الشعر لذيذ مثل طبق المشمش !
* من المحزن القول إن الأدب العربي لا يقدم في أمريكا
الشاعر ألبيرتو ريوس في سطور
يصنف النقاد الشاعر الأمريكي الشهير ألبيرتو ريوس واحدا من أبرز وأهم الأصوات الشعرية الأمريكية ضمن تيار ما بعد الحداثة، كما وصف بكونه الصوت الشعري الأكثر أناقة وسحرا وجاذبية، وهذا في الحقيقة ما أهله لحصد عن جدارة واستحقاق أرفع الجوائز والألقاب الأدبية، في مقدمتها الجائزة الكبرى التي تمنحها أكاديمية الشعراء الأمريكيين «والت وايتمان» حيث نالها عام 1981 عن مجموعته الشعرية «وشوشة لخداع الريح « إضافة إلى جوائز وألقاب تشريفية مهمة أخرى، منها لقب أحسن شعراء ولاية أريزونا، كما انتخب عام 2014 مستشارًا لأكاديمية الشعراء الأمريكيين. وهو يشغل منذ عام 2017 منصب مدير مركز»فرجينيا جيبايبر»للكتابة الإبداعية بجامعة ولاية أريزونا 4 حيث يدرِّس منذ عام 1982.
حاوره: رشيد فيلالي
ولد ألبيرتو ألفارو ريوس عام 1952 من أب مكسيكي وأم إنجليزية وترعرع في مدينة نوغاليس في ولاية أريزونا على الحدود المكسيكية، وواصل دراسته ليصبح أستاذا للأدب الإنجليزي بجامعة أريزونا، ولكون الإسبانية لغته الأم، فقد استطاع أن يزاوج بنجاح كبير بين الثقافتين اللاتينية والأمريكية، حيث أصدر خلال مسيرته الأدبية ما يزيد عن 13 كتابا ضمت عدة مجموعات شعرية وسيرة حياة، إضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية،وقد أدرجت قصائده ضمن 300 من المختارات الشعرية الأمريكية والعالمية، وفي الحوار الحصري التالي الخاص بـ»النصر» سنستطلع آراء الشاعر حول جملة من القضايا الأدبية المثيرة للجدل ومواقفه منها، تابعوا..
- البروفيسور ألبيرتو ريوس، باعتبارك صاحب تجربة شعرية تمتد إلى عدة عقود من الزمن، هل الشعر–في تصورك-قادر على كشف جوهر الشخصية البشرية وسبر أغوارها المجهولة وتعريتها. ولماذا اخترت أنت كتابة الشعر بدلاً من الرواية مثلا، ألا تعتقد أن لدينا مساحة أكبر للتعبير عن أنفسنا في النثـر أفضل من الشعر؟
في اعتقادي الشخصي أن الشعرية قادرة على التعبير عن لحظات الكينونة البشرية، على نقيض السرد بشكل عام، نحن نعيش اللحظة الراهنة بكامل شحنتها، في حين أن السرد يلخص أو يعمم كل ما يتعلق بحوادث أيامنا وسنواتنا. مثلا التحدث ببساطة عن فرصة لقاء  مع طائر أحمر – دون أي توقعات أو استعدادات مسبقة، قد تحدث عند لقاء بسيط – وهذا في الحقيقة هو ما يحررنا من أغلال كثيرة. وعليه فإن هذه اللحظة، لا تتطلب أن نتحدث فيها للجميع عن كل الطيور الحمراء، ولا يتطلب الأمر من ثمة أن نعرف إلى أين سيذهب هذا الطائر الأحمر،أو أين كان من قبل. إن اللحظة هي ببساطة لحظة زمنية وفقط: أرى فيها طائرًا أحمرَ. قد يذكرني بأشياء حمراء أخرى، أو بسيطة تكون جميلة أو قبيحة لا فرق، ولكن في تلك اللحظة العابرة لدي سلطة الكلام. وفي الواقع، أنا مدعو فيها للبوح والتعبير. هذه هي الدعوة إلى الشعر، وهي دعوة كلية لتكون إنسانا.
