حلقــة ضائعــة ترهـن تطـوّر السينمـا الجزائريــة

يؤكد مشتغلون في حقل السينما والتلفزيون ندرة تقنيي  المهن المتخصصة في الديكور و الإكسسوارات والمؤثرات الخاصة والبصرية، ما يدفع المخرجين  والمنتجين إلى الاستنجاد بالأجانب أو الجزائريين العصاميين والموهوبين،  الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على نوعية الإنتاج  بالنظر لأهمية هذه المهن في الصناعة السينمائية الحديثة، لما تمنحه من مساحات واسعة للإبداع، تتجاوز حدود التصوير الحي والنمط التقليدي، وما لها من مزايا في تقليص الكلفة بالاعتماد على الديكور الافتراضي واستعمال التقنيات ثلاثية الأبعاد في معالجة الصورة.

  ويقول المختصون الذين تحدثت إليهم النصر أن التكوين بات حتميّة إذا ما أردنا تطوير القطاع، وتجنب المحاذير التي قد تقع عند الاستنجاد بالتقنيين الأجانب القادمين من خلفية ثقافية مختلفة قد تجعلهم يوظفون منظورهم الخاص الذي يصل إلى حد التلاعب بالصوّر.

أعد الملف: عثمان بوعبدالله

* المخرج و المنتج جعفر قاسم
ضعف التكوين والإمكانيات في الحرف السينمائية أثر على نوعية الأعمال
يعتبر المنتج والمخرج جعفر قاسم، نقص الإمكانيات المادية وانعدام التكوين المتخصص في الجزائر، من العوامل التي أثرت بشكل كبير على أداء التقنيين في مهن السمعي البصري، رغم توفر عاملي الموهبة والإبداع، لكنهما يبقيان غير كافيين، حسبه، لتقديم أعمال تلفزيونية وسينمائية عالمية في مستوى تطلعات المشاهد.

ـ النصر: كيف تقيمون واقع  المهن السينمائية و مدى اعتماد المؤثرات في الإنتاج المحلي قياسا بما هو متاح عالميا؟
ـ جعفر قاسم: التطورات التي تشهدها السينما والتلفزيون في العالم جعلت من المؤثرات الصوتية والمرئية حتمية، يفرضها المطلب الإبداعي والفني، حتى في المسلسلات التلفزيونية الدرامية و الفكاهية، كما أنها وفرت للمنتجين متنفسا لخفض التكاليف، لما لها من مزايا في تقليص الجهد والتجنيد الضخم للإمكانيات المادية والبشرية، ففي مجال الديكور مثلا، نجد إمكانية تصوير مشاهد بالتقنيات ثلاثية الأبعاد، والاعتماد على ديكور افتراضي تفاعلي أقرب من الديكور الحقيقي، رغم أن هذا الأخير يمنح رؤية واقعية أكثر، لكنه مكلف كثيرا في بعض الإنتاجات، لذلك عادة ما نلجأ إلى وضع هذه الديكورات بالاعتماد على المؤثرات الخاصة والبصرية التي لها خصوصيتها إذ أضحت مهنة ولها مدارس متخصصة بغض النظر عن التقنيات التقليدية و المكياج السينمائي، الذي يقرب المشاهد من الفكرة ويجعله يعيش وقائع الفيلم أو المسلسل ويتفاعل مع أدق التفاصيل وكأنها حقيقة، كما أن كل هذه التقنيات تعتبر كلا متكاملا يتطلب الترابط والتنسيق، وهي شرط لنجاح أي عمل، الأمر الذي  نفتقده كثيرا، ما عدا بعض الاستثناءات .
ـ ما هي الأسباب التي قلصت توظيف المؤثرات في أغلب الأعمال الجزائرية؟
ـ   يتعلق الأمر بنقص إن لم نقل انعدام مدارس التكوين، عكس ما كان موجودا في أوج ازدهار السينما الجزائرية، فالاهتمام كان حينها كبيرا فيما يخص التكوين والمهن السينمائية و التلفزيونية، وكان القطاع يزخر بأفضل التقنيين من مدراء تصوير ومهندسين في الصوت ومهندسي الديكور، لكن الحرف السينمائية تعاني اليوم من ضعف التكوين و الإمكانيات، ما انعكس بالسلب على نوعية الإنتاج من حيث الشكل والرؤية، ومن حيث المضمون والتقنيات، لذلك نجد الصورة ضعيفة والمؤثرات تكاد تكون منعدمة في بعض الأعمال، لهذا نستنجد في بعض الأفلام والمسلسلات بالأجانب للتكفل بالجوانب التقنية والمؤثرات الخاصة بتكلفة باهظة للخروج بعمل في المستوى المطلوب، وهذا لا يعني غياب المبدعين في الجزائر، بل بالعكس هناك تقنيون يجتهدون لكنهم بحاجة إلى الإمكانيات المادية والتكوين المستمر لمسايرة التغيرات والتطور الحاصل في عالم السينما والأعمال التلفزيونية.
ـ لماذا يعتمد أغلب المنتجين على العصاميين من تقنيين في الديكور و الإكسسوار والمكياج السينمائي ؟
ـ التوجه نحو العصاميين من الشباب، لا يكفي لصناعة الفن والسينما وإن توفرت الموهبة، فالصناعة السينماتوغرافية مهنة مهمة في الإنتاج، و حتى وإن توفر عامل الموهبة والإبداع، يبقى التقني بحاجة أيضا إلى المعدات الحديثة والمواد، التي تسمح له  بتجسيد ما يطلب منه بأريحية و إتقان، كما أن الموهبة إذا لم تصقل بالتكوين المتخصص والاحتكاك الدائم مع التقنيين المحترفين، تبقى محدودة، ويمكن استغلالها في ومضات إشهارية أو أفلام قصيرة حسب الإمكانيات المتوفرة، لكن عندما نخطط لإنتاج  سينمائي عالمي، أو أي عمل ضخم، فإن النقص سيكون ظاهرا للعيان.
ـ هل نحن قادرون حاليا على تقديم عمل تاريخي بمستوى عالمي بما نملكه من مؤهلات، أم أن الخبرة الأجنبية ضرورية لإنتاج عمل ناجح ينافس في المهرجانات العالمية؟
ـ التوجه للأجانب هو خيار حتمي في بعض الأعمال، لأجل الضرورة الفنية والإبداعية، ناهيك أن هنالك فترات يكثر فيها الإنتاج ويقل خلالها التقنيون لارتباطاتهم المهنية بأعمال أخرى لذلك نطلب الأجانب، طبعا هي ليست قاعدة ثابتة، حيث أننا نميل إلى إعطاء الأولوية للتقنيين الجزائريين ونضع ثقتنا التامة في كفاءتهم، كما في سلسلة عاشور العاشر، التي أشرف فيها جزائريون على جميع المؤثرات، وهم  فريق عمل مكون من 12 تقنيا، لكل منهم تخصص  مختلف لأن مجال المؤثرات متفرع، فتجد من يكلف بتأثيث المشهد و يكلف آخر بترتيب الأدوار بين الممثلين حسب المشاهد، بالإضافة إلى المكلفين بالمؤثرات الخاصة والبصرية والمكياج واللباس وغيرها، و هنا أشير إلى الاجتهاد وحب العمل، فهناك من الموهوبين من قاموا بجهد شخصي لتطوير مهاراتهم و تحيين معارفهم وفقا للتطورات الحديثة، من خلال التكوين المتواصل عن بعد والاحتكاك بالتقنيين الأجانب، ما ساعدهم على اكتساب الخبرة.
 لا ننسى أيضا، بأن المنتج أو المخرج يضع نصب عينيه هدف النجاح دائما، لذلك يحق له أن يعمل بالأسباب، ومن أهمها انتقاء واختيار أفضل فريق عمل، شخصيا لا ألجأ في معظم أعمالي إلى الأجانب إذا كان من الممكن تجسيد العمل بالاعتماد على التقنيين الجزائريين، إلا في حالة الضرورة التي يتطلبها العمل السينمائي أو التلفزيوني.
وحتى في حال الاستنجاد بخبراء أجانب، نشترط أن يضم فريقهم تقنيين من الجزائر، ففي مسلسل عاشور العاشر وفيلم هيليوبوليس مثلا، اعتمدنا في مجال المؤثرات على فريق عمل مشترك يضم كفاءات من الخارج ومن الجزائر، وهذا لا ينقص من قيمة المحليين، لكن نقص الإمكانيات المادية والبشرية دفعنا إلى الاستنجاد بالخبرة الأجنبية، لأنها متطورة وعملية مقارنة بما هو موجود عندنا.

ـ  لماذا لا يعتمد المنتجون الجزائريون على الخبرة الأجنبية لتكوين التقنيين المحليين؟
ـ شخصيا أحرص دائما على الجمع بين الخبراء الأجانب و التقنيين الجزائريين في أي تخصص أطلبه لعمل ما، في عاشور العاشر وحتى هيليبوليس كان مدير التصوير «أوغلو بيتو» إيطاليا، وقد اشترطت عليه تكوين التقنيين الجزائريين في مجال الصورة و المؤثرات، ومنهم من أصبح على دراية تامة بالتقنيات الخاصة بإدارة التصوير والإضاءة، وأريد الإشارة هنا، إلى أن المؤثرات البصرية وحدها لا تكفي دون أن ترافقها الصورة والإضاءة     لأننا مجبرون على تطبيق شروط عمل تنجز أثناء التصوير قبل إخضاعها للمؤثرات، ففي حالة استحالة تصوير مشهد سقوط ممثل من أعلى الجبل، نستعين بالخلفية في عملية التصوير ونعالج المشهد في ما بعد بالتقنيات الحديثة ثلاثية الأبعاد والخدع البصرية، لنمنحه الواقعية، وكذلك الحال عندما نستعمل الديكور الافتراضي وكأنه واقعي أو تصوير حي، فهنا لا بد من التركيز على تقنيات التصوير والاعتماد على تقني محترف يمتلك خبرة في الميدان، لأن كل ما يتعلق بالمؤثرات الخاصة والخدع البصرية له علاقة بالتصوير   كما أن عمل التقنيين يحتاج إلى الترابط والتنسيق.
ـ ما الذي أضافته المؤثرات الخاصة والألبسة والديكورات إلى سلسلة عاشور العاشر،  بغض النظر عن السيناريو و نجومية الممثلين؟
ـ المؤثرات تضفي جودة في نوعية الصورة، وتعطيها بعدا عالميا فعندما يشاهدها المتفرج الجزائري، يستطيع أن يشبهها أو يقارنها بما يعرض من أعمال عالمية، على غرار الأفلام والمسلسلات التركية والفرنسية والأمريكية، حتى في الجزائر، نوفر إنتاجا محترما يمكن أن ندخل به دائرة المنافسة في المهرجانات، ونشاهده من دون مشاكل تقنية.
في مسلسل عاشور العاشر مثلا، أنجزنا كل ما هو ديكور هندي بالتقنيات ثلاثية الأبعاد، حتى مشاهد الحشود والمصارعة تشعرك وكأنك في الهند، وكل هذا كان بفضل العمل على المؤثرات و الخدع البصرية التي تجذب المشاهد وتجعله يعيش المشهد ويقتنع به، الخدع أيضا لها شروط حتى في التصوير، أهمها اختزال مدة المشهد في ثانيتين أو ثلاث فقط، لأن المشاهد الطويلة تبرز العيوب وتقتل جانب الإثارة وتقنيات الحركة.
وإضافة إلى ذلك، فإننا عادة ما نعتمد على المؤثرات الخاصة والتقنيات الحديثة، لأجل تقليص التكلفة، خاصة ما تعلق بتقنيات الديكور، لأننا لا نملك استوديوهات ضخمة تسمح لنا بتجسيد الأفكار، ناهيك عن صعوبة البحث عن الديكور الحقيقي النادر في حالة الأفلام والمسلسلات الدرامية أو التاريخية التي تعود إلى الحقب القديمة، رغم أهميتها في إضفاء الحقيقة والواقعية على العمل، لذلك نلجأ إلى المؤثرات البصرية والديكور الافتراضي.
ـ  ما الحل لتطوير هذه المهن في نظرك ؟
ـ المنتج وحده غير قادر على ضمان تكوين التقنيين، فهو يهتم بجوانب متعددة و يطمح لنجاح العمل، ونحن في الجزائر لم نحظ كخواص بفرصة إنشاء معاهد للتكوين، أو الاستعانة بمكونين من الخارج ضمن إطار قانوني محدد، كي نستفيد بعدها من مخرجات التكوين، ونتمكن من الاعتماد على خريجي هذه المعاهد في الإنتاج الجزائري ولم لا توظيفهم في التكوين على المدى البعيد والمتوسط بدل البحث عن بدائل من الخارج يفرضها واقع القطاع.
لا يخفى على المشتغلين في السينما والأعمال التلفزيونية، بأن تونس، أصبحت وجهة التقنيين الراغبين في التكوين في مجال الصوت والصورة والإثارة والمكياج، وذلك  لغياب شرط التأشيرة وانخفاض التكلفة، و ربما هذا ما دفع ببعض المنتجين إلى اختيار نفس الوجهة لأجل التصوير، لذلك إن أردنا أن نحقق مكاسب مادية ونطور المجال التقني، أرى أنه أصبح من الواجب علينا الاستثمار في التكوين، لنجني ثماره في غضون ثلاث إلى أربع سنوات مع الاعتماد على فريق عمل جزائري مكتمل من تقنيين ومخرجين  فأنا ضد أن نستنجد بمخرج أمريكي أو فرنسي لإنجاز فيلم ثوري حتى إذا كان المخرج مقتدرا، فهذا يختلف عن الجانب التقني، لأن الإخراج يحتاج إلى رؤية جزائرية ومخرج على دراية تامة بأبسط الجزئيات المتعلقة بالعقلية الجزائرية، لأن التاريخ مقدس وأي تلاعب في الصورة، أو إهمال للجزئيات المهمة سيخل بالمحتوى كما أن الأجنبي ليس بمقدوره أن يقدم للمشاهد روح الشخصية الثورية، حتى ولو نجح في الجوانب التقنية .

* فاطمة وزان أستاذة فنون العرض والسمعي البصري
لدينا تقنيون عصاميون لكن نقص الإنتاج يقبر الإبداع
ترى الأستاذة بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، المنتجة والمخرجة فاطمة وزان، بأن الجزائر تتوفر على تقننين في المهن السينمائية، بطاقات إبداعية وشغف تحركه الموهبة والعصامية، في ظل نقص التكوين، و انعدامه التام في بعض التخصصات، على غرار المكياج والمؤثرات الخاصة والبصرية والديكور، مشيرة إلى أنها تابعت في مختلف المهرجانات، أعمالا يقدمها شباب موهوبون بإمكانيات بسيطة، يمكن أن تستغل في ترقية القطاع بمضاعفة الإنتاج، معربة عن أسفها للتراجع المسجل في الأعمال التلفزيونية والسينمائية ، الأمر الذي يقبر الإبداع حسبها.

و أضافت المتحدثة، بأن أغلب المنتجين، لم يعد بمقدورهم التفكير في إنتاج أفلام ضخمة، بل أصبح التركيز منصبا على الرؤية التقليدية، بالاعتماد على نوعية الأعمال التي لا تحتاج إلى المؤثرات الخاصة والبصرية، فضلا عن الاعتماد على الديكور العادي ما يقلل من جودة العمل، مستدلة بانجاز فيلم واحد في العام في حين أن دولا أخرى تولي أهمية كبرى لقطاع السينما، على غرار سوريا التي أنجزت ما يقارب 100 فيلم ومسلسل من إنتاج عمومي و خاص، رغم الأزمة التي تمر بها.
و في ما يتعلق بالمكياج، أشارت  إلى انعدام التكوين في هذا التخصص، ما يحتم على المنتجين التوجه نحو الشباب العصاميين مع ضرورة الانتقاء الجيد، مشيرة إلى وجود تقنيين مبدعين، وفي نفس الوقت هناك دخلاء يخلطون بين المكياج السينمائي والمكياج العادي واليومي كما قالت، دون أخذ الجوانب التقنية الأخرى بعين الاعتبار، مثل الإضاءة ومدة التصوير، وجودة المواد المستعملة في التجميل والخدع والمؤثرات لأنها باهظة الثمن، لذلك يلجأ أغلب المنتجين والتقنيين إلى مواد منخفضة التكلفة، ما يؤثر على نوعية العمل ويجعل ما يقدم بعيدا عن تجسيد الشخصيات، ويخل بمتطلبات المشاهد التي تحتاج إلى إبداع.
وأوضحت فاطمة وزان أن هذه النقائص تؤثر على الجودة، كما أن «نقص الإنتاج يقتل الإبداع»، مضيفة، بأن القطاع عاد سنوات إلى الوراء مع الركود الحاصل في السينما والأعمال التلفزيونية والنقص الكبير في المهن السينمائية، وهذا لن يعالج كما قالت   إلا بالاعتماد على وفرة الإنتاج لنتعلم من أخطائنا، بما في ذلك التخصصات المتوفرة بمعاهد التكوين، مثل المصورين ومهندسي الصوت و الإضاءة، الذين يبقون بحاجة إلى تطوير مكتسباتهم النظرية والتعليمية بالتجربة والعمل المتواصل، إذ ترى، أنه يمكن التغاضي عن بعض العيوب في المكياج لكن في الصوت والصورة يتحول الأمر إلى إشكال. وقالت، أن الحكم على الأعمال التلفزيونية سابق لأوانه، ما دام أن الإنتاج جد محدود، ولا يوجه لمن يستحقونه، إذ أصبح بيد الدخلاء على الميدان السينمائي من تجار وأشخاص نافذين، كما أن التمويل الخاص و «السبونسور» أصبح حلقة مغلقة لعدد من المنتجين المحسوبين على أصابع اليد، داعية إلى ضبط قوانين تشجع فيها الدولة المستثمرين على المساهمة في إحياء الثقافة والسينما، مثلما يحدث في كرة القدم، فلما لا يستفيد القطاع من الدعم في وجود شباب مبدعين، وهو أمر وقفت عليه خلال مشاركاتها كعضو تحكيم في عدد من المهرجانات، التي سمحت لها بمتابعة حوالي 200 فيلم قصير، تحصل أصحابها على جوائز وطنية ودولية من دون دعم.

* عبد الحق كحالي/ مختص في الديكور والإكسسوار
التعامل التجاري لمنتجين «دخلاء» سبب تدهور مهنتنا
يقول عبد الحق كحالي تقني الديكور و الإكسسوار في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، أن أغلب المتخصصين في هذا المجال عصاميون، قادتهم الموهبة والشغف بهذا الفن الإبداعي إلى امتهان الحرفة، رغم الصعوبات التي يجابهونها، ونقص الإنتاج ما يجعل نشاطهم يكاد ينحصر في الإنتاج الرمضاني والومضات الإشهارية و الأفلام القصيرة.

 وأعرب كحالي، عن تأسفه من الوضع السائد، بعد عشر سنوات من التجربة، إذ أصبح القطاع يعج حسبه، بالدخلاء محدودي التجربة، الذين يتولون إدارة الديكور، في وقت ليس بمقدورهم إنجاز مخطط لتأثيث العرض أو المشاهد، مرجعا ذلك إلى المنتجين الذين يفضلون تقليص كلفة الديكور على حساب الجانب الإبداعي، مضيفا بأن أغلب المقترحات حول ميزانية الديكور و الإكسسوار ترفض و تعوض بمبالغ ضئيلة وصفها ب «الفتات»، ما يؤثر على جودة ونوعية العمل، لذا تكون الأعمال رديئة، وعادة ما يتحمل التقنيون المسؤولية، في حين يتم تغييبهم عن المشهد الإعلامي في حال نجاح الفيلم أو المسلسل.
وتساءل عن سر الاستعانة بالتقنيين الأجانب بمبالغ ضخمة ورعاية تامة، في حين يدفع بعض التقنيين الجزائريين تكاليف الديكور من مالهم الخاص، دون حصولهم على مستحقاتهم بعد انتهاء العمل وهو ما يعاني منه كثيرون خاصة في تعاملهم مع المنتجين الذين وصفهم بالدخلاء على قطاع السينما والتلفزيون والذين يكرسون عقلية تجارية بحتة، إذ يتعاملون حسب وصفه، بمنطق الربح وتقليص التكاليف أكثر من الاهتمام بالجودة والنوعية.
وعن تجربته في هذا المجال قال، إن بدايته كانت عصامية مع  فرقة لمسرح الهواة بالعاصمة، وقد عمل على تطوير نفسه عن طريق التكوين المتخصص، لكنه اصطدم بالنقص المسجل في هذا الجانب، ما دفعه إلى التكوين عن بعد ومحاولة الالتحاق بالمعاهد المتخصصة في تونس، و تطعيم الموهبة بالمشاركة في البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، التي كان من أهمها الإشراف على الديكور  في حصة كوزينة عاشور مع المخرج جعفر قاسم، معتبرا أنها كانت من أهم التجارب التي سمحت له بوضع بصمته في العمل، بالإضافة إلى الفواصل الإعلانية، والأفلام القصيرة، على غرار فيلم الصفحة البيضاء للمخرج نجيب لعمراوي،  المشارك في مهرجان كان السينمائي، وفيلم (كوكوطة) الذي حاز على جائزة علي معاشي للإبداع، و كذا فيلم لأمينة شويخ، عن القصبة في العاصمة.
أما عن توظيف المؤثرات البصرية في الديكور، فأوضح، أنها قليلا ما تستعمل في الجزائر وتكون في الإعلانات بشكل مركز.

* محمد علال صحفي وناقد
التصور التقليدي قيد الأفلام الجزائرية
يعتبر الصحفي و الناقد السينمائي محمد علال،  بأن أغلب ما يقدم من المؤثرات الخاصة والبصرية في الأعمال التلفزيونية والسينمائية الجزائرية، ما يزال رهينة رؤية قاصرة، في وقت تحول فيه الإنتاج السينمائي و التلفزي إلى صناعة تتطلب استثمارات وإمكانيات ضخمة، إلى جانب تحيين وتطوير التقنيات والوسائل.

 وأضاف، بأن نقص التكوين يلعب دورا مهما، في ضعف وفشل أغلب الأفلام، إذ لا تزال المعاهد على قلتها، تعتمد على مناهج تعليمية تعود إلى سنوات السبعينيات، وفي تلك الفترة لم تظهر المؤثرات البصرية والخاصة بهذا الشكل من التطور والإثارة والإبهار، فأضحى القطاع يعاني من نقص التخصص، مع بروز استثناءات ومحاولات عادة ما تصطدم بقلة الإمكانيات، فيصبح الاستنجاد بالخبراء الأجانب في الديكور من «فرنسا» والمكياج من « تونس و إيران« حتمية في الغالب، على غرار ما حدث في فيلم عبد الحميد بن باديس، كضرورة تقنية تتطلبها نوعية الإنتاج وأهدافه الترويجية والتجارية.
ويرى، أن معظم الأفلام الجزائرية فشلت في المؤثرات الخاصة حتى في حالة الأفلام الثورية، بالإضافة إلى العيوب التقنية في انتقاء الديكور وتوظيف المؤثرات البصرية، والجانب المتعلق بالمكياج السينمائي في تقريب ملامح الممثلين مع الشخصيات التاريخية والألبسة، مرجعا ذلك إلى نقص التكوين، وضعف الإمكانيات في بعض الأعمال، ما يحتم على المنتجين تقليص الفاتورة و إغفال الجوانب المتعلقة بالمؤثرات الخاصة والبصرية لأن ميزانيتها مكلفة جدا، وقد تفوق الميزانية المخصصة للفيلم أو العمل التلفزيوني. وأضاف محمد علال، بأن إشكالية الإنتاج التلفزيوني والسينمائي في الجزائر متفرعة، وترتكز على شقين هامين، أولهما انعدام رؤية واضحة للتأسيس لصناعة متكاملة في القطاع تستجيب لمتطلبات العصر، مستدلا بالتمويل العمومي للإنتاج المناسباتي الضخم، الذي عادة ما ينحصر في الأفلام التاريخية والثورية، في حين يسجل غياب في أفلام الحركة والإثارة (الأكشن) بمفهومها الشامل، رغم ظهور بعض التجارب البسيطة التي لا يمكن تصنيفها كأفلام حركة بمفهومها الهوليودي.
 كما أن قطاع السينما لم ينتج حسبه، أفلاما لاقت رواجا عالميا خلافا للعديد من الدول التي أسست لصناعة سينمائية متطورة بما في ذلك مصر، التي استلهمت بعض الأفكار من هوليوود  التي وظفت تقنيات المؤثرات بشكل متطور في السبعينات والثمانينات كما في فيلم «حرب النجوم»، وغيرها من الأفلام المنتشرة و واسعة الجماهيرية، مضيفا، بأن بلوغ مستوى هذه الأعمال، يحتاج إلى صناعة متكاملة وتقنيات عالية وخبراء، وهو جانب نغفل عنه في الجزائر، ما يتجلى في العديد من الأفلام التي اتضح أنها لم تستطع تقديم الصورة السينمائية الحديثة، عندما يتعلق الأمر بالحروب والمؤثرات والخدع البصرية، في الإنتاج العمومي، ناهيك عن أن الاستثمار الخاص جد محدود، على الرغم من أهمية المؤثرات البصرية والديكور والمكياج، باعتبارها جزءا  هاما يرفع من قيمة العمل كما قد يقلل منه، مثله مثل أداء الممثل، و السيناريو والموسيقى.
وقال إن توظيف المؤثرات يختلف حسب نوعية الفيلم و الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة، لذلك تبقى تجارب أفلام الحركة ضئيلة، وعادة ما تكون وجهة المنتجين في الجزائر، هي الأفلام و المسلسلات الكوميدية والدرامية، لأنها لا تتطلب الكثير من المؤثرات الخاصة، بالإضافة إلى الأفلام القصيرة والمستقلة لتقليص التكلفة، وهنا نفهم الجدوى منها، إذ يكون الاهتمام بتوظيفها أكثر حسب ميزانية العمل، وكلما كانت الميزانية مرتفعة يتسنى للمنتج وفريق العمل الاعتماد عليها أكثر، أما الإكسسوار والديكور فيرتبطان بالحقبة الزمنية، و لأن لكل حقبة الديكور واللباس الخاص بها، فإن تجهيزها يتطلب جهدا وبحثا، لذلك يواجه المنتج أو التقني إشكالا كونها تحتاج إلى توفير أدوات تاريخية معينة، لتأثيث المشاهد، أما الفيلم العصري الذي يتناول أحداث اليوم فلا يحتاج إلى ديكور خاص، بل يمكن الاستعانة بما هو موجود حاليا   و لتحقيق كل هذا تبقى الحاجة إلى رؤية عصرية، تعتمد على التكوين المتخصص والاستثمار الجاد للتأسيس لصناعة سينمائية وتلفزيونية، تسوق لصورة الجزائر في المهرجانات الدولية وتمكنها من المنافسة لاستقطاب مشاهدين و متابعين من مختلف الدول.

