الحركية الثقافية يجب ألا تنعزل عن الحراك المجتمعي
تحدث الكاتب الروائي أحمد بن زليخة، خلال نزوله ضيفا على مكتبة ميديا بلوس بقسنطينة، مساء السبت، عن ضرورة الانفتاح على النقاش الفكري البناء لدفع العجلة الثقافية  و منح مساحة أكبر و أوسع للتعاطي مع الأفكار الجديدة، بعيدا عن الأحكام المسبقة و تصفية الحسابات، مشددا على أن الثقافة يجب ألا تنأى عن الحركية التي يعرفها المجتمع مؤخرا، لأن خصوصية هذا الحقل، جعلت الناشطين فيه يتركون مسافة دائمة بين الثقافة والإعلام و بين الثقافة و ممارسات السلطة، و أي طرح سياسي يمكن لأي طرف أن يدافع عنه و يبرر له بمشروعية .
 الروائي قال، على هامش توقيعه لآخر إصداراته « إلياس»، بأن الثقافة لها كلمة تقولها، و يجب أن تقولها بطريقة تسمح  بترسيخ نقاش الأفكار و تكرس التبادل و إنتاج حركة إيجابية في الحياة العامة، معتبرا بأن الوقت الراهن يقدم فرصة مناسبة لإعادة بعث الديناميكية الثقافية و المجتمعية، وهي مهمة أسندها إلى الناشطين و الفاعلين الذين يتوجب عليهم، حسبه، إبداء ردود فعل ملموسة تجاه  التغيرات الحاصلة و مواكبتها بشكل فعال، شريطة ألا تتعلق المبادرات بالأشخاص وألا نربطها بالأسماء، بل وجب أن نعانق الموضوعية و نتخلى عن العاطفة، لنتمكن من التركيز على الأفكار ومنتجاتها لتعم المصلحة، بمعنى أننا لا يجب، كما قال، أن نقيم الفكرة أو نتقبلها أو نرفضها، استنادا إلى هوية مؤلفها، أو لأنها تتماشى مع تيار سياسي أو إيديولوجي معين، فكل هذه التصنيفات تسقط أمام أهمية الفكرة و نجاعتها وقدرتها على إنتاج حركية اجتماعية و ثقافية فعلية.
 وعليه يتوجب علينا، كما أضاف، أن نكرس نقاش الأفكار و نجد السبل و المساحة المناسبة لإنجاح هذا المسعى، الذي لا يمكن أن يتأتى إلا في حال وجدنا الإرادة و الشجاعة الكافيتين للتعاطي مع بعضنا بكل صراحة وصدق، مشيرا في سياق حديثه، إلى أنه يتفهم تحفظ البعض تجاه هذا النوع من النقاش، لأن الظروف و الحيثيات تجعله يحيد أحيانا إلى تصفية الحسابات، بدل التعاطي الحقيقي مع الأفكار، لذلك فالحلول تكمن، حسبه، في التركيز على الفكرة الإيجابية بغض النظر عن هوية صاحبها أو من يعمل على ترقيتها.
 الكاتب تطرق خلال حديثه، إلى دور الأدب في تشكيل الأفكار الجديدة التي من شأنها أن تدفع المجتمع إلى الأمام و تفتح ورشات ميدانية للبناء الفكري و الثقافي، حيث قال بهذا الخصوص، بأنه يتوجب علينا أولا أن نفرق بين مفهوم الأدب في المجتمعات، وأن ندرك اختلاف دوره و وظيفته فيها، ففي مجتمعنا مثلا، نرى، على حد تعبيره، بأن الأدب مهمش عموما، كما أننا نفتقر إلى الميل نحو تطوير الأفكار الأدبية، مع ذلك فإن هذا الطرح لا ينفي في اعتقاده، دور الكتاب و الفاعلين في ترقية الأدب  من خلال المبادرة، و لما لا المغامرة و التحدي  و الخروج من « منطقة الأمان».
 مشكلة الأدب في مجتمعنا، ترجع في رأي بن زليخة، لتراكمات سنوات ماضية، انجر عنها انحصار هذا المجال  بسبب توجهات إيديولوجية معينة، قال بأنه يرفض التعمق في الحديث عنها، لكي لا يجنح إلى الإقصاء، رغم كونها حقيقية ألقت ظلالها على المجتمع و تركت ذكريات سيئة على الأقل بالنسبة إليه، مستشهدا بهجوم عباسي مدني، زعيم أحد التيارات الإيديولوجية، على الرواية في أحد الحوارات الصحفية، وهو ما يحيلنا ، حسبه، للتساؤل عن السبب الذي قد يدفع رجلا مثل المرحوم، للانزعاج من الرواية، رغم أنه لو علم قدرتها على التأثير و خدمة الدعاية السياسية في حال وظفت لهذا الغرض، لاستثمر فيها بشكل كان سينتج لنا ، حسب الكاتب، عددا من الروائيين الإسلاميين الكبار، إلا أن المقاربة المبدئية والأحكام المسبقة، أفرزت عكس ذلك، و أضرت بقيمة الأدب في مجتمعنا.
 على صعيد آخر، استفسر المؤلف، عن السبب الذي قد يجعل كاتبا يتموقع ضد فكرة معينة،  في وقت يعد الانفتاح على النقاش  الموضوعي  ضروريا ، و حاجة مجتمعية لبناء الفكر، حيث ضرب مثالا بالجدل الذي يثار حول كمال داود، فهذا الكاتب رغم كل ما يثار حوله، يبقى، حسبه، صانعا لنقاش و دائم التفاعل من خلال انفتاحه على الردود و تعقيبه عليها، لأن المهم، كما أردف، هو الفكرة و دور الروائي يكمن في تقديم نظرة جديدة ومختلفة عن العالم للقارئ و اقتراح أشياء مهمة للتفكير و التخيل.
   و بالعودة للحديث، عن الأحداث التي تعيشها الجزائر منذ سنة، وكل ما أفرزه الحراك من معطيات مجتمعية جديدة، قال أحمد بن زليخة، بأن الدراسات السوسيولوجية الأكاديمية التي تتناول هذه المعطيات، لا تزال شحيحة حاليا، لأن الدراسة تتطلب وقتا، بالمقابل فإن ما قدمه الأدب إلى غاية الآن، لا يندرج ضمن خانة الرواية بمفهومها الجمالي والإبداعي، لأن ما قدم حاليا لا يتعدى التدخلات المتخصصة لبعض الباحثين كمبتول و ناصر جابي، ناهيك عن كتابات قدمها صحفيون، قال الكاتب، بأنها تبقى حينية، ورصدا للأحداث مع  تغليب للعاطفة، وحتى وإن كانت مبادرات محمودة، كما عبر، إلا أنها تظل بعيدة عن الأدب الروائي الحقيقي، لأن الكتابة عن هذه المرحلة أدبيا، تتطلب وقتا لقراءة الأحداث بشكل معمق و بلورتها بطريقة تفتح المجال للتحليل والإبداع.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى