كشف الباحث الأكاديمي و الشاعر الدكتور عبد الله حمادي لأول مرة عن وجهه الآخر، كممثل في فيلم سينمائي فرنسي حول الحقبة الاستعمارية تم تصويره في 1978 بجنوب إسبانيا، بعنوان "خيول الشمس" للمخرج فرانسوا فيليي، وقد نشر مقاطع من الفيلم على صفحته على فايسبوك، وقال حمادي للنصر إن الفيلم صوّر أثناء تحضيره لرسالة دكتوراه حول الأدب الأندلسي بجامعة مدريد المركزية، و عمله في إذاعة مدريد الدولية، واصفا تجربته السينمائية بالممتعة، و مشيرا إلى أن لديه إلى جانب انجاز مؤلفه الجديد حول الشاعر المعتمد بن عباد، و هو الخامس في رصيده منذ مغادرته الجامعة في 2016 ، مشروعا سينمائيا حول الأندلس مع المخرج محمد حازرلي..

حاورته: إلهام طالب

الفضل لأستاذي المستشرق في عملي كمقدم أخبار بإذاعة مدريد الدولية
. النصر: كيف تم اختيارك للمشاركة في فيلم "خيول الشمس"، هل شاركت في عملية "كاستينغ" لانتقاء ممثلين مناسبين، أو لأنك جزائري، أم بعد اكتشاف موهبتك في التمثيل؟
ـ الدكتور عبد الله حمادي: أذكر أنّه في حدود عام 1978 ، كنت طالبا بجامعة مدريد المركزية، قسم الفيلولوجيا السامية  ، وكنت بصدد تحضير شهادة الدكتوراه في الأدب الأندلسي، تحت إشراف الأستاذ المستشرق Fernando de la Granja، وأذكر اسم هذا الأستاذ الفاضل، لأنّه يعود له الفضل في تسجيلي في شهادة الدكتوراه بالجامعة المذكورة، و حرصا منه لأشتغل معه في موضوع "الشعر في مملكة غرناطة 1232 – 1492"، و كان له الفضل كذلك، في تمكيني من الحصول على منحة، ممّا كان يُعرف آنذاك بإسبانيا  بالمعهد   الإسباني   العربي     للثقافة ( Instituto Hispano-Arabe de la Cultura)، و بما أن المنحة كانت متواضعة، سعى هذا الأستاذ بعلاقاته الخاصة، لتمكيني من إيجاد منصب عملٍ بإذاعة إسبانيا الدّولية، كمقدم للأخبار السياحية و الثقافية حول تاريخ إسبانيا عامة و الأندلسية العربية خاصة.
في هذه المرحلة، تعرفت على أستاذ مستشرق يُشرف على القسم الدولي العربي بإذاعة مدريد، والذي علمت في ما بعد، أنّ أستاذي المشرف يكون هو من سعى لي عنده لأحصل على منصب العمل هذا،  لأحَسِّنَ من وضعي الاجتماعي.
كانت الإذاعة الدولية العربية بمدريد، يسيطر عليها اللبنانيون، و ربّما كنت الوحيد من الجزائر الذي عمل بها، و كان التعجّب يخيم على الإخوة الصحفيين اللّبنانيين، كيف لأعجميّ من الجزائر المُفرنسة، أن يقدم النشرات بالعربية الموجّهة إلى المستمعين العرب؟ ..
المهم أثبت جدارتي و اقتداري، على أداء المهمّة على أحسن وجه، لأنّي كنت مُسلحا برصيد تُراثي هائل من الأدب العربي القديم، و بخانة حفظ لأزيد من خمسة آلاف بيت من الشعر العربي القديم، و تحت أعين الأستاذ المستشرق الذي يشرف على قسم الإذاعة الدولية المعربة، تمكنت من تشريف أستاذي المشرف، و شرفت مكاني كمذيع مقتدر وفصيح في اللغة العربية.
