حسيــن خمــــري .. الحداثيُّ الذي لم يخاصم التــــراث !

يستعيد كتاب وأكاديميون في هذا العدد من كراس الثقافة، مسيرة الناقد الراحل حسين خمري، الذي غادر الحياة في يوم كوفيدي بارد، مخلفا وراءه مجموعة من الأعمال الأدبية والنقدية والترجمة، خطها بعد بحث علمي جاد واطلاع واسع على أمهات الكتب التراثية وحتى العصرية الغربية، فأعاد بذلك طرح أسئلة حول قضايا خيّل أن النقاش فيها قد حسم منذ عدة سنوات، كما تتبع المفهوم الحداثي وقارنه بما نصت عليه أعمال النقاد والبلاغيين من العرب القدامى، واهتم بمفاهيم النص والخطاب والكتابة والنقد، عاكفا على تفكيك وتشفير ما جاء فيهم من علامات ودلالات، على اعتبار أن النص يشكل حدثا استثنائيا داخل الثقافة التي يتحرك ضمن فضائها، كما أن المنهج ضروري لتشكيل الذات النقدية، كما كان حريصا على التعريف بالموقف النقدي المعاصر الذي وجد صعوبة في تمريره بالوسط الجامعي. جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة استعادت الناقد الراحل في ندوة تكريمية نظمها معهد الآداب والحضارة الإسلامية الأسبوع الماضي واستحسنها طلبة ورفاق الفقيد، وقد حضرتها النصر وأعدت على هامشها هذا الملف.

أعدت الملف: رميساء جبيل

الدكتور واسيني الأعرج
ساهم في إنعاش الحركة النقدية الجزائرية
ذكر الكاتب الدكتورواسيني الأعرج، للنصر أن خمري كان باحثا كبيرا وشخصية ثقافية وعلمية مرموقة بالجزائر، كونه قدم الكثير للحركة النقدية الجزائرية الخاملة آنذاك، فقد كان أحد الذين تسببوا في انتعاشها وإعادة إحيائها من جديد، نظرا لكونهم حملوا هاجس النهوض بالحركة النقدية العربية، فخمري كان من رواد الجيل الحديث آنذاك، الذين اقتنعوا بضرورة تغيير الحركة النقدية واتجاه النقد النصي، فبدل إعطاء قيمة لحواشي النص من تاريخ وعلم نفس، يستوجب توجيه التركيز نحو البنية الداخلية للنص.
فالجهد النضالي في المجال النقدي الذي بذله حسين خمري بحسب المتحدث، كان كبيرا ومضنيا، إذ ترك الناقد وراءه ميراثا مهما لا يزال قائما إلى يومنا هذا في بطون المجلات والكتب، فقيمة جهود خمري لا تكمن في عدد الكتب والأبحاث التي أجراها، وإنما في الموضوعات التي تناولها والتي ارتبطت بفعل التأسيس ومعاناته الثقافية في وسط لم يكن متهيئا لذلك، في ظل وجود صراعات سياسية كانت سلطان الميدان.
وأوضح المتحدث، أن خمري لم يكن لوحده في هذه المهمة النقدية الصعبة بل كان ضمن موجة نقدية تجديدية بالجزائر تبناها الطلبة العائدون من رحلة التعلم بفرنسا والعالم الأنجلوساكسوني والعالم العربي، فخمري يعتبر أحد أبناء الجيل النقدي الجديد المشبع بنظريات المدرسة النقدية الفرنسية التي أخذت في الانتشار آنذاك، فثقافة خمري الفرنسية وحضوره لمحاضرات كريستيفا وغريماس وجيرار وغيرهم في باريس ساعدته على الدخول في عالم بِكر لم يكن النقد الجزائري المكتوب باللغة العربية قد دخله من قبل، ولهذا فمنذ عودة خمري إلى الوطن وهو يجتهد مع كوكبة نقدية من أجل تهوية النقد الجزائري والعربي من التاريخ واختيار النصية كسبيل حي للارتقاء بالنقد حتى لا يظل رهين العلوم الاجتماعية ويسير نحو التخصص.
وأفاد واسيني كذلك، بأن حراس النقد التاريخي ظلوا يصغون إلى هسيس التكسرات اللغوية التي كان يحدثها الجيل الجديد في الجزائر فعملوا على مواجهتها بشتى الطرق، بما في ذلك التكفير، قائلا، " إنه في مؤتمر نظمه خمري حول البنيوية بقسنطينة، قام أحد الطلبة بتوزيع تهم التكفير والتبعية للغرب الاستعماري والماسونية علينا نحن الذين كنا على المنصة، فأدركنا حينها العقبات التي تنتظر النقد الجديد أمام فرض نفسه في بيئة ملأى بالجهل".وقال واسيني، إنه يتذكر يوم جاءه خمري بمخطوطة كتابه الأول " بنية الخطاب الأدبي" على أمل أن يتم نشره، بعد الوعود التي قدمتها وزارة الثقافة من أجل نشر عشرة كتب، كان كتاب حسين خمري من بينها والتي ظهرت فيه علامات النقد الجديد، ومنذ ذلك الحين انخرط الكاتب في تجربة النقد بالعالم العربي فاشترك في كثير من الندوات المتخصصة.
وتأسف المتحدث في الأخير قائلا، إن أحلام خمري كانت كبيرة وواسعة، لكن الموت القاسي وضع حدا لها ولم تمنح له مساحة أكبر لاختبار جهوده بنفسه ومراجعة أبحاثه وتطويرها من أجل الدفع بالجيل الجديد إلى اختبار مقولات أطروحاته النقدية والدفع بها إلى الأمام للتجلي أكثر ولما لا تكوين حلقة حسين خمري التي يمكن أن تتحول إلى مساحة واسعة لمناقشة المعضلات النقدية المعاصرة.

