيع محيط الحماية الخاص بالمواقع الأثرية، فالمساحة المحددة دوليا هي 500 متر،  بينما لا تتعدى في الجزائر 200 متر، غالبا ما يتم اختراقها وعدم احترام حدودها، ولذلك تم التشديد على ضرورة رفع الإجراءات الردعية و تفعيل مضامين قانون 98ـ 04 بصرامة شديدة، كما اقترح المجتمعون، توسيع قائمة الموروث الثقافي الواجب حمايته و إضافة مجموعات لم تكن مدرجة في القانون السابق كالمخطوطات و التراث الطبيعي الجيولوجي.
الانترنت و مواقع البيع الأجنبية ضاعف الطلب على الآثار  
وأضافت المتحدثة، بأنها شاركت خلال شهر ديسمبر الماضي في اجتمع بالعاصمة حضره خبراء محليون ومن  اليونيسكو و رجال قانون، عقد لمراجعة اتفاقية 1970 الدولية، وتقديم تقرير حولها، حيث تم التطرق إلي قضية استرجاع الموروث الوطني الموجود في الخارج وبالأخص في فرنسا، وهو مسعى يتطلب حسبها، قرارا سياسيا ولا يتعلق بوزارة الثقافة، التي يبقى دورها جرد و إحصاء المجموعات التي تم تهريبها خلال الفترة الاستعمارية لتحديد ما يجب المطالبة به.
 تهريب الآثار مصدر من مصادر تمويل الإرهاب
 أما على الصعيد الوطني، فقالت أمال سلطاني، بأن نشاط الاتجار غي الشرعي بالآثار، عرف تزايدا في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى زيادة الوعي بأهميتها  بفعل الانترنت و تزايد الطلب عليها عبر مواقع البيع الأجنبية، حتى أن هنالك طلبيات خارجية كبيرة من الولايات المتحدة و ألمانيا و ايطاليا و فرنسا، و حتى الإمارات و قطر وبعض دول الخليج التي تعتبر من أهم زبائن سوق الآثار، بدليل أن الإمارات ابتاعت العام الماضي فقط، ما يعادل 750مليون أورو من القطع الأثرية وذلك لإثراء متحفها، علما أن سعي هؤلاء وراء الآثار يعود إلى سنوات التسعينات، إذ تم حينها تداول حديث عن قطريين و إماراتيين دخلوا إلى الجزائر لشراء عملات ذهبية عباسية و عثمانية و غير ذلك.
 وتوضح المتحدثة، بأننا نتحدث عن جريمة منظمة، و ظاهرة عالمية لا تقتصر فقط على الجزائر، بل تشمل عديد الدول بحسب ما ذهب إليه خبراء من بلجيكا و ليبيا و تونس و إيطاليا، شاركونا في اللقاء سابق الذكر بالعاصمة، أين أشير إلى أن نشاط تهريب الآثار يعتبر مصدرا من مصادر تمويل الإرهاب و تبييض الأموال إذ حولت  الجماعات المتطرفة نشاط في مناطق النزاع على غرار ليبيا التراث الإنساني إلى أحد أهم مواردها المالية.  
المسكوكات النقدية أكثر القطع عرضة للنهب والتهريب
القطع النقدية وبخصوص أكثر القطع عرضة للتهريب وطلبا في سوق الآثار، أكدت مديرة المتحف، بأن الأمر يتعلق بالقطع النقدية أو ما يعرف بالقطع المفقودة، وذلك لأهميتها الكبيرة في سوق الفن و لقيمتها التاريخية و المادية إضافة سهولة نقلها وتهريبها.