كان ذلك من الأسباب التي قربتني من موضوع الفيلم الشهير، الذي يحمل عنوان "خيول الشمس"  Les Chevaux du soleil للكاتب الفرنسي Jules Roy الذي ينتمي إلى ما يسمّى " بالأقدام السوداء"، كما ينتمي  في مساره الأدبي إلى ما يُعرف في النّقد  الجزائري        ب  "مدرسة الجزائر" Ecole D’Alger أو " الكُتّاب   الفرنسيون المُتجزئرون" (Les Ecrivains Algerianisés)  من أمثال A. Camus و Pelligri و Jules Roy  وI.Robles ، و Jean Daniel     وغيرهم ممن ولدوا بالجزائر.
مخرج "خيول الشمس" عرض علي مراجعة السيناريو
. هل التقيت بمخرج "خيول الشمس" فرانسوا فيليي في إطار عملك بالإذاعة الدولية بمدريد؟
ـ في إحدى المرّات، طلبني الأستاذ المستشرق، الذي يشرف على القسم العربي في الإذاعة الدولية بمدريد، إلى مكتبه، وأخبرني أنّ مخرجا فرنسيا يوجد بمدريد، ويعمل على تحضير فيلم حول تاريخ الجزائر، و يبحث عن جزائري يمكن أن يساعده في بعض الأمور.
و أضاف إنّ المخرج الفرنسي Francois Villiers، قد اتصل بالسفارة الجزائرية بمدريد، و طلب من السفير الجزائري أن يساعده في إيجاد شخص جزائري مؤهل، لمساعدته في الفيلم المذكور؛ فقال لي الأستاذ المستشرق: إنّ السفير عرض عليه أن تساعده زوجته في العمل، و يبدو أن المخرج الفرنسي بعد لقائه بزوجة السفير لم يقتنع  بكفاءتها و قُدراتها.
من هناك، حصل الاتصال بين الأستاذ المستشرق، رئيس القسم العربي الدولي لإذاعة مدريد، و المخرج الفرنسي Francois Villiers، ليطلب منه مساعدته في إيجاد شخص جزائري ليساعده على بعض الأمور المتعلقة بالفيلم، لأنّ الفيلم يتعلق بتاريخ الحقبة الاستعمارية بالجزائر 1830 إلى 1962 .
سألني الأستاذ المستشرق، إذا كنت أرغب في لقاء المخرج الفرنسي فرحبت بذلك، لكنّني كنت أجهل تماما ماذا يريد هذا المخرج الفرنسي بإسبانيا  من جزائري مثلي .
وافقت على أن يعطيه رقم هاتفي، و بعد أيّام قليلة، اتصل و طلب منّي أن نلتقي في الوقت الذي أحدّده أنا، لعلمه أنني طالب و أشتغل في الإذاعة الدولية بمدريد.
حدّدنا الموعد، و لأوّل مرّة أرى المخرج الفرنسي الشهير Francois Villiers ، كان ربما في الخمسين  من عمره، أو أقل بقليل  لا أدري بالضبط .
وجدته قد صحب معه كتابا في ثلاثة أجزاء، مرقونا ، و باللغة الفرنسية، وقال لي "هذا  سيناريو لفيلم يحمل هذا العنوان « Les Chevaux du soleil" ، و كما تعرف فهذا العنوان هو لكتاب، ألفه الكاتب الجزائري الفرنسي Jules  Roy، ابن منطقة بوفاريك وبالتحديد، سيدي موسى.

أضفت عبارات باللهجة الجزائرية إلى السيناريو
قبل أن يعرض عليّ المخرج مطلبه الأول، قال لي: "كنت أنوي تصوير هذا الفيلم في الجزائر، و إذا أمكن، في الأماكن الحقيقية التي دخلت منها فرنسا إلى الجزائر، ثمّ الأماكن التي بدأ فيها استقرار المُعمر ( الكولون ) بالجزائر،  كسيدي فرج ، وبوفاريك ، وسهول متّيجة، وفي بعض المزارع التي استقرت فيها بعض العائلات الفرنسية،و راسلت السلطات الجزائرية بهذا الشأن، وقدمت لهم عرضا عن موضوع الفيلم، الذي ربّما أحداثه كلّها لصالح الجزائر، و كررت الأمر عليهم أكثر من مرّة، وفي كل مرّة يقدمون لي تبريرات ، ويعدونني بحل المشكل، إلى أن تجاوز الأمر أكثر من سنة، ولم أحصل على موافقة السلطة الجزائرية، حتّى الآن،  ممّا جعلني أتوجّه إلى إسبانيا، وبالتحديد إلى جنوبها، بحثا عن أماكن تُشبه طبيعة الجزائر، فحصلت بسهولة على الموافقة، و طبعا بدفع المقابل، الذي طلبته السلطات الإسبانية، وها نحن نشرع اليوم، بعد انتظار، موافقة السلطة الجزائرية لأكثر من سنة، في تنفيذ مشروع الفيلم"، هذه كانت افتتاحية لقائنا بمدريد.
