كيف تصنعُ المرأة المحتوى في الفضاء الإلكتروني وماذا تتناول؟ وكيف يُنظر إلى تدوينها؟
صحيح أنّ هذا النّشاط طارئ وبالتالي فإنّ حظّه من الفحص أقلّ مقارنة بالإبداع الأدبي والفني، مثلاً، لكنه جلب اهتمام الباحثين الجزائريين، الذين تصدّوا بالدراسة للتدوين كنمط جديد في الاتصال، تجاوز الإبداع إلى التسويق والتجارة الإلكترونية وإبداء الرأي والتوعيّة، بل وحتى إلى الشكوى وعرض الحياة الشخصيّة.
أعد الملف: أحمد ذيب   
النصر حضرت ملتقى بكلية العلوم الإنسانية بجامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي، خصص للتدوين النسائي والتقت أساتذة وباحثين وحاولت جمع عصارات بحوثهم و أوراقهم العلميّة في هذه الندوة.

* الدكتورة أمينة مزيان -جامعة الحاج لخضر باتنة
شبكـــات التواصـــل.. منصّات المرأة  للتوعيــــة
لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي طريقة سهلة وفعالة للمؤسسات الصحية من حيث كلفة توصيل المعلومات الصحية مقارنة بفاعليتها وانتشارها، ما يعزز الخدمات الوقائية للمؤسسات الصحية وبناء مجتمعاتها الصحية، كما بدأت شركات التأمين في تقديم النصائح الصحية وإرسال رسائل التسويق عبر شبكات التواصل في محاولة للتفاعل وتحسين صورة صناعة التأمين الصحي، وأصبحت السياسات التوعوية الصحية الحديثة تعتمد على دمج المنصات الالكترونية لشبكات التواصل مع بعضها البعض، مثل يوتيوب، فيسبوك، وتويتر، ما يسهل للمنظمات الصحية إدارة الرسائل، الصور، الأصوات والفيديوهات الخاصة بها وكذلك التفاعل مع مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، ومساعدتهم في العثور على المعلومات المطلوبة في أشكال مختلفة.
كما أن استخدام القنوات الإعلامية والشبكات الاجتماعية يخلق فرصة كبيرة لتسهيل تدفق المعلومات الصحية بحكم البيئة الديناميكية والمتطورة للشبكات على مختلف منصات شبكات التواصل الاجتماعي ما يرفع المساهمة في زيادة وعي الجمهور والخدمات ذات الصلة من خلال تسريع سرعة تبادل المعلومات.
ومما لاشك فيه أن كلا من الصحة والرياضة يسعيان نحو تحقيق أهداف السلامة والكفاية البدنية والنفسية والاجتماعية والعقلية للإنسان، وذلك بغرض إعداده وتربيته بما يتلاءم ويتناسب مع طموحات وآمال المجتمع الذي ينتمي إليه وعلى ذلك يمكن استغلال أنشطة التربية البدنية والرياضية في توجيه المعلومات والمعارف الصحية كونها مجرد معلومات تؤدي إلى سلوك صحي، بالإضافة إلى أنها تسعى إلى تنمية النواحي النفسية والبدنية والاجتماعية والعقلية،  وبات جليا تحول الجمهور نحو شبكات الأنترنت وتطبيقات منصات التواصل الاجتماعي، كبديل عن الأطباء والوسائل الإعلامية التقليدية؛ كمصدر رئيسي للحصول على المعلومات الصحية، كما أن المعلومة الصحية هي المكون الأساسي في تكوين التوعية الصحية اللازمة لممارسة سلوك صحي معين ويتوقف اكتساب هذه المعرفة على مصادر تلك المعلومة والكم والكيف الذي تقدم به.
وأضحت المرأة تصنع وظائفها في العالم الافتراضي، في الوقت الذي تتسبب فيه الثورة الرقمية في غلق أبواب بعض الوظائف تفتح أبوابا أخرى وآفاقا جديدة لم تكن متاحة من قبل، وبعض هذه الفرص الجديدة لا تشترط شهادات ومؤهلات علمية أو خبرات سابقة ورسائل تزكية، بل موهبة في التسويق وثقافة في مجال مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية التعامل مع منصاتها، ويعد هذا المجال التوظيفي الجديد “نسائيًّا” بامتياز، وأضيفت إلى معاجم التعريفات الوظيفية كلمات مثل “إنستغرامرز” و”يوتيوبرز”، وقبل ذلك انتشرت ظاهرة “البلوغرز”، وهي تسميات تنسب إلى الفتيات والسيدات اللاتي يطلقن منصات خاصة بهن في مجالات مختلفة أشهرها الموضة، الرياضة والطبخ.
