الجزائر هي محبرتي والغربة لم تغيّرني

نشطت مساء أمس، الروائية الجزائرية المغتربة، فضيلة الفاروق، ندوة أدبية بالمكتبة العمومية للمطالعة بقسنطينة  أين التقت بقرائها و وقعت بعضا من أعمالها، وقالت خلال اللقاء الذي حضره مثقفون وإعلاميون، بأنها لم تقطع الحبل السري مع رحم الوطن يوما، و لا تزال الجزائر هي محبرتها التي تكتب بها، و أن الذاكرة بكل تراكماتها هي الأرض التي تزرع فيها بذور الكتابة، لذلك لا تدين بنجاحها أو بما حققته للأمكنة، بل ترى بأنها كانت ستصنع لنفسها اسما حتى وإن بقيت في الجزائر.

صاحبة تاء الخجل، لم تنكر أنها لا تزال تلك الجزائرية التي تحتد عند أول موقف من دون أن تشعر ومن دون أن تسيطر على انفعالها، فتجدها تلجأ في كل مرة إلى الدارجة كلغة للتعبير كأنها تعود إلى حضن الأم لتشعر بالأمان، فهي رغم الغياب الطويل عن الوطن لم تتغير كما أكدت، بل لا تزال مقيدة بالكثير من العادات التي نقلتها معها في حقيبة السفر، ولعلها ملاحظة سجلتها على نفسها خلال فترة الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة كما قالت، مشيرة إلى أن هذا الارتباط لا يتوقف عند الجانب الشخصي، بل يمتد إلى فعل الكتابة لدرجة أن الفترة الطويلة التي غابت فيها عن الجزائر ولم تكتب عنها خلالها، جعلتها تصاب بالعقم والبكم و تتعب نفسيا على حد تعبيرها، لأن الكتابة الإعلامية بقوالبها المحددة ليست الفضاء الذي تبدع فيه، كونها ككاتبة بحاجة دوما إلى العودة للذاكرة و ما تختزنه من روائح و صور و أسماء و أمكنة لكي تعبر.
الظروف متاحة اليوم لتغير المرأة من واقعها
فضيلة الفاروق، عبرت خلال اللقاء، عن سعادتها بالعودة إلى الجزائر و هي تحمل في جعبتها حصاد السنوات و تقدم رواياتها للقراء بعد سنوات منى منفى الحرف والكلمة، ورغم أن أعمالها لم تكن ممنوعة كما قالت، إلا أن صعوبات الطبع والنشر و التوزيع و ما يرافق ذلك من دعاية و برمجة للقاءات الأدبية، حالت دائما دون أن ينشر لها عمل في وطنها الأم، وهو ما تحقق هذه السنة بفضل مشروع " كتاب الجيب" لدار نشر الوطن لصاحبها كمال قرور، الذي كان حاضرا أيضا خلال الأمسية، وهي فرصة تحدثت خلالها الكاتبة عن تجربتها و عادت إلى بداياتها الأولى، حيث أوضحت بأنها حين كتبت " مزاج مراهقة" كانت تبتغي الشفاء من الحنين إلى الجزائر، ولم تكن تفكر في الكتابة عن الجندر كموضوع بعينه، رغم أن هذا التوجه فرض نفسه على قلمها لاحقا، بحكم تأثرها كما ذكرت، بأدب آسيا جبار و زهور ونيسي و غادة السمان.
 وأضافت بالقول، بأنها بعد 20 سنة من "تاء الخجل"     ترى بأن وضع المرأة في الجزائر تحسن نسبيا وأن الظروف متاحة لتغير المرأة من واقعها، و يظهر ذلك حسبها، من خلال مساهمات النساء البارزة في مجال الأدب و في بعض جوانب الحياة اليومية كذلك، مع ذلك أعابت الكاتبة، على الكثيرات هوسهن بالزواج بعد الدراسة مباشرة، وقالت بأنها خطوة مهمة و حساسة و تستوجب نضجا عاطفيا و إدراكا عميقا للذات و سعيا لفهم المرأة كروح و كجسد، وهي مفاهيم يمكن الوصول إلى مقارباتها عبر سطور رواية " اكتشاف الشهوة".
 الروائية والإعلامية المقيمة بلبنان، قالت، بأنها اختارت الكتابة لكي أن تعبر عن نفسها و أن تقول الأشياء التي كانت تمنع من قولها وفقط ، و ما كنت تعتقد أنها تمضي بذلك في طريق الأدب، ثم اكتشفت لاحقا، بأن الكتابة خطيرة لأنها تخاطب العقل وأن للكتاب سلطته،  ففيه فقط يمكننا على حد تعبيرها أن نقتل و ننتقم و ننجح ونقرأ أخطاءنا أيضا، ولذلك قررت في مرحلة معينة، أن تغادر الوطن كي لا تخوض حربا ليست حربها حسب قولها، وأن تواصل نضالها من أجل المرأة على أرض أخرى انتهت الحرب فيها.
و أشارت خلال حديثها، إلى أن الكتابة عن المرأة هي انتصار لها و محاولة لتحريرها من سلطة مجتمع ذكوري يلبسها أغلال الخطأ حتى عندما تكون هي الضحية، وهو ما يحصل في حالات الاغتصاب مثلا، مضيفة، بأنها تقدم في كل كتاب جديد طبخة مختلفة مرتبطة بالمرأة و بواقعها خاصة وأن النساء لا يزلن في المؤخرة، معلقة، بأنها حين تتحدث عنهن بهذا الشكل فهي لا تقصد بالضرورة بأن الرجال أحسن حالا،  فالرجل الجزائري أيضا، لا يزال يعرج كما عبرت، وذلك لأنه لم يجد بعد من يتكئ عليه، والسبب أننا نعيش في مجتمعات متخاصمة مع نفسها.

