الدكتـور عبد الحميـد بورايــو يعقّب على الدكتور أمين الـزاوي
صدرت في جريدة النصر يوم 2 جانفي 2021، في «كراس الثقافة» ستّ شهادات لكُتّاب جايلوا مرزاق بقطاش هم أمين الزاوي ويوسف وغليسي ومخلوف عامر وأحمد حمدي وآمنة بلعلى وعبد الحميد بورايو. جاء الملفّ الّذي ضم الشهادات، بعنوان «في وداع الكاتب الناسك»؛ وهو ملف يستحقّ التنويه، فقد وقع الاِختيار على ممثلين من جيل الأديب الراحل معروفين برصانتهم وبمساهماتهم الجدية في الثقافة الجزائرية الوطنية خلال ما يُقارب النصف قرن. لكن لفت اِنتباهي في شهادة الصديق الكاتب أمين الزاوي ما ذكره بخصوص ملتقى عبد الحميد بن هدوقة الّذي ترأستُ لجنتَه العلمية خلال حوالي 15 دورة. أردتُ أن أُعقب عليه من خلال هذا التوضيح، وأفضل هنا أن أورده حرفيًا قبل التعقيب:
* عبد الحميد بورايو
<<فقدنا المرحوم عبد الحميد بن هدوقة مُثقفٌ وكاتبٌ وسم تاريخنا بنصوصه الجميلة وبسلوكه الراقي، أقمنا له ملتقى سنويًا باِسمه في مدينة برج بوعريريج، (هذا المُلتقى الّذي، بالمناسبة، لم أُدعَ إليه ولا مرّة واحدة!!) لكن مع طبعات قليلة أصبح بارد المفاصل، ثمّ مات ليلتحق بصاحبه أو المُسمَى باِسمه>>.
أجد في هذه العبارات تَجَنِّيًا كبيرا على جهود بُذلت لمدة خمسة عشر سنة لإحياء ذكرى الراحل عبد الحميد بن هدوقة من طرف مديرية الثقافة لبرج بوعريريج وجماعة من الأساتذة الجامعيّين من مختلف الجامعات الوطنيّة تكفّلوا متطوّعين لتنظيم الملتقى. ساهم في نشاطاته العشرات من الأساتذة، دُعي له عشرات من النقاد والروائيين الجزائريين والعرب والأجانب الغربيين. كان يُمثّل ورشة تكوينيّة لطلبة الماجستير والدكتوراه الذين كُنا نستقدمهم بالحافلات من جامعات تيزي وزو والجزائر العاصمة وخنشلة بالإضافة إلى طلبة الدراسات العُليا الذين كانوا يأتون من جامعات أخرى على حسابهم مثل جامعة عنابة. يلتقي هؤلاء الطلبة بالنُقاد والروائيين للاِنتفاع من الاِحتكاك بهم في رسائلهم الجامعيّة. وقد ظلّ تواصل هؤلاء الطلبة -الذين أصبح معظمهم الآن أساتذة في مختلف الجامعات- بمن اِلتقوا بهم سواء من الجزائريين أو العرب أو الأجانب أثناء إنجاز مشاريعهم البحثية.
تمّ تنظيم الملتقى في فترة تاريخية (اِبتداءً من سنة 1997)، لما كانت الجزائر تُعاني من حصار إعلامي وثقافي، وكانت هناك عناية خاصة به من طرف السلطات العُليا الرسميّة المُتمثلة في والي الولاية ووزيرة الثقافة. اِنبثق الملتقى عن إرادة حرّة من طرف جماعة من الأساتذة أذكر منهم: جيلالي خلاص وعبد العزيز بوباكير وسعيد بوطاجين وواسيني الأعرج وعبد الحميد بورايو وعمر عيلان، وأعتذر إن نسيتُ بعض الأسماء الأخرى.. قام هؤلاء بوضع البرنامج وتكفلوا بالجانب الثقافي بينما تكفلت وزارة الثقافة مُمثلةً في مديرية الثقافة ببرج بوعريريج بالتهيئة المادية والتنظيم. كان هذا الملتقى أوّل تظاهرة ثقافية تعرفها الجزائر يُنتظم لمدة خمسة عشر سنة. لا أنكر أنّ هناك بعض النقائص التي حصلت بسبب ضخامة النشاط واشتراك أكثر من طرف في تنظيمه، وكان توقفه لأسباب يضيق المجال عن خوضها. لكن مع ذلك فإنّ إحياء ذكرى الأديب الراحل عبد الحميد بن هدوقة بهذه الكيفية لمدة خمسة عشر سنة أعتقد أنّه كفيلٌ بأن يشهد على عملٍ هام، له مكانته في تاريخ الثقافة الجزائرية، ولا يمكن أن يُسْتَصْغَرَ ويُستهَانُ به كما جاء في كلام الزاوي الأمين. خاصةً وأنّ هذا الاِستصغار والتهوين جاء في معرض تأبين الراحل بقطاش مرزاق؛ الّذي كان مُصرّاً على حضور أغلب هذه الدورات وأداء شهاداته حول بن هدوقة وتقديم تجربته الروائية وكان أحد الْمُكَرَّمِين، لأنّ المُلتقى كان يُكرم كاتبًا في كلّ دورة. وكان حضوره يُمثل دعامة للملتقى إلى جانب حضور عائلة الروائي بن هدوقة في كلّ الدورات.
