ترميم الأثريات جزء من عملية التأريخ و دراسة المجتمعات القديمة
اعتبر مختصون في مجال الترميم و التراث المادي و علم الآثار التّحف،َ شواهد ثمينة في التأريخ وفي الكشف عن تطور المجتمعات والنشاطات الاجتماعيّة.

وتحدث المتدخلون في ملتقى علمي نظمه أول أمس متحف الفنون و الثقافات الشعبية قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة، حول ماهية التحف و طرق ترميمها، بالتنسيق مع المتحف الوطني العمومي سيرتا و المركز الوطني للمخطوطات بأدرار،عن أهمية التحف في عملية التأريخ و كيف يمكن لها أن تكون مصدرا مهما لبعض المعلومات التي تتعلق بالخصوصية الثقافية و الاجتماعية والفنية و حتى العرقية للمجتمعات القديمة، كما تقدم صورة عن تطور التقنيات الصناعية فيها.
حسب البروفيسور بدر الدين شعباني، مختص في علم الآثار بجامعة قسنطينة2، فإن الجزائر كانت تملك صناعة أسلحة خاصة بها، تؤرخ لفترات زمنية مختلفة تسبق و تلي الوجود العثماني، حيث كانت منطقة القبائل كاملة، امتدادا لقلعة بني عباس، موطنا لهذا النشاط بحكم التقارب الجغرافي بينها وبين العاصمة التي تعد بوابة لكل جديد.
و قد اختلفت الأسلحة و تقنيات صناعتها من منطقة إلى أخرى، شمالا و جنوبا و شرقا و غربا، علما أن أشهر القطع التي عرفت هي سيف اليطقان التركي و النمشة المعروف في منطقة البحر الأبيض المتوسط، و التي توجد بنوعين في بلادنا، بالإضافة إلى سيف الطاغوبا الخاص بالتوارق ، ناهيك  عن مجموعة من الرماح التي ظلت مستخدمة إلى غاية القرن  20 في الصحراء، إلى جانب خنجر العضد و يعرف ب»الطالق»، ناهيك عن سيف «الفليسة» المشهور في منطقة القبائل و الموجودة بنوعين كذلك.
المختص أكد، بأن هذه الأسلحة لم تستخدم فقط كوسائل دفاعية، بل كانت لها خصوصية ثقافية و مجتمعية، فكما كانت الحلي وسيلة للزينة بالنسبة للنساء، و كان الرجال يتزينون بالسيوف كجزء من إطلالاتهم التي قد تشمل أيضا بندقيتين تعلقان على جانبي الورك، حيث تعبر المواد التي يصنع منها السيف أو الخنجر عن الوضعية الاجتماعية لصاحبه و تعكس المكانة التي يحظى بها، خصوصا و أن هناك نوعا خاصا من «النمشة» مثلا، مخصصة للأعراس، فيما صنعت سيوف من الذهب « التكفيد» و رصعت بالمرجان و الجواهر، فالصاغة ساهموا بدورهم في صناعة الأسلحة قديما،  ولم تكن العملية تقتصر فقط على الحدادين و الصناع.  
من جانبه قال، الدكتور علي خيدا، مختص في الآثار الإسلامية بجامعة قسنطينة، بأن الفخار يعتبر كذلك صورة عاكسة لجوانب فنية و مجتمعية قديمة، حيث يمكن الاستعانة بالأثريات الفخرية التي يعرف الكثير عن استخداماتها و موادها الأولية و تقنيات تلوينها و تزيينها و زخرفتها التي تبين بوضوح التوجه الديني الذي فرض الأشكال الهندسية و النباتات كنمط زينة واحد ، وكل ذلك يقدم تصورا شاملا و كافيا عن طبيعة الحياة و عن الصناعة و حتى التقنيات التي كانت سائدة، كما قال، خصوصا في الفترة الإسلامية التي عرفت اختراع الطلاء البراق بعدما حقق الفنان المسلم تقدما في مجال الكيمياء و هو ما أكسب الفخار الإسلامي شهرة عالمية، حسبه.
من جهة ثانية يرى الباحث، بأن دراسة الفخار الإسلامي يبين بوضوح بأن المجتمعات القديمة عرفت الترميم  و توصلت إلى تقنيات خاصة به، اعتمدت فيها على مواد نبيلة، وعليه يمكن القول بأن للفخار دور في الإضاءة على تطور المجتمعات و تقدم طريقة تفكيرها و استخدامها للمواد المتوفرة.
 الملتقى عرف برمجة محاضرة تطبيقية، حول طرق ترميم الأثريات في المتاحف، أشرف عليها المتخصص في المجال الأستاذ بوبكر بوكبش، حيث استعرض جانبا من العملية التي مست آنية فخارية، مع الالتزام بكل مراحل العمل، بداية بتوثيق التحف لتحديد وضعيتها ومن ثم تنظيفها، إما ميكانيكيا  «يدويا»  أو كيميائيا، باستخدام الماء المقطر أو بعض المحاليل الكيميائية،  و من ثم الانتقال إلى مرحلة التركيب المبدئي، باعتماد الترقيم لتحديد شكل التحفة و بعد ذلك التركيب النهائي باستخدام مواد لاصقة عضوية أو غير عضوية، وهي مواد تكون في العادة قابلة للاسترجاع لتسهيل تجديد الترميم، حيث أوضح التقني بأن عملية الترميم جد معقدة، و تتطلب الكثير من الصبر و الدقة و قد تتطلب ساعات كما قد تستدعي أشهر، خصوصا إذا تعلق الأمر بتحفة متضررة بشكل كبير.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى