سنيماتيك النصر تُعيد الفن السابع إلى قسنطينة

أعاد فتح سنيماتيك النصر، ثقافة السينما إلى قسنطينة، بعد قطيعة دامت أكثر من 20 سنة بفعل غلق القاعات و توقف العروض، حيث ارتدت قاعة السنيماتيك، حلة جديدة و فتحت أبوابها مؤخرا عقب انتهاء عملية إعادة تهيئتها، لتحمل تسمية « متحف السينما الجزائرية»، و تباشر عرض أفلام متنوعة بالاعتماد على تقنيات رقمية حديثة، عالية الجودة، فتغازل بذلك ذكريات جيل ألف الشاشة العملاقة و أحبها، و تؤسس أيضا لثقافة سينمائية جديدة في أوساط الشباب و حتى العائلات.

 ربورتاج / أسماء بوقرن

من قاعة «فوكس» إلى متحف السنيما الجزائرية
بعد نصف شهر من افتتاح قاعة النصر، عدنا لزيارة القاعة التي غيرت جانبا من وجه قسنطينة الثقافي و أضفت حركية مميزة بعد أن عادت إليها أجواء العروض السينمائية، من خلال اعتماد برنامج يومي لأفلام تلبي مختل الأذواق، كما أضفت القاعة جمالية على مدخل شارع 19 جوان، بعد أن أزيحت الأعمدة الحديدية و مخلفات ورشة التهيئة الخاصة بها، إذ تحمل صالة العرض  اليوم تسمية جديدة هي «متحف السينما الجزائرية» وهو اسم دون على لوحة باللغات العربية و الأمازيغية و الإنجليزية، وعلى صفيحة رخامية ثبتت عند المدخل مباشرة، كتب تاريخ التدشين و اسم القاعة الجديد إلى جانب الاسم القديم  «قاعة النصر».
استغرقت أشغال تهيئة الفضاء الذي كان يسمى سابقا قاعة «فوكس» نحو 5 سنوات، و تعد هذه القاعة الأصغر في الولاية مقارنة بسينما «الأندلس» و «الأنوار» و «نوميديا» و «سيرتا» و «الرمال»، و غيرها من القاعات الأخرى التي اندثرت او لا تزال مغلقة، بالمقابل تغيرت معالم سينما النصر كثيرا، إذ زين مدخلها الرئيسي بديكور عصري و بإضاءة حديثة تتوفر على مدخلين رئيسيين مؤديين نحو صالة العرض، المكونة من طابقين و التي تضم 215 مقعدا منها نحو 90 مقعدا تم توزيعها على الشرفة العلوية،  كما تتوفر السنيماتيك، على مصلحة تقنية مزودة بمعدات خاصة للعرض، منها معدات قديمة على غرار أسطوانات العرض « بوبين» و جهاز عرض 35 ملم،  و أجهزة أخرى للعرض السنيمائي الرقمي «دي سي بي»، و تجهيزات خاصة بضمان جودة الصوت، لأجل الفعالية و السرعة الفائقة، وحسب مسيرة سينما النصر وداد لعلمي، فإن إدارة القاعة أسندت إلى سيدتين لهما خبرة في المجال، فيما تشارك في عملية التسيير ككل ثلاث نساء أخريات و يحرس المكان عون أمن واحد
«سيني كلوب» يعود من بوابة النصر

