أطمح لإنشاء أطلس للعمارة المحلية الجزائرية

كشفت الباحثة المتوجة بجائزة وسام العالم الجزائري مؤخرا، الدكتورة نعيمة بن كاري بوديدح، أستاذة بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان و عضو خبير بالمجلس الدولي للمواقع و المعالم التاريخية «إيكوموس»، عن طموحها في إنجاز مشروع أطلس للعمارة المحلية الجزائرية في شتى مناطقها، و تطرقت إلى واقع العمارة العربية الإسلامية و حال الباحثات المسلمات في الغرب دون أن تخفي أملها في العودة للنشاط من أرض الوطن.

حاورتها إيمان زياري

التكريم داخل الوطن الأم له طعم خاص
ـ النصر: لمع اسمك مؤخرا، في مجال البحث العلمي و الهندسة المعمارية، و تخطت إنجازاتك حدود كل القارات، فنلت وسام العالم الجزائري مؤخرا، حدثتنا قليلا عن هذا التكريم؟
ـ نعيمة بن كاري بوديدح: الحمد لله، التكريم بوسام العالم الجزائري تشريف كبير و عظيم و تتويج لمسيرتي العلمية، هذا التكريم أهم محطة في حياتي الأكاديمية و البحثية و الوظيفية بصفة عامة، و ذلك لأن اسمي جاء ضمن قائمة لامعة من باحثين و علماء جزائريين عمالقة في مجال البحث العلمي و الإنتاج الفكري، و التواجد مع هذه الأسماء لديه وقع كبير في نفسي، خاصة وأن هذا التكريم يعد الأهم بالنسبة للعلماء و المفكرين الجزائريين، لأنه يأتي من البلد الأم، وهو أمر عظيم، لذلك أعتبره أهم تكريم حظيت به في حياتي، رغم أنني كرمت سابقا في العديد من المناسبات العربية و العالمية، مثل حصولي على الجائزة الأولى للأمير سلطان بن سلمان، للبحث في ميدان العمران لطبعتي 2016 و 2022، إلى جانب جوائز أخرى للبحث، آخرها الجائزة الأولى للباحثات بجامعة الشارقة والتي فزت بها سنة2022، رفقة طالبتين أشرف عليهما في طور الماجستير.
ـ لماذا اخترت دراسة الهندسة المعمارية و هل حققت طموحك فيها؟
ـ اختياري للتخصص كان عفويا بعد نيلي لشهادة البكالوريا، حينها حصلت على معدل جيد يخول لي دراسة « العلوم الدقيقة و الطب و البيطرة و البيولوجيا و هندسة الكومبيوتر و ما إلى ذلك»، إلا أني اخترت الهندسة المعمارية فضولا، خاصة و أن ميدان تخصص عائلتي بعيد كل البعد عن هذا المجال و يرتكز حول المحاماة.
 أردت الابتعاد عن الميدان  القانوني الذي ورثناه عن جدي لأمي وفضلت الهندسة كي أفهم المجال بشكل أكبر، و بعد أكثر من ثلاثة عقود من الدراسة و التدريس و الكتابة و التأليف، أحس أن طموحاتي قد تحققت في هذا المجال، مع ذلك لا أزال أطمح أكثر.
حرمت من التدريس في فرنسا بسبب الحجاب
ـ من سطيف إلى فرنسا إلى سلطنة عمان، كيف بدأ المشوار و لماذا اخترت عمان لمواصلة مشوارك البحثي؟
ـ في الحقيقة مشواري انطلق من ولاية سطيف مسقط رأسي، و منه إلى فرنسا، ثم تونس عودة  إلى فرنسا و مرورا بالإمارات وصولا إلى عمان، كان ذهابي إلى فرنسا، مبرمجا و مخططا له منذ البداية لإتمام دراسات ما بعد التخرج خارج الوطن، وقد جاءت هذه الوجهة بحكم ظروف عائلية و لعدم حصولي على منحة الماستر، بالرغم من أنني كنت الأولى على دفعتي سنة 1993، و بالتالي كانت فرنسا الأقرب بالنظر إلى تواجد العديد من أفراد العائلة هناك، و اطمئنان الوالد لفكرة إرسال ابنته إلى هناك للدراسة، فالتحقت بمدرسة الهندسة العمارية في غرونوبل، أين قدمت لماجستير في «البيئة الصوتية في أماكن التسوق»، و هو موضوع أجبرت عليه، و ذلك بعدما كان مقترح لي حول «البيئة الصوتية في المدن الإسلامية» قد قبل و أنا لا أزال في سطيف، حينها اخترت مدينة غرداية كعينة، غير أن ظروف الجزائر في التسعينيات فرضت علي طلب تغيير موضوع البحث، لأن مشرفي الفرنسي لا يمكنه الانتقال معي إلى وادي ميزاب لمباشرة الأعمال الميدانية، فاضطررت إلى تغيير مجرى رسالة الماجستير و تحويلها إلى موضوع ثان كان ممولا من طرف بلدية غرونوبل.
