الشّعر مقموعٌ في البلدان - الحرّة - أيضا !
* الرواية المغاربية أبهرتني    * النصوص الأكثر أصالة في فرنسا اليوم تأتي من بلدان أخرى
يصنف جون كلود مارتان من أهم الأصوات الشعرية الفرنسية في الوقت الراهن ،وهو مؤسس بيت الشعر في بواتييه عام 2006 والذي مازال ينشط حتى الآن. صدرت له عدة مجموعات شعرية وقصصية نذكر منها بإيجاز  «مواسم بلا جواب» (شعر 1986) نال بها جائزة روجر كوالسكي، و «سماء كبيرة جدا «نال بها جائزة الكتاب -بواتو شارينت عام 1995 وجائزة لويس غيوم للشعر عام 2000 عن مجموعة «سماء العسل والقراص». وقد نشرت قصائده في 60 مجلة وأنطولوجيا عالمية، وله مساهمات قصصية منشورة في 15 مجلة، كما ترجمت أشعاره إلى عدة لغات منها: الألمانية والإسبانية والتشيكية والتركية والإنجليزية والعربية(ترجمة السورية مرام المصري 2011). وآخر أعماله المنشورة مذكرات تحمل عنوان»في زمن كورونا يوميات محبوس»2021 .

* حـــــاوره: رشيد فيلالي

يذكر أن الشاعر جون كلود مارتان هو من مواليد عام 1947 ببلدة مونتمورو بمقاطعة شارونت في منطقة نوفال أكيتان بفرنسا. وقد حاولنا في المقابلة التالية معه استطلاع تجربة هذا الشاعر المتميز، في الكتابة بشكل عام ومسألة تأثير الشعراء والروائيين المغاربيين الذي قال إنه معجب جدا بهم.
السيد جون كلود مرتان، أنت رئيس بيت الشعر في مدينة بواتييه، هل بإمكانك إخبارنا عن هذا الفضاء الأدبي،وأهم الأنشطة الثقافية التي تتم به ؟
 -بيت الشعر في بواتييه هو بيت متواضع ، وحتى «بيت بلا بيت !» إذا جاز لي التعبير، لأنه ببساطة ليس له بعد مكان «خاص به» وهو ينظم فعالياته في أماكن مختلفة (مكتبات ، مراكز ثقافية ، مقاهي ...) بمدينة بواتييه. إنه مشروع توليت تجسيده ورعايته حتى لا يموت ، لكنه صعب التسيير، بغض النظر عن أنه لا يملك «سقفا» ، إذ لدينا فريق صغير فحسب من المتطوعين وقليل من الموارد المالية. وعلى الرغم من كل شيء ، نحاول أن نجعل الشعر الفرنسي والأجنبي معروفًا اليوم. ومن أبرز فعاليات بيت الشعر الناجحة والمنظمة في السنوات الأخيرة حسب رأيي، اللقاء الذي تم مع الشاعرة السورية مرام المصري وعرض مسرحي حول كتابها «أرواح حافية» الذي تناولت فيه قضية العنف ضد المرأة. لقد كان هناك جمهور كبير من الحاضرين غصت بهم القاعة ، كما كان هناك أيضًا حضور متميز لخمسة شعراء أرجنتينيين قدموا لنا شعر اليوم في بلادهم ، وتحدثوا عن تاريخ الشعر من خلال تاريخ الأرجنتين الحافل أحيانًا بالأحداث، إضافة إلى شخصيات هامة عديدة أخرى.  
 يرى البعض أن الشعر هو مجرد «ترف» فكري ، خاصة في هذه الفترة المادية البحتة ، هل تعتقد أن الشاعر يستطيع أن يقاوم مثل هذا النوع من الأفكار المثبطة للهمم بغض النظر عن قيمة إبداعه؟
- الشعر هو في النهاية فعل مقاومة ، ويظل مقموعًا بطريقتين: في البلدان الديكتاتورية ،حيث يخضع الشعر للرقابة ، وحتى الحظر والسجن ؛ وفي ما يسمى بالبلدان «الحرة» أو «الديمقراطية» - حيث تسود الرأسمالية وقانون السوق – وهنا هو محكوم عليه بالعدم أو التهميش ، كونه «غير قابل للبيع» ، و«غير مربح». و الطرف الثاني قد يبدو أكثر اعتدالًا ، لكنه مفرط في الانحراف والألم ، لأن الشعر محروم من كل أهمية وكل أسباب الوجود. وكثيرًا ما نسأل أنفسنا: ما الهدف من استمرار كتابة الشعر ونشره في فرنسا عام 2021 ، حيث أن الغالبية العظمى من الناس لا يعرفون أنه لا يزال موجودًا أصلا ؟!