* لميس خالد
موهبة تسلّحت بالإرادة رغم نقص الإمكانيات
تصنع لميس خالد ابنة قسنطينة ذات 23 عاما، التميز بلوحاتها الإبداعية، في مجال المؤثرات السينمائية ومؤثرات الخيال، إذ تعد أصغر تقنية مكياج، استطاعت أن تحجز لها مكانا في عالم الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، بعدما كانت موهبتها لا تتعدى جدران المنزل العائلي.

تقول لميس خالد في حديثها للنصر، أن هوسها بأفلام الخيال والرعب، حرك فيها الشغف بامتهان حرفة الماكياج والمؤثرات والخدع البصرية، وهي طفلة لم تتجاوز 16 ربيعا، فبدأت رحلة مغامراتها بمحاولات تقليد مشاهد أفلام الرعب، معلقة :»جربت خدعة وضع مسمار في أصبعي بأشياء بسيطة متوفرة في المنزل أردت من خلالها جس النبض ومعرفة ردة فعل أفراد عائلتي اندهشت حينها لحالة الرعب التي تملكتهم من المشهد، في حين غمرتني سعادة لا أستطيع وصفها لنجاح أولى تجاربي، ما حفزني لتكرارها أمام الأصدقاء، فاعتقدوا أنها حقيقية، و نصحوني بالتوجه إلى المستشفى فورا، فزادت ثقتي بما أقدمه وقررت مواصلة التجارب وتنويعها والبحث عن معاهد للتكوين لصقل الموهبة».
لكن طموحها سرعان ما اصطدم بالواقع، بداية بغياب التكوين المتخصص، والندرة الحادة في المواد المستعملة في الخدع وتصميم الأقنعة في السوق الوطنية، وهو ما حرك فيها الفضول لتجريب المساحيق ومواد التجميل في خلطات من اختراعها لتجسيد المشاهد، كالعجينة المستعملة في الجروح وغيرها من الوصفات التي تمزج مكوناتها بنفسها، و مع مرور الوقت اكتسبت مهارات في تصميم الأقنعة ومشاهد التشوهات الجلدية والحروق والجروح الغائرة الملطخة بالدماء، والتشوهات الخلقية التي عادة ما توظف في أفلام الرعب والخيال العلمي.
و توالت تجاربها فقررت فتح حساب خاص على مواقع التواصل أين لاقت تشجيعا من المتابعين، لتحصل على أول فرصة عمل سنة 2017،  وهي التي فتحت شهيتها على تقديم أعمال أخرى والبحث عن أدق التفاصيل، بما في ذلك الدروس الخاصة بمكونات جسم الإنسان والبشرة والعظام والعضلات والأوردة ونوع الدم، لكي يتسنى لها تصميم مشاهد أصبحت تبدو بتكرار التجارب والتعلم وكأنها حقيقية تقترب في تفاصيلها من الشكل الواقعي، لتتوجه بعدها إلى تجربة تصميم أقنعة الوحوش وأخرى تشبه وجه الإنسان وأعضاء الجسم باستخدام مادة السيلكون، وهو ما جلب إليها الأنظار،  ففي أواخر سنة 2019، تلقت عرضا للمشاركة في فيلم سينمائي، أكسبها مهارات جديدة من خلال فهم المؤثرات وتنسيق المشاهد و أخذ الجوانب المتعلقة بالإضاءة والتصوير بعين الاعتبار  لتتوالى عليها العروض للمشاركة في أفلام قصيرة ومسلسل كوميدي.
 و بالموازاة مع صقل موهبتها وتعزيزها بالخبرة والبحث والتكوين، كانت تزاول دراستها الجامعية في تخصص الإعلام و الاتصال، غير أن شغفها بقي منصبا على امتهان حرفة المؤثرات الخاصة، ما جعلها تطرق أبواب مدرسة الفنون الجميلة، وتختار تخصص النحت لما له من مميزات وتقنيات تساعدها على تطوير موهبتها الفنية والإبداعية، خاصة ما يتعلق بتصميم المؤثرات والأقنعة، مشيرة إلى أنها تسابق الزمن وتحاول تقديم الإضافة في هذا المجال وبالأخص في أفلام الرعب والخيال العملي المغيبة عن الإنتاج السينمائي الجزائري، وفي تخصص المؤثرات والخدع الغائب عن أغلب الأعمال التلفزيونية، رغم أهميته وتأثيره المتزايد على الجمهور،  إذ يعتبر عامل جذب وإبهار للمشاهد.
ع.ب

* زهرة ميمون مختصة في المكياج واللباس
نعاني من قلة التكوين  وندرة المواد

تقول زهرة ميمون، المختصة في الماكياج السينمائي وتركيب الشخصيات، أن المهنيين يعانون من الانعدام التام للتكوين المتخصص و قلة الاهتمام بالجوانب التقنية، وتغييب التقني المحلي عن دائرة الإنتاج في الأعمال الضخمة، وعن المشهد الإعلامي عموما.

ـ النصر : أنت ممن يتحكمون في تخصصات يقل فيها التكوين كالمكياج و اللباس والمؤثرات الإبداعية،كيف كانت البدايات وأين بلغت رحلتك مع هذه المهنة؟
ـ بداياتي الأولى استلهمتها من والدتي، وأنا طفلة صغيرة، كانت تعتني بمظهرها وتتجمل فكنت أقلدها، وحاولت تطوير موهبتي مع مرور الوقت، باستغلال العطلة التي كنا نقضيها على شاطئ البحر بوهران، في تلك الفترة لم تكن وسائل الترفيه متوفرة،  لذا عادة ما كنت أبحث عن بدائل  أهمها إقامة عرض بين الهنود الحمر ورعاة البقر، اقتباسا من الأفلام الرائجة حينها، وأشرف على تجهيز العرض بأدق التفاصيل، بما في ذلك اللباس الخاص بكل فرقة والماكياج لتمييز ملامح المشاركين في العرض وتقريبها من شخصيات الأفلام، بدأت من هنا، و توجهت بعدها إلى تنشيط المخيمات الصيفية، أين كنا ننجز عروضا مسرحية خاصة بالأطفال، بالإضافة إلى إصراري على حضور عروض السيرك حينها، ومحاولة التقرب من المهرجين وكسب ثقة فريق العمل ودخول غرف الماكياج واللباس.
ـ نفهم من كلامك أن بداياتك كانت عصامية يحركها شغف الفضول فهل ترين أن الأمر كاف للتخصص في هذا المجال؟
ـ نعم كانت مجرد موهبة صقلتها فيما بعد بالتكوين، من خلال المشاركة في الورشات والدورات التدريبية، بالإضافة إلى التكوين عن بعد، ومتابعة أخر التطورات والتقنيات الحديثة عن طريق موقع الكتروني متخصص يوفر خدماته بالمجان، كما أنني درست الأدب العربي وامتهنت الصحافة، و في يوم ما نصحني رئيس التحرير، بالمشاركة في عمل تلفزيوني، لأنني كنت أصر دائما على المشاركة في دورات تكوين خاصة بالحلاقة والتجميل والماكياج والرسم وغيرها، وهذا ما استفدت منه في مسيرتي  فعندما اقترح علي المنتج الدخول إلى عالم الفن عن طريق الماكياج والتجميل، لم أجد صعوبة في التأقلم وأعجبت بهذا المجال.
بعد هذه التجربة، شاركت في فيلم سينمائي إلى جانب تقنيين وخبراء في الماكياج من فرنسا،  و وجدت بأنه عمل يحتاج إلى مهارات و إبداع، ومع مرور الوقت طورت موهبتي، وأصبحت مطلوبة في عدة أعمال، للتكفل بالماكياج وتركيب الشخصيات والملابس، أعتقد أيضا، أن موهبتي في الرسم ساعدتني كثيرا على تخيل الشخصيات وفقا للسيناريو، وتوظيفها والاشتغال على تطوير مهاراتي في تجسيد الشخصيات الحقيقية وملامسة ملامحها بأدق التفاصيل، انطلاقا بلون البشرة واللباس وقصة الشعر والجزئيات المتعلقة بشعر الحاجب وتجاعيد الوجه، بالإضافة إلى المؤثرات والخدع في المشاهد التي تتطلب تقنية عالية في وضع الأقنعة والماكياج، كالتشوهات  الخلقية والحروق والجروح الغائرة والدماء التي عادة ما تستعمل في مشاهد المعارك والأفلام الثورية، وفي البرامج التلفزيونية، فمثلا في سلسلة (راب نيوز) كنت استمع إلى أغنية وأتخيل الشخصية، مع الأخذ في الحسبان ملامحها و عمرها و وضعها الاجتماعي « فقير ، غني ، مدمن مخدرات سارق أو أستاذ»، لأمر إلى المرحلة الثانية،  برسمها على الورق، وأبحث عن الإكسسوار المناسب لها، مثلا هل نحتاج إلى نظارات أو قبعة أو عمامة، أو أي شيء يتطلبه المشهد.
عندما أتنقل إلى الأستوديو، أتوجه مباشرة إلى الملابس وطقم الشعر، وبعدها الماكياج، كذلك في باقي الأعمال أضع لكل شخصية ملفا خاصا وأشتغل عليه.
ـ هل حاولت التوجه نحو المعاهد المتخصصة؟
ـ حاولت أن أربط الاتصال بمختصين في أوروبا لكنهم لم يعيروا رسائلي اهتماما، حينها انتبهت إلى أن الخبراء في المجال بخلاء، كما أن الإشكال المطروح لحد الآن، هو غياب مثل هذه التخصصات في المعاهد والجامعات الجزائرية، ناهيك عن أن المنتجين المحليين لا يشترطون على الأجانب الذين يوظفونهم، تكوين التقنيين الجزائريين ويعتمدون علينا كمساعدين، حتى أن هؤلاء كثيرا ما يكلفوننا خلال  فترات إنجاز المؤثر، بأعمال أخرى ليبعدونا كي لا نستفيد من تجربتهم، في البداية لم أنتبه إلى الأمر، لكنني لاحقا و بحكم التجربة أصبحت أصر على البقاء بالقرب منهم .
رغم كل هذا قاومت وكافحت من أجل النجاح، وخضت العديد من التجارب، بينها  أعمال سينمائية  من « الجزائر دائما» و « البطل المجهول» و «وأحلام في الظلام» للمخرجين باديس فضلاء وعمار محسن، وفيلم «كاميليا» الذي حاز على عدد من الجوائز، أما المسلسلات فكانت تجربتي متنوعة فيها، حيث شاركت في أعمال أبرزها مسلسل «أولاد الحومة» و  «بوضو» والمسلسل الجزائري السوري «فرسان الفرقان»، إضافة إلى مسلسل « لاكازا ديال كمال»  و حصة « لغز الجريمة» .. .