و أضاف المخرج " يبدو أنك باحث في الدكتوراه، ولا شك أنك تعرف الكثير عن الحقبة الاستعمارية في الجزائر، أريد منك أن تقرأ سيناريو الفيلم، و تقدم لي ملاحظاتك كجزائري، و كمثقف حول محتواه، هل فيه ما يسيء للجزائر والجزائريين؟ هل الكاتب موضوعي، في كلّ ما قاله عن تاريخ الاستعمار الفرنسي بالجزائري؟".
المهم طلب منّي تقريرا حول السناريو ومحتواه كعمل أوليٍّ، و افترقنا على أن نلتقي بعد  15 يوما.
الفيلم يسلط الضوء على الحياة الاجتماعية للجزائريين و لا يمجد الاستعمار
. و ماذا استخلصت بعد أن قرأت السيناريو؟
ـ في اللقاء الثّاني بيني وبين المخرج، قدّمت له التقرير، في الحقيقة أعجبني السيناريو، لأمر ملفت، لأنّه لأوّل مرّة تقريبا في مطالعاتي لتاريخ الاستعمار الفرنسي بالجزائر، أجد كاتبا لا يتعرّض للمعارك بين الجزائريين و الفرنسيين، بقدر ما راح هذا الكاتب، الذي  ولد في الجزائر، في بداية القرن العشرين، و عاش بها أكثر من نصف قرن، و كان شاهد عيان على علاقة المستعمرين بالأهالي، كما كانوا يطلقون علينا،  فصبّ جلّ اهتمامه في هذا العمل السينمائي، على العلاقة التفاعلية بين السكان الأصليين الجزائريين، وعلاقتهم بالمستعمرين الفرنسيين، وخاصة في الحياة اليومية، و العادات و التقاليد، خاصة حياة الرّيف وعلاقة الكولون بالفلاّحين الجزائريين البسطاء، وأكبر نموذج هو الجزائري " الخمّاس" الذي تمثله شخصية " مفتاح "، الذي يعمل طول حياته، في مزرعة أحد المعمّرين الكولون، وورّث مهنته لأبنائه، وقد وفّق الكاتب، أيّما توفيق، في رصد تفاصيل الحياة الاجتماعية في الرّيف الجزائري و القرى وأحيانا المدن، كالجزائر العاصمة، فجاء السيناريو معبّرا، إلى درجة تجده في كثير من المواقف ينحاز إلى صفّ المحرومين من المُزارعين الجزائريين في مزارع الكولون، المنتشرة في سهول "المتّيجة " .
المخرج الفرنسي استحسن ملاحظاتي، واقترح عليّ عملا آخر، قائلا "ما رأيك لو أضفت إلى السيناريو بعض التعابير، والكلمات بالعربية، كما هي في مزارعكم وحياتكم اليومية، لنضيفها إلى السيناريو؟ و طلب منّي النظر للمرة الثانية في العمل، وتطعيم السيناريو بما يلزم من حوارات أو كلمات بالعربية تُضاف إلى السيناريو، وافقته على ذلك، وقمت بهذا العمل، وبالتالي، فكلّ التعابير العربية الموجودة في هذا المسلسل الطويل، المتكون من 12 حلقة، و كلّ حلقة مدتها 50 دقيقة، هي من إضافاتي.
عموما هكذا تقريبا كانت بدايات التواصل بيني وبين المخرج الفرنسي، و المهمة المحدّدة هي إعطاء وجهة نظري في السيناريو من النّاحية التّاريخية والاجتماعية، وتمّ ذلك و دفع لي المقابل بسخاء و افترقنا.
