-  الاستعمار عامل بازدراء كبير اللغة العربية واللغات المحلية في الجزائر -

يتحدث العالم اللغوي الفرنسي الشهير لوي جون كالفي في هذا الحوار، عن جملة من القضايا اللغوية ، ومنها محاربة الاستعمار للغة العربية في الجزائر وقضية التلوث اللغوي واللهجات المحلية وغيرها من القضايا اللسانية والثقافية عامة.

حاوره : رشيد فيلالي

و نشير إلى أن العالم لوي جون كالفي (79 عاما) هو مؤلف عدد كبير من الكتب في مجال علم الاجتماع اللغوي ، قدم فيها مساهمات بارزة جعلت منه أحد كبار المختصين في هذا الميدان وقد حازت أنشطته العلمية الدؤوبة على جائزة «Sociolinguists Worlwide» عام 2012 وجائزة بتوليمي في عام 2016 ومن مؤلفاته «اللسانيات والاستعمار 1974 «و»السياسات اللغوية 1996 « و» 1999 Pour une écologie des langues du monde « «البحر الأبيض المتوسط ​​، بحر لغاتنا 2016 « وقد تحصل من خلاله على جائزة جورج دوميزيل للأكاديمية الفرنسية عام 2017 ، و» My tailor is still rich خياطي مايزال ثريا.. حول الغلوتوتروبي أو التعلم الذاتي عبر تاريخ منهجية أسيميل» 2019، بالإضافة إلى إسهاماته البارزة أيضا في مجال الموسيقى والنقد السياسي الحديث ..
- الأستاذ لوي جون كالفي يؤكد عالم اللغويات الشهير نعوم تشومسكي أن مفهوم «اللغة الأفضل» لا  وجود له علميا ، ولكن في دراساتك المتعددة نجد مفهوم «اللغة الأقوى» ، كيف تفسر ذلك ، مع العلم أن هناك تقاربا بين المفهومين؟
- أنا لا أرى بأن هناك لغة «أفضل» من اللغات الأخرى، وإلا فإن ذلك يعتبر غباء، لكنني في المقابل أريد تحديد عوامل تمنح للغات أهمية متباينة ضمن هذا العالم المعولم. خذ مثالا واحدا، وهو يتعلق بلغة الموندرين (الصينية) واللغة الإنجليزية. هنا نرى بأن لغة الموندرين هي اللغة الأكثر تحدثا في العالم كلغة أم، لكن يتحدث بها بشكل خاص في الصين، كما أنها لغة رسمية في ثلاثة بلدان فحسب هي: الصين وتايوان وسنغافورا، إنها ليست لغة تواصل واسعة الانتشار..وعلى العكس منها نجد الإنجليزية، الأقل تحدثا كلغة أم، ولكنها أوسع انتشارا كلغة ثانية، فضلا عن كونها رسمية في عشرات البلدان..يجب أيضا أن نضع في الاعتبار مكان اللغات في الإنترنيت،و تدفق الترجمات،و الوزن الاقتصادي للبلدان التي تتحدث فيها تلك اللغات، وهذا هو الذي دفعنا إلى وضع مقياس للغات انطلاقا من هذه التصورات.بمعنى أن اللغات إذا كانت «متساوية»في الكرامة فإنها لا تمنح الإمكانات الاجتماعية ذاتها.فإذا كنت تتحدث الألبانية فقط فهذا لا يمنحك الإمكانات ذاتها لو كنت تتحدث الفرنسية أو الإنجليزية فحسب.
-طيب يعتبر كتابك «من أجل إيكولوجيا للغات العالم» قفزة غير عادية في مجال علم اللغة الحديث ، لهذا أريد أن أطرح عليك سؤالاً حول من هم ممثلو «غرينبيس» الذين يمكنهم من خلالها إنقاذ اللغات من التلوث اللغوي القادم من اتجاهات مختلفة؟ هل هذا ممكن في سياق علاقات القوة السائدة منذ العصور القديمة؟
- في الحقيقة اللغات هي ملك لمن يتكلمها ويفعل ما يشاء بها وخاصة الذي ينقلها أو لا. وضمن هذه المنافسة ، أو هذه «الحرب اللغوية» ، تختفي بعض اللغات ، فيما البعض الآخر يتوسع ويزداد انتشارا، و لا يحب أي لغوي أن يرى لغة تختفي من الوجود، ولكن منذ أن تحدث الجنس البشري ، لم تتوقف اللغات عن الاختفاء والانقراض ، كما ظهرت لغات أخرى عديدة،  وثمة ظاهرة عامة هنا ، يمكننا مقارنتها باختفاء أو تحور الأنواع: لم يعد هناك ديناصورات على سبيل المثال، لكن في المقابل وجدت مخلوقات وزواحف كثيرة أخرى ، ومهما يكن فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن عدد اللغات آخذ في التناقص من يوم إلى آخر.
-في حوار أجريته مع العالمة الأمريكية آن مورنينغ مؤلفة كتاب « طبيعة السلالة « أكدت لي فيه أن البحوث العلمية المعاصرة تعج بالمصطلحات العنصرية، وهذا ينطبق في رأيي على البحوث في مجال اللسانيات، أليس كذلك؟
-هناك مصطلحات عنصرية في اللسانيات؟ ليس ذلك صحيحا، لكن بالأحرى هناك استعمال عنصري أو احتقاري لمصطلحات علمية موظفة بطريقة مخالفة ومزورة. فمفهوم اللهجة مثلا،بالنسبة للحالة العربية يعتبر هنا مثلا قويا. إذ إن الفارق الذي نضعه على جميع المستويات (شعبي، سياسي،علمي) بين فصحى ووسطى ودارجة يمكن اعتباره عنصريا، لأن اللغة المتحدث بها في الواقع اليومي من طرف الشعب ينظر إليها على أساس أنها أقل شأنا وقيمة من الاثنتين السابقتين.هناك بلدان تعد فيها اللغة الرسمية هي اللغة الغالبة المتحدث بها من طرف الشعب.وهذا لا ينطبق على البلدان العربية، حيث نجد اللغة الرسمية هي كل شيء عدا كونها لغة الشعب، لكن نحن هنا على احتكاك بمشاكل ثقافية وخاصة ذات صلة بالمشكلة اللائكية. ومن جهتي عند اشتغالي بمسألة «وزن اللغات» فإنني أجد نفسي حيال صعوبة بالغة من حيث التعاطي مع العربية «الفصحى» التي يتحدث بها القليل من الناس، وعليه فأنا أعتبر اللغات الحقيقية هي تلك التي يتحدث بها يوميا الجزائريون والتونسيون والمصريون إلخ..
- لقد حارب الاستعمار الفرنسي في الجزائر بقوة اللغات المحلية وخاصة العربية ، وفي المقابل هناك من الباحثين الفرنسيين من يزعم أن التعريب كان كارثة على الجزائر ، كيف تفسر هذا التناقض؟
-أنت تقارن هنا بين مرحلتين زمنيتين مختلفتين.صحيح أن الاستعمار، في ميدان اللغات، أثبت بأنه مارس احتقارا كبيرا للغات المحلية. وبخصوص التعريب بالنسبة للجزائر المستقلة، وكما قلت لك في ردي على سؤالك السابق، فقد اعتبرت اللغات الدارجة (العربية الجزائرية والقبائلية بالنسبة للحالة الجزائرية)المتحدث بها في الواقع اليومي من طرف الشعب، لا يمكن أن تكون لغات تعليم. وهذا ما نتج عنه، أن تلميذا معربا سيتعلم القراءة والكتابة بلغة أخرى غير تلك التي يتحدث بها ؟ لا أدري، فأنا لم أقم بأبحاث على هذه الأرضية، لكنها أرضية تعد  بالتأكيد مصدرا لصعوبات بالغة.
- بروفيسور كالفي، ما رأيك في أولئك الذين يقولون إن الاستعمار في الجزائر كان إيجابياً ، وأن اللغة الفرنسية كوسيلة للتحضر هي السبب الرئيسي وراء تطور الجزائريين؟
-من قال هذا؟ جزائريون أم فرنسيون؟ هناك بلا شك من جهة الفرنسيين من يشعر بحنين للمرحلة الاستعمارية وهم الذين يعتقدون ذلك، أما من جانب الجزائريين فهذا يخص الجزائر...
- أنت تعد ناقدا فنيا كبيرا، حسب رأيك، ما هي أسباب أزمة الأغنية الفرنسية الحالية، حيث لم نعد نسمع لأصوات عبقرية على غرار:ليو فيري، جاك بريل وآخرون..
- أنا لست «ناقدا فنيا كبيرا» أنا أعمل على الأغنية الفرنسية من وجهة نظر تاريخية(انظر كتابي مائة عام من الأغنية الفرنسية) وسميائية.هناك حاليا عدة تيارات مهمة في الأغنية الفرنسية، ربما غير معروفة كفاية في الخارج، وهي تعبير عن  جيل جديد. أنا أفكر في أشخاص مثل بينابار، جين شرهال، كاميل ،إم .. إلخ. ومع جاك بريل وفيري فأنت تشير إلى جيل قديم.وبين الاثنين هناك جيل آخر، بيرنار لافيليي، رونو، لو فوريستيي، إلخ...وبالفعل فإن الفنون تتطور بدون توقف.وجورج براسينس يبقى مرجعا مهما، مثل بعض التشكيليين أو الروائيين.لكن في مجال الفن التشكيلي والأدب، و الأغنية هناك استمرار في التطور، وبعض المغنيين اليوم سيكونون بلا شك كلاسيكيين بعد مرور خمسين عاما.

الرجوع إلى الأعلى