صارت مواقع التواصل الاِجتماعي، وبخاصة الفيسبوك، فضاءً لأغلب الكُتّاب والأدباء لنشر كتاباتهم وأخبارهم وصورهم، ولصناعة نجومية على مقاساتهم وأمزجتهم ورغباتهم. والسؤال الّذي يمكن طرحه في زمن الميديا. هل تحوّل الفايسبوك إلى فضاء أو سماء لصناعة نجومية الكُتّاب في الجزائر؟، هل أصبح البديل الأمثل، المتوفر والمُتاح لصناعة نجوم الأدب أو نجوميّة الكُتّاب، وهل نجح مثلاً في ما فشلت فيه مؤسسات ثقافية ودور نشر ودوائر إعلامية في صناعة نجوم الثقافة والأدب كما هو الحال عادةً في الدول المتقدمة، التي لها تقاليدها في صناعة نجوم الأدب والفكر والثقافة وليس فقط صناعة نجوم الفن والمسرح والسينما؟ أم كما قال الدكتور عبد السلام يخلف: «مواقع التواصل تتحمّل الكثير من الجنون والرغبة الجامحة في صناعة (النجوميّة) التي يبحث عنها الكُتّاب». أيضا هل يمكن القول أو الإقرار بوجود نجوم أدب في الجزائر.

استطلاع/ نـوّارة لحرش

حول هذا الشأن «مواقع التواصل وصناعة نجوميّة الكُتّاب ونجوم الثقافة والأدب»، كان ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد مع بعض الكُتّاب والنقاد.

عبد السلام يخلف كاتب ومترجم وأكاديمي -جامعة قسنطينة
الثقافة البصرية تسببت في «جنون» بعض كتاب الأدب
سابقًا أي قبل ظهور الإنترنيت، كان الكُتّاب ينشرون أعمالهم ورقيًا وكانت تلك الأعمال هي التي تصنع صورة الكاتب من خلال القُراء ويحدث كلّ ذلك بواسطة دور النشر القليلة التي كانت تحرص على ألا تنشر إلاّ النصوص المقبولة من طرف لجنة قراءة التي هي المرشح الّذي عبره تمر الأعمال، أمّا اليوم فإنّ الكاتب ينشر ما خطر بباله بتقديم المال لدار النشر حتّى أنّ الأجمل من كلّ هذا، وهذه ثورة في مجال النشر ومنظور جديد، تنشر الدار مائة نسخة فقط تُعطى للكاتب. لا ينتشر الكاتب من خلال كتابه عند القارئ بل بالصورة التي يقدمها عن نفسه وملخصات كتابه التي يقوم بنشرها مئات المرات في صفحته وفي صفحات الآخرين وكذا المجلات الإلكترونية الكثيرة الباحثة عن المادة.

أصبح همّ الكثير من الكُتّاب هو الاِنتشار في الانترنيت وخاصةً منصتي تويتر وفايسبوك التي تتحمّل الكثير من الجنون والرغبة الجامحة في صناعة «النجومية» التي يبحث عنها الكُتّاب من خلال نشر نصوصهم وصورهم الكثيرة. كلّ شيء رائع إلى هذا الحد لكن يتحوّل إلى أزمة حقيقية حين يصير هوسًا كبيراً من طرف الكاتب الّذي يريد أن يكون «نجمًا» مثل نجوم السينما أو حتّى كرة القدم.أحيانًا يقوم الكاتب بهذا العمل لاِعتقاده الصائب أنّ الصحفي لم يقدمه بالشكل اللائق أو أنّ الحوارات التي أُجريت معه كلها مُتشابهة في أسئلتها وهذا لغياب الصحافة الثقافية المُتخصصة التي تجعل من الصحفي المتخصص نحاتًا في شؤون الثقافة والفنون والأدب ومُظهراً لمكنونات الكلام والكتابة ولكلّ الحكايا التي تمر ببال الكاتب وطريقته في النظر إلى بيوغرافيا المأساة الشخصية والقضايا الإنسانية التي تسكن عقول البشر منذ البدايات الأولى. عدم وجود الصحفي الفصيح والحصيف في آن يترك الكاتب على جوعه، ولذا يبدأ في مباشرة العمل والبحث عن صورة لا يعرفها سواه يودّ تسويقها بشتى الطُرق، بالصور وبالنصوص القديمة التي تدل على تواجده السابق على الساحة في «الزمن الجميل» (زمانه هو) على شاكلة المثل الشعبي «ما حك ظهرك مثل ظفرك».
يودّ الكاتب الباحث عن الشهرة والنجومية تقديم هوية قد لا تصل إلى القارئ من خلال الكتابة وحدها، فهو يريد أن يتعرف عليه القارئ ويتعرف على طريقة كلامه وجلوسه وضحكته وتدخينه للسيجارة ولعب أصابعه بالهاتف «السْمارت». صورة يرغب في إيصالها دون وسيط بينه وبين القارئ الاِفتراضي والمُفترض.
ما دمنا في عصر الثقافة البصرية فإنّ الكاتب يريد أن يستغل كلّ الوسائط كي يكون «نجمًا» وهذا بنشر نص أدبي ثم تسجيل فيديو قصير (Vlog) يضعه مع النص وتركيب الصور الجميلة مع موسيقى عالمية يضعه على صفحاته في فايسبوك وتويتر ويوتيوب ومنصات أخرى، حتّى أنّه يرسل لأصدقائه عبر الخاص يطلب منهم مشاركة الفيديو أو المنشور على صفحاتهم ووضع لايك والاشتراك في الصفحة «كي يصلهم كلّ جديد» من الكاتب إياه. حسب رأي الباحثين في الموضوع فإنّ الكاتب هنا ذاته «يصبح أدبًا» (the author as literature) لأنّه يُسوّق لصورته عن طريق التكنولوجيا التي ليست هي الأدب. جزء من رواية هو ليس رواية، والحديث عن رواية ليس رواية أيضا وبالتالي فالكاتب يخلق عالمًا يودّ من خلاله الوصول إلى القارئ على طريقة الرياضيين والممثلين الذين تصنعهم الشاشات ومؤسسات «النجومية» الضخمة فيتحدث عن كتابته ونصوصه التي من المفروض أن يتحدث عنها القُراء ظنًا منه أنّ ذلك يُكمّل عملية الكتابة والنشر، وهذا نوع من البيوغرافيا التي يقدمها بالموازاة مع الكتابة كأنّه نص مقابل في المرآة إضافةً إلى أنّ الصور تجعل من الكاتب معروفًا ومألوفًا وهذا بعض الثقافة البصرية التي خلقت عالمًا جديداً للكاتب يتسلل من خلاله إلى عينيّ وقلب القارئ من خلال تقديم صورة عن نفسه بألبسة أنيقة والتواجد مع أشخاص «مهمين» في أماكن راقية أو بعيدة عن المدينة أو القرية التي يسكنها كي يقول أهميته في عالم اليوم ودوره في دوائر الكتابة. الاِستعراض جزء من عملية «النجومية» التي يرغب في بلوغها كي يصبح «ماركة» مثل بقية السلع المعروضة في السوق.
اليوم لا يريد الكاتب أن يكتب فقط وينتظر القارئ السلبي بل يحارب بالذهاب إلى أرض القارئ وجلبه إلى ساحة القراءة من خلال كلّ الوسائط المتوفرة والتي تعتمد على فنون العرض (les arts du spectacle). من خلال وجود «الحضور» والمتفرجين/عوض القراء/ فإنّ الكاتب يخلق نجوميته عبر نشر نصوص قديمة أو قراءة نصوصه وإعطائها تأويلات وقراءات كي يبدو حداثيًا وكأنّه يقول للجميع أنّ كلّ ما قاله سابقًا هو في الحقيقة تنبؤ/أو نبوءة/ للذي يحدث اليوم وأنّ تفكيره كان دومًا أنيقًا واستشرافيًا محاولاً البحث عن كلمة في نص قديم تُشبه اللحظة التي يودّ اِستغلالها في البحث عن النجومية. اليوم لم يعد الكاتب يقتنع بترك مهمة تقديم صورته للنص وحده، أي لا وجود لسلطة النص، بل هو يقول للجميع من خلال عملية «المسرحة» أنّ الكاتب/الكاتبة/ إنسان عادي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وأنّه إلى جانب الكتابة يُمارس الرياضة وجمع الطوابع البريدية والسفر إلى مناطق بعيدة «اكزوتيكية» وكم هو أنيق ويحسن الحديث والنقاش والدفاع عن أفكاره، وهكذا يأخذ الأدب منحى جديداً لا يقتصر على الكتابة بل أيضًا على كلّ ما هو مُمكن أن يُسوّق لصورة الكاتب في بحثه عن «البوديوم»–حين يودّ أن يقول لنا أنّ كتابته تحتوي على أشياء «عميقة» أكثر مِمَا نتصور، وهنا ليس أجمل من مصطلح «صناعة الثقافة» الّذي اِبتكرته مدرسة فرانكفورت لفهم هذا البُعد من العلاقة بين الطبقات الاِجتماعية وتفاعل الإبداع كطرف في العلاقة وليس كترف نتسلى به.
أظن أنّ الكتابة ليست وظيفة أو مسؤولية تجاه مؤسسة أو قضية، ورأي الفيلسوف العدمي ايميل سيوران صائب هنا حين يقول «ينتهي الكاتب إذا كان معاصراً» (L’écrivain cesse d’être s’il est contemporain) أي أنّه يكتب من أجل الأجيال القادمة والقضايا القادمة ليس من قبيل التنبؤ بالوقائع كما يفعل المشعوذ أو تتبع المسارات والأنساق في الظواهر كما مع عالم الدراسات المستقبلية بل أن يكون وفيًا لذاته من خلال هويته التي يُدافع عنها وأية نجومية يبحث عنها الكاتب خارج النص تعتبر «نجومية» واهية تزول حين يغلق حسابه في فايسبوك.

