هل أثرت العولمة على منظومة السلوكات والقيم في المجتمع، وهل هذه المنظومة بهذه الهشاشة التي يمكن أن تتأثر بسهولة، حيثُ تتسرب إلى صلبها وصميمها وأصلها تيارات وإرباكات وممارسات العولمة؟ لماذا مجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا الجزائري معها، اِنخرطت إلى حد التماهي والذوبان في سياقات العولمة إلى درجة اِهتزاز واختلال وتحوّل منظومة القيم الاِجتماعية والثقافية. فهل قيم العولمة بالأساس تستهدفُ الأُسس والمرجعيات الفكرية والتاريخية والحضارية التي يقوم عليها المجتمع، لهذا تشهد قيم المجتمع وقيم الثقافة تراجعاً كبيراً وملحوظاً؟ كما نشهد في المقابل صراعات ثقافية بين القيم والقيم المضادة؟

إعداد: نـوّارة لـحـرش

ومن جهةٍ أخرى، هل هذه العولمة التي فتحت الحدود الجغرافية العالمية والكونية وغيرت من الزمن بشكلٍ كبير وكاسح، اِستطاعت بكلّ الأشكال وبكل الطُرق أن تُغير أو تُدمر منظومة القيم؟ وهل تجربة الاِنفتاح والتنميط التي تُمارسها العولمة أدت إلى كلّ هذا؟ أم أيضاً نتيجة لغياب دور التربية، وعدم قدرة المجتمع بأفراده وتياراته على ثبات قيمه الاِجتماعية والثقافية، إلى جانب فِعل الممارسة العولمية المُتغلغلة والمتغولة في آن؟
حول هذا الشأن: «السلوكات والقيم في ظل العولمة»، يتحدث في ندوة «كراس الثقافة» لهذا العدد، مجموعة من الأساتذة والباحثين الأكاديميين من تخصصات متنوعة، وكلٌ اِنطلاقًا من مرجعياته وخلفياته العلمية والمعرفية، فكانت الرُؤى والآراء مختلفة وبدرجات متفاوتة لكنها تتقاطع وتلتقي في الكثير من النقاط.

مولود عويمر: تأثير العولمة على قيم الثقافة الجزائرية جليٌ وواضح
يرى الباحث والأستاذ الجامعي (جامعة الجزائر2)، الدكتور مولود عويمر أنّ منظومة القيم في المجتمع الجزائري تتشكل من روافد مُتعدّدة تراكمت عبر الأجيال والعصور صنعت هويته الثقافية والحضارية، وميّزته عن غيره من المجتمعات. وإن تعدّدت الروافد فإنّ رافد الإسلام كان أقواها وأعمقها لما حمله من دين عالمي خُتمت به الديانات السماوية، وما تضمنه من أخلاق سامية حفظت كرامة الإنسان واعترفت بحق الاِختلاف، وما برهن عليه من تفتح على الحضارات السابقة التي اِنصهرت فيه دون أن تفقد خصوصياتها الثقافية.
ويضيف ذات المتحدث، «إنّ تأثير العولمة على قيم الثقافة الجزائرية، جليٌ وواضح. أنطلق هنا من مقولة المفكر الإستراتيجي المصري الأستاذ السيد يسين: (لا نبالغ أدنى مبالغة إذا قلنا أنّ الإنسانية تنتقل الآن، عبر عملية معقدة ومركبة، صوب صياغة مجتمع عالمي جديد، تحت تأثير الثورة الكونية). فالجزائر كجزء من الإنسانية الواقعة في قلب العالم بحكم موقعها الجغرافي والحضاري تتأثر باِستمرار بهذه المتغيرات التي تفرضها العولمة في أشكالها المتعدّدة عبر وسائل الاِتصال والتواصل الحديثة».
مؤكداً في ذات السياق أنّ القيم التي هي نتيجة تراكمات تجارب الأجيال المُتعاقبة، تتغيّر وتختلف وتيرة التغير بحسب التطوّر الحاصل في المجتمع في مجالات مختلفة، فيقاوّم القيم الوافدة أحيانًا، ويتكيّف معها أحيانًا بمقدار ما يُساعده على حماية نفسه من الضياع أو الفناء. كما ينتج قيمًا جديدة أحيانًا أخرى للإقدام نحو مستقبل أفضل.
لقد عرف المجتمع الجزائري بدوره -حسب الدكتور عويمر- تحوّلا في مجال القيم نابعًا من الذات ومفروضا من الآخر، فالتحوّل الذاتي هو اِستجابة لتطوّر المجتمع ورغبته في الاِنتقال من الأحادية إلى التعدّديّة، ومن الاِستبداد إلى الديمقراطية، ومن اِحتكار الثروات إلى التوزيع العادل لها، ومن الاِنغلاق إلى الاِنفتاح، ومن الأصالة إلى الحداثة...إلخ.
وفي ذات المعطى يقول مستدركًا: «إذا كانت مهمة التربية في الماضي هي بناء الإنسان من جميع جوانبه الروحية والعقلية والنفسية والخلقية والبدنية وفق منظومة قيمية توافقية أو مفروضة بالقوّة، فإنّها اليوم تتمثل أيضا في توجيه هذا الإنسان نحو الرقي بمرافقته من بعيد في عملية التكيف مع القيم الوافدة بسرعة وبكثرة من خلال غرس قواعد منهجية وأدوات نقدية محصِّنة. فإنّ التربية يتعيّن عليها قبل كلّ شيء أن تصنع فرداً قادراً على التعايش مع التحديات القائمة، وواعيًا بدوره في المجتمع، مشاركًا دائمًا في حراكه السياسي والاِقتصادي والثقافي الصاعد».
ثمّ أضاف مواصلاً: «المؤكد أنّ أزمة القيم في ظل العولمة، التي يعاني منها الإنسان الجزائري والتي نجدها أكثر كما قلت، عند جيل الشباب الّذي يُعاني غموضاً في الهوية وضياعاً في الأهداف. حقيقة هذه المشكلة مطروحة أمام السياسي والمفكر والمربي وكلّ من له مسؤولية في بناء المجتمع وتوجيهه. إنّ كثيراً من التحوّلات التي نشاهدها يوميًا في شوارعنا ومدارسنا وأسواقنا وملاعبنا، تكشف خللاً عامًا يُهدد مستقبلنا إذا لم نستدرك الوضع بسرعة لنحصر المخاطر ونتخلص من المشكل قبل فوات الأوان. ولن يكون ذلك مُمكنًا بدون تضافر الجهود لإصلاح الخلل الّذي صنعته اِستقالة النخبة السياسية والثقافية تاركةً الشاب الجزائري يتعامل وحده مع الهوية الأصلية الفائضة والثقافة الغربية الغازية المجتاحة التي تُحاول باِستمرار أن تفرض عليه منطقها العقلي وأسلوبها السلوكي ونمطها المعيشي». وفي الأخير ذهب إلى التأكيد، على أنّنا حقًا في حاجة ماسة إلى مشروع حضاري جديد متجذر في موروثنا المتنوّع، ومستفيد من الاِنجازات المعاصرة، ومساهم في بناء نهضة إنسانية مشتركة.

نصر الدين بن سراي: تجربة الانفتاح والتنميط التي تمارسها العولمة أدت إلى تغيير في الثقافة والقيم
أمّا الباحث الأكاديمي الدكتور نصر الدين بن سراي، المختص في الفلسفة الأخلاقية فيقول: «إذا تحدثنا عن منظومة القيم المشكلة لبنية ثقافة المجتمع الجزائري فيمكن الحديث عن ثلاث ركائز وهي، أوّلاً: ما هو مشترك إنساني بين جميع شعوب العالم من حب وتطلع لما يريد أن يكون عليه أي مجتمع إنساني كحفظ نفسه وبناء وطن تُحترم فيه قيم الإنسانية كالحرية والمواطنة والتسامح والتواصل في ظل الدولة المدنية الحديثة. وثانياً: قيم الأصالة والعروبة و الأمازيغية: وفي هذا المستوى نجد قيم التكافل والتعاون والحمية نحو بلوغ الهدف مهما كان هذا المرمى صعبًا أو عسيراً. أمّا ثالثًا، فإنّ القيم الإسلامية، وهذه القيم بالطبع مستمدة من الإسلام باِعتباره ديانة عالمية تحترم وتقدس الإنسان باِعتباره حاملاً لأمانة وكلت إليه من قبل المتعالي وهو ملء الوجود بالقيمة. وهذه الركيزة تعد الفكرة الدافعة للحفاظ على الركيزتين السابقتين وملهمة لروح الحماسة والفعّاليّة».