وتبدأ التجربة بنشر مجموعة صور خاصة، وبعض النصائح في مجال التجميل أو تنسيق الملابس أو وصفات بعض الأكلات، أو تقديم نصائح من أجل اللياقة البدنية لتتحوّل بعد ذلك التجربة إلى عمل يوفّر لصاحبته دخلا وشهرة، وتتصدر منصة إنستغرام قائمة منصات التواصل الاجتماعي التي تستفيد منها الفتيات والنساء -وحتى الرجال وإن بنسبة صغيرة- في تحويل العالم الافتراضي إلى سوق يعرضن فيها مواهبهن ويفدن ويستفدن؛ فهي من ناحية مكنت العديد من الحالمات بتحقيق الشهرة والنجاح لإيجاد فرص عمل تلغي سنوات من التعب، ومن ناحية أخرى أوجدت المنصة موقعا للباحثات عن نصائح مجانية تساعدهن في الحصول على جمال متكامل يدخل فيه تنسيق الملابس والاختيار المثالي للمساحيق والإكسسوارات.
كما سمح الموقع الافتراضي بظهور عدد من الخبيرات في مجالات عدة، فإلى جانب عالم التجميل والمطبخ هناك مواقع متخصصة في التنمية الذاتية وتقديم النصائح للأمهات وديكورات المنازل، ومواقع تقدم إرشادات سياحية وتمارين رياضية تعنى بتقديم الوعي الصحي الرياضي، التي حولت “الإنستغرامرز” إلى نجمات ووجوه إعلانية تستفيد منهن الكثير من الشركات والمطاعم والماركات العالمية في حصد عدد كبير من المتابعين لصالحها.

* الأستاذ بن شرّاد محمد أمين جامعة الحاج لخضر باتنة
التدوين النسوي الجزائري من المنظور الثقافي الذكوري
 مع الانتشار غير المسبوق للجيل الثالث من الأنترنت والمتمثل في الهيمنة شبه المطلقة لمواقع التواصل الاجتماعي في العالم وفي الجزائر، وما رافقها من «تطبيعٍ» لظهور المرأة على هذه المواقع فاعلةً لا مجرد متلقيةِ، استطاعت المرأة الجزائرية  في السنوات الأخيرة إثبات نفسها وتقديم أفكارها صوتاً وصورةً، وتحديدا من خلال منصات يوتيوب وإنستغرام وفيسبوك التي سمحت لها بالتعبير عن نفسها، وقضاياها والتأثير في المتلقين نساءً ورجالا.
 وفي قراءةٍ سريعةٍ (ومتعمقةٍ في آنٍ)، يمكن لنا بسهولةٍ ملاحظةَ تنوّع شديد في «طبيعة الخطاب» الذي تعتمده المُدوِّنات النسويات الجزائريات عند صناعتهن محتواهن وتقديمهن إياه، إذ يتراوح هذا المحتوى بين تدوينات مرئية جادة تتكفل بها -غالباً- مهنيات محترفات سواءً في الطب النسائي أو علم الاجتماع أو خبيرات العلاقات الزوجية وغيرها، وأخرى تعتمد على الوعظ واللعب على العاطفة وتوظيف كثيرٍ من الدين وقليلٍ من التفاعل المباشر، وثالثةً تركز على الأسلوب الصادم والجريء والعدائي بالنظر إلى ما توفّره هذه المواقع من قلة رقابة وتكريسها اللاسلطة الأخلاقية، ورابعةٍ أخيرة تعتمد على الظُرف والفكاهة الهادفة والكوميديا السوداء أو البيضاء الناقدة، دون إسفافٍ أو تهريج أو عبث، وهي الأشكال الخطابية الأربع التي تلتقي في مجملها في معالجتها قضايا نسائية ومجتمعية جادة ومهمة يندر التطرق إليها في وسائل الإعلام التلقليدية، والتي تمس المرأة الجزائرية تحديدا وتثير اهتمامها ومن خلفها العائلة والمجتمع ككل.