عبد الحميد بورايو كاتب وباحث أكاديمي مختص في التراث
النجومية تخص مجتمعات أخرى يتسع فيها جمهور الأدب
في مجتمعنا يمكن الحديث عن كُتّاب كَرَّسَهُمْ الوسط النخبويّ الأدبيّ، وهو وسط ضيّق ومحدود. بينما النجومية قد تتعلق بمجتمعات أخرى يتّسع فيها جمهور الأدب أكثر بحيث يُنافس فيها الأديب الفنّان المعروف والسياسي الشهير، وتكون له مكانة شبيهة بمكانة المُمثل ولاعب كرة القدم ورجل الإعلام. في مثل هذه المجتمعات تكون مطالعة الأدب سلوكًا حضاريًا منتشراً ويكون سوق الكِتاب الأدبي رائجًا، ويكون للأدباء وضعيّة مُعترفا بها اِجتماعيّا وسياسيّا، ويكون هناك بالتالي اِحتراف لمهنة الأدب، بحيث يكون بمقدور الأديب أن يعيش مِمَا يكسبه من حرفة الكتابة والنشر.

في مجتمعنا تظلّ مُمارسة الأدب هواية، لا تُمثل مصدراً للعيش، ولا يلتفت إليها المجتمع، وإنّما قد تملأُ فراغًا تتطلبه الصفحة الثقافيّة في جريدة، أو تلبّي دعوة أصحاب بعض البرامج الثقافية الإذاعية أو التلفزيونيّة. يكون الأدباء في هذه الحالة على هامش حياة المجتمع، يعيشون من وظائفهم وينشغلون بغير الأدب كممارسة أساسيّة، بينما تكون الكتابة الأدبية شيئاً ثانويًا في حياتهم، يلجأون إليها من حينٍ لآخر، وحتّى مدرّسو الأدب، يهتمون بمثل هذه المُمارسة من باب أنّها تُمثلُ مادة عملهم قد لا يأبهون بها إلاّ في قاعات الدرس لمّا يحتاجون لنصّ للمُطالعة أو للتحليل.
يلجأُ الكثير من مُمارسي الكتابة الأدبيّة في مجتمعنا إلى وسائل التواصل الاِجتماعي، التي أصبحت تلعب دوراً أهمّ من المؤسسة الثقافيّة والإعلاميّة، لكونها تُتيحُ الاِطلاع والاِنتشار لأكبر عددٍ مُمكن من النّاس المهتمين. غير أنّ هذه التجربة مازالت جديدة لم تتكرّس بعد، ولعلّ ما سمح لها بتحقيق بعض النجاحات تمثل في فشل المؤسسة الرسميّة فشلاً ذريعًا في اِستقطاب الجمهور من خلال برامجها المُناسباتيّة. اِتّسع المجال للنشر في وسائل التواصل الاِجتماعي بسبب سهولته مِمَا أتاح المجال للكثير من الهواة أن يُجربوا حظهم في الكتابة والنشر، غير أنّ كُثرة هؤلاء الهواة لا تجعل منهم نجومًا بالضرورة، بل إنّ الشهرة تظلّ تقريبًا محتكرة من طرف من تمّ تكريسهم سابقًا في المؤسسات الثقافية ومن طرف النّخبة الثقافيّة، لكوننا مازلنا نعيش مرحلة اِنتقاليّة لم تتبلور فيها بعد مقاييس اِحتلال المكانة اللائقة من خلال المُمارسات الأدبيّة عبر الوسائط الرقميّة. هناك عدد من الأدباء الذين تمّ تكريسهم في العقود الماضية عن طريق المؤسسات والوسائط الثقافة التقليديّة كدور النشر والصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري، حاولوا بدورهم أن يتواصلوا مع القُراء من خلال الوسائط الرقمية الحديثة واستطاعوا أن يُحقّقوا بعض النجاح في ضمان اِستمراريّة متابعتهم في إنتاجاتهم الجديدة، وهم الذين يُمثلون في الحقيقة الفئة الوسيطة بين الجيل الماضي والأجيال القادمة، والتي تُجسّد حلقة الوصل الثقافي بين مرحلتي الوسائط التقليديّة والوسائط الحديثة. مع ذلك سيظلّ الكِتاب الورقيّ المنشور يلعبُ دوراً أساسيًّا في تكريس الأسماء الأدبيّة المعروفة أو الجديدة.
هكذا يمكن القول بأنّ الحديث عن النجوميّة في الأدب الجزائريّ مسألة نسبيّة بالنظر للمكانة التي يحتلها الأدب في مجتمع يُعاني من التخلف الحضاري ومن محدوديّة المقروئيّة، ومن مشاكل لغويّة عويصة، ومن عوائق التواصل وصعوبة تحصيل المعارف وممارسة الفنون، بفعل ذهنيات ماضويّة شموليّة ظلاميّة  تحتقر الفنون ولا تعترف بمكانة الآداب.

الصديق حاج أحمد الزيواني روائي
مواقع التواصل فكت الحصار عن كتاب الهامش
أصبحت مواقع التواصل الاِجتماعي، بمثابة الفيلا الفارهة، التي يسكنها الأثرياء والفقراء على السواء، أقول هذا الكلام، بالنظر لما كان يعيشه الكُتّاب بالهامش قبل وجود هذه الوسيلة، فالكُتّاب الموجودون بالمركز في زمنٍ مضى، كانوا أوفر حظاً من زملائهم بالهامش، لذلك فتحت مواقع التواصل للكُتّاب نوافذ مشرعة، فباتوا ينشرون كِتاباتهم وتدويناتهم الأدبية، التي تُعَبِر عن رؤيتهم ومستواهم، مِمَا أكسب البعض، قدراً من التقدير بالمشرق والمغرب على السواء.

لقد كسرت هذه المواقع مفهوم المركز والهامش، حتّى غدا الكاتب في الربع الخالي من الوطن، يكتب وينشر، ويتواصل ويعقد صداقات مع كُتّاب ونُقاد ودور نشر من خارج الوطن، إذ كثيراً ما يأتي الاِعتراف من الخارج قبل الداخل، بالنظر للشللية التي تطبع المشهد، وتكتل بعض الكُتّاب وتخندقهم تحت مظلة الجهة أو المصلحة.
في اِعتقادي أنّ هذه المواقع، لا تصنع النجومية، بالمفهوم المُهدى، إلاّ إذا كان الكاتب على قدرٍ كبير من الجودة في كتاباته، وإلاّ أصبحت ملهاة يُوشَوش بها الكُتّاب فيما بينهم عبر الميسنجر. لا يمكن إنكار فضل هذه الوسيلة، لاسيما بالنسبة للكُتّاب الموجودين بالحفر المردومة، خلف كثبان الرمال بالصحراء البعيدة..

