الشغف حوّلني من الذكاء الصناعي إلى تأليف كتاب - عروش سطيف -

* فرنسا اعتمدت طريقة التلقيب للتفريق بين أفراد العرش الواحد
يكشف الدكتور عبد الله بسو في حوار للنصر، أن الشغف بمعرفة الحقائق التاريخية هو الذي قاده من الذكاء الصناعي إلى البحث في الأنساب الذي أثمر بتأليف كتاب «عروش سطيف» الذي استغرق سنوات طويلة من البحث  فضلا عن الزيارات الميدانية التي قادته إلى جميع بلديات وقرى ولاية سطيف البالغ عددها في المجموع 60 بلدية، بالإضافة إلى القرى والمداشر بخمس ولايات مجاورة، وهي: برج بوعريرج، المسيلة، باتنة، ميلة وبجاية، مضيفا أنه تحصل أيضا على معلومات ومخطوطات قيمة عند زياراته البحثية الأكاديمية، نحو عدد من مراكز الأرشيف الرسمية، بعدد من 20 بلدا أجنبيا.

حـــاوره: أحمد خليل

ويكشف الدكتور بسو في هذا الحوار الذي خص به النصر، الطريقة التي اعتمدتها السلطات الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، في إجراء «عملية تلقيب العائلات الجزائرية»، مشيرا أن الهدف الرئيسي من تلك الخطوة «ليس تحضير الأهالي»، وإنما « التفريق بين أفراد العرش الواحد».
الكثير ممن يعرفونكم ، يعلمون أن تخصصكم الأكاديمي هو الإعلام الآلي، فكيف جاءتكم فكرة تأليف كتاب حول التاريخ و الأنثربولجيا؟
- صحيح، فأنا أستاذ بجامعة فرحات عباس في قسم الإعلام الآلي، وبالضبط في تخصص الذكاء الاصطناعي، ودافعي الأول  إلى تأليف كتاب «عروش سطيف»، هو شغفي الكبير منذ سنوات طويلة، بمعرفة حقيقة تاريخ أجدادنا ومنطقة سطيف، لكنني وللأسف لم أجد المادة العلمية الكافية لإشباع ذلك الشغف، ما جعلني أشرع في عملية البحث الميداني لمدة زمنية بلغت 17 سنة، وتمكنت طيلة تلك الفترة من جمع الكثير من المعلومات القيمة، خاصة قصاصات الجرائد أو المخطوطات التاريخية القديمة.
وبعد جمع تلك المادة العلمية الثمينة، رأيت أنه من واجبي عدم الاحتفاظ بها لنفسي فقط، وإنما إتاحتها لجميع الناس، ولا يكون ذلك إلا عن طريق نشر كتاب «عروش سطيف».
وبالنظر إلى تكويني الأكاديمي فقد اعتمدت على منهج علمي مضبوط في تأليف هذا الكتاب، والذي لقي استجابة أكثر من رائعة من قبل القراء.
هل يمكن القول إن نجاح صفحة «أنساب سطيف» على موقع الفايسبوك، التي تشرف عليها وتحصي مئات الآلاف من المعجبين، هو دافعك إلى تأليف كتاب «عروش سطيف» ؟
- استحدثت صفحة «أنساب سطيف» قبل أربع سنوات، والهدف من تأسيسها كان تقديم الكثير من المعلومات التاريخية المجمعة في رحلة البحث الميداني، حيث قدمت فيها العديد من المخطوطات والوثائق الخاصة بالتاريخ المحلي لمنطقة سطيف.
ومع مرور الوقت نالت الصفحة ثقة وتفاعل المئات من المواطنين، الذين ساعدونا في تقديم ما يسمى «الأرشيف العائلي الخاص».
وقبل سنتين طرحت في الصفحة فكرة تأليف كتاب خاص حول عروش منطقة سطيف، وهو الأمر الذي أسعد الكثير من المتفاعلين مع الصفحة، بدليل مطالبتهم المستمرة في الأشهر الماضية بضرورة الإسراع في إصدار الكتاب ونشره، حتى يتسنى للجميع مطالعة جزء من الحقائق التاريخية التي تخص منطقة سطيف.
وأصارحك القول إن صفحة «أنساب سطيف» ساعدتنا كثيرا في الترويج لكتاب «عروش سطيف» قبل ولادته، بدليل الإقبال الكبير على مطالعته، خاصة وأنه يستهدف الجمهور العام وليس النخبة الأكاديمية فقط.
ما هي الأصداء الأولية منذ صدور الكتاب؟
- الإجابة عن السؤال تظهرها الأرقام المحققة لغاية الآن، حيث نفذت جميع نسخ الطبعة الأولى الصادرة من قبل «دار البدر الساطع» للطباعة والنشر الواقع مقرها بمدينة العلمة، والبالغ عددها الإجمالي 500 نسخة في ظرف 48 ساعة فقط، ما استدعى الشروع في إعداد نسخ الطبعة الثانية البالغ عددها ألف نسخة، وهذه المرة تكفلت بالعملية «دار نسمة للنشر والطباعة» الواقع مقرها بمدينة قسنطينة.
وتهافت القراء على اقتناء نسخة من «عروش سطيف»، يؤكد بما لا يدع للشك أن مقروئية الكتاب الورقي لا تزال بأعداد غفيرة، رغم سطوة الكتاب الإلكتروني على المشهد الثقافي العام في السنوات الماضية.
ومثلما قلت في السابق فإن الكتاب موجه أساسا للجمهور العام، حيث بإمكان البروفيسور والطبيب والخضار والجزار مطالعته والاستفادة من معلوماته، ولقد وجدت ترحابا كبيرا من قبل أصحاب المكتبات، الذين سارعوا إلى التقدم بطلب الحصول على العدد الكافي من النسخ، ونحن نعمل حاليا على توفير الكتاب بجميع البلديات وليس فقط في مكتبات مدينة سطيف.والأمر الذي أسعدني كثيرا هو تقدم عجوز تبلغ من العمر 80 سنة، وتقطن ببلدية بئر العرش، تطلب نسخة من الكتاب لمطالعته، والحمد الله الذي وفقنا في إيصاله لها، كما أن هناك فتاة لا تتجاوز 16 سنة قطعت مسافات طويلة من أجل الحصول على نسختها، ما يدل أن المقروئية لا تزال حية في الجزائر، عكس الأحكام السابقة التي لا تستند لأي أدلة أو إثباتات علمية.
كما أنه تصلنا عبر بريد صفحة «أنساب سطيف» الكثير من الطلبيات لاقتناء الكتاب، ونحن بصدد توصيل النسخ لكل من يطلبها.
كيف نقدم  محتويات كتاب «عروش سطيف» للقارئ الذي لم يتمكن بعد من الإطلاع عليه؟
- الكتاب يتألف من 325 صفحة، ويندرج ضمن مجال القبائل والأنساب أو ما يسمى حاليا بالحالة المدنية، ويمكن تصنيفه أيضا ضمن الكتب «التاريخية الاجتماعية» التي تخص منطقة ما.
الكتاب يضم في المجمل عشرة فصول، حاولت من خلالها ذكر جميع العروش والألقاب العائلية الخاصة بمنطقة سطيف، وحاولت استذكار أهم ما كان يميزها في الفترة الاستعمارية، حيث وعلى سبيل المثال قدمت في الفصل الأول لمحة عن تاريخ مدينة سطيف وأهم مساجدها ومقابرها وحتى جرائدها في الفترة الاستعمارية، قبل أن أتطرق في الفصل الثاني لتاريخ الألقاب بالمنطقة، وذلك من خلال تتبع قانون الحالة المدنية وأبرز الأسماء الخاصة بالرجال والنساء المنتشرة في القرون السابقة.
أما بقية الفصول فقد تناولت فيها بالتفصيل ألقاب كل عرش، مثل: عروش عامر وعروش ريغة وعروش أولاد عبد النور وبقية العروش المتواجدة بمختلف المناطق من الولاية.
متى انطلقت السلطات الفرنسية في تلقيب العروش بالجزائر بصفة عامة وبسطيف بصورة خاصة؟
- الإرهاصات الأولى لبداية العمل بنظام التلقيب في الجزائر، كان مع قانون «sénatus Consulte» المسن في سنة 1863، والذي كان يهدف أساسا إلى إعادة توزيع أراضي العروش، ثم تقسيم العرش الواحد إلى دواوير ومداشر.
وبعد عشر سنوات من ذلك جاء القانون المسمى «warnier» في عام 1873، والذي ألزم آنذاك كل ملاك الأراضي بامتلاك لقب عائلي، وأخيرا جاء القانون المسمى «الأحوال النسبية» في عام 1882، الذي اشترط على كل جزائري امتلاك لقب عائلي، وإلا فإنه يعرض نفسه لغرامة مالية.
وعن بداية العمل بنظام التلقيب بولاية سطيف، فقد أكدت العديد من المصادر التاريخية أن العملية بدأت في التنفيذ الرسمي بداية من سنة 1886، وبالضبط في منطقة عين عباسة، التي عرفت بمفردها استحداث أكثر من ألف لقب، ثم تلتها باقي البلديات لغاية انتهاء العملية بمنطقة سطيف في سنة 1892.
ما هي المعايير التي اعتمدتها السلطات الاستعمارية في منح الألقاب؟