أحن للقصة القصيرة و لكن....
الأديبة قالت، بأنها تحن جدا للقصة القصيرة، لكنها ارتمت في حضن الرواية، لأنها أرادت أن تجد لنفسها مكانا تحت سماء بيروت الثقافية، ولأن السوق فرضت هذا التوجه أيضا فالرواية فن معاصر يعرف عن نفسه، بينما تحتاج القصة إلى مجلات متخصصة لنشرها، وهو ما نفتقر إليه على حد تعبيرها، كما نفتقر للإطار الذي يعيد تقديم الشعر و يحييه  من جديد، وأضافت، بأنها كتبت في بداياتها في لبنان قصصا نشرت في الصحافة لكنها لم تحتفظ بها فضاع الكثير منها كما ضاعت أيضا قصصا كتبتها في مخيلتها و هي تغسل المواعين  أو لم تجد الوقت لتدونها بفعل ارتباطاتها المهنية كإعلامية، قائلة بأن  العمل في هذا المجال حد من قدرتها على ممارسة هواية الكتابة، لذلك تحسد الرجل على وقته كما عبرت، خاصة وأنه امتياز لا تحظى به الكثير من النساء.
كل يكتب عن هواجسه
فضيلة الفاروق، أوضحت، بأن كتابتها عن المرأة نابعة من وجعها و من ما تتقاسمه مع غيرها من النساء و حتى بعض الرجال الذين يعانون من عدم التوازن في مجتمعاتنا على حد تعبيرها، و الأمر ليس التزاما بالمعنى الأكاديمي للكلمة حسبها، بقدر ما هو نضال لأجل قضية، خاصة وأننا في الجزائر، نعاني كثيرا من إعاقة تعبيرية، فنحن نميل كما قالت، إلى تقبل ما يحيلنا إلى الكراهية، لكننا نخجل أو نعجز عن التعبير عن الحب، لذلك فإن الدفاع عن المرأة بمنظور   " النسويات أو الفيمينيست" ليس مبالغا فيه في رأيها، بل هو سعي لافتكاك الحقوق، لأن كل طرف ينظر إلى الأمور من منظوره الخاص و انطلاقا من ظروفه، لذا نجد حسبها هاجس السياسة مسيطرا على  الرواية العربية التي كتبها الرجل في آخر 30سنة، وهو بوح بعيد كليا عن بوح القلم النسوي، لأن الاهتمامات مختلفة، لذلك من الصعب أن نطلب من المرأة أن تكتب عن أمور أخرى غير ذاتها وظروفها و ما تعيشه و هي لا تزال تتحرك ضمن فضاء ضيق جدا.
الجزائر تُقلع أدبيا من جديد
تحدثت الكاتبة، خلال الندوة الأدبية التي نظمها مكتب بيت الشعر بقسنطينة، وحضرها رئيسه الشاعر الدكتور عاشور فني، عن الأدب الجزائري الحالي، وقالت، بأن ما يصلها من أعمال مهم جدا، وأن الجزائر تقلع أدبيا من جديد، وما يكتب هو محاولات للملمة الشرخ الذي أحدثته سنوات القطيعة التي عاشها الجزائريون عقب الاستعمار و خلال سنوات الأزمة الأمنية و بعدها، حيث تقدم الإصدارات الأدبية في كل مرة قراءة وافية للكثير من المتغيرات والأحداث و تساعد على فهم ما حصل، وهي مرحلة نضج و انطلاقة جديدة تستحق الافتخار كما عبرت، خاصة وأن الجزائري عانى من ثغرة إيديولوجية عميقة أفقدته البوصلة و فصلته عن الوطن و عن هويته، و المصالحة مع الواقع و مع الهوية  التي لا تكون إلا من خلال إعادة اكتشاف الذات، " حتى نعرف جيدا من نحن و لا نتبع لأحد" حسب قولها.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى