عن دار خيال للنشر والترجمة، صدر، للكاتب والناقد الأكاديمي الدكتور عبد الغني بن الشيخ، كِتاب جديد حمل عنوان «الرواية العربية من التقليد إلى التجريب: اِتجاهات وتحولات». وفيه تناول المؤلف قضايا وموضوعات مختلفة تتمحور حول الرواية وشؤونها.
لكن من بين أهم القضايا والموضوعات التي أثارها، نقض مسلّمة الريادة التي ظلت لأمدٍ بعيد تُنسب لرواية «زينب»، إذ يرى المؤلف اِستناداً إلى مراجع ودراسات عديدة أنّ التسليم بالقول أنّ رواية «زينب» هي الرواية الأولى في الأدب العربي هي إجحافٌ في حق روايات أخرى كان لها السبق في الأدب العربي، وإن تجاهلتها الدراسات التي تُؤرخ للرواية العربية عمداً أو جهلاً، ومنها رواية «وَي. إذن لست بأفرنجي» لخليل الخوري أوّل رواية متكاملة، نشرها كاتبها في مجلته «حديقة الأخبار» في بيروت، في عام 1859م، قبل أن يقوم بجمعها وإصدارها في كِتاب في عام 1860م. كما يذهب إليه عبد الله إبراهيم في موسوعته السردية. ورواية «حسن العواقب أو غادة الزهراء» للأديبة اللبنانية زينب فوّاز كما تذهب إليه بثينة شعبان في كتابها «100 عام من الرواية النسائية العربية (1899-1999)»، والّذي قامت فيه بمسحٍ شامل للرواية النسائية العربية خلال قرنٍ من الزمن، اِنتهت فيه إلى تقويض مسلّمة الرّيادة، لا بإعادة التفسير والترتيب فحسب، بل، بنسب الرّيادة -على غير المألوف- إلى الأدب النسائي. وهذا بقولها: «ويُظهِر بحثي على أيّ حال، أنّ النّساء العربيّات وليس الرجال، هنّ أوّل من كتب الرواية العربية وأنّهن قد بدأن قبل الرجال بِمَا يزيد عن عقد وثمّة أكثر من عشر روايات كتبتها النساء، قد تمّ تعدادها ودراستها هنا، تسبق رواية محمّد حسين هيكل –زينب- التي نُشرت العام1914 والتي يرد ذكرها دائمًا على أنّها الرواية الأولى في الأدب العربي». وما يذهب إليه نقاد وباحثون آخرون.
الكِتاب تتبع من جهة أخرى، تحولات الرواية العربية مرحليًّا، بدايةً من المرحلة ذات الصبغة التقليدية، مروراً بالرواية ذات التوجه الرومانسي ثمّ الواقعي والنفسي والوجودي إلى مرحلة التجريب. كما تطرق للرواية المغاربية، من حيث نشأتها وتحولاتها وخصوصيتها، دون أن يغفل موضوع التجريب في الرواية المغاربية وتقنياته.
لِيَخْلُصَ الكِتاب إلى أنّ الرواية العربيّة بصفةٍ عامة بدأت تأخذ خصوصياتها باِتجاهها نحو التأصيل وأنّ الرواية المغاربية بصفةٍ خاصة بدأت تأخذ خصوصيتها من جانب الموضوعات التي تُثيرها في علاقتها بالواقع المغاربي في أبعاده الاِجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة، بالاِرتكاز على الثقافة المغاربية بمكنوزها ولهجاتها والتراث المغاربي الثري بأدبياته، مِمَّا أعطى الرواية المغاربية خصوصيةً باتت تُميّزها عن الرواية المشارقية التي فرضت تأثيرها على المحاولات الأولى لكتابة الرواية في الأدب المغاربي. وفي ذلك يرى مؤلف الكِتاب «أنّ الرواية المغاربية بحاجة إلى بحوث معمقة تتضافر فيها جهود الباحثين والنُقاد المغاربة، من أجل التعريف بها وإبراز خصوصيتها وتحولاتها، إذ لا يكفي مؤلَّفٌ واحد للتعريف بها.