الفيلم بثته قناة"تي أف1 " في 1980
. اللافت أثناء متابعة مشاهد من حلقات الفيلم نشرتها مؤخرا عبر صفحتك في موقع فايسبوك أن أغلب الممثلين لا يتحدثون باللهجة الجزائرية..
ـ نعم قد يتساءل بعض المشاهدين، لماذا أكثر الحوارات في الفيلم ليست باللهجة الجزائرية، و أقول لهم هي باللهجة الجزائرية في الأصل، لكن غالبية  من قاموا بأدوار الجزائريين كانوا  مغاربة، لذا غلبت لهجتهم، على اللهجة الجزائرية في التّسجيل.
للعلم فإنّ الفيلم انتهى انجازه عام 1980 ، وعُرض كمسلسل في 12 حلقة في قناة "تي أف 1" الفرنسية .
. لكن يبدو أن المخرج لم يكتف بأخذ وجهة نظرك حول السيناريو و إضافة عبارات باللهجة الجزائرية..
ـ  نعم، بعد أيّام وجدته يتصل بي، ويطلب منّي أن ألتحق به بمكان التصوير بوسط مدريد؛ في مطعم فخم، بطراز مورسكي من ناحية المعمار، لا يقل جمالا عن زخرفة قصر الحمراء، فطلب مني أن أساعده في ترتيب عرس جزائري، و بالتحديد ليلة الزفاف، و قال لي أنت أدرى بهذا الأمر من مساعدي في عملية الديكور، فإذا رأيت ما يجب أن نضيفه،  اطلب من المسؤول عن الديكور أن يحضره في التّو، ومن هناك بقيت معه كمساعد، أشرف على كل ما هو تقليدي، وعلى مشاهد أخرى تتعلق بالحفلات الجزائرية، كالختان واختيار الأغاني، و ما إلى ذلك، وقال لي: أنت الآن مُساعدي في هذه الأشياء، ومنحني من السلطة و الثقة إلى درجة أنّ المسؤول عن الديكور صار يتصل بي خفية، ويترجّاني ألا أطلب أشياء غريبة، حتى لا يرسله في طلبها، من المغرب أو من تونس في الحين.. و دفع لي المخرج بسخاء مستحقاتي مقابل الأعمال التي قمت بها معه.
دوري الثاني فلاح و لف عمامتي المشرف
على الملابس في "الرسالة"
. كيف تم اختيارك للتمثيل في الفيلم؟
ـ عندما توطّدت العلاقة بيننا، أقصد علاقة العمل السينمائي و ما يتطلبه، اقترح عليّ المخرج فجأة "ماذا لو أعطيتك دورا في هذا الفيلم؟ استغربت من كلامه، وأجبته بعفوية، "فلنجرّب"، و لم أخضع لأي كاستينغ في التمثيل أو كمساعد في الإشراف على  بعض المشاهد المتعلقة بالتقاليد الجزائرية و الرّيفية.  
اتفقت في البداية مع المخرج على أن أقوم بدور فلاّح جزائري في فترة تعود إلى حدود 1860، حيث أسكن في ضيعة بسيطة، أنا وعائلتي وأقاربي، بجوار مزرعة كولون كبير، يمتلك الأراضي الشاسعة ، والمواشي ، وخاصة تربية الخيول التي يبيعها للجيش الفرنسي.
ترك لي المخرج، الحرية في أداء دوري كفلاّح، و حتّى شتمي لابن المستعمر هو من أوحى إلي بمعناه، و قول ما أريد بالعربية، بعد أن صارت بيننا ثقة متبادلة.
الشيء الوحيد الذي خضعت له في هذا الدّور، هو اللّباس، والماكياج اللاّزم مثل اللحية الاصطناعية، والعمامة. بهذه المناسبة أذكر أن المشرف على الألبسة، مثل وضع العمامة، بينما كان يلوي عمامتي قال لي وهو يضحك: لا تخشى فأنا أكبر متخصص في طريقة ليْ العمائم العربية، وأؤكد لك أنّني، أنا من قام بلف عمامة حمزة، في فيلم المخرج السوري العقاد "الرسالة"، لتطمئن سيّدي من هذه النّاحية ستكون على أحسن ما يُرام، فأنت وجهٌ سينمائي ممتاز"،  وهكذا تمّ تصوير هذه المشاهد في جنوب إسبانيا بمناطق مُرسية Murcia.