- السلطات الفرنسية اعتمدت على معايير محددة في اختيار ومنح الألقاب، بداية بلقب الشهرة القديم الذي عرفت به العائلة، ثم اسم أقدم جد بالنسبة لعائلة ما، فمثلا إذا كان اسم الجد الأول شريف فإن عائلته تحمل لقب شريفي، ومن كان اسم جده مختار يكون اللقب مختاري، وهكذا دواليك، لكن السلطات الاستعمارية وضعت شرطا رئيسيا في اختيار الألقاب، لا يحق بموجبه لعائلتين حمل نفس اللقب من نفس الدوار، وهنا لجأت إلى معيار تحديد اللقب حسب مهنة كبير العائلة، مثل: حداد، نجار، خضار.
كما اعتمد ضباط الحالة المدنية الفرنسيين برفقة «القياد»، على اختيار اللقب على حسب الصفة أو العيب في جسد الجد الأول، مثل: لطرش وعقون، أو معيار العلامة الجسمانية المميزة أو البارزة في الجد، وأعطيك مثالا على ألقاب: طويل، قصير، بووذن، بوالعينين، بورقبة، بوركبة.ومن النتائج التي توصلت إليها أيضا في عملية الأبحاث، هي أن السلطات الفرنسية اعتمدت في الكثير من الأحيان على معايير عشوائية في اختيار الألقاب، يحددها بصورة مباشرة ضباط الحالة المدنية، وذلك لعدة أسباب أهمها: التعب أو للإسراع في تعميم نظام التلقيب.
لكن الكثير من المصادر قالت إن العديد من العائلات استحدثت لنفسها ألقابا دون أي تدخل من قبل السلطات الفرنسية؟
- نعم، صحيح ذلك. وتلك العائلات كان أفرادها سواء من صفوة أهل العلم أو ملاك مساحات شاسعة من الأراضي، وأعطيك مثالا عن عائلة بن باديس في قسنطينة، حيث ولكون معظم أفرادها من أهل العلم فإنهم اختاروا بأنفسهم اللقب الخاص بهم.
كم عدد الألقاب الإجمالية التي حملها كتاب «عروش سطيف»؟
- الرقم الإجمالي يتجاوز 9 آلاف لقب.
ما هي الدوافع التي جعلت فرنسا تعتمد على نظام التلقيب، دون الاعتماد مثلا على نظام الاسم الثلاثي أو الاسم الذي يظهر الانتساب نحو العرش؟
- قبل الإجابة عن السؤال وجب التذكير فقط أني لست متخصصا في التاريخ، وهدفي من إعداد الكتاب هو ذكر النسب الحقيقي لكل عرش والعائلات المتفرعة عنه بمنطقة سطيف، وذلك من خلال تتبع تاريخ العرش وأبرز أعيانه والألقاب العائلية التي تفرعت عنه.
وعن السؤال فإن قراءتي ونتيجتي الخاصة من أبحاثي ومطالعتي للعديد من المخطوطات التاريخية الموجودة بعدد من مراكز الأرشيف الموجودة بعدد من الدول، هي أن السلطات الفرنسية عكس ما تروجه نخبتها بكون نظام التلقيب لتحضر شعوب مستعمراتها، فإن الهدف الحقيقي من اعتماده هو التفريق بين أبناء العرش الواحد، وذلك خوفا من استمرار نشوب المقاومات الشعبية في جميع مناطق الوطن.
كم من بلد زرته للحصول على المادة العلمية لإعداد الكتاب؟
- البداية كانت طبعا بزيارة جميع قرى ومداشر ولاية سطيف، وحتى المناطق الحدودية التابعة إداريا للولايات المجاورة، ثم زرت بعدها العديد من البلدان الأجنبية بعدد من القارات، بهدف التعمق أكثر في علم الأنساب، بالإضافة إلى الحصول على مخطوطات قيمة من مراكز الأرشيف تخص منطقة سطيف.
ومجموع البلدان التي زرتها عشرين دولة، من بينها: فرنسا وتركيا والسويد واليابان وماليزيا.
هل ترى أن علم الأنساب سيظل قائما مع الهوية الإلكترونية؟
- لي صديق ماليزي اسمه «حبيب الله»، سألته يوما ما: كيف تستطيع سلطات بلدك تمييزك عن بقية المواطنين الماليزيين الذين يحملون نفس اسمك؟، فكانت إجابته أن كل مواطن ماليزي هويته الحقيقية تجدها في الرقم الخاص به بنظام «الأي.دي» وليس في اسمه.
نظام «الأي.دي» الذي تجد رقمك الخاص في بطاقة التعريف البيومترية، يحتوي على جميع المعلومات الدقيقة المخزنة إلكترونيا، حيث وعلى سبيل المثال فإن ضابط الحالة المدنية عند إشرافه مستقبلا على توثيق عقد الزواج، فإنه لن يكون بحاجة إلى معرفة اسم الزوج أو الزوجة، وكل ما يحتاجه في النهاية هو رقم «الأي.دي» فقط. والهدف الذي أطمح لبلوغه من إعدادي لكتاب «عروش سطيف»، هو المساهمة في تعريف كل واحد من أبناء المنطقة عن عرشه.

 

الرجوع إلى الأعلى