الصمت يمثل نوعا من الالتزام الأدبي أيضا

قدم أمس، أكاديميون من ثماني جامعات إضاءات وصفية وتحليلية لمفهوم الالتزام في أعمال الكاتب أنور بن مالك في ملتقى وطني احتضنته جامعة الإخوة منتوري، حيث انطلقوا من أوجه مختلفة لنصوصه، في حين عرفت الفترة الصباحية إجماعا من طرف عدة متدخلين على أن الصمت يمثل موقفا والتزاما في الكتابة الأدبية.

وقدمت الأستاذة نوال كريم من جامعة أبو القاسم سعد الله الجزائر 2، في مداخلتها، عرضا وصفيا لإعادة بناء الذاكرة في رواية "الاختطاف" الصادرة في 2009 للكاتب أنور بن مالك انطلاقا مما وصفته في عنوان مداخلتها بـ"تشوهات التاريخ"، حيث تظهر فيها الحقيقة كموضوع إشكالي بحسبها، فيما اعتبرت أنه يمكن القول من خلالها أن "التاريخ شبه تخييل والتخييل شبه تاريخ"، لتعود في بنائها التحليلي، الذي دعمته بآراء بول ريكور وجان بول سارتر، إلى أن مسعى إعادة بناء الذاكرة ضربٌ من الالتزام الذي يقف في مواجهة النسيان، وهو ما قام به الكاتب في الرواية من خلال الحبكة التي تنسجها أحداث ماضية منسية تعيد ملاقاة الشخوص الرئيسية في الحاضر في سياق محوره العنف والتطرف.
وذكرت مسؤولة تنظيم الملتقى حنان العقبي، في تصريح للنصر، أن الفكرة جاءت من قراءة أعمال أنور بن مالك، حيث أوضحت أن القارئ "يستشعر نوعا من الالتزام عند قراءة كتبه، خصوصا نحو المجتمعات الأقلية"، فهي تصب في استنكار الحروب وكل أنواع العنف التي تتعرض لها عدة شعوب. وأضافت المتحدثة أن الملتقى يستهدف دراسة البنى المختلفة لنصوصه بما يتيح الكشف عن هذا الالتزام، الذي وصفته بـ"المبطن جدا"، فضلا عن أن منظميه يأمَلون توسيع التفكير من نفس المنطلق ليشمل كتابا آخرين تندرج أعمالهم في نفس الإطار، في حين اعتبرت أنّ الالتزام بقضية محددة خاصية يمتاز بها مختلف الكتاب الجزائريين، وهو ما يندرج ضمن السياق الاجتماعي.
وقالت الأستاذة العقبي إنها تسعى إلى تنظيم ملتقيات مماثلة مستقبلا حول كتاب وموضوعات أخرى، مشيرة إلى أن البحث حول الاهتمام بالكتاب الجزائريين المعاصرين ضعيف، كما أوضحت أن الأمر سيخص المؤلفين باللغة الفرنسية، لكن ذلك يشمل أيضا أصحاب النصوص المترجمة إلى الفرنسية والكتاب الذين يكتبون بلغتين أو أكثر. من جهة أخرى، أكدت الأستاذة العقبي أن عدة دراسات تجرى في قسم اللغة الفرنسية حول الكتاب المعاصرين، في حين قدمت المداخلة الثانية حول العلاقة بين الأدب الملتزم والالتزام الأدبي، حيث اعتبرت أن جان ألبير كامو وسيمون دوبوفوار يعتبران الأقرب إلى أفكار جان بول سارتر، كما قدمت التعريفات المختلفة لمفهوم الالتزام لدى الكاتب الأدبي.
واعتبر متدخلون في النقاش الذي أعقب الجلسة الأولى أن الالتزام في الأدب مسألة مركبة، حيث قال متدخل إن جميع الكتاب يعتبرون ملتزمين، حتى غير الملتزمين منهم، مؤكدا أن مولود فرعون كان ملتزما بقضايا مجتمعه لكن بشكل "مبطن"، في وقت كان فيه مالك حداد ملتزما بقضايا شعبه بشكل "معلن"، لتعقب عليه الأستاذة نوال كريم أن الصمت يعتبر ضربا من الالتزام أيضا، "بل إنه موقف"، مثلما أضافت، وهو ما وفقته عليها متدخلة أخرى بالقول إن الكاتب لا يملك الحق في الحيادية، مضيفة أن فعل الكتابة نفسه يجعله ملتزما، فأنور بن مالك، بحسبها، لم يكتف بالاهتمام بأسئلته الذاتية اليومية، بل انخرط في الأسئلة التي تخص مجتمعه ومحيطه، لكنها اعتبرت أن كامو لا يلتقي مع سارتر كثيرا، فقد قدم نفسه دائما على أنه فيلسوف العبث وليس وجوديا.
أما الأستاذة نادية يخلف، نائبة رئيس الجامعة المكلفة بالعلاقات الخارجية، فقد أوضحت أن الملتقى، الذي اشتمل على مداخلات قدمت عن بُعد، يدور حول الكاتب أنور بن مالك الذي جمع بين الرياضيات في تكوينه الأكاديمي بجامعة قسنطينة، وبين الأدب والأبعاد الفلسفية التي تنطوي عليها نصوصه. واعتبرت محدثتنا، التي أشرفت على افتتاح الملتقى، أن ابن مالك تتطرق إلى مختلف ما سجله العالم من أحداث، حيث وصفت نصوصه بأنها تحمل جوانب الأدب والتاريخ والإحساس الفني، في حين قال عميد كلية الآداب واللغات، الأستاذ حسن كاتب، إن الكاتب أنور بن مالك طالب سابق في جامعة الإخوة منتوري، مشيرا إلى أن الملتقى يستهدف التعريف بمنتجه الأدبي.
سامي .ح

الرجوع إلى الأعلى