 درست الضوضاء و البيئة الصوتية في الشوارع و المحلات و لم أفرط في موضوع بحثي للدكتوراه حول العمارة الميزابية بصفة عامة، في ذلك الوقت لم أكن أدري بالضبط ماذا أريد أن أدرس، لكن هدفي دفعني للبحث عن منحة، وفعلا تحصلت عليها من اليونيسكو، و أتممت الدكتوراه بفرنسا، أين التقيت بزوجي المهندس محسن بوديدح، ثم سافرنا إلى تونس، أين أقمت هناك لمدة سنتين، بعد أن أوقفت بحث الدكتوراه في هذه الفترة، لأعود مجددا إلى فرنسا و أنا أم لطفلة، وهناك نالت رسالتي بامتياز وبإجماع اللجنة التي ناقشتها و المكونة من أهم المختصين في العمارة الإسلامية بفرنسا في ذلك الوقت، منهم «آندري رايموند» آخر المستشرقين الفرنسيين، الذي كتب عن المدن الإسلامية، وأيضا البروفيسور «ماريان باروكاند» المؤرخة المختصة في العمارة الأندلسية و واحدة من آخر المستشرقات الألمانيات.

 بعد ذلك قدمت ملفا للمجلس الوطني للجامعات ليمكنني من التدريس، و تحصلت فعلا على رقم خاص، لكن للأسف لم أتمكن من الحصول على منصب للتدريس في ميدان العمارة بفرنسا، و أرجع ذلك إلى التشدد في تلك الفترة بسبب القانون الذي كان معارضا للحجاب في الجامعات و المدارس، بالرغم من أن ذلك الرقم يضمن 100 بالمائة وظيفة بالجامعة فعلا كانت أجواء خانقة بفرنسا خلال سنتي 2004 و 2005 بالنسبة لسيدة مثلي محجبة و باحثة، فقررت إما العودة إلى بلدي الجزائر  أو بلد زوجي تونس، ثم فكرت في التوجه إلى الدول العربية خاصة و أنني لم أكن أفضل أمريكا الشمالية أو كندا، عندها اخترنا الخليج بتشجيع من زملاء كانوا يعملون هناك، قدمت على عدة جامعات في الخليج و قبلت في إمارة أبو ظبي، أين التحقت بمنصب أستاذ مساعد في قسم العمران، و بعد سنة اقترحوا علي رئاسة اللجنة التي تحضر لإعداد أول برنامج للهندسة المعمارية في إمارة أبو ظبي قاطبة و أصبحت أول رئيسة قسم للهندسة المعمارية في الإمارة، و لأن اهتمامي كان حول التراث الإسلامي و  المساجد الإباضية و فقه عمارتها في وادي ميزاب و جربة بتونس و سلطنة عمان، أين تسود الإباضية في هذه المناطق، فقد حددت العمل على هذه الدول، و عملت بالإمارات مدة 6 سنوات، لكنني كنت أتوق للتدريس بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان أين بدأت البحث في رسالة الدكتوراه، و فعلا تحقق ذلك سنة 2012، و التحقت بقسم الهندسة المعمارية بكلية الهندسة و بدأت رسميا أبحاثي حول العمارة العمانية التقليدية المحلية تدريسا و بحثا، و مازلت إلى يومنا هذا أتخصص في هذا المجال.
ـ هل عدم عودتك إلى الجزائر لحد الآن، خيار أم حتمية فرضتها الظروف العامة؟
ـ توجهي إلى المشرق كان للبحث عن آفاق جديدة، لأني في نهايات العمل على الدكتوراه وجدت  بأنني مقيدة في المجال الفرنكوفوني، فاللغة الإنجليزية كانت سائدة خارج فرنسا و في معظم الدول الأوروبية لذلك أحسست بضيق الأفق، لذلك بدأت بتعلم الإنجليزية بصفة عملية و مركزة  خاصة وأننا كباحثات مسلمات و محجبات، كن نعاني من التضييق و الحرمان من العمل في وظائف تليق بمستوانا.
 يمكن القول كذلك، بأنني أردت أن تنشأ عائلتي في بلد إسلامي.
أسعى للمساهمة في تصنيف مواقع عربية على قائمة اليونيسكو
ـ كيف أثرت خصوصية العمارة الجزائرية في مشوارك البحثي و منجزاتك الهندسية؟
ـ أحببت العمارة أكثر، عندما بدأت أتعمق في مجال العمارة الجزائرية الشعبية، كانت أول دراسة ميدانية لي بقرية جبلية ببجاية، وهناك اكتشفت عمارة الإنسان لنفسه، و كيف يبدع و يورث إبداعه فيما يتعلق بإنشاء هندسة مستدامة بأتم معنى الكلمة و بمفهومها المعاصر، وهو أمر وقفت عليه مبكرا جدا وأنا في نهاية السنة الثانية من تخصصي، هناك عرفت أن البيت القبائلي، كان محل دراسة من قبل عالم الاجتماع الفرنسي  «بيار بورديو» ، الذي سماه «العالم المنقلب أو المنعكس»، قرأت كثيرا عن الأمر ثم عاينته ميدانيا، ومن هذا المنطلق اخترت التخصص في التراث العمراني. بعد الزيارة الميدانية الثانية إلى وادي ميزاب، اكتشفنا العمارة الإباضية التي تؤرخ لـ 1000 سنة و ما يزيد، فعملت حينها على قراءة تفاصيل هذه العمارة الجزائرية المعاصرة، التي كنت ألاحظ بعض تفاصيلها في المشاريع الجديدة ببلادنا، وهي هندسة اهتم بها الكثير من الباحثين العالميين على غرار «أندري غافيرو»، الذي ساهم بفعالية في إدراجها على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي.
 أقول هنا، إنه عندما يلاحظ الإنسان عمارة عالمية في بلده أنتجها أبناء بلده، فإن لذلك أثرا كبيرا على نفسيته، وهو تحديدا ما ضاعف إرادتي للتعمق في هذا الميدان و إعطائه حقه في الدراسة و البحث و التعريف و التدريس أيضا.
أحلم بالمشاركة الفعالة في بناء الهوية المعمارية الجزائرية
ـ  ما سر شغفك الكبير بالعمارة الإسلامية؟
ـ شغفي بالعمارة الإسلامية نابع عن شغفي بثقافتي، فقد بدأ هذا الاهتمام في مرحلة دراسات ما قبل التخرج، و بعدها و بحكم سفري وتعرفي على  حضارات أخرى كما في فرنسا، صرت أبحث عن الهوية و عمن أكون و من أين أتيت؟ و ما هي الهوية التي أنتقيها لنفسي و لأبحاثي؟ و في هذا الجو تعمقت أكثر في البحث في الثقافة الإسلامية و التاريخ الإسلامي     ثم انتقلت إلى العمارة و المدينة الإسلامية، وهو عالم كبير و عميق من وسائل التصميم التي لم ندرسها بدقة قبل التخرج، و لذلك قدمت لماجستير ثان في تاريخ العمارة الإسلامية.
برأيي نحن بحاجة أكبر للتعريف بثقافتنا و هويتنا، التي غيبت كثيرا بسبب فترة الركود و الاستعمار التي شهدتها البلاد الإسلامية و ضعف الدول العربية و الإسلامية، مما خلف هجرا للموروث الإسلامي، بالدليل أن الأجيال الجديدة لا تعرف الكثير عن ثقافتها المحلية، خاصة و أن هذا الجانب من تاريخنا لا يدرس و لا نلمسه في حياتنا اليومية للأسف، بل نجده فقط في ما توفره المكتبات، لذلك أريد أن أسلط الضوء مجددا على هذه الهوية العمرانية أمام الطلبة و الباحثين.
هكذا  تصنف المواقع ضمن لوائح اليونيسكو
ـ حدثينا عن منصبك كعضو خبير بالمجلس الدولي للمواقع و المعالم التاريخية «إيكوموس»؟
ـ التحاقي بالمجلس الدولي للمواقع و المعالم التاريخية، جاء تكملة لتخصصي في ميدان التراث المعماري الذي اخترته كميدان للبحث، و اهتمامي بالمواقع التاريخية المدرجة ضمن لائحة المواقع المصنفة باليونيسكو، فقد تواصلت مع الهيئة في إطار بحث تخرجي حول وادي ميزاب، و تحصلت على منحة للدكتوراه من اليونيسكو و مؤسسة «هيراياما» اليابانية في نفس الميدان، ففتحت الموضوع و ركزت على عمارة المساجد الإباضية، و بحكم التعاون القريب مع اليونيسكو، فقد تم إلحاقي في بداية طور الدكتوراه بهيئة «إيكوموس» كعضو ناشئ في المجلس، و تابعت النشاط إلى أن بلغت درجة عضو خبير.