 أنت شاعر وقاص وكاتب مسرحي وروائي. هل مارست فنونا تعبيرية أخرى (موسيقى ، رسم ، تمثيل ...)؟ -
- أنا لست روائيًا ، على الأقل حتى الآن. وبالإضافة إلى حوالي خمسة عشر كتابًا من أشعاري (التي تكون أحيانًا قصصا قصيرة) ، قمت بنشر مجموعتين قصصيتين قصيرتين، وكذا مسرحيتين ، إحداهما قصيرة جدًا لم تنشر والأخرى نشرت مؤخرًا ، وآمل أن أراها على الركح قريبًا، وبخلاف ذلك ، بالطبع أنا أحب كل الفنون الأخرى ، لكن للأسف لست مبدعًا في أي منها.
ما هو تقديرك للرواية المغاربية المعاصرة ومن هو كاتبك المفضل؟
-لقد قرأت لعدد من الشعراء، أكثر من الروائيين المغاربيين المعاصرين (عبد اللطيف اللعبي ، أمينة سعيد ،  جون سيناك ، الطاهر بن جلون ...). ما زلت أتذكر كتب إدريس الشرايبي ورشيد بوجدرة وكاتب ياسين ، والتي أبهرتني كثيرًا قبل بضع سنوات، لكن لا بد لي من الاعتراف بجهلي بالرواية المغاربية المكتوبة اليوم. أعرف بعض الأسماء ، لكنني لم أتمكن بعد من قراءة كتبهم: نينا بوراوي ، مهدي شريف ، آسيا جبار ، محمد خير الدين - وشاعر أيضًا - رشيد ميموني ... إنها فجوة مؤسفة ، لكن هناك بلا شك العديد من الكتب التي يجب ونود قراءتها في هذا المجال!
طيب هناك ما يشبه «الحرب» بين الفرنسية والعربية في الجزائر. وفي فرنسا ، هناك أيضًا «حرب» بين الفرنسية والإنجليزية، هل من الممكن أن تتعايش هذه اللغات دون صراعات إيديولوجية قاتلة؟
- لا يمكننا أن نتحدث حقًا عن «حرب» في فرنسا بين الفرنسية والإنجليزية ، لأن اللغة الإنجليزية لم تكن لغة «احتلال» و «مستعمرة» لفترة كافية في تاريخنا. نحن نمر ، مثل العديد من البلدان ، بغزو اللغة الإنجليزية (ولو على مستوى «اللغة الإنجليزية الأساسية   basic english  ») ، حيث إن القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة فرضت هذه اللغة على العالم ، على الأقل في الوقت الحالي. ومن المؤكد أننا نتعرض لهذا الغزو بشكل سلبي ، خاصة في المجالات الاقتصادية والعلمية، حيث حلت اللغة الإنجليزية محل الفرنسية، لكني ألاحظ أنه في البلدان التي يكون فيها «العدو» أقرب جغرافيا ، و يتعلق الأمر بنزاع البقاء ، كما هو الحال في الكيبيك بكندا ، فإن السكان هناك يعرفون كيف ينافحون عن لغتهم ويدافعون عنها ، ويبتكرون من ثمة كلمات فرنسية جديدة ، ولهم آداب أكثر ثراء وحيوية (ثم إن معظم المؤلفين الفرنسيين الأكثر أصالة في الوقت الراهن هم الذين يأتون من البلدان الناطقة بالفرنسية).
 من المعروف أن ما يسمى بـ «الوكيل الأدبي» في الثقافة الأنجلو ساكسونية يساعد الكتاب المبتدئين في كتابة نصوصهم ، ولكن في الثقافات الأخرى ، اللاتينية والعربية وما إلى ذلك ، لا يوجد مثل هؤلاء الوكلاء ، كيف تفسرون ذلك؟هل هي ظاهرة ثقافية؟

الوكيل الأدبي ليس تقليدا سائدا ومعروفا في فرنسا ، حيث يتعامل المؤلفون حرفيا واقتصاديا مباشرة مع الناشر. وعلى الرغم من كل شيء ، بدأ بعض المؤلفين المكرسين إعلاميا و «الأكثر مبيعا» في الدفاع عن مصالحهم من قبل وكلاء خاصين يكلفون بهذه المهمة، لكن في مجال الشعر أو القصة القصيرة أو النشر المسرحي ، وهي أنواع هامشية «غير مربحة» ومهملة من قبل دور النشر التجاري ، تظل العلاقة مباشرة بين المؤلفين والناشرين ، وغالبًا ما تكون ودية.
وما رأيك في الكتاب الذين يوقعون على نصوصهم بأسماء مستعارة رغم أنهم ينتمون إلى مجتمع حر وديمقراطي؟
 - أنا شخصياً لا أحب الكتاب الذين يوقعون بأسماء مستعارة ، وعندما يكون النشر آمنًا باسمهم ، لا أفهم تغييرهم لأسمائهم ،البعض يفعل ذلك لأسباب تتعلق بالمهنة ، أو تأثرا بأسماء غريبة ، أو لأنهم يعتبرون أن «الكاتب» مختلف عن «الفرد» الذي يدعمه، لكني في كل الأحوال لا أحب هذا الانفصام.
 ماذا تقرأ هذه الأيام، وما هو الكتاب الذي أثر فيك بعمق كشاعر؟
- أثناء محاولتي العودة إلى كتابة المسرح ، أعدت قراءة كلاسيكيات المسرح الفرنسي المعاصر(يونيسكو، بيكيت، كولتس ، ، وما إلى ذلك) ثم اكتشفت كتابا أجانب يون فوسي، سيرجي بلبل وغاو شينغتجيان  Gao Xingjian ، إلخ.. أما بالنسبة للشعراء ، فالعديد من كتبهم أثرت عليّ: بالطبع بودلير و«أزهار الشر» ، رامبو ، ثم أبولينير (ربما المفضل لدي) ، السرياليون ، ريفردي ، إلوار ، بونج ، ميشو ، إلخ. ثم عدد من الشعراء الأجانب أيضا الذين لو ذكرتهم جميعا ستطول القائمة جدا .
هل يمكن للنص الأدبي أن يفجر ثورة ، وما رأيك فيما سمي بـ" الربيع العربي "؟
 - لا أعرف ما إذا كان النص الأدبي يمكن أن «يفجر» ثورة بذاته ، لكن الثورة يتم إعدادها مسبقًا في عقول الناس وعقلياتهم ، وبالطبع يساهم الأدب فيها ، ويجب عليه أن يرافق هذه الحركية ، مثلا فولتير ، روسو ، ديدرو «أعدوا» للثورة الفرنسية ؛ غوغول ، دوستويفسكي ،، إلخ. أعدوا للثورة الروسية ... وبالنسبة للـ «الربيع العربي» فإن كل محبي الثورة ضد المفسدين والدكتاتوريين المتسلطين، ومعهم  محبي الديمقراطية والحرية ، قد أثارتهم الشجاعة ونكران الذات اللذين أظهرهما ممثلو هذه الثورات. للأسف ، إذا كانت الثورات هي لحظات شعبية كبيرة من الاتحاد والفرح ، فغالبًا ما يتم الاستيلاء عليها لاحقًا من قبل مستغلين مشكوك في أهدافهم (في التاريخ: نابليون ، ستالين ، ...). آمل ألا يكون هذا هو ما آل إليه «الربيع العربي» .

  سؤال أخير: هل الشاعر جون كلود مارتان راضٍ عن كتاباته حتى الآن؟
- راض ، لا ! يجب أن نكون دائمًا غير راضين ونحاول دائمًا القيام بعمل أفضل. إن وضع الشعر في فرنسا ، وتهميشه ، وقلة جمهوره ، والازدراء الذي يواجه به  مقارنة بما هو مخصص للنشر التجاري ، لا يمكن أن يجعل الناس سعداء، لكني لا أنكر أيا من مؤلفاتي التي نشرها ناشرو شعر جيدون وأتمنى أن يستمر ذلك رغم الصعوبات التي تواجههم. أما بالنسبة لمشروعاتي المستقبلية ، فهي في الواقع متعلقة بالقدرة على الاستمرار في الكتابة (والقدرة على النشر) ، وكذا تدبيج القصائد ، و القصص القصيرة ، والكتابة المسرحية ، وربما الروايات أيضا سوف نرى…                          
ر.ف

الرجوع إلى الأعلى