و قالت محدثتنا، أنه بعد أيام من افتتاح القاعة، تم تأسيس ناد سينمائي  بالتعاون مع جمعية نوميديا للفنون أطلق عليه نادي «سيني كلوب»، هو فضاء يهدف إلى لم شمل الأسرة الفنية  كل يوم سبت من خلال برمجة  لقاءات من سينمائيين وناشطين في المجال، لمناقشة أحدث الأعمال السينمائية، كما أوضحه رئيس جمعية نوميديا للفنون لونيس ياعو للنصر، مشيرا إلى أن القاعة سوف تحتضن عروضا أسبوعية لأفلام و ستتم مناقشتها بحضور مخرجين و ممثلين مشاركين فيها، وأضافت بدورها، مسؤولة القاعة بأن البداية مشجعة وتعد بالكثير، حيث تمت كفاتحة للنشاطات برمجة تظاهرة أيام السينما الجزائرية سيني سيرتا « السينما و الذاكرة» بمناسبة إحياء الذكرى الثامنة و الستين لاندلاع الثورة التحريرية، وهي مناسبة لاستقطاب عشاق الأفلام الثورية ، كاشفة عن استراتيجية تم تسطيرها خصيصا لدفع الحركية في المرفق، من خلال فتح ورشات خاصة بالإخراج و الكتابة السينمائية.
ولأجل استقطاب أكبر للجمهور، وتقديم منتجات السينما للجيل الجديد، أكدت السيدة وداد لعلمي، بأنها قامت رفقة فريقها بضبط خطة عمل تقوم بالأساس على برمجة عروض موجهة للأطفال، لجذب هذه الفئة التي تستوجب الاهتمام أكثر، وذلك بهدف زرع ثقافة السينما في أوساط الشباب و الصغار، لتكون متنفسا يجنبهم خطر  الوقوع في فخ الآفات الاجتماعية، إذ سيتم في هذا الإطار، برمجة عرض للأطفال كل يوم سبت، مع التفكير في تخصيص فترة خاصة بهم يوم الثلاثاء مساء، موضحة، بأن النشاط انطلق فعليا مباشرة بعد دخول القاعة حيز الاستغلال، إذ عرضت فيها أفلام كرتونية إلى جانب أخرى ثورية أيام الأربعاء و الخميس و السبت و ذلك تزامنا مع احتفالات ذكرى اندلاع ثورة نوفمبر، مضيفة بأن المؤسسة سطرت برنامجا متنوعا للكبار كذلك، يشمل عرض مختلف الأفلام العربية و الأجنبية سواء التاريخية أو الوثائقية أو العاطفية و أفلام الويسترن.
وبخصوص معدل الإقبال، قالت المتحدثة، إن قياسه حاليا غير ممكن لأن القاعة حديثة النشاط ولم تعد فتح  أبوابها إلا منذ قرابة الشهر.
جيل الثورة يعود إلى السينما
خلال زيارتنا إلى القاعة صادفنا شيخا اسمه مخلوف بوفالطة في 72 سنة من العمر ، كان رفقة حفيدته لينة البالغة من العمر 11 سنة، وقد شد انتباهنا وهو يعرف الشابة بالمرفق ويحدثها عن ذكريات قديمة ، تقربنا منه فقال لنا، بأنه من الجيل الذي ولد خلال الثورة و كبر في زمن الاستقلال و هو جيل عايش الفترة الذهبية للسينما في الجزائر، و يذكر كيف كانت السينما محطة ثقافية مهمة في الحياة العامة، وكانت القاعات كثيرة و مفتوحة بشكل دائم و تقدم أفلاما تلبي كافة الأذواق مردفا، بأنه اصطحب حفيدته التي لم يسبق لها و أن زارت قاعة سينما من قبل لتعريفها بهذا الفضاء، بداية بكيفية اقتناء التذاكر و أجواء دخول العرض و اختيار الموقع المناسب، مشيرا إلى أن الشرفة العلوية كانت ولا تزال المكان المفضل بالنسبة إليه  لمشاهدة الأفلام، مضيفا، بأنه عاد بذاكرته خلال تجوله رفقة حفيدته في القاعة، إلى الماضي حين كان من رواد السينما الأوفياء، حيث كانت سينما  «سيرتا» و «الروايال» مقصدا للشباب آنذاك خاصة صيفا، بالمقابل كانت  «لا بي سي» و «فرساي» أقل استقطابا، بسبب الشروط الصارمة التي تحكم الدخول إليها، على غرار الهندام قائلا، بأن الأجيال شباب اليوم لا يعرفون متعة دخول السينما و حضور العروض فيها، لأنهم حرموا من القاعات و كبروا في جو يفتقر لهذه الثقافة، ولذلك فقد حرص على اصطحاب حفيدته إلى القاعة لينقل إليها التجربة والإحساس معا، وقد كانت هي جد سعيدة و متحمسة كما أخبرتنا.
قاعة النصر ذاكرة فنية حقيقية
قال رئيس لجنة الثقافة ببلدية قسنطينة، حكيم دكار ، بأن سينماتيك النصر، أعطت إضافة حقيقية لقطاع الثقافة و تعد مكسبا حقيقيا، أعاد الفن السابع إلى أحضان المدينة وأبنائها، فقسنطينة حسبه كانت في زمن سابق مدينة عاشقة للفن السابع، وقد احتضنت  أول مهرجان سنيمائي في تاريخ الجزائر الحديث، مؤكدا بأنه و بافتتاح السنيماتيك، فإن محبي الأفلام سوف يعودون إلى القاعة من جديد ليعيشوا أجواء المتعة       و هي بادرة تنبؤ كما أضاف، بالكثير و تبعث على التفاؤل بقرب عودة باقي القاعات الأخرى التي تنتظر التهيئة.و أضاف المتحدث، بأن قاعة «النصر» هي ذاكرة فنية حقيقية، احتضنت و استقبلت كبار الفنانين و المخرجين على غرار لخضر حمينة و قوسطا قافراز و عمار العسكري و يوسف شاهين و صلاح أبو سيف مؤكدا، بأن إستراتيجية لجنته  تهدف إلى التكثيف من الأنشطة الثقافية لاستعادة مدينة قسنطينة لمكانتها الريادية، و العمل من أجل فتح باقي القاعات التي تعد جزءا من ذاكرة قسنطينة الثقافية.
الروايال و  نوميديا و هياكل  أخرى بلا روح
لا تزال في المقابل وضعية باقي قاعات السينما على حالها، كقاعة سينما الرمال أو كما كان يطلق عليها «سينما رويال» وهي قاعة توجد قبالة مدخل جسر سيدي راشد عند حدود المدينة القديمة السويقة، و تعد ثاني أقدم قاعة بقسنطينة، بعد قاعة « الحمراء « التي شيدت بالحطب سنة 1840 بالشنتلي، غير أن ألسنة النيران أتت عليها بالكامل، فيما  تصارع الروايال الزمن و الإهمال رغم تضرر البناية التي لم يتبق سوى هيكلها صامدا.
أما قاعة «نوميديا « بباب القنطرة، فأقل تضررا، و كانت تعرف سنة 1953 بقاعة «أولمبيا» و هي مكونة من ثلاثة طوابق، و لا تزال هذه القاعة مغلقة كذلك،  ولا يختلف الوضع بقاعة «الأندلس» و كانت تسمى سابقا « فرساي «. يوجد هذا الفضاء  بحي سيدي مبروك السفلي، وقد شيد بعد سنتين من بناء قاعة «أولمبيا». نفس الوضعية تتخبط فيها قاعة الأنوار المعروفة بـ « أ بي سي»، و التي بنيت سنة 1948 بحي المنظر الجميل، حيث كانت تستقطب جمهورا غفيرا بفضل طاقة استيعابها التي تصل إلى 700 مقعد، و كانت شهيرة بعرض الأفلام الكلاسيكية و الحديثة، و لا تزال محافظة على هيكلها الخارجي.         
أ ب

الرجوع إلى الأعلى