طبعًا بالنسبة لصديقي أمين الزاوي لا قيمة للملتقى لأنّه (لم يوجه له دعوة). أريد أن أذكّره بأنّه لَمَا بدأ الملتقى كانت الكاتبة الروائية ربيعة جلطي مديرةً للفنون والآداب في وزارة الثقافة، هذه الوزارة التي تُمثل الوصاية الرسمية التي تمول الملتقى، ولهذه المديرية الكلمة الأولى في ما يتعلق بالدعوات التي تُوجه للمسؤولين، بالإضافة إلى أنّ أمين الزاوي نفسه كان مديراً للمكتبة الوطنية، وبالتالي فإنّ دعوته من اللياقة أن تكون من وزارة الثقافة المُنظمة للملتقى. أمّا بخصوص تكريم الروائيين فقد كُنا قد حدّدنا قائمة للتكريم، وكان من ضمنها أمين الزاوي، غير أنّنا كلجنة علمية مُنظِمة للملتقى تلقينا ما يُشبه الأمر الرسمي بضرورة تكريمه في إحدى الدورات التي كُنا قد برمجناها لروائي آخر.. كان اِتفاقنا مع الجهة المنظمة، وهي وزارة الثقافة التي تمثلها مديرية الثقافة ببرج بوعريريج على أنّ برنامج النشاط الثقافي تضعه اللجنة العلمية المكونة من أساتذة متطوعين غير عاملين بمصالح وزارة الثقافة، وبالتالي كان هناك اِتفاق ضمني منذ البداية أن لا يكون هناك تدخل في عملنا كلجنة علمية للملتقى من طرف الوزارة.، وكان لمحاولة تدخل مدير الثقافة بإيحاء من الوصاية أن يتدخّل في عملنا ردّ فعل من الزملاء أعضاء اللجنة مُسْتَجِن لهذا الْمَسْعَى، وأكدت اللجنة أنّ أمين الزاوي سَيُكَرَّم لًمَا يحين دوره حسب القائمة التي وضعتها، ولعلّ من أهم أسباب توقف الملتقى مثل هذه التدخّلات.
يبدو لي أنّ للحساسيّات الذاتيّة الشخصية، التي يضيق هذا -التعقيب- عن الخوض فيها، دورٌ في مثل هذا الموقف الصادر عن أمين الزاوي، وأقول له بأنّه في رأيي لم يكن من اللائق اِستغلال مثل هذه الشهادة في حقّ أديب مثل مرزاق بقطاش من أجل تصفية حسابٍ قديم.. باِسصغار قيمة ملتقى واظب على حضوره دوريًا تقريبًا كلّ من بقطاش مرزاق ولحبيب السايح ومحمّد ساري وواسيني الأعرج، وكرّم كلا من جيلالي خلاص وإبراهيم سعدي ومولود عاشور وزهور ونيسي وغيرهم، وحضره مستشرقون كبار من روسيا وإيطاليا ونُقاد وروائيون من البلاد المغاربية، ودام حوالي خمس عشر سنة بدون اِنقطاع.
هل المطلوب أن يدوم الملتقى أكثر من ذلك لكي ينال رضاك؟ شكراً صديقي أمين لأنّك أتحت لي أن أشرح لك وللأصدقاء وجهة نظري في موقفك الّذي عبرتً عنه من خلال هذه الشهادة، وأن أتحدث عمّا قام به الملتقى لعلّ الجهة المعنية تفكّر في بعثه من جديد أو تُقيم ملتقيات مثله لكلّ من بقطاش ووطار ومولود عاشور وغيرهم ممن فقدناهم من الأدباء الكبار.

الرجوع إلى الأعلى