قدمت شخصية قائد في الثورة التحريرية بعفوية تامة


ظننت أنّ دوري انتهى  في هذا الفيلم، وإذا بالمخرج يطلب منّي القيام بدور آخر.
و هو دور أحد قادة الثورة التحريرية، حيث يقتضي الدّور أن يكون شابا  وكنت آنذاك في سنّ الشباب، فقمت به بلباسي الخاص و لم يضيفوا لي أيّ لمسة، سواء من حيث الماكياج أو اللّباس، وكنت أقوم بالدّور بعفوية مطلقة، وأتصرّف عاديا،ولم يوجه لي المخرج أو مساعدوه  أي ملاحظة، سوى إخباري بنقطة الانطلاق من وإلى أين . .
. لماذا لم تواصل تجربة التمثيل فالفيلم يتكون من 12 جزءا؟
ـ أولا يجب أن أوضح بعض الأمور، كل ما قمت به من عمل مع المخرج الفرنسي، سواء كمستشار في الإخراج أو ممثل، لم يربط بيننا في كل ما جرى أي عقد، فأنا لم أنتبه لمثل هذا الأمر الهام ، والمخرج لم يقترح عليّ شيئا من ذلك، مباشرة انطلقنا في العمل وانتهى الأمر. هذا ربّما من النقاط التي أتحملها لأنني كنت أجهل مثل هذه الأمور.
ابني أرسل إلي نسخة من الفيلم بعد 42 عاما
 من تصويره
. لماذا لم تكشف لنا إلا في هذا الوقت بالذات عن وجه الدكتور حمادي الممثل؟
ـ تمت التجربة بنجاح، وتوفيق، وكنت آنذاك مشغولا جدّا بالبحث أكثر من انشغالي بالفيلم، والتفكير في شهادة الدكتوراه، والتردد على المكتبات، والاتصال بالأستاذ المشرف، وحضور المحاضرات، والذهاب إلى العمل في الإذاعة الدولية.. ومنذ ذلك الوقت نسيت موضوع التمثيل والفيلم، إلى أن ذكرني ابني المتواجد بباريس بنسخة من الفيلم هذه الأيام، بعد أن دخلت عالم البحث العلمي لمّدة 45 سنة متواصلة، إلى غاية هذا اليوم.
هذا ما أذكره عن هذا الفيلم، الذي كان وليد صدفة سعيدة، بقيت عالقة في ذاكرتي وكأنّها حُلم، ولكنها لم تكن أبدا ضمن انشغالاتي الأساسية في الحياة، فحتّي أسرتي تفاجأت بهذا الحدث، وكذلك أصدقائي من الأدباء والباحثين، و طلابي الذين أكنّ لهم كل المحبة والتقدير، أعتقد أنني لم أذكر أمامهم مرّة هذه التجربة .
. لكن لم يُذكر اسمك في الجينيريك كممثل أو كمساعد في الإخراج..
ـ منذ انتهائي من الفيلم، انصبّ اهتمامي على البحث العلمي من أجل إنجاز الدكتوراه، وكتابة بحوث عن الأدب الإسباني، وترجمة الأشعار الإسبانية واللاّتينوـ أمريكية.
بعد عودتي إلى الجزائر عام 1980 ، ونجاحي في الدكتوراه، و كنت بجامعة قسنطينة أول من ناقش شهادة دكتوراه ، وجدت عراقيل أوشكت أن تجعلني أغادر الجزائر، لولا وقوف بعض الجهات المسؤولة معي لتجاوز المحنة، لأنّ مدير معهد الآداب آنذاك اتهمني بترك منصبي كأستاذ مساعد بالجامعة ومغادرة الوطن لمواصلة الدراسة للحصول على شهادة الدكتوراه، حيث رأى في ما أقدمت عليه جريمة، يجب أن يعاقبني عليها بالطرد من الجامعة، وفعلا طردني من معهد الآداب واحتضنني معهد اللغات لأزيد من عشر سنوات، هذه المتاهة جعلتني أنزوي إلى عالم البحث العلمي، فأنجزت الكثير من المؤلفات بفضل هذا العقاب من قسم الآداب بجامعة قسنطينة، لذا ضاعت منّي تجربة التمثيل واكتفيت بالبحث العلمي والتدريس.
. ككاتب متفرغ الآن..هل تحضر لمشروع أدبي جديد؟
منذ غادرت الجامعة عام 2016 إلى غاية اليوم أصدرت خمسة مؤلفات
1 – كتاب ابن باديس سيرة ومسيرة
2 – كتاب " مقاربة من رواية الدون كيشوط"
3 – كتاب ديوان مجلة هنا الجزائر
4 – محاولة اقتراب من دولة الرسول (ص) في المدينة
5 – الشاعر المعتمد بن عباد ملك إشبيلية
وهو الكتاب الأخير الذي أنا بصدد إنجازه ..
مشروع فيلم سينمائي في الأفق
. ماذا لو يعرض عليك الآن دور في فيلم سينمائي؟
ـ لو أجد عملا متميزا سأشارك فيه، و ربّما سيكون بيني وبين المخرج محمد حازرلي في الأفق القريب، مشروع فيلم تاريخي عن الأندلس، إذا سمحت الظروف و متعني الله بالصحة والعافية.
إن عالم السينما، كما عشته وشاهدته،عالمٌ رائع، لقد رأيت ما لا يُصدق، بحيث كنّا ننتقل كمدينة بأكملها، و عندما نضع معسكر التّمثيل، وكأنّي بمدينة تٌقام فجأة في الخلاء، تُنصب المطاعم والمقاهي، وكلّ لوازم الترفيه حتّى لا يملّ الممثل، وهو ينتظر دوره، فواحدٌ يكرر دوره التمثيلي مرّات عدّة، وواحد يمرُّ من المرّة الأول. كلّ شيء يتوقف على الاستعداد والتّركيز، والثقة بالنفس خاصّة، وربّما كنت من المحظوظين الذين كانوا يتمتعون بالثقة، لأنني كنت شبه مُساعد للمخرج في فيلم "خيول الشمس"، وبالتالي فتواصلي معه دائم، مما جعلني أتخلص من عامل الرّهبة والارتباك.
في التمثيل كل المطالب مُستجابة، مهما غلا ثمنها، وكلمة المخرج هي العليا لا يعلو عليها أحد مهما علا شأنه، وكانت لي الفرصة لألتقي مع كاتب النص،  Jules Roy الذي حضر بجنوب إسبانيا تصوير بعض مشاهد الفيلم   وكذلك العديد من الممثلين من الإسبان والفرنسيين وغيرهم، ما لاحظته كذلك سمة الجديّة التي تطبع العمل السينمائي، فكل ممثّل لمّا يأتي دوره يتقدّم وكأنّي به في لحظة امتحان صارم وصعب، لا مجال للعبث، والتردّد، الكلّ مُهيأ لِما سيقوم به.
العمل السينمائي، عمل يتطلب الاحترافية، والجديّة في الأداء، ليس فيه أيّ شيء للصدفة، وعالم السينما في البلدان الكبيرة، ذات السينما المتطورة كما شاهدت في هذا الفيلم الضّخم، هناك إنفاق بلا حدود، ومصاريف، الهدف من ورائها الخروج بعمل متكامل وناجح على جميع الأصعدة، فأنا الممثل المبتدئ حظيت بتقدير كبير من قبل المخرج و مساعديه، وكذلك من الممثلين الذين أصبحنا نمثّل أسرة كبيرة جدُّ متماسكة، لأنّ الكل يعلم أنّ أي خلل ما، سيؤثر على العمل الفني الجماعي والكبير. لذا فالتعاون والتناصح، والرفع من المعنويات كانت سائدة في كلّ محطات التمثيل .

الرجوع إلى الأعلى