محمّد خطاب
هناك نظرتان للكتابة، الأولى تقليديّة بائسة تُراوح مكانها حتّى لو اِستعانت بلغة عصرية، والثانية ثوريّة مُتحولة ترى إلى المُتربص دائمًا وليس إلى المُنجز. النظرة الأولى يُراد بها التوجيه بصيغة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وفيها اِرتدادٌ للماضي البليد في مُعظم تفاصيله، والنظرة الثانية تُلامس علاقة الكتابة بالوجود لا من حيث هو منظومة تعقل بل من حيث هو صورة هشّة مُتقلبة. ثمّ هناك تمييزٌ آخر يمكن الاِستئناس به، وهي أنّ منظور الكتابة فلسفيًا أثمر أصواتًا مُزعجة ونظامًا في البلاغة صار منبوذا ومطرودا من كُتب البلاغة الرسميّة والحدود المنطقيّة. بينما منظور الكتابة بلاغيًا أثمر تسطيحًا لفعل الكتابة يمكن مقارنة ذلك بأسلوب الدُعاة الجدد وأصحاب التنميّة البشريّة».
*****
الكتابة تُعلّم فِعل الحريّة و الاِنعتاق من قيد السلسلة التي خلقتها الثقافة. الكتابة ضد الثقافة، إنّها فعلٌ يتأسس على الثورة. الثقافة بالمعنى السلبيّ مُحافظة على القيد وعاشقة للسلاسل، بل تسعى لخلق سلاسل جديدة. الثقافة خلاّقة للحدود التي هي بالنسبة للكتابة وهمٌ وقيدٌ إضافيّ على حرية المُخيلة. المُخيلة تقتات من عالم لا تعرف عنه الثقافة شيئًا.
*****
لو أحببنا أن نفهم الكتابة من وجهة نظر فلسفيّة في تراثنا العربيّ، من أين نبدأ؟ ما هو النصّ الّذي يُشكل بداية السؤال في الكتابة لا من حيث هي ظاهرة يختصرها النحو أو البلاغة أو النقد، بل من حيث هي ظاهرة وجوديّة؟ لم أطمئن إلى حد الساعة في بعض النصوص التي غلب عليها الطابع العام
*****
يتغذى الكِتاب من الهامش لكي يُؤسس مركزية خاصة. الهامش هو قوت المركز. لذلك تشكل الكتابة الاِستثنائية سواء في الأدب أو في الفلسفة أو في الفكر بشكلٍ عام الحالة القُصوى التي يتجلى فيها الهامش في الحياة. القوّة للاِستثناء وللغريب وللمشبوه. العالم مليءٌ بالكُتب، ولكن الهامش هو الّذي يصنع المعنى. هناك الكثير من النَظم ولكن في المقابل هناك القليل القليل من الشِّعر. ما كُتب عن النظم يتجاوز الوصف، وحتى الآن لا تزال الدراسات الجامعية تُعلن عن نفسها باِستمرار -مسروقة كانت أم غير مسروقة- فإنّها تُؤسس للخراب، ولكن الاِهتمام النادر والجميل بالهامش يصنع الحدث، فالحدث بالمعنى الجميل يأتي نادرا ولكن مؤديًا وخلاقًّا.

الرجوع إلى الأعلى