أطلقنا المنتدى الثقافي لجمع المثقفين الجزائريين في مساحة مشتركة

* المنتدى مفتوح لكلّ الحسّاسيّات والاِتجاهات والأفكار التي تتفاعل في الفضاء الثقافي الجزائري
* لا خط أحمر على أحد إلاّ ما يمكن أن يمس بالمشترك الثقافي بيننا
يقول الدكتور عبد الله العشي، أنّ سبب إطلاق المنتدى الثقافي الجزائري هو الوضع الّذي فرضته جائحة كورونا، وانتشار التواصل والتحاضر والتعليم عبر المنصَّات الاِليكترونية، متمنيًا أن يكون هذا الفضاء العمومي الّذي يقهر كلّ المسافات جسراً للعبور إلى مساحة مشتركة بين المثقفين الجزائريين من جميع الاِهتمامات والتخصصات.

حاورته/ نــوّارة لحــرش

العشي، اِنتقد بشكلٍ واضح دور الجامعة الغائب عن الفِعل الثقافي، وقال في هذا السياق: «لم تتمكن الجامعة الجزائرية من القيام بدورها لأسباب بعضها بنيوي وبعضها سياسي، لم تتشكل نخبة أكاديمية تنشغل بالمسألة الثقافية، معظم هموم الجامعة والجامعيين تتعلق بالجانب الاِجتماعي والوظيفي، ولذلك كثُرت الاِتحادات والنقابات، في مقابل الغياب الكبير للاِنشغال الثقافي». مؤكداً في هذا المعطى، أنّه غالبًا ما تنشط النّخبة الجامعية خارج الجامعة الجزائرية لضيق المساحة المُخصصة لذلك. لكن الآن –حسب رأيه-، قد أمكن للمجال العمومي الاِليكتروني أن يكون بديلاً لأي تنظيم واقعي مُحاط غالبًا بالبيروقراطية وبهذا يمكن للنّخبة أن تُقدم ما كانت تحلم به. مستدركاً في ذات الوقت: «لسنا أكاديميين بالمعني السلبي الّذي يفصل الأكاديمية عن الواقع، أكاديميتنا لا تكتمل إلاّ بالحضور الفعّال في الواقع، ولكن من منظور علمي وليس من منظور إيديولوجي أو سياسي. مواصلا في هذا التصوّر: حاليًا لا نريد إلاّ أن ننجح على هذا المستوى الاِفتراضي، ونحن في الحقيقة نُراهن عليه، إلى الحد الّذي يُمكنني أن أقول إنّه لم يعد لفكرة الندوات والمؤتمرات الكلاسيكية من فعالية».
صاحب «صحوة الغيم»، تحدث أيضا عن أمور أخرى ذات صلة بأوّل منتدى ثقافي جزائري اِفتراضي، وعن إستراتيجية المنتدى في المستقبل القريب وبعض الأفكار التي هي على قيد الدراسة والاِشتغال من أجل تجسيدها وتحقيقها.
السبب المُباشر للإعلان عن المنتدى الثقافي الجزائري هو الوضع الّذي فرضته جائحة كورونا
أطلقتم في الآونة الأخيرة، فضاءً ثقافيًّا على منصّة اِلكترونية «الزووم». فكيف جاءت فكرة تأسيس المنتدى الثقافي الجزائري، وهو أوّل منتدى ثقافي جزائري اِفتراضي؟
* عبد الله العشي: أسئلة كثيرة كانت تُعشش في أذهاننا منذ زمن، وكنا غالبًا ما نتداولها في لقاءاتنا الخاصة، وجميعها يتعلق بالمشهد الثقافي الجزائري، ولم نجد الصورة المثالية للتعبير عنها وإخراجها إلى الحيّز الأوسع، والسبب المُباشر للإعلان عن المنتدى الثقافي الجزائي هو الوضع الّذي فرضته جائحة كورونا، وانتشار التواصل والتحاضر والتعليم عبر المنصَّات الاِليكترونية، فوجدنا الفرصة مُناسبة جداً، خاصة وأنّ الأمر لا يُكلف إلاّ قليلاً من الجهد والمال، ولم يدم التداول بيننا إلاّ قليلاً من الوقت أعلنا بعدها عن تأسيس هذا المنتدى وشرعنا في إقامة ندواتنا ولقاءاتنا الثّقافيّة. ولعلّ أهم ميزة لهذا المنتدى أنّ مؤسسيه من الأكاديميين الجزائريين من داخل الجزائر وخارجها الذين عايشوا تحوّلات الثقافة الجزائرية من زواياها المتعدّدة ومارسوا الكتابة الفكريّة والنقديّة والإبداعيّة، ويهمهم الآن أن يُنَبِهوا إلى خطر الصمت الّذي يُهدّد الثقافة الجزائرية. لم يعد الصمت مُمكنًا ونحن نرى ثقافتنا في خطر.