 إن لهذا المحتوى المدوناتي الرقمي النسوي الجزائري جمهوراً واسعًا، نسبةٌ لا بأس بها منه هي من الرجال (أو الذكور حسب المعيار الجندري)، ممن يتلقون هذا المحتوى التدويني النسوي ويتفاعلون معه ومع الأفكار المطروحة فيه، ويكون هذا التفاعل إما افتراضيا بالمشاركة والتعليقات والاعجابات وباقي الأدوات الرقمية المحتمل استخدامها، أو تفاعلاً فكريًا منطقيا من خلال مناقشة هذه الأفكار المطروحة والتفاعل معها خارج أطر النقاش الرقمي من خلال تداولها ونقدها في الفضاءات العامة التقليدية، ولما لا إخضاعها لتشريح قيمي أكسيولوجي من منظور رجالي، وهو التشريح الذي قد يكون خاضعا بدوره للأفكار «ما بعد النسوية» وناقدي هذه الأخيرة من الرجال والنساء المطلعين على الفكر النسوي، الذين يشكلون مع بعضهما ذكورا وإناثا الخزان البشري لما يُعرف بتيار «ما بعد النسوية».

* الدكتورة زكية منزل غرابة - جامعة الأمير عبد القادر قسنطينة
تأثيـــر المرأة إلكترونيـــا في المجال الدينــــي
تنوعت الوسائط الالكترونية التي مارست من خلالها المرأة التدوين، على غرار المدونات والأنستغرام والتويتر والمواقع الالكترونية وغيرها، ويعد موقع الفايسبوك من أهم وأكثر شبكات التواصل الاجتماعي استخداما من قبل الأفراد على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم، وقد شكلت فيه المرأة الجزائرية متغيرا فاعلا استطاع أن يقتحم هذا الفضاء الالكتروني ويثبت ذاته، وشكّل هذا الفضاء الافتراضي مساحة منحت للمرأة فرصة للتعبير عن قضاياها وأفكارها بكل حرية بعيدا عن السلطة الذكورية من جهة، وسلطة العادات والتقاليد التي تصر على إقصاء المرأة من أن تكون عنصرا فاعلا في المجتمع مثلها مثل الرجل، و في أن تمارس حقها في إبراز ذاتها في الواقع الحقيقي.
وتشير القراءة الأولية للموضوعات التي تناولتها المرأة بالتدوين في الفضاء الأزرق تنوعا ما بين القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، وحتى الاقتصادية والعلمية وكذا الدينية، ويشكل هذا الأخير حضورا لافتا على مستوى الفايسبوك، حيث اتجهت العديد من النسوة ومنهن الجزائريات إلى إنشاء مجموعات خاصة بهن تناقش الشأن الديني وانشغالاتهن في هذا المجال، وتعد صفحة «صويحبات القرآن» على الفايسبوك وموقعها في الجزائر واحدة من أهم الصفحات النسائية الجزائرية التي أفصحت عن هذا التوجه، بيد أن تأكيد ذلك يحتاج منا إلى دراسة علمية تبحث في القضايا التي تناقشها المرأة من خلال التدوين الالكتروني على الفايسبوك، الأمر الذي يطرح التساؤل ما هي قضايا الشأن الديني من خلال التدوين الالكتروني للمرأة الجزائرية على موقع الفايسبوك؟.  
ويكتسب الموضوع أهميته من حيث كونه يتطرق إلى موضوع مهم يرتبط بالتدوين الالكتروني النسوي، وهو واحد من أهم الظواهر التي أسست لخطاب جديد خاص بالمرأة عموما والمرأة الجزائرية على وجه الخصوص بعيدا عن الهيمنة الذكورية، له خصوصيته ومميزاته التي تميزه عن غيره من الخطابات، كونه يصدر عبر الفضاء الالكتروني على تعدد تطبيقاته، ومعلوم أن التدوين الالكتروني يعطي لصاحبه مساحة من الحرية في أن يعبر عن آرائه بعيدا عن رقابة سلطة المجتمع أو السلطة الحاكمة، و من ثم فإن هذه الدراسة ستطلعنا عن ميزة هذا الخطاب النسوي بكل تجلياته.