طيب، في المجتمع الأمريكي تحتل الرغبة في تحصيل المال المرتبة الأولى، ومع ذلك نجد هناك ملايين الأمريكيين في هذا البلد الشاسع لديهم اهتمام كبير بالأدب والشعر على وجه الخصوص،كيف تفسر هذه المفارقة؟
للرد على سؤالك أعود إلى فكرة اللحظة. نحن في مقدورنا الحديث وبأدق المفاهيم وأرفعها ونصف في سياق حديثنا أشياء عديدة ومختلفة، ولكن في تلك اللحظة ذاتها، قد تكون هناك حقيقة موازية تكمن في كوني وأنا لحظة التحدث، ربما ألمح طبقا من فاكهة المشمش اللذيذة وقررت أكل واحدة منها،وعليه ففي اللحظة التي قد يكون الخطاب فيها واسعا ومتشعبا وله ضرورة حيوية في حياتنا،فإن المشمش –وهذه ليست مفارقة بل عفوية – يوجد بين أيدينا، نستلذه ونتأمله ! إنها لحظة شعرية،لكن اللحظة الأدبية الكبرى، تكمن في متابعة مغامرة المشمش ضمن النسيج العام للحياة. وعند ذلك – ربما يسأل المرء نفسه- من الذي فاز في نهاية المطاف: المشمش أو الوظيفة التي يمتلكها الشخص أو الأفكار. ربما الجميع له قيمته، غير أن المشمش الذي غالبا ما نتجاهله، يعتبر بناء على ما ذكرته لك عنصرا جديدا في معادلة حياتنا .
لقد نشرت حتى الآن أكثـر من عشرة كتب،هل تعتقد أنك قلت فيها كل ما ترغب في قوله،هل ثمة موضوعات خاصة تعتبر في منظورك أعمق ومثيرة للاهتمام وأكثـر روحا إنسانية، تشعر أنها الأفضل للخوض فيها؟
منذ سنوات عديدة،عندما كنت طالبا تحديدا، أتذكر سماع ما بدا لي وكأنه ملاحظة رهيبة،ولكن مع ذلك فقد فهمت مغزاها بعمق، كانت تلك الملاحظة، عبارة عن نظرة ثاقبة حول الكتابة،وكانت في الواقع بسيطة،ولكنها مدمرة: وهي أن أسوأ شيء بالنسبة للكاتب هو أن يبقى والداه على قيد الحياة ! هذا بالطبع، يتعلق بفكرة الضمير والرقابة الاجتماعية،إذ يفكر كل كاتب، في مرحلة ما «ماذا لو قرأت أمي هذا؟ « وفي وقت لاحق مع مرور الحياة، نتساءل «ماذا لو قرأ طفلي هذا؟» مثل هذه الحساسية تؤثر على الكتابة وقيمتها. إذا كانت لدي رغبة في الكتابة، فستكون هناك بالضرورة مساحة لأبوح بما أفكر فيه حقًا، مع كل التفاصيل التي أستحضرها حقًا، وبكل العاطفة التي أشعر بها صادقا. ومن  هنا يجب أن لا يفهم من كلامي هذا أنني لا أحاول القيام بذلك في عملي. لكنني مع هذا أنا دائمًا في صراع مع حساسياتي الخاصة، ومع الخطوط التي رسمتها لنفسي من الداخل.
أنت متمكن جيدا من اللغة الإنجليزية، هل هذا هو الحافز الأول في توجهك للكتابة والإبداع؟بمعنى آخر، هل أن إتقان اللغة يمكننا من التعبير عن كل ما نريد التعبير عنه في اللحظة المناسبة وحسب حاجتنا؟
أنا أكتب فقط باللغة الإنجليزية تقريبا، لكن الإسبانية كانت، كما قلت لك،هي لغتي الأولى،وبالفعل أنا قادر على تحدث الإنجليزية بكل طلاقة وتلقائية،وأن أكون بليغاً مثلما أرغب في ذلك. ومع هذا،أعتقد أن هناك الكثير مما يمكن قوله حول العنف في اللغة، ضمن صراع واضح وجلي مع الذات ومع الآخر. وفي هذه اللحظة، يبدو أننا ملزمون دوما بأن نتحلى بانتباه كبير عندما لا نعبر على نحو جيد . وفي أفضل الحالات، هذه الخشونة سنشعر حيالها وكأنها اكتشاف جديد..