ـ لماذا يلجأ المنتج إلى الخبرة الأجنبية في نظرك؟
ـ السبب هو غياب الثقة، أضف إلى ذلك محاولة تقزيم دور التقنيين المحليين، فلو تمنح لنا نفس الإمكانيات التي توفر لهم من قبل المنتجين سنبدع، إلى يومنا هذا لم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة، ففي حال إنجاز أفلام بميزانيات ضخمة تكون وجهة المنتج نحو التقني الأجنبي، خاصة الماكياج واللباس (الكوستيم)، يوفرون لهم جميع الإمكانيات بما في ذلك ظروف الراحة، في حين عادة ما يعامل التقني الجزائري بازدراء، و قد يجد نفسه محاصرا بنقص الإمكانيات، وندرة المواد المستعملة في التجميل والماكياج، ما يدفعه إلى البحث عن الحلول الترقيعية، وهذا ما يؤثر على نوعية العمل، لذلك أصبحت أنتقي المنتجين والأعمال قبل الموافقة على العرض.
ـ  يرى بعض المنتجين أن اللوم يقع أيضا على التقنيين لعدم مسايرتهم للتقنيات الحديثة، بالإضافة إلى نقص الإمكانيات ما قد يقلل من قيمة العمل، فما رأيك؟
ـ الإشكال في الجوانب المتعلقة باللباس المكياج والخدع، مرتبط بانعدام هذه التخصصات في معاهد التكوين، ونقص الورشات والدورات التدريبية، كما أن هذا المجال يحتاج إلى الاطلاع الدائم والمستمر والاجتهاد، إذ لا تكفي الموهبة و لا يمكن الاعتماد فقط على التكوين دون التجريب والاحتكاك مع الخبراء في هذا المجال. من المؤكد أن هناك دخلاء في المجال لا يفرقون بين الماكياج العادي والمحترف، عن نفسي أطلب السيناريو من المخرج قبل الشروع في أي عمل، لأفهم الفكرة المراد تجسيدها، وأدرس الشخصيات و أبدأ في تخيلها ، و رسمها على الورق بأدق التفاصيل من الحلاقة والملابس والماكياج، بما يتناسب أيضا مع الممثل والدور، فإن كانت الشخصية حقيقية وليست خيالية، أحاول أن أقترب من ملامحها بالماكياج وتسريحة الشعر، وحتى اللباس وألوانه، لأن تركيب الشخصية يتطلب الانسجام و التنسيق بين كل هذه الجوانب.
أذكر أيضا، بأن الإعلام الفني، لم يعط أهمية كبيرة لهذه التخصصات، فهي مغيبة عن المشهد، ففي حال نجاح عمل أو كليب يتم التركيز على النجوم، دون الإشارة إلى جنود الخفاء.
في أمريكا مثلا يتزايد الاهتمام بهذه المهن، وتفرد للتقنيين جوائز أوسكار منذ سنة 1982، فلماذا يغيب التكريم عندنا، هنا أغلب المنتجين يبحثون عن العائد المادي المباشر ونجاح العمل، قد نتفق معهم لو أنهم كانوا يعتمدون على محترفين، لكن من يجلبونهم في العادة أقل خبرة وكفاءة مما هو متوفر وطنيا، كما أن التعامل يختلف مع التقنيين في الخارج، يضعون فريق عمل متكامل يسيرهم مدير فني في جميع المجالات، مثلا في الأفلام لو تشاهد الومضات الترويجية وكواليس الأفلام، ستجد فريقا كاملا متكونا من حوالي 50 مختصا و مساعدا في التجميل والحلاقة و اللباس إضافة إلى تقنيين و مختصين في تصفيف الشعر والحواجب فقط  أما في حالتنا، فيكلفون تقنيا واحدا من دون مساعد، بالقيام بكل المؤثرات، أضف إلى ذلك مشكل ندرة المواد المستعملة في الماكياج السينمائي، ما يجبرنا على البحث عنها  وجلبها من الخارج من فرنسا وتونس، وكل هذا يقع على عاتق التقني دون أن يحظى بالاهتمام الكافي واللائق.
ـ البارز حسب النقاد والمختصين أن جانب المؤثرات يعاني من تأخر وعوائق، عادة ما تنعكس بالسلب على النوعية والجودة، فما الذي ترينه مناسبا لتدارك الوضع؟
ـ نحتاج إلى معاهد تكوين تتوفر على جميع التخصصات، والانفتاح أكثر على هذه المهن بمعاهد الفنون الجميلة، من خلال فتح فروع في كل تخصص، ولا أفهم إلي يومنا سبب غياب هذه التخصصات في المعهد العالي لمهن فنون العرض السمعي البصري.
أشير أيضا،  إلى أنه من المحير أن يمتهن البعض هذه الحرفة، من دون ثقافة أو تعلم فهي تحتاج إلى بحوث، خصوصا في الأفلام التاريخية، لذلك يتوجب على التقني أن يكون مطلعا على الأحداث والبيئة وملما بالتفاصيل و قارئا جيدا للسيناريو، فقد واجهت قبلا  منتجين و مخرجين تتملكهم الحيرة عندما أطلب منهم نسخة من السيناريو قبل الشروع في العمل، إذ يبدو أن البعض منهم تعودوا على ترتيب المشهد خلال التصوير، وهذا ترقيع يبتعد عن أساسيات المهنة، لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى الاهتمام بهذه المهن والاستثمار في تطويرها قبل فوات الأوان .                                    ع.ب

الرجوع إلى الأعلى