وتكمن أهمية الموضوع من حيث أنه يتعلق بعنصر حيوي في المجتمع وهو المرأة، فقد أثبتت هذه الأخيرة قدرتها على التعامل مع الوسائط الالكترونية التي خلصتها من الوصاية الذكورية التي كانت تمارس عليها بفعل الأعراف والتقاليد والمفاهيم الخاطئة للدين، والتي تحظر عليها أن تدلي بآرائها في القضايا المختلفة، فإلى وقت قريب لم يكن بوسع المرأة أن تعبر عن مواقفها وانشغالاتها ناهيك عن الانغماس في القضايا المختلفة ذات العلاقة بشخصها، ومن ثم فإن دراسة هذا الموضوع ستكشف لنا طبيعة المضامين التي تقدم من قبل المرأة ومدى تحكمها في التعامل مع العالم الافتراضي.
ومعلوم أن الانغماس في تناول المواضيع الدينية من قبل المرأة على وجه الخصوص كان موضع تجاذبات فكرية، فإلى وقت قريب كانت المرأة محل فعل ورد فعل بين المؤيدين والمعارضين بشأن إشراكها في الخوض في الشأن الديني وبخاصة على مستوى وسائل الإعلام المختلفة ناهيك عن العالم الافتراضي، ومع تطور تكنولوجيا الاعلام والاتصال، وظهور الانترنت بما وفرته من منصات إعلامية اتصالية قد أعطت للمرأة متنفسا لتتحدث في القضايا المختلفة، ومنها الشأن الديني.

* الدكتورتان رحموني لبنى ومعمري هادية - جامعة أم البواقي
الجزائريات المُؤثرات.. بين التمثُّل والنمطيّة
إن المرأة في الجزائر – في ظل غياب إحصائيات جادة – تنافس الرجل منافسة شرسةً في عالم الفلوجز، إذ تشهد قنوات اليوتيوب ومنصة الفيديو عبر الأنستغرام خصوصا وبشكل لافت إنشاء قنوات وقصص لنساء جزائريات يشاركن تفاصيل حياتهن اليومية، وتجاربهن، وفق ما تمتلكن من مهارات خاصة، تسعى كل واحدة منهنّ إلى إيصالها للآخرين، من جمهورها المتابع، أو من المشاهدين بصفة عامة، وقد لا تمتلك بعضهن محتوى معينا، سوى مكاشفة حياتها الخاصّة مع الآخرين، والحصول على المزيد من المتابعين، لأغراض مادية من جهة، وبهدف الشهرة من جهة أخرى، لكنها في الأثناء تساهم في بناء صورتها عن نفسها بواسطة استعراضها لتفاصيل حياتها عبر الفيديوهات، وتصنع بذلك تمثّلاتٍ عن ذاتها، قد لا تتوافق مع الحقيقة، إذ تثبت الدراسات أن الصورة التي تسوّق عن المرأة عموماً هي صور مفرطة في النمطية، رأسمالها الجسد، والمتعة البصرية، وهي النظرة المتأصلة تاريخيا، عن النساء عبر العصور، فلطالما ارتبطت التمثلات الذهنية للمرأة بالجمال والشكل الخارجي، حتى أضحت الوسائل الإعلامية وبعدها الوسائط الرقمية فاعلا أساسيا في بناء هذه التصورات .وتكشف مضامين الفيديوهات التي تم تحليلها، عن تركيز مفرط على المواضيع المتعلقة بالمرأة والجمال والموضة ما يطرح تساؤلات حول صناعة صورة الذات وفق هذا المعيار، وما يمكن أن ينتُج عنه من آداء عام للذات وتكوين الهوية، ومدونات المرأة والجمال والموضة غالباً ما تدور حول مركزية الموضة في حياة صانعات المحتوى الجزائريات، والجمهور من مستهلكي الفيديوهات الرقمية المحتملين، على اعتبار أن أغلب المتصدرات للترند الجزائري في مجال التدوين بالفيديو من الممثلات والفنانات والمذيعات، ومحترفات الماكياج... وهي تتضمن اتجاهات الموضة، واستشارات في نمط الأزياء، والممارسات اليومية المتعلقة باللّباس وطقوسه، وتعرض على أنها ممارسات شخصية يومية للمرأة المدونة، كما أن لها – على وجه التأكيد- امتدادات في الظروف الاجتماعية والنفسية المتعلّقة بها، وتعتمد المدوّنات الجزائريات عبر اليوتيوب والأنستغرام في هذا الصدد على رواية قصصهنّ وتجاربهنّ الخاصة في هذا المجال، وتقمن بالتقاط صور لهنّ في ملابس تساير الموضة، موجهة للنساء بالخصوص، إضافة إلى تعليمهن فنون الماكياج، والتجمّل والتجميل، والأمر أشبه ما يكون بالمجلات النسائية في الصحافة الصفراء، حيث الجمال الطاغي، والجسد والبهرة هي أسس التسويق، ومعيار الوصول للجماهير.
