تتمتّع كتابات ديفيد فوينكينوس بحضور قويّ في كل ظهور جديد لها، وعدا الشحّ الذي تلاقيه ترجماتها إلى العربية فإنّ معظم رواياته تحوّلت إلى اللغات المختلفة وفي فترات وجيزة بعد صدور الطبعة الأولى من كل رواية. الحضور الإعلامي الهام لها في الأوساط الفرنسية (مع بلجيكا وسويسرا) والقراءات الموسعة لأعماله من قِبل النقاد، يرافقه وجود لافت لأعماله في السينما سواء كاقتباس من رواياته من قبل بعض كتّاب السيناريو أو كتابته للسيناريوهات بنفسه أيضا كلّها دفعت بالظاهرة الفوينكينوسية للتمدد في العالم.
*  ياسين سليماني
الروائي الذي سبق وأن صرّح لصحيفة لوفيغارو أنه قرر أن يصبح كاتبا بعدما أجرى جراحة في القلب حين كان في السادسة عشرة لا يخرج في روايته الجديدة «عائلة مارتن» الصادرة عن غاليمار أكتوبر الماضي عن البساطة الجارحة، الشخصيات التي تعبر أمامنا، نعرفها، تشبهنا، تعيش معنا، لكنها للمفارقة يبدو فيها من السحر ومن الشغف ما يجعلها شخصيات بطلة. في الرواية سؤال عن الكتابة والإبداع فعندما يكون الإنسانُ كاتبًا ناجحًا ثم تأتي أيام (مثل هذه كما تقول الرواية) يشلّ الاكتئابُ والإحباطُ صاحبها خاصة يصبح السؤال الأكبر الذي يزنُّ على الدماغ: هل يحتاج إلى تحدٍ ليجد الإلهام؟ إنه سؤال في نظرية الفن ومصادر العمل الفني والذي يتحوّل إلى رغبة عارمة عند السارد، حيث قد يصبح أوّل مارٍّ يلتقي به في الشارع ويقترب منه هو بطل كتابه. إنها فكرة هزلية كما أنها محفوفة بالمخاطر، فأي رواية سيحكيها العاديون؟ على الرغم من المخاوف إلاّ أنّ البطل يخوض مغامرة غير مسبوقة عنده كما أنها تبدو غير ضرورية. لكن مع الإيمان بالحظ سيكون على موعد مع بطل روايته الذي يظهر للمفاجأة امرأةً، سيدة عجوز لها سحرها، بالكاد تفاجأ هذه السيدة بهذا الطلب الغريب فلأنّ السارد لديه وجه كاتب ويبدو شخصا مغامرا فمن الحصافة أن تقبل بالطلب.   
تتقاطع الرواية بين التخييل والسيرة الذاتية، مع السيدة مادلين والدة فاليري مارتن الذي قد يكون هو نفسه دافيد فوينكينوس الكاتب شديد النشاط، المسرحيّ والسينمائي، سنجد عائلة لها أحزانها ومشاكلها الوجودية، إنها عائلة قد تكون بينها وبين السعادة مسافة ما، فوينكينوس نفسه-وليست شخصياته-يقول إنّ العائلات السعيدة ليس لها تاريخ (وهي مقولة سبقه لها لوي تولستوي)، عائلة مارتن ليست سعيدة بهذا المعنى وهي واحدة من تلك العائلات غير السعيدة التي لها طريقتها الخاصة في ممارسة تعاساتها. يفترض فوينكينوس بأن كل أشكال الحياة  حتى العادية منها يمكن أن تبهر، كما أنّ الجميع يمر بالصعوبات ذاتها التي يواجهها مارتن. تناقض الأهواء واختلاف الرغبات سيكون أمرا عاديا إن نظرنا له بشيء من الواقعية لكنّ الألم سيأخذ بُعدًا لا يُصدّق عندما يحمله الفرد لوحده. الألم في «عائلة مارتن» لا يجعل من الرواية مأساوية سوداء، فنحن أمام كاتب يجعل قارئه يتردد بين الضحك والدموع، مارتن بطل الرواية يريد أن يوضح عدد المرات التي يريد فيها الناس الهروب من ضغوط الملل المعاصر، إنه روائي مهووس بالسعي وراء التسلية ويجب عليه أن يجعل كتابه جذابًا كواجب، إنّ الروائي هنا يستجيب في روايته لمتطلبات السوق أيضا عندما يكتب رواية لا تنسى الوزن المأساوي للشخصيات، الرومانسية، اللغة الرشيقة، كلها مجتمعة طبخة  صحيحة لنجاح رواية فوينكينوس، يمكن للقارئ بالعربية الاطلاع على روايتي «الرقة» و»الطاقة الإيروسية لزوجتي» السابقتين للمؤلف للتدليل على نجاح هذه التوليفة التي يخبر صاحبُها قارئَه أنه حتى وإن لم يحبّ كتابه فإنه سيتعلم منه الكثير.
رواية «عائلة مارتن» كما يعبّر كاتبها مختبر رومانسي عن تعلّم كتابة الروايات، وعن الحب والحياة وعن اليوميّ الذي قد لا يكون عاديا عن الجميع.

الرجوع إلى الأعلى