بن الشيخ، تناول أيضا الرواية العربية ونشأتها وإرهاصاتها. ولئن كانت الرواية العربية –حسب بحثه- قد بدأت مسيرتها في القرن التاسع عشر، بالتّقليد ومُحاكاة النّماذج الغربية المُترجمة، فإنّها في منتصف القرن العشرين أخذت تتخلّص من مظاهر المُحاكاة وأساليب البلاغة الموروثة، لتتوغّل في فضاءات الطبقات الاِجتماعية الدّنيا ومُواكبة الأحداث والتحوّلات العربية الكُبرى، مضطلعة بتمثيل التّاريخ ومقاربة قضايا الواقع وأزماته وتناقضاته، متأثّرة بمختلف التيارات والاِتجاهات الروائية العالمية الوافدة، أبرزها الواقعية والنّفسية والوجودية.
لتشهد الرواية العربية بداية من الستينيات، -حسب بحثه دائماً- ظهور حساسية جديدة في الكتابة الروائية مغايرة للحساسية الرومانسية والواقعية، التي طبعت أعمال جيل الرّواد والمؤسسين، نتيجة التراكمات والأزمات التي عرفها المجتمع العربي، فجاءت الرواية المعاصرة لتؤكد أنّ الواقع مُتعدّد وليس واحداً ولا مُعطى من البداية، ومن ثمَّ، لم يعد بالإمكان الزعم بالقدرة على نقله وتصويره، سالكة منذ ذلك الحين مسلك التجريب والتجاوز، في إطار الخصوصية الثّقافيّة العربية، سعيًا إلى التّحديث والتأصيل في آن واحد.
الكِتاب إلى جانب هذه الأطروحات. تناول الكثير من الموضوعات، بمقاربات ودراسات غاصت وحفرت في الرواية العربية/المغاربية والمشارقية، وتاريخها وإرهاصاتها وتحولاتها. من خلال فصول، جاءت كالتالي: الفصل الأوّل بعنوان «مدخل إلى الرواية العربية»، وتفرعت عنه ثلاث دراسات، هي: -الإرهاصات الأولى لنشأة الرواية العربية. -الرواية التأسيسية وجدل الرّيادة. -الرواية العربية من الاِستهجان إلى الاِنتشار. أمّا الفصل الثاني فحمل عنوان «اِتجاهات الرواية العربية» وتناول أنواع الرواية، وهي: -الرواية التّاريخية. -الرواية الواقعية. -الرواية النّفسية. -الرواية الوجودية. في حين جاء الفصل الثالث بعنوان «توظيف التّراث في الرواية العربية»، بدراسة أولى تناولت -توظيف التّراث في الرواية العربية التّقليدية. ودراسة ثانية تناولت -توظيف التّراث في الرواية العربية المعاصرة. في حين خصص الباحث الفصل الرابع للرواية المغاربية ونشأتها وروادها. وحمل الفصل عنوان «الرواية المغاربية: روافد نشأتها وقضاياها». بدراسات متنوعة جاءت على المنوال التالي: -الرواية المغاربية: النشأة والمرجعية. - الرواية المغاربية وقضايا الواقع. -الرواية المغاربية والهوية الثقافية. أمّا الفصل الخامس والأخير فكان حول التجريب وعنونه الدكتور بن الشيخ بــ: «التّجريب في الرواية المغاربية»، تناول فيه مفهوم وخصوصية التجريب والتقنيات السردية من خلال دراسات جاءت بهذا الترتيب: -مفهوم التّجريب الروائي. -خصوصية التجريب في الرواية المغاربية. -تقنيات السّرد في رواية التّجريب المغاربية.
للإشارة، الدكتور عبد الغني بن الشيخ، من مواليد 16 جوان 1968 بولاية برج بوعريريج، أستاذ التعليم العالي (أستاذ مقياس السّرديات العربية الحديثة والمعاصرة)، بجامعة محمّد بوضياف بالمسيلة، منذ العام 2002. وهو أيضا باحث مهتم بالسّرديات وقضايا السرد في الخطاب الروائي العربي المعاصر. من مؤلفاته المطبوعة: «آليات اِشتغال السرد في الخطاب الروائي الحداثي: ثلاثية أرض السّواد لعبد الرحمن منيف أنموذجًا». الصادر عن دار خيال للنشر والترجمة (2019).
نوّارة لـحرش