يطلق على هؤلاء النسوة من المدوِّنات –في الجزائر كما في غيرها من بلدان العالم- اسم «المؤثر الاجتماعي» أو «المؤثر الجمالي»، وهما المصطلحان اللذان دخلا المعجم الشّعبي خلال العقد الماضي حين أصبح اليوتيوب شائعا بشكل متزايد، ويمثل المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي نوعًا جديدًا من المؤيدين المستقلين للعلامات التجارية، الذين يشكلون مواقف الجمهور من خلال المدونات والتغريدات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، على الرغم من أن بعض الباحثين ينظرون إلى المؤثرين الاجتماعيين على أنهم منافسون حقيقيون للمؤسّسات والشركات، يدرك الآخرون إمكانية إقامة تحالفات مع هذا النوع من المدونين لتعزيز العلامة التجارية أو المؤسسات، وبسبب القوة المقنعة للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، تم تطوير تقنيات لتحديد وتتبع المؤثرين ذوي الصلة بالمنتوجات التي لها علاقة بالأزياء والماكياج وكل احتياجات المرأة من أجل أن تبدو في شكل أجمل وأبهى، فيعمد أصحاب الشركات والمؤسسات ذات الصلة إلى الاعتماد على المؤثرات الجزائريات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر مدونات الفيديو، من أجل التسويق لمنتوجاتهم، والوصول إل أكبر قدر من الجماهير، لاسيما إذا كان الجمهور ذاته من النساء، حيث تزيد النزعة الاستهلاكية في المواد التجميلية، والأزياء والموضة، وتعمل غالبية هؤلاء المدونات بعقود مقابل الترويج لمنتجاتها. وتؤدي المدونات الجزائريات عبرالفيديو دور النموذج بسبب سلوكاتهن بالنسبة للمشاهدين الذين يتابعنهن بانتظام، وهن في سبيل تحقيق الرضا والوصولية والتأثير تعمدن إلى نشر الصور والأفكار والآراء الشخصية بين المتابعين، ويسهم ضعف وجهات النظر بالنسبة لهؤلاء في خلق معتقدات وأحكام مسبقة، ويبقى المدون على العموم يتمتع بشعبية كبيرة، وكلما زادت فرص سماعه من قِبل جمهور كبير وتقديمه كنموذج تحفيزي لجمهوره، زادت فرص التأثير ومساحات التأثر، في هذا الصدد يشرح ألبرت باندورا السبب بقوله بأن النمذجة هي عنصر مهم في عملية استهلاك الوسائط وما هي الآثار وعواقب اتباع نموذج يحتذى به.

* الدكتور حسين نايلي جامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي
سيميائيـــات الأهـــواء من خــلال التغريـدة النسويــــة على تويتــــــر
يتجسد التواصل العاطفي في الخطاب بالتعرف على وضعية الخطاب الذي يضمن الحضور الانفعالي من خلال اكتمال الأفعال واتضاح المبهمات المساهمة في تحقيق موضوع القيمة، فالنشاط الخطابي يؤخذ في شكل سلسلة متتابعة لأفعال الكلام، لذلك كان المخطط الخطابي شكلا جليا مرتبطا بفضاء الإحساس، وحيث نجد كل فعل تلفظي يقوم على تحويل البعد الانفعالي القابل للتمثيل على المخططات التوترية، وذلك لإمكانية تأويل بنيته العاطفية كمسار عاطفي.
توجهت «جوليا كرستيفا» نحو التحليل النفسي للخطابات وتجلى ذلك في أعمالها «الشمس السوداء، حكايات الغرام، وقوى الرعب» واهتمت هذه الكتب جميعا بالربط بين التحليل النفسي والتحليل السيميائي، من أجل الوصول إلى تحليل متكامل انطلاقا من مقولات «دي سوسير» في كون موقع السيميولوجيا الدقيق عائد إلى علم النفس، من هنا طرحت «كرستيفا» المشكل المتعلق بمكانة التحليل السيميائي في نسق العلوم المختلفة، حيث قالت: «من البديهي اليوم أن عالم النفس والمحلل النفسي سيجدان لوحدهما صعوبة في تحديد مكانة التحليل الدلالي، فالتحليل السيميائي قريب جدا من التحليل النفسي، والسيميائيات لا يمكن أن تبقى على الحياد لأن الجامعة في طياتها فتات كثير من العلوم.
لم تبد الدراسات السيميائية للخطاب في البدايات أي اهتمام بالجانب النفسي، لكن عندما تراجع «غريماس» عن إقصائه النفسي، غير ذلك كثيرا في اتجاه الدراسات السيميائية، مما فتح لها آفاقا أخرى لتظهر في حلة جديدة تعطي أهمية كبيرة للذات ذات حالة / ذات فاعلة من جوانبها النفسية منطلقا في ذلك من منطق أن أي عمل ينتج عن ذات معينة لابد أن يمر بمرحلتين سابقتين وهما التفكير والإحساس، ولا يمكن للطبيعة البشرية أن تصل إلى مرحلة التفكير إلا إذا كانت لها مرتكزات حسية أولية، كما يؤكد «دافيد هيوم» بقوله: «جميع الأفكار نسخ للانطباعات» أي نسخ لجميع إحساساتنا وأهوائنا وانفعالاتنا...ولإثبات الجانب النفسي في الدراسات السيميائية المعاصرة يمكن النظر إلى ما استحدثته نظريات القراءة والتلقي التي تعتمد كثيرا على المتلقي وكيفية تلقيه المعلومات والأخبار مركزة على حالته النفسية التي تؤهله لدرجة معينة من الاستيعاب، وقد ركز هذا الرأي كثيرا على الانفعال والفاعلية من خلال تحديده لأساسيات النص المتمثلة في المنفعل والفاعل وكلاهما ذات هوى قبل أن تكون ذات فعل، والذات لها جانبها العاطفي ومن هنا اهتمت السيميائيات المعاصرة بالجانب  النفسي حتى تحيا وتستمر أكثر، لأن النص أساسه ذات إنسانية والإنسان لا ينفصل عن الإحساس الذي يطالب القارئ بالكشف عنه وعن استراتيجيات الذات المولدة له.
إن الشدة الشعورية ظاهرة تواصلية مميزة لا تنفصل عن كل مسار خطابي فهي تتعلق بالتعديلات الزمانية والمكانية للمكون الإدراكي الذي لا يستنبط من جوهر الملاحظة المباشرة لملفوظات الصيغة وملفوظات الحالة في المستوى الخطابي فقط، وإنما يتدخل فيه السياق الثقافي والاجتماعي أو على حد تعبير «غريماس» مرجعية الذات ومصنفاتها الفردية والاجتماعية، حيث أن الفضاء العاطفي للكاتب يلعب دورا في تكون الخطاب الذي يجد فيه ضالته للتعبير عن عواطفه بلغة تصويرية إيحائية ويجب على القارئ أن يتتبع تلك الصور المجازية ويستقرئ مختلف الدلالات الضمنية الكامنة في الخطاب ليحول الإحساس من مستوى الغموض إلى مستوى التجلي أو المدرك.ولا يمكن إقصاء مجال العواطف من النص ذلك أنها تمثل درجة جزئية من الخطاب الكلي، ويمكن أن نعتبرها أحيانا سببا مباشرا لقيام فعل أساسي، يساهم بطريقة مباشرة في تشكيل النص كمعاني خاصة بالنص كفعل، فالذات تتكلم وقبل أن تفعل ذلك تحس وهذا ما اهتم به «غريماس» و «فونتاني» في كتابهما «سيميائية الأهواء.وتستخدم شبكة تويتر عموما لعدة أغراض أبرزها، الحديث عن الحياة الخاصة كونه انطلق لتحقيق هذه الغاية، ونسبة كبيرة مما ينشر عبره عبارة عن يوميات للمستخدمين، والتواصل مع الآخرين باستخدامه لإرسال الرسائل بين الأعضاء تحت أنظار الجميع ودون سرية، وإرسال رسائل قصيرة «SMS» مجانية، والمتابعة المباشرة للملتقيات والأحداث المختلفة يقوم البعض بتغطية الملتقيات والمعارض عن طريق التدوين المصغر خاصة الأخبار والمعلومات التي لا تحتاج إلى الكثير من التفاصيل، واستخدامه كملحق للمدونات وكذا يستخدم لنشر الروابط، واستجواب شبكة الأصدقاء ومناقشتهم.