العميد عرفة الطاهر  مدير الاتصال بالمدرية الجهوية للجمارك
التكوين في الآثار أصبح من أهم آليات مكافحة التهريب
يؤكد المفتش العميد عرفة الطاهر، المدير الفرعي للاتصال  و الإعلام الآلي بالمدرية الجهوية للجمارك بقسنطينة، بأن سنة 2019، عرفت تسجيل عمليتين هامتين في إطار نشاط المكافحة، الأولى على مستوى مفتشية أقسام الجمارك بباتنة بالقرب من محيط ضريح إيمدغاسن ،و تم خلالها حجز نصب جنائزية، أما الثانية فكانت على مستوى مطار محمد بوضياف بقسنطينة، و حجزت على إثرها كمية معتبرة من القطع النقدية التي تعود للقرون الوسطى، وأشار المتحدث إلى أن عمليات التهريب لا تقتصر فقط على الشريط الحدودي البري بل أنها تتم بشكل كبير كذلك على مستوى المطارات و الموانئ، وذلك على اعتبار أن التحف المنهوبة غالبا ما تكون موجهة إلى السوق الأوروبية.
 المفتش العميد، قال بأن الجنوب الجزائري يعرف نشاطا مكثفا للمهربين و لصوص الآثار، وهو تحديد ما دفع المدرية العامة للجمارك إلى تعزيز تواجدها في المنطقة بداية من 2015، حيث تم استحداث فرقتين جديدتين في كل من ولايتي تمنراست و إليزي، كما تم توقيع اتفاقية للتكوين بين الجهاز ووزارة الثقافة، لتكوين ضباط في مجال الآثار.
 وحسب ضابط الرقابة رئيس مكتب الإعلام و الاتصال بمفتشية قسنطينة، قندوز عبد الكريم ، لأن التكوين في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية وبالأخص الاتجار غير الشرعي بالآثار و تهريبها، يعد من بين أولويات إدارة الجمارك، حيث اتجهت مؤخرا إلى تكوين أخصائيين في الجريمة الإلكترونية بالتنسيق مع الدرك و الأمن الوطنيين، كما ضبطت مخططا مستقبليا لتكوين فرق متخصصة في مجال محاربة الصفحات الوهمية للاتجار بالآثار عبر الشبكة العنكبوتية.

الباحث في الآثار و التاريخ حسين طاوطاو
نفتقر للخبرة التقنية اللازمة للتعرف على القطع المنهوبة
يؤكد الدكتور حسين طاوطاو، مدير فرع المعهد الوطني للأبحاث في تاريخ الإنسان القديم والتاريخ، بأن تهريب الآثار  الظاهرة عالمية ولا تقتصر فقط على الجزائر، لكن المشكل الذي يطرح في بلادنا هو نقص الخبرة الخاصة بالكشف عن القطع الأثرية الأصلية، وهو عدم التحكم في جانب الخبرة التقنية الضرورية للتأكد من أصالة القطع المكتشفة والمحجوزة، وهو إشكال يقع عادة  في أول مراحل قضايا التهريب و على مستوى كافة الأجهزة الأمنية، إذ غالبا ما تعد المحاضر الأمنية على أساس حيازة الموقوفين لقطع أثرية أصلية، وتوجه ملفاتهم إلى قاضي التحقيق دون إجراء خبرة مسبقة على القطع و قبل الفصل في أصالتها، بمعنى أننا نتحدث هنا عن اتهام مباشر، وعليه فإن قاضي التحقيق يلجأ إلى الاستعانة بخبرة تقنية خارجية، لتحديد مدى أصلية القطع المحجوزة، وهنا نصطدم بمشكل ثان حسبه، و هو غياب المخابر و المؤسسات المتخصصة في هذا المجال.
 وأمام هذه المعضلة كما يضيف الباحث، فإن العدالة تراسل إما مدريات الثقافة أو  المتاحف، لكن هذه المؤسسات الإمكانيات سواء فيما يتعلق بخبرة موظفيها أو بقلة أو انعدام التجهيزات التقنية اللازمة.
يقول المتحدث « سبق لي أن تدخلت لإجراء خبرة على  العديد من المحجوزات، ومن خلال تجربتي في هذا المجال أمكنني أن ألاحظ بأن غالبية القضايا تعالج على مستوى مصالح الدرك الوطني ما يعني أن نشاط المهربين يعتمد أكثر على الممرات والمسالك البرية و خاصة الحدود التونسية وذلك على اعتبار أن المنطقة الشرقية تعد أكثر تأثرا بهذه الظاهرة بالنظر إلى الزخم التاريخي الذي تتمتع بهذه هذه الجهة من الوطن».
10آلاف أورو سعر بعض القطع النادرة في سوق الآثار
و يشير الباحث أيضا، إلى أن هنالك ثلاثة أنواع من الآثار يتم تداولها في السوق غير الشرعية ، وهي القطع الأصلية و المقلدة و قطع الزينة التي تعود ليهود الجزائر بين القرنين 17 و 18، علما أكثر ما يتم تداوله هي القطع الأصلية بمختلف حقبها انطلاقا من الفترة البونية، حيث تختلف أسعار القطع حسب ندرتها و قيمتها التاريخية، ومنها ما يتعدى سعره في بعض الأحيان  10آلاف أورو . أما بخصوص تورط الطبقة المثقفة في قضية التهريب، فإن الباحث يستبعد الأمر مشيرا إلى أن تهريب الآثار في الجزائر يعد فعلا فرديا أكثر منه نشاطا متعلقا بعصابات منظمة، لأن أكثر المناطق تعرضا للنهب هي المواقع غير المحروسة و التي توجد في بعض البلديات و القرى القريبة من المواقع الأثرية المصنفة أين يتوفر باطن الأرض على الكثير من الآثار. أما عن قانون حماية الآثار، فيرى طاوطاو، بأن جانبه الردعي كاف لتقييد نشاط المهربين و المخربين، خصوصا إذا ما طبق بصرامة.                            هـ.ط

فيما يستهدف اللصوص المواقع غير المصنفة
استثمارات ومشاريع على آثار سطيف ومواطنون يتعمدون التخريب
تعد سطيف من بين مدن الشرق الغنية بالمواقع الأثرية على غرار موقعي جميلة و عين لحنش و43 موقعا آخر تعود لمختلف الحقب التاريخية بما في ذلك الفترة الإسلامية، وهو تحديدا ما جعلها هدفا لعمليات السرقة و التخريب المتعمد للمواقع الأثرية، إذ حجزت مصالح الدرك على مستواها سنة 2018 ، 332 قطعة أثرية تعود للحقبة الرومانية كانت عصابة منظمة قد سرقتها من محيط الموقع الأثري جميلة، كما أحبطت شرطة الحدود محاولة تهريب57 قطعة أثرية عن طريق المطار، في وقت يطرح ديوان تسيير الممتلكات الثقافية ، مشكلة التعدي المتعمد على المواقع المصنفة من قبل مواطنين و حتى مستثمرين و سلطات.
القلعة البيزنطينة شاهد على  حضارة الإنسان وعنفه

 النصر، تنقلت إلى ولاية سطيف، للوقوف على وضعية المواقع الأثرية بالمدينة، التي عرفت مؤخرا اكتشاف موقع جديد يزيد عمره عن 2.4 مليون سنة، بمنطقة عين الحنش وقد رافقنا خلال استطلاعنا الميداني مسؤول مواقع سطيف الأثرية بديوان تسيير الممتلكات الثقافية المحمية السيد محمد الأمين زراقة ، وجهتنا الأولى كانت القلعة البيزنطية، التي تعد أهم و أكثر موقع تعرض للاعتداءات خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك بالنظر إلى موقعها الذي يتوسط المدينة، و الذي أنشئت بمحاذاته حديقة التسلية بالإضافة إلى المجمع التجاري بارك مول، وهو ما ضاعف الاعتداءات على الموقع من خلال تخريب بعض أجزاء السور و الرسم على حجارته، حتى أن عملية الترميم التي استفاد منها بين سنتي 2012 و 2014، أتلفت بعدما قام منحرفون بتخريبها في أول يوم من فعاليات شهر التراث السنة الماضية، ما استدعى غلق المعلم مجددا أمام الزوار، خصوصا وأنه كان قد تعرض في سنوات مضت لتخريب بعض الأجزاء وسرقة أخرى بما في ذلك غطاء مخزن المؤن.