لن أحدثكم

سيف الملوك سكتة
لن أُحدثَكم
عَن فكرةٍ تتكئ ُعلى
رؤوسِ الأصابع  
فأنا
أملكُ كثيرا من اللاشيء
واللاشبهِ
وذلكَ يكفيني كي أواجهَ العالمَ وحدي
قلبًا لقلب ووجهًا لوجه
أنا المجازُ المرسلُ إليكم
عصافيرَ
مِنْ كلِّ جهاتِ العالم
أملكُ كثيرا من اللاسبب
لأريكُم..
كيفَ يُولدُ من قرنفلة صباحٌ  مشمسٌ
ويسقطُ
رملُ الثواني من ساعة ِالماء
كيفَ
أحلامُنا تتجَسّدُ على شكل فراشةٍ في الهواء
فراشةٌ لم تسعفها جناحاها لحملِ السّماء
يا رأسي المغْمُوسة في السيمياء
والمعْنى الأعْمى
قلقي مغلقٌ
بالتاريخِ المزدحم ِبالموتى
وأقولُ لنفسي لعلّهم ماتوا
ولعلّهم
عادوا مِنْ غبار الذاهبين
بسيفِ العزلةِ أقطعُ «الآن» إلى زمنين
زمنٌ كالبئر
فمَنْ يصفُو يطفو
زمنٌ يفلتُ من أيدينا
لنْ أحدثَكم عنه
عَنْ قلبِ العالمِ
يَسترقُ الإحساسَ إلينا
عَنْ ألوانٍ  تَتفتحُ
فأجملُ الموتى أحلامًا أنا
أنا في شفةِ النبع ماءٌ يحدثك
مرعوبًا من السلالاتِ التي دفعتني إلى ضوءِ الحياة
كأجراس الماء
جفَّ صوتُها وهي
تفكرُ وتهزُّ الكتفين بلا رأسٍ
لتجتمع في كفِ الحياة أصابع  السنابل
لنْ أحدثَكم عن شاعرٍ يحدِّقُ في اللاشيء
كي يسمعَ آخرَ مرآةٍ تنكسرُ
من تلقاءِ أنفاسِها
بين النعاسِ والنحاسِ جناسٌ
 يرنُّ  ... شاعرٌ
يشكِّلُ من أوراقه زوارقَ يُرسلها
 في نهرِ الفراشاتِ إلى طاغور
ويقولُ لنفسه:
أيّتُها الحياةُ
هل تحْلمُ الأفكارُ مثلنا  
لن أُحدثَكم عن ذكرياتٍ
تنْدلعُ..
لن أحدثَكم  عن الحياةِ التي لن أحدثكم عنها
وأنا كعشٍ بلا عصفور
كشعرٍ بلا شاعرٍ.. على وشكٍ دائمٍ
أن أحيا
وأموت على بدين ممدودتين في ريعانِ السكرات
لغتي ضيعتُها حينَ نطقتُ..
لنْ أحدثكم
لنْ أحدثكم
كيفَ أصنعُ من صداي النايات
لنْ أحدثكم
عن الدموعِ المكسورةِ الساقين
و(أيّ الساقيينِ الغمائمُ)
صارَ
المتاهُ أليفًا لديَّ وواضحًا كالماءِ في الماء
لنْ أحدثَكم عن عمري الذاهب خلفَ الينابيع
خلفَ السكونِ الّذي لا أسميهِ الناسِ.. ياتِ
صارَ المتاهُ واضحًا لي إذْ
أَدعُوكم إلى الجنونِ بكلِّ الحب  ..
لنْ أحدثكم عن جثةٍ مليئةٍ بالفراشات
فأنا
لستُ أكثرَ من حبةِ رملٍ في بحرِ الصحراء
لستُ أكثرَ من  
ثرثراتِ في شفاهِ المتاه

هَذا اللاشيء
لا تَمسكهُ يداي
لأنِّي أجلسُ خارجَ نفسي
كشجرةٍ تمارسُ اليوغا
لنْ أحدثَكم عنها
لن أحدثكم
لن أحدثكم

نص النمل

رضا ديداني

لا تكتبوا رجاءً نصه
أنا كتبتُ على جداركم
وأخفيتُ ظل الاِنصات
بابه الحديدي وخشب الصمت ظل معلقا
مثل تمثال بوذا يقهقه في صحراء بياضكم
نافذته ظلت مفتوحة على بطشه
رصيفه الضيق ظل لكم
يضحك،
يقهقه،
ويصر منذ الصباح
لتدخلوا طاعته
وأنتم تكتبون دون مواربة
وأنتم تحفرون مثل النمل في طمي مسكون بالغبن
وترمون حظكم مثل عشيرة فقدت غريمها
لا تكتبوا رجاء
مفاتن الدنيا لا تتسع
لحزن قصائدكم المتوجة بنياشين الجنون
اكتبوا غبش اللذة
وافتحوا نوافذها الأخيرة
لا مفر من الاِعتراف به وأنتم على
مفاصل النص الأخير

الرجوع إلى الأعلى