وتتجلى الخصائص العاطفية للتغريدة النسوية عبر تويتر في تجسيد أهواء العنفوان والقوة والتحدي بشكل بارز في التغريدة النسوية خاصة عند الحديث عن أدوار المرأة في المجتمع، وعن المجتمع الذكوري، و عن صورة المرأة في مختلف المنابر، وتتجلى أهواء الغيرة والدفاع والرفض والتنديد عندما يتعلق الأمر بالمسلمات التاريخية والثقافية للمجتمع الجزائري، وتُظهر هذه العواطف انتماء المرأة الجزائرية وأصالتها وسرعة استفزازها عندما يتعلق الأمر بتلك المسلمات، وتظهر كذلك أهواء الفخر والاعتزاز بالانجازات التي حققتها المرأة على الصعيد السياسي والفني والإعلامي من خلال ربط المتلقي في التويتر بمختلف الذكريات والمحطات التي حققتها المرأة الجزائرية في الداخل والخارج، كما تتجلى أهواء وعواطف الاحترام وحب الخير والإيجابية في التغريدة النسوية الغيورة على الوطن والهوية ومستقبل الشباب.

* الدكتور بن سولة نور الدين - جامعة معسكر
التنمّر الالكتروني بالنساء.. جريمة دون عقاب
تعتبر  وسائل التواصل الاجتماعي من أهم الوسائل الحديثة  للتعبير عن قضايا المرأة العربية، والأكثر مواكبة لحركة التغيرات الاجتماعية المرتبطة بها، متجاوزة في ذلك وسائل الإعلام التقليدي، التي ما تزال تحتفظ بأطرها التقليدية، إذ توفر وسائل التواصل والإعلام الجديد، فرصا أكبر للمرأة، للتعبير عن قضاياها بصورة أكثر حرية، كما توفر مجالا واسعا للحركات النسوية، لطرح مبادراتها، التي تعبر عن همومها وقضاياها، بصورة أكثر حرية، ودون ارتباط بطرح تقليدي يكون معقدا في غالبه، وبجانب ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي، أسهمت في توحيد صفوف المرأة العربية، بشأن قضايا مشتركة، وتنمية نوع من الوعي الجمعي، بشأن التحديات تواجهها في العديد من المجتمعات.