نتمنى أن يكون الفضاء العمومي جسراً للعبور إلى مساحة مشتركة بين المثقفين الجزائريين
لماذا هذا المنتدى في هذا الظرف الّذي تشهد فيه كلّ القطاعات تقريبًا ركوداً يكاد يكون شاملاً بسبب تراجع النشاطات الثّقافيّة والأدبية جراء الحجر الصحي منذ شهر مارس؟
عبد الله العشي: ربّما يحمل هذا السؤال جزءا من الإجابة عليه، فهذا الركود الّذي تشيرين إليه يكفي لأن يكون سببًا لظهور هذا المنتدى، لقد تكيفنا مع الوضع الصحي، فالأمر لا يستلزم إلاّ شاشة هاتف أو حاسوب وساعتين من الوقت لاِنجاز ما كُنا سابقًا ننجزه في عدة شهور إن أنجزناه طبعاً، هذا الفضاء العمومي الّذي يقهر كلّ المسافات نتمنى أن يكون جسراً للعبور إلى مساحة مشتركة بين المثقفين الجزائريين من جميع الاِهتمامات والتخصصات.
لم تتمكن الجامعة الجزائرية من القيام بدورها لأسباب بعضها بنيوي وبعضها سياسي
المنتدى أسسه مجموعة من الأساتذة الجامعيين. هل يعني هذا أنّه على النّخبة الجامعية أن تقوم بدورها في تنشيط الفضاء الثقافي الجزائري العام؟
* عبد الله العشي: لم تتمكن الجامعة الجزائرية من القيام بدورها لأسباب بعضها بنيوي وبعضها سياسي، لم تتشكل نخبة أكاديمية تنشغل بالمسألة الثقافية، معظم هموم الجامعة والجامعيين تتعلق بالجانب الاِجتماعي والوظيفي، ولذلك كثُرت الاِتحادات والنقابات، في مقابل الغياب الكبير للاِنشغال الثقافي،  غالبًا ما تنشط النّخبة الجامعية خارج الجامعة الجزائرية لضيق المساحة المُخصصة لذلك، والآن وقد أمكن للمجال العمومي الاِليكتروني أن يكون بديلاً لأي تنظيم واقعي مُحاط غالبًا بالبيروقراطية يمكن للنّخبة أن تُقدم ما كانت تحلم به.
سنؤسس إستراتيجية في الحوار قائمة على وضع الإيديولوجيات بين قوسين
هذا الفضاء «المنتدى الثقافي الجزائري»، جاء تحت شعار «الثقافة الجزائرية: الخروج من الصمت». هل ترون أنّ هذا الفضاء بإمكانه حقًا أن يُخْرِج الثقافة الجزائرية بكلّ تنوعها واختلافها وتعدّدها من الصمت الّذي تتحدثون عنه. وكيف؟
* عبد الله العشي: ذلك ما نقصد إليه، لأنّ الثقافة الجزائرية تاريخها مهدُّد، وحاضرها مُهدّد، تاريخنا الّذي لم يُؤرخ له ولم يُوثق ولم يُحفظ ولم يُحقّق ولم يُعتنَ به ولم يُوضع محل اِهتمام في الجامعة ولا في مراكز البحث، مُهدّد بالنسيان، ومُعرَّض للسطو والسرقة من قِبل الآخرين المشتركين معنا تاريخيًّا وجغرافيًّا،  ثقافتنا القديمة تمَّ اِحتكارها من قِبل المستعمر، وما يزال يملكها ماديًا ويملكها دلاليًّا، فالوثائق في متاحفه وهو من له القدرة الآن على تفسيرها وتأويلها، ومن يملك الماضي يمكنه أن يملك الحاضر. ومسألة الجماجم التي اُستعيدت مؤخراً دليلٌ مُوجع على ذلك. المنتدى مفتوح لكلّ الحسّاسيّات والاِتجاهات والأفكار التي تتفاعل في الفضاء الثقافي الجزائري وحوله، لا خط أحمر على أحد إلاّ ما يمكن أن يمس بالمشترك الثقافي بيننا أو يُهدّد الوحدة الوطنية ونحن أصلاً لا نتخيّل أن يوجد ذلك. نحن سنؤسس إستراتيجية في الحوار قائمة على وضع الإيديولوجيات بين قوسين، إن صح أنّ هناك إيديولوجيات، سنعمل على إثارة المشترك بيننا وهو المسألة الثقافية من منظور «الوطنية» و»الجزائرية» والوعي الوطني المُشترك.
حاليًا لا نريد إلاّ أن ننجح على هذا المستوى الاِفتراضي ونحن في الحقيقة نُراهن عليه
الندوات تُقام كلّ بداية أسبوع على منصّة زووم الإلكترونية. فهل تفكرون مستقبلاً في إقامة ندوات تحتضنها الجامعة مثلاً أو دور الثقافة وبعض المؤسسات الثقافية الأخرى، أم ستحافظ ندوات الملتقى على طابعها الاِفتراضي؟
* عبد الله العشي: حاليًا لا نريد إلاّ أن ننجح على هذا المستوى الاِفتراضي، ونحن في الحقيقة نُراهن عليه، إلى الحد الّذي يُمكنني أن أقول إنّه لم يعد لفكرة الندوات والمؤتمرات الكلاسيكية من فعالية، ومن مدة وأنا أقول لزملائي إنّ هذه الطريقة في إقامة المؤتمرات قد ولّى زمانها، ولا بدّ من التفكير في طُرق أخرى، وها هي الطريقة الأخرى التي كنا ننتظرها، ولذلك ليس من اِهتمامنا حاليًا أن نعقد ندوات داخل الجامعات، تلك طريقة أعتقد أنّها من مرفقات الحداثة الهشّة والمعطوبة التي لم تعد قادرة على مسايرة الحالات الوجدانية والنفسية والفكرية والاِجتماعية لإنسان اليوم وفي ظروف السيولة الراهنة التي تحيطه، إنّنا بصدّد التفكير في موقع ثقافي إليكتروني هام، يتضمن، من ضمن ما يتضمن، مجلة متخصّصة فقط في الشأن الثقافي الجزائري، إضافةً إلى مشروع كتابة تاريخ للثقافة الجزائرية من بدايات التاريخ إلى اليوم، وهو التحدي الأكبر الّذي يواجه الثقافة والمثقفين الجزائريين، نحن بشكلٍ عام لسنا مؤسسة مغلقة، بل نتحرك باِستمرار وقد نُغير تكتيكنا دون أن نُغير إستراتيجيتنا، لأنّ الفضاء الّذي نتحرك فيه يمنحنا تلك الإمكانية.
لسنا أكاديميين بالمعني السلبي الّذي يفصل الأكاديمية عن الواقع
جاء في نص بيان التأسيس: «التركيز على العودة إلى الثقافة المحلية هو ما يعطي مصداقية لأي حراك ثقافي». ما هي خارطة أو أجندة المنتدى في هذا السياق. وكيف يمكن إحياء أو اِستثمار الثقافة المحلية؟
* عبد الله العشي: ما نود التركيز عليه هو إيقاظ الوعي بالذات، لا أخفي أنّنا ربّما الدولة الوحيدة عربيًا التي لا تفتخر بذاتها بشكلٍ عملي، ولا تريد أن تكون هي ذاتها، والدليل أنّنا بلا موسوعة ثقافية، تحفظ وجودنا، كيف يمكن أن نكون جزائريين بلا هوية وكيف يمكن أن نُحدّد هويتنا بلا وثيقة، ينبغي أن نُؤسس كما يُقال أسطورتنا وملحمتنا، ستكون ندواتنا بشكلٍ أو بآخر صدر لهذه الغاية، وأظنها غاية الجميع، لسنا أكاديميين بالمعني السلبي، أي المعنى الّذي يفصل الأكاديمية عن الواقع، أكاديميتنا لا تكتمل إلاّ بالحضور الفعّال في الواقع، ولكن من منظور علمي وليس من منظور إيديولوجي أو سياسي، رهاننا على العٍلم والفكر لا غير.
نحن كونيون على مستوى التفاعل الإنساني والثقافي ولكنّنا نُوظف كونيّتنا في خدمة ثقافتنا
هل تفكرون في اِستضافة أسماء أدبية وفكرية ونقدية عربية، للحديث عن الثقافة الجزائرية في المحيط العربي، وكيف يتم اِستقبالها أو قراءتها أو التفاعل معها ومع ما تقدمه؟
* عبد الله العشي: يمكن أن يحدث ذلك وقد فكرنا وبدأنا في الترتيب له، فهناك من هو مؤهل من العرب وغيرهم لأن يسهم في هذا الأمر، وخاصة وأن وطنيتنا التي ننطلق منها لا تلغي علاقاتنا مع العالم كله، نحن كونيون على مستوى التفاعل الإنساني والثقافي، ولكنّنا نوظف كونيتنا في خدمة ثقافتنا.
فكرة المشاريع لا تستقيم مع المنهاجية التي اِخترناها فنحن في ذاتنا مشروع ولنا إستراتيجيات منفتحة
ما هي مشاريع المنتدى في المستقبل القريب؟
* عبد الله العشي: أعتقد أنّ فكرة المشاريع التي تُشيرين إليها لا تستقيم مع المنهاجية التي اِخترناها، فنحن في ذاتنا مشروع، لنا مقصدٌ واضح، ولنا إستراتيجيات منفتحة ومتوالدة لتحقيق ذلك، ولا أكتمك أنّي أتحسس كثيراً من كلمة المشروع فهي تذكرني بالبيروقراطية وبالعبث الّذي كانت الإدارات المُتحكمة تزور بها كلامًا لا معنى له. وتسميه مشروعًا وما هو إلاّ عملٌ عقيم. ولذلك فأهدافنا التي أعلنا عنها تتحقّق من خلال عملنا ومن خلال تواصلنا المُستمر مع زملائنا.

الرجوع إلى الأعلى