على الضمير الفرنسي الحرّ تحطيم تماثيل القادة الاستعماريين
د. أحسن تليلاني - رئيس مؤسسة زيغود يوسف
تعيش الشعوب في أمريكا و في كثير من البلدان الأوروبية على رأسها إنجلترا لحظات فارقة في استعادة قيم الحرية و الإنسانية و العدالة، و ذلك إثر صدمة الجميع بمشهد مقتل المواطن الأمريكي الأسود ( جورج فلويد ) على يد الشرطة الأمريكية ، و هو المشهد الذي فجر ثورة عالمية عارمة سرعان ما راحت تكبر و تتنامى لتجتاح العالم منددة بالعبودية و الاستعمار مطالبة بعالم أكثر رحمة و إنسانية ، و من الواضح أن هذه الثورة الحضارية في الفكر العالمي قد استفادت أيضا من تأثيرات وباء كورونا الذي منح البشرية جمعاء أياما و ليال طويلة للتأمل في المصير المشترك، فاكتشف الجميع ألا سعادة لأحد بدون سعادة الآخر، و إذا كان الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر قد كتب في خمسينات القرن الماضي أن ( الجحيم هو الآخر ) فإن مأساة ( جورج فلويد ) بين يدي جلاديه و قتلته، قد شخصت للجميع في دقائق معدودات تناقلتها تلفزيونات العالم قسوة جحيمية الحياة في ظل العبودية و التمييز العنصري، فجرحت الضمير العالمي الذي استيقظ فجأة على تاريخ أسود طويل من قهر الإنسان لأخيه الإنسان.
      إن مؤسستنا التاريخية التي تحمل اسم شخصية الثائر العظيم زيغود يوسف الشهيد الذي ثار ضد استعباد فرنسا للشعب الجزائري، تتابع بكل اهتمام تطورات قضية ( جورج فلويد ) و تأثيراتها التحررية في الوعي العالمي، و هي – المؤسسة – تشجع بالتأكيد هذه الثورة العالمية ضد رموز العنصرية و العبودية و الاستعمار، بل وتحيي الشعوب الحرة الثائرة و إقدامها على تحطيم كل تماثيل القادة الاستعماريين في أمريكا و إنجلترا، لأن تلك التماثيل التي تجسد القتلة و الجلادين لا تشرف أبدا الحضارة الإنسانية.
و بالنسبة لمؤسسة الشهيد العقيد زيغود يوسف التاريخية فإن المناسبة مواتية جدا للضمير الفرنسي كي يتحرك بشجاعة مثل الانجليز للاعتراف بما اقترفه آباؤهم و أجدادهم من جرائم في حق الشعب الجزائري ، و الجهر بحقيقة ( المأساة الخرساء) كما يقول كاتب ياسين، و هي المأساة التي تظل تلاحق الضمير الفرنسي حتى يواجه صرخة فيلسوفهم جون بول سارتر الذي ألف كتابا كاملا عنوانه ( عارنا في الجزائر)، هذا العار الذي تجسده عديد الشخصيات الاستعمارية الفرنسية الملطخة بدماء آلاف و ملايين الجزائريين الأبرياء منذ بداية الاحتلال سنة 1830 حيث قام جنرالات فرنسا بإبادة  جماعية للشعب الجزائري، فقد حق اليوم للفرنسيين تحطيم تماثيل أولئك القتلة المجرمين مثل (الماريشال بيجو) هذا السفاح الذي تولى الحكم في الجزائر من 1840 إلى 1847 و طبق  سياسة القهر والعنف والإبادة والتدمير والتهجير والنفي في إطار الحرب الشاملة التي مارسها ضد الجزائريين، فما قام به هذا (بيجو) في الجزائر يعد أكثر الحلقات دموية فيما وثقه المؤرخون باسم ( المدخنة enfumades  ) و هي محرقة جماعية أقامها في كهوف جبال الظهرة بمستغانم قضى فيها على قبيلة كاملة في يوم واحد 19 جوان 1845 تعدادها أكثر من ألف جزائري. و إننا لو نفتح ملف القادة الفرنسيين المتورطين في الدم الجزائري ظلما و عدوانا فإن هذه القائمة لا تكفيها الطروس و القراطيس حسبها تلك الجرائم التي لم يشهد لها العالم أبدا مثل مأساة مجازر 08 ماي 1945 في سطيف و قالمة و خراطة التي أسفرت عن 45000 خمسة و أربعين ألف شهيد ، و مجازر 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني التي خلفت 13000 ثلاثة عشر ألف شهيد، و كذا مجزرة باريس غداة 17 أكتوبر1961 حيث اعتقلت الشرطة الفرنسية بقيادة السفاح ( موريس بابون ) آلاف الجزائرية و قذفت بالمئات منهم و هم مكتوفي الأيدي في نهر السين، و غيرها من الجرائم الشنيعة التي أسفرت عن ملايين الشهداء الجزائريين ، هذه الجرائم تجرح حتما الضمير الفرنسي و هو يشاهد تفاعلات الأحرار في العالم مع قضية ( جورج فلويد ).إن مؤسسة الشهيد العقيد زيغود يوسف التاريخية تدعو الضمير الفرنسي الحر إلى إدانة التاريخ الاستعماري و تحطيم كل تماثيل و رموز العبودية و العنصرية، كما تثمن التوجه نحو تجريم الاستعمار.

الرجوع إلى الأعلى