يكمن نشاطنا كهيئة عالمية في مناقشة الملفات التي ترفعها الدول لتصنيف معالمها، وذلك لكي تدرس دراسة عميقة وفق منهجية مركبة، بحيث يدرس كل ملف من قبل 40 خبيرا، لتجمع الآراء و يقدم الإيكوموس على أساسها قبوله أو رفضه أو تأجيله للملف، كما نشرف أيضا، على ورشات تكوين للخبراء في التراث عبر مختلف دول العالم، في مجال إدارة المواقع و كيفية الحفاظ عليها، لتصنف في لوائح اليونيسكو وفق الشروط الثلاثة الأساسية التي تشكل القيمة العالمية الاستثنائية لأي موقع قبل تصنيفه.قمنا كخبراء بتطوير لائحة مفصلة جدا لطريقة التعامل مع التراث العالمي، كما نقوم بزيارة المواقع المدرجة على لائحة الخطر، و للأسف أكبر عدد من هذه المعالم موجود في العالم العربي، كل معالم سوريا و بعض معالم اليمن كذلك، و من بين أعمالنا أيضا متابعة البنيان الجديد المحيط بأي معلم تاريخي والتأكد من ملاءمة شروط بنائه للبنية الأصلية للمعلم التاريخي.
لهذه الأسباب استعان اليابانيون بخبرتي

ـ ماذا عن دورك كخبيرة في مشروع بأوساكا اليابانية، هل من تفاصيل أوفى حول الموضوع؟
ـ عملي مع حكومة أوساكا، كان في إطار التحضير لملف إدراج موقع مهم متسلسل لمقابر الأباطرة اليابانيين، تحت لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، و بحكم أنني خبيرة في الإيكوموس، فقد طلبوا الاستشارة و التقييم الأولي للأعمال، و هذا أساس تعاوني معهم كمستشارة، حيث أدرج ملف المقابر على لائحة اليونيسكو، و كانت  تلك أول تجربة لي مع اليابانيين كإدارة و باحثين، كما يجمعني منذ سنة 2018، تعاون مع معهد البحث العلمي لأمور البيئة و الإنسانية بكيوتو، حول إشراك المجتمع المحلي في محيطه الطبيعي و المبني.
الاضطرابات السياسية زعزعت المباني التاريخية العربية
ـ تحدثت كثيرا عن ترميم المسجد الأقصى و عودته للمسلمين، كيف تنظرين كمختصة في ميدان العمارة إلى واقع المباني العربية و الإسلامية سواء بالجزائر أو سائر البلاد العربية و الإسلامية؟
ـ حالة المباني التاريخية في البلدان الإسلامية متفاوتة، وتختلف حتى بالبلد الواحد، هنالك مواقع عظيمة جدا في طريقها للاندثار دون أن يهتم بها أحد، لدينا موروث غني متروك للنسيان و لا أحد يهتم به للأسف والسبب  هو غياب الاستقرار السياسي في دول كالعراق و اليمين و سوريا و ليبيا كما أثرت عليها أيضا الحروب، إلى جانب ضعف الوعي لدى الشعوب وأصحاب القرار، فضلا عن عدم إدراج الحديث عنها في الحصص التثقيفية و المقررات الدراسية للتعريف بها وتبيان أهميتها. يمكنني القول كذلك، بأن هناك اهتماما متفاوتا بين مواقع و أخرى في البلد الواحد، وأن هناك بلدانا عربية و إسلامية، تسعى لحماية تراثها العمراني وتعزيز الانتماء و الهوية، بينما لا تهتم دول أخرى بتراثها وهي ملاحظة تكاد تكون عامة.
ـ كيف استطعت الموازنة بين دورك كأم و زوجة وبين عملك كمهندسة وباحثة؟
ـ يقال بأن « وراء كل رجل عظيم امرأة»، و أقول أن» وراء كل امرأة عظيمة رجلا»، و وراء كل أسرة ناجحة رجل و امرأة يتمتعان بالصبر والتفاهم»، و هذه هي المعادلة في أسرتي، فتخصصنا واحد، وقد كنا دائما سندا لبعضنا وتجاوزنا كل المشاكل وترفعنا عن الغيرة المهنية و المقارنات، زوجي كان زميلا لي، وقد ربطت به منذ البداية علاقة مبنية على مخافة الله في الأمور الشخصية و ميدان العمل.
هذه أسرار نجاح المرأة في مجال البحث العلمي
ـ ما هي الرسالة التي توجهينها لكل باحثة أو عالمة عربية مسلمة لتحقيق النجاح في المجالات المهنية التي يحتكرها الرجال؟
ـ التوكل على الله و العمل و الاجتهاد كثيرا حتى و إن تأخرت النتائج   لأن المثابرة و تطوير النفس و الإتقان عوامل تقود مجتمعة إلى افتكاك الاعتراف بالتفوق، قد نتعرض للتجاهل مرة أو اثنتين، لكن الإصرار و العمل يضمنان التخصص والتفوق، مساري كان متعبا للغاية، لكنني أفتخر بالنتيجة.
أنا اليوم ابنة 52 عاما، ومع ذلك لا أزال أعمل بسرعة فائقة و لا أنام إلى أن أتمم عملي و لا أرضى بمجهود أقل، و لا أسلم عملا إلا و أنا متأكدة أنه الأحسن، أشدد أيضا على العمل الجماعي خاصة في ميدان التراث و الهندسة المعمارية و الخبرة الدولية، يجب العمل ضمن مجموعة فيها شخصيات و ثقافات مختلفة و تخصصات متعددة أيضا، و أن تكون الباحثة مستعدة للمضي مع الفريق للوصول إلى الهدف المطلوب          و أن تجيد القيادة والتوجيه و المرونة في التعامل لأنها أهم قاعدة للعمل الجماعي، قد لا يتحقق التوافق بنسبة 100 بالمائة، مع ذلك يجب تذليل الصعاب و هو درس مهم تعلمته بصفة خاصة في اليابان، أين يستميت الفرد من أجل الجماعة.
مستعدة لتقديم الاستشارة في ملفات الجزائر التي ترفع إلى اليونيسكو
ـ  حدثينا عن مؤلفاتك البحثية ؟
ـ كتابي الأول يتكون من مجلدين حول المساجد الإباضية في الجزائر و في سلطنة عمان، و هو عبارة عن تنقيح لأطروحة الدكتوراه نشر سنة 2013، أما الثاني، فهو كتاب حول المدن العمانية القديمة نشر سنة 2021، إلى جانب مقالات متعددة في مجال دراسة التراث و الحلول المعاصرة و تدريس العمارة في البلاد العربية الإسلامية و غيرها.

ـ ما هي طموحاتك المستقبلية و هل تفكرين في الاستقرار مجددا في الجزائر؟
ـ طموحي التخصص أكثر و البحث أكثر و مشاريع أكثر و المساهمة في إدراج مناطق عربية أكثر ضمن التراث المحمي عالميا، خاصة وأننا نعيش في منطقة  تعد مهدا للحضارات، طموحي أيضا، أن أساهم في تكوين المختصين وفي تحضير الملفات و إدارة مواقع التراث العالمي في المنطقة العربية، و كل ذلك لنرفع من عدد المواقع المسجلة، كما أطمح للمساهمة و لو بالقليل في تضييق تلك الفجوة بين تراثنا الثقافي في ميدان العمران، و تدريسنا لعمارة التكنولوجيا الذكية اليوم، لنستلهم من تراثنا  و نطوره ونواكب معطيات عصر الذكاء الاصطناعي و العمارة الذكية و أن تكون لنا عمارة متأصلة في موروثها العمراني.
بخصوص العودة إلى الجزائر، فأنا أطمح كثيرا إلى ذلك طبعا، و حلمي أن أشارك بصفة فعالة في بناء الهوية المعمارية الجزائرية و تكوين المهندس المعماري الجزائري و إثراء المكتبة الجزائرية بالأبحاث.
ـ هل تربطك مشاريع تعاون مع مؤسسات جزائرية أو جامعات حاليا؟
ـ  لدي بعض المشاريع التي أفكر فيها باستمرار و خططت لها، لكن لا يوجد هناك أي اتفاق في الجزائر لإنجازها، قد يكون هذا الوسام فاتحة خير كي تنتبه الجامعات و مراكز البحث الجزائرية إلى الجالية المتواجدة بالخارج، من باحثين في مختلف التخصصات، و أنا مستعدة للتعاون مع أي جهة في ميدان تخصصي و منفتحة على تقديم الاستشارة فيما يخص الملفات التي تقدم إلى اليونيسكو، و فيما يخص إدارة المعالم التاريخية و العمرانية و التدريس و البحث فمن دواعي سروري جدا أن أخدم بلدي خصوصا و أنني أهتم كثيرا بالعمارة الشعبية و استدامتها، و أطمح لإنجاز أطلس حول العمارة المحلية الجزائرية بشتى مناطقها، و هذا هو مشروعي الأهم، الذي يحتاج تحقيقه إلى إرادة سياسية حقيقية.
إ. ز

الرجوع إلى الأعلى