وبالنسبة لك من هو الشاعر الأمريكي الذي أثار إعجابك وشدتك مهارته في الكتابة؟
هذا دائمًا سؤال ممتع وصعب جدًا. أنا في الحقيقة لدي فهمي الخاص ضمن هذا الشأن،إذ أعتبر ولائي هو في كثير من الأحيان يميل إلى الصفحة وليس للمؤلف،وبناء عليه فإن هناك الكثير من الأعمال التي أحبها،والكثير من الكتاب الذين يثيرون إعجابي،لكن الكل بما فيها الكُتَّاب يظل مفتقرا للكمال. وهذا هو ما يجعلني دائم التطلع والبحث عن الأفضل. وأضيف لك ضمن هذا السياق،أنني كنت في كثير من الأحيان من محبي كتاب أمريكا اللاتينية،وخاصة من كتاب»El boom  «الطفرة «وعلى المستويين الأدبي والثقافي معا.
لقد فزت حتى الآن بالعديد من الجوائز الكبرى. هل حفزك ذلك على تقديم الأفضل؟ ألا تعتقد أن الكثير من الجوائز لها أهداف أخرى غير أدبية..
بالنسبة لي فإن الجوائز المفضلة هي تلك التي تتوج مسارا أدبيا ككل، له تأثيره على المجتمعات على غرار الدوائر الأدبية مثلا. وأنا في الحقيقة لدي اهتمام كبير بالفن العام والأدب الجماهيري أي العمل الموجود في الميدان وفي الساحات العامة،على الجدران،على النوافذ،ضمن فضاءات خاصة. أعتقد أنني وجدت طرقًا للتحدث مع كل من الكتاب وغير الكتاب،إلى القراء وغير القراء. وعندما أشعر أن عملي الإبداعي يمكنه السفر إلى أي مكان في العالم، فإنني عندها أدرك أن عملي ناجح ومؤثر وله قيمة،ومن هنا فإن كل تكريم،وأن أي مكافآت ستشعرك بأنها مكافأة لمثل هذه الروح المتمثلة في عدم إقصاء أي شخص. أريد أن أكتب،وأن يكون لي بعض التأثير على الخباز تماما مثلما يحدث مع أي شاعر زميل.
أنت تزاوج بنجاح واقتدار واضح بين الثقافتين اللاتينية و الأنجلو سكسونية، كيف استطعت أن تصل إلى تحقيق هذه النتيجة الفذة رغم الاختلاف الكبير بين الثقافتين؟
هذا سؤال حاسم،خاصة فيما يتعلق بعملي، في الواقع الثقافات مختلفة بطبيعتها،ولكن هذا هو أيضًا ما أوظفه لتكون كتابتي ناجحة. إنها القدرة على رؤية كل شيء – كل شيء! – بأكثر من طريقة ومعالجة الجميع عبر توظيف مفردات أنتقيها بعناية فائقة، وهو ما يساعدني في اكتساب منظور شامل للعالم. علينا أن نسمي القلم قلما وليس شيئا آخر يقلل من  قيمته. في عملي،أحاول دوما التركيز خاصة على اللحظة الراهنة والعمل بتلقائية وعفويةوليس وفق عادة مكرسة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعروض الثقافية واللغوية. إن عملي الكبير حاليا،بالطبع،هو أن أكون دائمًا مترجمًا جيدًا – ولن أفترض أبدًا أن هناك شخصا آخر يعرف ما أعرفه، ولكن للقيام بالعمل جيدا آخذ كامل وقتي للتأكد أن فهمنا -أنا والآخر-مشترك ومتبادل.
و ماذا يعرف الشاعر ألبيرتو ريوس عن الأدب العربي المعاصر؟
من المحزن القول إن الأدب العربي لا يقدم هنا في أمريكا على نطاق واسع مثلما يفترض أن يكون. وهذا في الحقيقة ينطبق على العديد من الآداب الأخرى أيضًا – وإلى وقت قصير فقط،كان الأدب هنا في الولايات المتحدة نمطيا تماما ومتمركزا حول الذات. أنا أقول»نمطيا»  ومع ذلك،بحذر شديد- في الواقع،على اعتبار أن لدينا دائما عدد من السكان العرب،والسكان الأستراليين،والسكان النرويجيين،وهلم جرا..وعليه من الحماقة التفكير على مستوى الأرقام فقط. ومع ذلك فأنا لدي فكرة عن الأدب العربي كونتها من خلال لقاءاتي مع كتاب عرب أمريكيين،مثل نعومي شهابناي،ربما أفضل من الكتاب العرب أنفسهم !أتوقع أن هذا الوضع سوف يتغير ويتغير على نطاق ثقافي شامل،كما أتوقع بكل تأكيد أنني أنا نفسي سأتغير،كوني أقرأ العالم،وجائع دائمًا لتحصيل المزيد.

الرجوع إلى الأعلى