محيط القلعة  تحول أيضا إلى مكب للقمامة بعدما تعمد عمال نظافة تابعون للبلدية رمي القاذورات في المنطقة، التي تتعرض في كل مرة لحفريات غير مرخصة من مديرية الثقافة، تقوم بها مؤسسات وأشغال بناء في إطار إنجاز مشاريع تنموية قطاعية، على غرار مشروع قصر العدالة الذي بني فوق موقع أثري مصنف، وكشفت عمليات حفر أساسته سنة 2015عن 222 قطعة أثرية أغلبها نوميدية، لكن المشروع استمر رغم ذلك، بالإضافة إلى مشروع بناء مجمع بارك مول، الذي كشف عن عناصر معمارية  تعود لعهد الحاكم سيفيس إضافة إلى  قواعد و تيجان، كما كشفت أشغال توسعة حديقة التسلية، عن حجارة رمادية يعود عمرها للقرن الأول ميلادي، كان سيتم التخلص منها برميها في المفرغة العمومية لولا تدخل ديوان تسيير الممتلكات الذي أوصى بتركها في الحديقة كقطع للزينة مع اقتراح تحويل محيط مجمع بارك مول إلى حظيرة أركيولوجية، لكن الحجارة تعرضت لاحقا للتخريب على يد تجار أعادوا تلوينها لتتماشى مع طبيعة نشاطاتهم.
قصة نجاة ضريح سيبيون الإفريقي

يتذكر الجميع حادثة تخريب تمثال عين الفوارة التي هزت الرأي العام الجزائري و حتى العالمي سنة 2017، و التي تعتبر امتدادا لمحاولات تشويه عديدة تعرض لها المعلم على مر السنين، آخرها قيام أحد المصورين الهواة بربطه بالشبكة الكهربائية و محاولة إدخال تعديلات على محيطه، لاستغلاله تجاريا، مع ذلك فإن وضعية الموقع لا يمكن أن تقارن بمأساة المعلم الأثري ضريح سيبيون الإفريقي، وهو معلم لا يبعد عن وسط المدينة كثيرا، يعود تاريخه للقرن الثالث ميلادي، اقترح للتصنيف سنة2019، في محاولة لإنقاذه من حالة الإهمال التي طالته لسنوات عديدة، تحول خلالها إلى مفرغة عمومية و مرتع للمنحرفين و السكارى، قبل أن تنتشر صور له على موقع فيسبوك، حركت الوزارة الوصية لتصدر تعليمات تخص حماية الموقع واسترجاعه، لكن ضعف إمكانيات المؤسسات الثقافية المحلية، دفع جمعية سكان حي القصرية للتدخل، إذ تطوع مواطنون لتنظيف الموقع بمعية ديوان تسيير الممتلكات الثقافية، و أنجز في إطار هذا النشاط حائط حماية تكفل السكان بمصاريفه التي ناهزت مبلغ 120 مليون سنتيم.
غالبية التحف تسرق من المواقع غير المصنفة
وبالحديث عن المواقع المتواجدة خارج المحيط الحضري و معظمها غير مصنفة أو مقترحة للتصنيف، فقد أوضح، دليلنا  محمد الأمين زراقة، بأنها تعد الأكثر عرضة للتنقيب غير المرخص بغرض السرقة إذ يستهدفها لصوص الآثار على اختلافهم لعلمهم بوجود كنوز أثرية مدفونة تحت الأرض خصوصا عند أطراف محيط مدينة جميلة، وبالرغم من النشاط الدائم لأجهزة الأمن و التدخلات المستمرة لديوان تسيير و استغلال الممتلكات الثقافية حسبه، إلا أن مراقبة و حراسة هذه المواقع بشكل كاف وردعي يبقى غير ممكن، في ظل نقص أعوان الحراسة و شساعة المحيط الأثري.