محمّد داود ناقد وأكاديمي -جامعة وهران1
الشبكات الاِجتماعية لوحدها لا تصنع النجومية
أن تكون كاتبًا تُؤلف في مجال الرواية أو القصة أو في مجال الشِّعر، أو في أجناس أدبية أخرى، معناه أن تقيم علاقة دائمة ومستمرة مع القراء، مِمَا يقتضي منك التواصل والتفاعل معهم، عن طريق اللقاءات المُباشرة أو باللجوء إلى وسائل الإعلام التقليدية من صحافة مكتوبة أو سمعية بصرية أو إلى وسائل الاِتصال التكنولوجية، أي الشبكات الاِجتماعية التي أصبح لها حضورا قويا في حياة النّاس بصفة عامة، يستغلها الأفراد وتستغلها الجماعات وفق الاِهتمامات والميول، ويكون للأدباء مثل البقية تواجد بها. وبسبب أنّها اِفتراضية، فهي تختلف من ناحية الرباط الاِجتماعي عن الحياة الواقعية، وعن اللقاءات الدورية مع جمهور القراء، وعن ملامسة الكِتاب الورقي وتصفحه ومتابعة أحداث الرواية ومسايرة شخصياتها والاِستمتاع باللّغة الإبداعية والشاعرية في حالة الشِّعر أو غيرها في حالة الكتابة النثرية. ويقوم الأدباء من خلال ترددهم على مواقع التواصل الاِجتماعي بتطوير أشكال مختلفة من التعامل مع القارئ بترسيخ الهوية الرقمية لديه وهي نوع من التسويق لذات الكاتب مِمَا يمنحه حضوراً قويًا ويجعلُ من صورته ومن كتاباته تحظى بالتداول ومرئية لدى عموم القُراء، كما يكتسب بذلك سمعة أدبية معينة ووجوداً قويًا في الحقل الأدبي، مِمَا يقتضي منه «إقامة دائمة» في هذه الشبكات، ينشرُ ما يكتب من نصوص أدبية، يتفاعل مع القراء، بالردّ عن تساؤلاتهم وربّما توجيههم إلى بعض الكُتُب وإلى كيفية التصرف مع  النصوص ومع أصحابها وبإعلامهم عن نشاطاته المختلفة وعن مواقفه من الحياة ومن الأحداث وبمشاريعه وبآخر ما صدر له وبما يُكتب عن نصوصه.

نستطيع أن نقول أنّ هذه هي مُجمل الوظائف المخولة لهذه الشبكات الاِفتراضية بالنسبة للأديب، وكذلك أهم الممارسات التي يلجأ إليها هذا الأخير في تردده عليها. مِمَا يجعلُ طرح السؤال التالي ضروريًا: هل تصنع هذه المواقع الاِجتماعية من الأديب نجمًا يتمتع بسمعة كبيرة؟ وهل يُقبِل القّراء على صفحته بشكل قوي وتحظى منشوراته وكُتبه بمبيعات مهمة؟ في البداية لا بدّ من التأكيد أنّ بعض الأدباء وبخاصة مِمَن هم في «بداية الطريق» لا يحظون بالتشجيع وبالرعاية الكاملة من قِبل دور النشر والإعلام، فيلجأ الكثير منهم إلى هذه الوسائل لترقية نصوصهم وتسيير مسارهم الأدبي. وقد يصبح بعضهم «نجمًا» بحكم أنّ ما ينشره يستجيب لــ»الذوق العام والمكرس» الّذي يميل إلى السهولة وعدم التعمق في الموضوعات الجادة والتي قد تكون «ثقيلة» على بعض القُراء، وبخاصة إن نَشَرَ نصوصًا قصيرة تكون سهلة القراءة، مِمَا يُكْسِب هذا الأديب المبتدئ متابعين كُثر وبالآلاف ويتفاعل معه عدد معتبر، بواسطة علامات الإعجاب ‹اللايكات» أو التعليقات المهنئة والمجاملات، التي قد تغرّر به وتجعله يعتقد أنّه وصل إلى القمة.
لا نستطيع الحكم –من الناحية النقدية والفكرية- على هذا النوع من الكتابات التي تحتاج إلى رؤية منهجية متعمقة وإلى بحث ميداني سوسيولوجي دقيق. ولعلّ الأمر يختلف بالنسبة للأدباء المعروفين والذين يملكون رصيداً مُعتبراً من الإنتاج الأدبي ولهم سمعة وطنية ودولية، فإنّ اِستغلال الصفحات الرقمية والمواقع الاِجتماعية يُضيف إليهم مستويات أخرى من الاِنتشار لدى القُراء ويُحقّق لهم مقروئية واسعة، ويُمكننا زيارة صفحات كلّ من بشير مفتي وأمين الزاوي والسعيد بوطاجين ومحمّد ساري وبومدين بلكبير والسعيد خطيبي وغيرهم كُثر... مع العِلم أنّ هؤلاء قد مروا عبر دور النشر و هيئات التثمين التي جعلتهم يشغلون ذلك المستوى الرمزي.