بمعنى آخر فإن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر بمثابة طفرة تحررية ونوعية في أدوات الاتصال الجماهيري في إثارة القضايا الاجتماعية المختلفة في مقدمتها قضايا المرأة ، حيث مكنتها من بناء علاقات افتراضية تسمح لها بالمساهمة في نقاشات وقضايا تخصها مما يسمح بتغيير سلوك النساء العربيات وتعزيز شخصيتهن وزيادة ثقتهن بأنفسن، وهذا توجه جديد يدعم نشر الوعي لدى النساء بمختلف قضاياهن وتشجيع المرأة على حماية نفسها من العنف الموجه ضدها وعدم السكوت عليه، وانطلاقا مما سبق فشبكات التواصل الاجتماعي تداولت العديد من القضايا الاجتماعية التي تمس المرأة، بأساليب متنوعة في الطرح سواء في صفحات رسمية تابعة لمنظمات نسوية أو صفحات غير رسمية لناشطات وحقوقيات مهتمات بشؤون المرأة، ومن أهم وأبرز القضايا الاجتماعية التي تم التطرق لها من خلال منصات التواصل الاجتماعي ما يلي قضية ختان الإناث، وقضايا التحرش الجنسي والاغتصاب وقضايا العنف ضد المرأة والزواج المبكر وغيرها، لكن ومع وجود تلك الفائدة، لوسائل التواصل الاجتماعي، بالنسبة للمرأة العربية، يطرح البعض تساؤلا، حول مشروعية خوف الأسر العربية، على بناتها من وسائل التواصل الاجتماعي، ويورد هؤلاء في مجال دفاعهم، حديثا منطقيا يشير إلى أن تلك الوسائل، ربما تكون سلاحا ذي حدين، أي أنها وفي الوقت الذي تلعب فيه دورا مهما، في مجال تعبير المرأة عن رأيها، فإنها وفي كثير من الأحيان، ربما تعرضها لعمليات إساءة وابتزاز جنسي، وهو ما يبرر رفض الكثير من الأسر، أن تكون بناتها ناشطات، بشكل أو بآخر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي حذرت فيه بعض التقارير، من أن وسائل التواصل الاجتماعي ربما لا تسهم، في حل مشكلات النساء، بل أنها قد تزيدها تعقيدا، عبر تعريضهن لحالات التحرش والتنمر، التي تصل إلى حد الابتزاز، وهي حالات مثبتة في العديد من الدول العربية، فإن الثابت بالأدلة، هو أن تلك النوافذ الافتراضية، أثرت إيجابيا على حياة النساء، في مجالات عدة، وحققت لهن فوائد لا تحصى، وتحتاج معظم الدول العربية، إلى تفعيل قوانين جادة، تحاسب المسيئين للنساء عبر الإنترنت، إذ أن معظم هذه الجرائم، تمر دون عقاب، مما يغري مرتكبيها بالتمادي فيها، وكان عدد كبير من النساء العربيات، قد شاركن خلال السنوات الأخيرة، قصصهن الشخصية عن حوادث التحرش والعنف الجسدي، التي مررن بها على صفحات فيسبوك وتويتر، غير أن ذلك ربما لن يؤدي إلى وقف تلك الحوادث دون وجود رادع قانوني.
وكان تحقيق صحفي قامت به بي بي سي bbc، قد أظهر أن آلاف الشابات في مجتمعات محافظة، في شمال إفريقيا والشرق الاوسط، يقعن ضحايا للابتزاز، عبر التهديد بنشر صور حميمية لهن على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت البي بي سي bbc، إلى أن الأضرار المدمرة، التي يتركها الابتزاز، لا تقتصر فقط على الجانبين النفسي والاجتماعي للضحايا، من الفتيات، بل هو أدى في بعض الحالات، إلى انتحار العديد منهن، بسبب عدم قدرتهن، على مواجهة العواقب المدمرة لوصمهن بالعار، وأشارت بي بي سي في تحقيقها، الذي تناول الإبتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحمل عنوان» العار»، إلى أنه لا توجد إحصاءات دقيقة، عن حجم ومدى انتشار مشكلة الابتزاز،عبر الفضاء الالكتروني، لأن الغالبية العظمى من الضحايا يلتزمون الصمت، ويعانون خلف أبواب مغلقة، بسبب خوفهم من إلحاق «العار» بأسرهم وحتى الخطر الذي يتهدد حياتهم.
كذلك يمكن تناول الأبعاد السلبية  لمنصات التواصل الاجتماعي على المرأة في عديد النقاط، أبرزها الشّعور بالعجز والفشلِ وإنكار الذّات والقدرات والكفر والزّهد بالحياة الزوجية والصدمات العاطفية وكذا نشر المعلومات الشخصية والخاصة، إضافة إلى الانحراف عن أخلاقيات النشر سواء بشكل مقصود أو غير مقصود بسبب عدم الإلمام بالنصوص القانونية والأخلاقية المتعلقة بالنشر، وهو ما يمكن أن يعرض أصحاب المدونات إلى متابعة قضائية بتهم متعلقة بالسب والشتم والقذف وغيرها، والتسويق لصورة نمطية خاطئة عن المرأة.

الرجوع إلى الأعلى