الدكتور سراي، يُوضح من جهةٍ أخرى: «إنّ تجربة الاِنفتاح والتنميط التي تُمارسها العولمة مع أي ثقافة أدت إلى تغيير في الثقافة والقيم في المجتمعات المستهلكة باِعتبار أنّ العولمة (منتج ثقافي) للآخر ولسنا النحن من ساهم في إنتاجها، وبطبيعة الحال أي ثقافة تحاول أن تُمارس فِعل الهيمنة والتنميط لتجعلها بشكل يخدم مصالحها، فالقيم الثقافية في الجزائر قد مُست في بعض جوانبها بفعل حدية فِعل المُمارسة العولمية».
وواصل مستدركاً: «حقيقةً إنّ القيم في المجتمع الجزائري قد مسها فِعل التغيير ولا أدل على ذلك مثلما نجده لطائفة من المخضرمين الذين قد عاشوا بين فترات زمنية مختلفة من عهد الاِستعمار إلى الآن، وهذا التغير بالسلب والإيجاب حتّى نكون منصفين، إلاّ أنّ دائرة السلب تكاد تكون الطاغية على ما هو جيد، إلاّ إنّ القيم الأصلية -الدينية- تكاد تكون متماسكة رغم الهزات الاِرتدادية لفِعل التحديث كما يسمونه».
إنّ التربية هنا -حسب ذات المتحدث- لا يمكن أن نحصرها في المفهوم الضيق، وهو الأسرة فقط، وخاصةً أنّ الأسرة قد زعزعت الحداثة قيمها لتصبح قيم الاِعتناء في كثير من الأحيان، فمعاني التربية لابدّ أن يتبناها المجتمع وتُفعلها الدولة عبر المؤسسات المختلفة مثل: المدارس والجامعات والمساجد والمجتمع نفسه، على أن تكون هذه المؤسسات محترمة لخصوصيات المجتمع الثقافية، الدين والتاريخ والبنية التكوينية للمجتمع الجزائري، ولا يمكن الحديث عن تجديد مع إقصاء لدور المجتمع.
الدكتور سراي، وفي معرض حديثه عن ذات الشأن، قال: «لعلّ تحديدنا لفئة الشباب بالخصوص التي تعتبر الأكثر تأثراً للواقع العولمي على مستوياته المختلفة لاسيما واقع الإعلام الفائق وواقع عالم الأشياء المُبهرة خاصةً التقنية منها، مِمّا شكل لنا نوعا من الإنسان يميل للاِستهلاك وغريزة عجيبة لحب التملك، على حساب سؤال (الأنا) الّذي نعاني منه (النحن)، فالضمير الجمعي للمجتمع الجزائري (مأزوم) في ظل سؤال الهوية والغاية والمصير».
وخلص إلى فكرة مؤداها: «أنّ معرفة الذات هنا لا تكمن إلاّ بمعرفة الخصوصية الثقافية التي نُغاير بها الآخر، فإذا كان سؤال الخصوصية المرجعية مفقوداً فإنّنا سنبقى بعيدين جداً لوضع إجابة هنا، لكن لبعث الأمل هنا، نقول إنّ الرهان هنا الّذي لابدّ أن يفعل ونجعل عملية البعث تنصب عليه هو (فِعل الإيمان وتجديد الوجدان والضمير). إنّنا هنا نتحدث عن الإيمان الّذي تلعبُ فيه قيمة الإحسان دوراً محركًا للأفكار الحية التي تجعل المجتمع هو الّذي يريد ويفعل ويصنع، وليس مُقلِدا أو مرآة عاكسة لأفعال الغير أو مجرّد سوق رائجة لمستهلكات الأفكار العالمية والعولمية».

هشام شراد: العولمة أثرت على السلوكات وقيم الثقافة الجزائرية
من جهته الباحث في عِلم الاِجتماع الثقافي وعميد كلية العلوم الإنسانية بجامعة بجاية، الدكتور هشام شراد، يقول في هذه المسألة: «تُمثل منظومة قيم مجتمع ما الإطار المرجعي الموجه للسلوك الفردي والاِجتماعي لمجموع أفراده، بحيثُ تفرض عليهم توجيه سلوكياتهم وفقًا لغايات وأهداف المجتمع. كما تُشكل منظومة القيم المعيار والمقياس الّذي يُعتمد عليه في الحُكم على ما هو مدنس (الممنوع) وما هو مقدس (المسموح) فيما يتبناه الأفراد من أفعال وسلوكيات. وتتداخل القيم في أغلب المجتمعات، مع العادات والتقاليد والأعراف وتتنوع القيم لتشمل القيم الدينية (التدين، الورع، التقوى، التضامن...) والقيم الاِجتماعية والاِقتصادية. وبطبيعة الحال، فإنّ منظومة قيم المجتمع الجزائري مستمدة من مقومات الثقافة الإسلامية».
الدكتور شراد واصل قائلاً: «مع أنّ القيم تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق ما يُسمى بالتنشئة الاِجتماعية وكذلك الأسرية، فإنّ التغير يطرأ عليها وهو يُفسر ما يُعانيه المجتمع الجزائري من ظاهرة تصدع قيمه وفقدانها لفاعليتها وكذا ظاهرة اللامعيارية (الانوميا) وصراع الأجيال وتضاد القيم. وإلاّ كيف نُفسر ما يعرفه المجتمع الجزائري من سلوكيات عدوانية وإجرامية كالسرقة والرشوة والاِختطاف وتعاطي المخدرات والإدمان والاِنتحار والعنف اللفظي والجسدي... هذه السلوكيات بطبيعة الحال تعكس تصدع منظومة القيم في الجزائر وضعف فاعليتها في ضبط السلوك الاِجتماعي لأفراد المجتمع وتحديده وتوجيهه لغايات محدّدة. فمن بين الأسباب التي أثرت على قيم الثقافة الجزائرية نذكر ما يُسمى بالعولمة، فقد أصبح العالم اليوم أشبه بقرية صغيرة ما اِنفكت تختزل فيه المسافات، ما أدى إلى اِحتكاك الثقافات المختلفة فيما بينها».
إنّ العولمة اليوم -يُضيف ذات المتحدث- لم تعد تختص فقط بعولمة رؤوس الأموال والشركات متعددة الجنسيات، بل تعدت ذلك إلى ميدان الثقافة والقيم، أضحت فيه الأفكار سلعا «عابرة للقارات والدول» ومُهَدِدة لنسق قيم الكثير من الدول.
وفي ذات السياق، أوضح قائلاً: «في ظل هذه المتغيرات، تشهد منظومة القيم في الجزائر تراجعًا كبيراً أمام القيم المادية الاِستهلاكية والفردية الرأسمالية التي تشبع بها بعض شبابنا ووجد فيها ملاذه في ظل تآكل قيمنا نتيجة لما يُسميه البعض (بالغزو الثقافي) أو (التهجم الثقافي). والحقّ أنّ بعض وسائل الإعلام اليوم تلعب دوراً كبيراً في الترويج لثقافة «الغالب» وتنميط سلوكيات «المغلوب» على حد قول عبد الرحمان بن خلدون في قوله بأنّ (المغلوب مولع بتقليد الغالب). هذا ما جعل شبابنا اليوم يعيش حالة من الصراع القيمي والاِزدواجية الثقافية بسبب تعارض نسق قيم مجتمعه مع واقعه المُعاش والأفكار والقيم الجديدة المستوردة».
وفي الأخير خلص إلى القول: «يمكن للتربية أن تؤدي هذا الدور إذا ما اِستطاعت أن تُكَوِّن شبابا قادرين على (التكيف) في مجتمعهم، فالتغيرات السريعة التي تعرفها المجتمعات وخاصةً مجتمعنا تجعل من قيمنا عرضة للتغير والتطور، فمنظومة قيمنا آيلة لا محالة للتغير وأنّ هذا التغير هو أحد أهم أسباب الأزمات الاِجتماعية التي يصطدم بها الشباب في مراحل حياتهم ما يجعلهم يرفضون الاِمتثال لقواعد القيم السائدة في مجتمعهم ورفضهم لها. إنّ الهدف من التربية لا بدّ أن يكون بتكوين شباب الغد على (التكيف) داخل مجتمعهم ومعالجة أزماتهم الاِجتماعية بتطوير سلوكيات إيجابية تتماشى وتتوافق مع خصوصياتهم الثقافية».

 عبد الرزاق بلعقروز: العولمة أعادت تشكيل ثقافات المجتمعات وغيرت من أصولها
من جهته، الأستاذ والباحث الأكاديمي الدكتور عبد الرزاق بلعقروز، المتخصص في فلسفة القيم، يقول: «يمكن أن نجيب على أسئلة هذا الملف إجابة مزدوجة مركبة، أي ما هي مصادر ثقافة المجتمع الجزائري من حيث الصورة النّظرية أوّلاً، وثقافته من حيث مادته الواقعية ثانيًا، فمن حيثُ الصورة النّظرية نُلاحظ أنّ ثقافة المجتمع الجزائري تتشكل من الدين والموروثات الثقافية التي تنسجمُ مع المبادئ الأخلاقية لدين الإسلام، فالقيم الدينية والقيم الاِجتماعية والقيم النَّفسية والقيم التاريخية، تداخلت لكي تُشكل منظومة ثقافية يتشربها الإنسان الجزائري. أمّا من حيث المادة الواقعية أو الثقافة الواقعية، فهي تعبر عن لحظات الاِنفصال عن هذه القيم الأصلية، بخاصة في مستوى القيم الاِجتماعية والنّفسية، وبداية الاِنخراط مع ثقافة جديدة تصنعها الوسائل الإعلامية التي بدورها لا هم لها إلاّ بث الثقافة الاِستهلاكية والسلعية».
وتبعًا لهذا -يُضيف ذات المتحدث- «يأتي دور العولمة التي تعيدُ تشكيل الثقافة الجزائرية وثقافات المجتمعات الأخرى على حد سواء، فتدخل إلى صميمها وتُغير من أصولها، فتحل بدلاً من الاِلتزام بالأخلاق التحرّر منها، وتجعل العلاقات الاِجتماعية القائمة على التكافل والمحبة واحترام القيم، لا تنسجم مع الفردية التي تنادي بها العولمة، أو بالأحرى النرجسية، أي أنّ الذّات تقبل أو ترفض ليس بناءً على قيم، وإنّما بناء على رغبة ذاتية فردية خالصة، فالعولمة فعلاً فتحت لنا الحدود الجغرافية وغيرت من الزمن وجعلت من التواصل مفتوحًا، لكنّها دمرت منظومة القيم الأخلاقية التي تعبر عن سلامة الفطرة الإنسانية، وعن الجانب الروحي في الإنسان». صاحب «روح القيم وحرية المفاهيم»، واصل مستدركاً: «لكن ورغم هذه الأزمة في القيم الجزائرية، إلاَّ أنّ العلاج ممكن ضمن هذا التحدّي، وهو علاج متوقف على تجديد مؤسساتنا التربوية، وعلى رأسها مؤسسة الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة، فهذه عليها أن تجعل من أولى أولوياتها بناء الوجدان وتنمية البُعد الروحي في الطفل، لأنّه خميرة المستقبل، ولأنّ قوّة الرّوح منبع المقاومة وأداة حفظ منظومة القيم الدينية والاِجتماعية والنّفسية والتاريخية الخاصة بثقافة المجتمع الجزائري. والتركيز على مرحلة الطفولة هذه هي الحصن الحصين لحفظ الهوية وإنقاذ الشباب من الشعور باليأس وضياع القيم، فالقيم هي التي تُعبر عن نشاط الرّوح الإنسانية، بينما العولمة تعبر عن النشاط الجسمي، والرّوح أولى في الاِعتبار من ثقافة الجسم، لأنّ الغاية الكُبرى من وجود الإنسان هي تنمية هذا الثراء الداخلي فيه لكي لا يطمس جسمه روحه ووجدانه، ولكي لا نصل إلى الحالة الثّقافيّة التي يعيشها الغرب في تجرده من القيم الأخلاقية، وعجزه في المُقابل عن خلق قيم تُلبي حاجاته المُتكاملة».
وخلص في الأخير، إلى أنّ الطريقة المناسبة للحفاظ على روح القيم في ظل تيارات وإرباكات العولمة، هي إيجاد القدوة للشباب التائه، الّذي أضحى يشعر بالعبث واليأس، وأيضا إنشاء عِلم جديد يهتم بكيفية تفعيل القيم وتجديد العلوم النفسية العاجزة عن إيجاد حلول نفسية فعلية، إنّ رجال الأخلاق -حسب قوله-، يقولون اليوم، أنّ الرّوح هي التي تعالج النفس وليس العكس وهذا العلم يمكن أن يكون علم روحانيات جديد ينقل الثقافة من النمطية والشكلية إلى الروحية والعلوية.

الرجوع إلى الأعلى