عبد الحميد ختالة ناقد وأكاديمي -جامعة خنشلة
كتـاب يعولون على إمكانياتهم «الجسمانية» لإيصال نصوصهم !
يجمع الدرس النقدي على أنّ المُتلقي هو الأس الفاعل في تحديد نجاح العملية الإبداعية، إذ يكتسب النص الأدبي اِنتشاره بحسب شساعة مساحة مقروؤيته وقبوله لدى جمهور القراء، أقول هذا وفق تصور النقد الأكاديمي والمحترف الّذي عادةً ما يُخضع النصوص الأدبية لمشرح النقد والتحليل، والنص الّذي لا يستمر في اِستفزازه لأدوات النقد وآليات المناهج فهو نصٌ ميت لا يلبث أن يتلاشى من ذاكرة الحركة الأدبية.

إلاّ أنّ الّذي أمسى مُهيمنًا على الحركة الأدبية هو تحكم جملة من العوامل الخارجة نصيا في مدى اِنتشار النص الأدبي، ومنها توسل بعض الكُتّاب مختلف وسائط التواصل من أجل الترويج لكتاباتهم بغض النظر عن مستوى ما يكتبوه فنيًا ومعرفيًا وحتّى إنسانيًا، إذ يستخدم الكُتّاب صورهم الشخصية في وضعيات اِجتماعية ليست لها أدنى علاقة مع العملية الإبداعية، ومن ثمّة أصبح الكاتب بمؤهلاته الجسمانية والاِجتماعية هو المُعوّل عليه في إيصال كتاباته وليس أدبية النص.
الحق أني قرأتُ من قبل اِمتعاض الكثير من الأدباء المكرسين فنيًا مِمَا تردّت إليه حال العملية الإبداعية، فتغيرت عملة الأدب من الفنية والتخييل والأدبية واللّغة والقضية إلى أمور أخرى لها علاقة أصلاً بتقنيات التواصل مثل نسبة التفاعل والترند والهاشتاغ وو...، وهذه كلها لا تُؤسس لحركة أدبية مرحلية بل تهدم الحركة الأدبية في جوهرها الأساس.
إنّ مِمَا أود الإشارة إليه في هذا السياق هو إطلاق هذه الوسائط التواصلية الكثيرَ من الأسماء الأدبية لكلّ من كتب خواطره الطائشة، فصفة الكاتب التي كانت تعكس أرقى مستويات الإبداع اللغوي والفني باتت تطلق على كلّ من هب ودبّ، بل وغاب مصطلح القُراء ليحل محله مصطلح المعجبين والمُتابعين، وإني أجد هذا كله حالة مرضية وجب الوقوف لها بكلّ قوّة اِنتصاراً للإبداع الحقيقي.
وإنصافًا لما وفرته تقنيات الميديا فإنّي أشجع الكُتّاب على ولوج مجال السمعي البصري عن طريق النشر بتقنية الفيديو وبخاصة ما تعلق بالشِّعر، وهنا سيُخضع الشاعر نفسه ونصه لمستوى من مستويات التلقي الصريح، وهو في ذلك سيستفيد من أمرين الأوّل يتعلق بمؤثثات الإلقاء الشِّعري من مؤثرات صوتية وضوئية تُرمم النقص المُمكن في النص، كما أنّه بمنأى عن المُواجهة المباشرة مع المُتلقي لأنّ مواجهة الشاعر لجمهوره وجهاً لوجه يحتاج إلى تراكم من التجربة والخبرة.
وفي هذا الصدد لا أُحَمِّل تبعات هذا الموضوع لدور النشر ولا للهيئات الثقافية فقط، بل أُحمّله لكلّ العناصر التي أسهمت في تردّي مستويات الذوق، هذا التردي في الذوق الّذي رفع نصوصاً لا أدبية فيها بل تعلقًا بصور أصحابها، وحطّ نصوصًا عَجنت الإبداع والتميز في نصوص ماء شعريتها زلال.
وعليه أُوجه اِنتباه كلّ المهتمين إلى ضرورة الاِشتغال على تربية الذوق وتطويره من أجل الخروج من هذا التيه الفني الّذي أورث صفة الأدب لأشخاص بلا أدب وعفّر جبين الفن الناصع في تراب الاِرتجالية.

 

الرجوع إلى الأعلى