قصدنا متحف سطيف، لمعاينة المسترجعات من التحف والآثار التي توجه إليه عموما بعد حجزها من قبل مصالح الأمن على اختلافها، فأكد لنا القائمون عليه بأن معظم المسترجعات تعود لعمليات جهاز  الدرك الوطني، كما أن هنالك مسترجعات قدمها للمتحف مواطنون عثروا عليها بالصدفة، و هي تحف تعود لفترات و حقب زمنية مختلفة ومن أبرز المحجوزات التي حظي بها المتحف، تلك التي قدمتها سنة 2016 فصيلة الدرك بقلال بسطيف، و تمثلت في 348 شقفا من الفخار و قطع عظمية و أسطوانة حديدية و شقف لحجز و شقف لمهراس و قدح فخاري كبير و جرة فخارية، تضاف إلى قطع أخرى حجزت على مستوى ولاية برج بوعريريج و تعود للفترة الإسلامية، منها دينار من الذهب و نصف صنج من الزجاج و 12 قطعة نقدية و فاطمية و 21 قطعة نقدية عثمانية فضية و 6 قطع نقدية أموية و 20 درهم موحدي و 9 دراهم فضية لمختلف الفترات، و قطعة نقدية تونسية و قطعتين نحاسيتين و أربع قطع عثمانية تونسية من البرونز و 10 قطع إسلامية برونزية و 24 فلسا من البرونز و رأس سهم من الصوان و 1511 مستحاثة.
كما عرفت سنة 2018، حجز كم كبير من الآثار و التحف  على اختلافها خلال ثماني عمليات أمنية  بجميلة و برج بوعريريج و سطيف مكنت من استرجاع أزيد من 400 قطعة نقدية مختلفة المواد و الفترات ، بالإضافة إلى عملات ذهبية إسلامية و بيزنطية و فرنسية، ناهيك عن قطع حلي و حجارة مصقولة و غيرها.

زراقة محمد الأمين مسؤول ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية بسطيف
نقص الوعي و غياب التنسيق أضرا بمعالم المدينة
يؤكد محمد الأمين زراقة، مسؤول مواقع سطيف بالديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، بأن أهم المشاكل المطروحة في مدينة سطيف هو وجود المعلم الأثري القلعة البيزنطينة في وسط المدينة و تحديدا في قلب حديقة التسلية، و كذلك الأمر بالنسبة لبعض المواقع الأخرى كمعلم عين الفوارة، وهو ما يتسبب في تعرض محيط الحماية التابع لها و الذي يقدره قانون حماية التراث بـ 200 متر إلى التعدي، سواء من طرف  مواطنين يقومون بالبناء فيه، أو  مستثمرين و سلطات يتعمدون عدم احترام حدود المحيط المحمي خلال إنجاز المشاريع الاقتصادية و التنموية، و قد عالجنا عديد الحالات المتعلقة بالتستر على مكتشفات أثرية خلال عمليات الحفر،  ومن أهم التجاوزات التي تم تسجيلها،  عمليتي التشويه و الاتلاف التي تعرض لهما معلم عين الفوارة في ديسمبر 2017 و أكتوبر 2018، بالإضافة إلى إتلاف و تشويه أجزاء من شرفات القلعة البيزنطينة و المرافق التابعة له بين ماي 2018 و آفريل 2019،  و تعرض الصور للإتلاف في عدة نقاط من قبل زوار وذلك خلال أول أيام فعاليات شهر التراث في 2019، مما استوجب إعادة غلق المعلم حفاظا عليه، خصوصا وأنه تعرض أيضا لمحاولة اقتحام مست مخزن السور خلال نفس السنة، ناهيك عن الخبرشات أو ما يعرف بالتاغس والتي سجلت على مستوى ذات المعلم بالإضافة إلى حي المعبد و عين الفوارة و معلم سيبيون الافريقي.
ومن بين المخالفات كذلك تسجيل محاولة  للتصرف في ممتلك ثقافي دون ترخيص ، قام بها بعض الخواص على مستوى حديقة التسلية، أين قاموا بدهن عناصر معمارية أثرية  لإعطائها مظهرا جماليا يتماشى مع طبيعة نشاطهم التجاري، كما قام أحد الخواص بترخيص من البلدية يسمح له باستغلال مساحات من حديقة التسلية، بالحفر لعمق يزيد عن 6 أمتار ضمن منطقة حماية الموقع الأثري.

 كما أن بعض مشاريع التنمية المحلية أضرت كثيرا بالموروث الثقافي، بحجة إنشاء مشاريع لمنشآت قاعدية ومد شبكات الغاز و المياه و قنوات التطهير  ضمن محيط الممتلكات المحمية، وهي اعتداءات تحصل نتيجة غياب التنسيق و عدم طلب تراخيص من وزارة الثقافة، كما حصل خلال مشروعي مد خط الترامواي باتجاه عين الفوارة، و تهيئة حديقة التسلية،  بالرغم من أن قانون حماية التراث كان واضحا في ما يخص  تحديد  نوعية الأشغال التي تستوجب الترخيص من نفس الجهة سيما في مادتيه 21 و 31، مع ذلك فإن السلطات المحلية تتجاهل الأمر خلال منحها لرخص البناء التي تقدم للخواص والمؤسسات العمومية، كما أن ذات الجهات لا تضع في الحسبان الممتلكات الثقافية العقارية المصنفة أو المقترحة للتصنيف خلال إعدادها لمخططات شغل الأراضي  و تجنبها طلب الرأي التقني من مصالح الثقافة  خلال برمجة المشاريع.
وعليه فقد تم خلال سنة 2018 رفع 15 قضية للعدالة، ضد معتدين على التراث الثقافي ، أين تأسس الديوان كطرف مدني، علما أن تحيين قانون حماية التراث يعد ضرورة مستعجلة.
هـ-ط

عمليات بناء تغطي على نشاط سرقة الآثار بميلة
و بولاية ميلة التي تعد أيضا من أكثر ولايات الشرق تضررا بعمليات تخريب و نهب المواقع الأثرية، أكد رئيس مصلحة التراث الثقافي بمديرية الثقافة، بأن الزحف العمراني  الفوضوي في محيط القطاع  المحفوظ،  أدى إلى تستر  سكان على آثار قديمة يكتشفونها خلال الحفر من أجل البناء، وذلك خوفا من توقف أشغالهم و تفاديا للإجراءات الإدارية و الأمنية و القانونية المتربتة عن التبليغ، إذ يتعمدون حسبه، طمرها مجددا أو بيعها في السوق السوداء.
من جانبه أوضح مدير الثقافة بالولاية جمال يوسف بريحي، بأن هنالك وعيا نسبيا لدى المواطنين بأهمية التبليغ  مشيرا الى أن ميلة تعتبر منطقة نشطة بالنسبة لتجار الآثار المسروقة، إذ تم في الفترة بين 2017 و 2018 استرجاع حوالي 3600 قطعة أثرية، مشيرا إلى أن مخطط الحفظ و الاسترجاع الخاص بالقطاع المحفوظ في الولاية، من شأنه أن يساهم في حماية النسيج العمراني للمدينة القديمة ويمنع الاعتداء عليها سواء من خلال البناء أو محاولة سرقة ما تخفيه الأرض من كنوز.
استرجاع 3600 قطعة في سنتين و تحف للبيع على فيسبوك
 وقد سجلت آخر قضية تتعلق بالاتجار غير الشرعي بالآثار، نهاية الأسبوع الماضي، بمنطقة القرارم قوقة التابعة إقليميا لولاية ميلة، أين حجزت عناصر الأمن، 313 قطعة نقدية أثرية و تمثال من البرونز، مع توقيف شخص كان يستغل الشبكة العنكبوتية و تحديدا مواقع فيسبوك، لنشر و عرض قطع أثرية للبيع، وقد بينت الخبرة التقنية التي أجرتها مديرية الثقافة بميلة، بأن المحجوزات تكتسي أهمية تاريخية كبيرة.
هـ-ط

الرجوع إلى الأعلى