* الدكتورة عليمة قادري
عاش متصوفا بين النصوص
قالت زوجة الفقيد، الدكتورة عليمة قادري، إنها تجد صعوبة في الإدلاء بكلمة في حق الراحل ومسيرته الطويلة والقصيرة في نفس الوقت، كيف لا وهو كان نعم الزوج والأب، فبعيدا عن مساره المهني والأدبي الذي خلف فيه أعمالا تستحق الوقوف عندها والتمعن فيها، فقد عُرف بروحه المرحة بين أسوار بيته ومع أحبائه.
كما أنه على حد قول المتحدثة، يردد كثيرا عبارة سأعتزل وأتصوف لأيام من أجل إعداد مشروعه البحثي، الذي يتطلب بحثا جادا وانتقالا بين أمهات الكتب التراثية وما قيل عند العرب أولا ثم التوجه للبحث فيما قيل عند الغربيين، مؤكدة أن هدف خمري الأول والأخير من اكتشافه للمناهج الجديدة بجامعة سوربون، هو البحث عن  بذورها في التراث العربي، وهو ما حدث فعلا إذ أنجز بحوثا عن الجرجاني، أين قارن فكره بما جاء عند الغربيين في السيميائيات والبنيوية، وألقى ما اكتشفه على مسامع مشرفته عالمة اللسانيات جوليا كريستيفا التي كانت تصغي إليه باهتمام كبير كأنها هي الطالبة وهو الأستاذ، وهذا نظرا لما اكتشفته من كنوز وفيرة في ثنايا الكتب العربية لتدرك أن الجرجاني قامة علمية تستوجب العودة لمؤلفاته والانتهال من بحرها لما تحتويه من دلائل وإعجازات وأسرار بلاغية.
فحسين خمري حسب عليمة قادري، كان كثير البحث والتنقيب، يسير بخطى متأنية بالموازاة بين التراث العربي والأجنبي، راغبا في نقل معارفه ومشاركتها مع طلبته، رغم كل العراقيل التي لقيها في البداية، فهو لم يجد الحقل مهيئا لنشر فكره مع هيمنة النقد التقليدي الكلاسيكي على أسوار الجامعة، مضيفة أن المرحوم قد اقتنع من خلال قراءاته الكثيرة للنصوص بأن أي نص يحتاج إلى طريقة مميزة ودقيقة لفهمه وتلقيه وتفكيكه وتحليل شفراته وأنساقه السيميائية، ما جعله يتعمق بالنصوص إلى درجة التصوف.
وعلى الرغم من تنوع قراءات خمري لنصوص قديمة وحديثة عربية وأجنبية، إلا أنه حسب قادري، لا يمل قراءة مؤلفات رولان بارت، على اعتبار أن قراءة النص لعدة مرات يجعل المرء يقف على خبايا جديدة، مضيفة، أنه كان يقرأ بعدة لغات عربية وفرنسية وإنجليزية وإيطالية هذه الأخيرة التي أصر على تعلمها للإطلاع على كثير من المراجع التي خطت بهذه اللغة في الأدب والنقد.
فالراحل بحسب المتحدثة، وأثناء إقامته في باريس استطاع تغيير وجهته النقدية التي بدأها وهو طالب في الليسانس بجامعة قسنطينة، إذ رغب في النهوض بكل النصوص التي فحصها خاصة العربية منها، واقتنع وقتها أنها تحتاج إلى رعاية أكبر، كما أن قناعته بهذه المناهج الحديثة لم تجعله يرفض كل ما تلقاه من معرفة قبل هذه الفترة بل بالعكس تماما، فقد تعامل مع التراث من وجهة نظر حداثية، وقال عن تبنيه للسيميائيات " القناعات العلمية والتكوين الذي تلقيته جعلاني أهتم بمنهج السيميائيات واختياري له كان عن قناعة ولم يكن أبدا تقليدا للآخر، فقد بحثت في جذوره التراثية والنقدية من الداخل أما اختياري لهذا الحقل دون غيره فإنه يعود إلى قناعتي بأن النص الأدبي هو عبارة عن منظومات رمزية تخاطب القارئ أو المستهلك بإيحاءات ما يتطلب جهدا لتفكيكها ثم فهمها فالسيميائيات لا تتوقف عند ما قيل، لكنها تتجاوزه إلى كيفية القول بأن الكيفية هي التي تصنع الفارق أما لماذا ؟ فهو في متناول أي قارئ يتقن اللغة التي كتب بها النص"، وختمت المتحدثة كلامها، بأن ما تستطيع تقديمه للمرحوم بعد وفاته هو تنظيم مخطوطاته التي تركها مفتوحة كنص كبير.

الدكتور يوسف وغليسي
ميراثه جاد يحمل ثقافة نقدية معاصرة
يقول الدكتور يوسف وغليسي، من جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، إنه عندما يتحدث عن حسين خمري فهو يتحدث عنه من موقع حميم قريب جدا كونه تتلمذ على يديه مدة سنتين اثنتين، عندما كان طالبا بجامعة قسنطينة، وبعد ذلك صار زميلا له في هيئة التدريس طيلة ربع قرن.
وأضاف المتحدث، أن كتب حسين خمري التي ظهرت في وقت متأخر، تنتمي إلى حقل معرفي واضح ومعروف هو النقد الأدبي، فكان إصداره الأول هو بنية الخطاب الأدبي ثم كتاب الظاهرة الشعرية المعاصرة وبعدها فضاء المتخيل ثم نظرية النص، قائلا إن جل أعمال الراحل جادة تحمل ثقافة نقدية جديدة، ورثها من وجوده العلمي بفرنسا عندما كان يعد شهادة الدكتوراه درجة ثالثة، خصوصا مع قربه من مشرفته الناقدة العالمية المشهورة جوليا كريستيفا.
وأرجع وغليسي السبب لعدم استيعاب الجامعة القسنطينية فكر الناقد خمري، إلى كون الأخيرة كانت معقلا للتراث آنذاك، فلطالما عملت على إحياء وضخ الإرث النقدي التقليدي بين صفوفها وطلبتها وأساتذتها، فالمنهج التاريخي والاجتماعي كانا مسيطرين على كل المناهج، لهذا لم تكن مهيأة بالقدر الكافي لتلقي ما جاء في الفكر الحداثي، الذي شكل لها صدمة قوية قوبلت بالرفض والتعنت، لتصبح فيما بعد شائعة في النقد الأدبي العربي والعالمي ويصبح قدر الجامعة أن تتقبل هذه الأفكار وتحتويها ضمن منهاجها التعليمي، مضيفا، أن المناهج الحداثية من البنيوية والسيميائية والتفكيكية لم تظهر في النقد الجزائري إلا سنوات الثمانينيات بفضل المجهودات التي بذلها عبد المالك مرتاض بجامعة وهران، لكن في الشرق الجزائري تقريبا لم تكن هناك أسماء بوزن مرتاض استطاعت أن توطن لهذه الأفكار المستحدثة، لهذا تحديدا تلقى حسين خمري عند عودته من فرنسا اعتراضا على ما جاء محملا به من أفكار لا تتماشى ومناهجهم، مشيرا في ذات السياق، أن المشكلة تعود لصراعات شخصية وليس بسبب الفكر الحداثي، فخمري كانت له محاولات وتحديات كبرى وقتها من أجل غرس الأفكار والمعارف النقدية الجديدة ولهذا تفاقمت المشاكل بينه وبين البيئة التي وُجد فيها.
وتحدث وغليسي، عن أطروحة الناقد التي ناقشها حين عودته من فرنسا، واصفا إياها بالعادية التي لا غرابة فيها، إلا أنها جادة تتناول نظرية النص بالمفهوم الغربي وتأصل له في التراث العربي، فنصف ما جاء بين ثناياها كان تأصيلا تراثيا، ولهذا فالخلل لم يكن فيما احتوته من أفكار ومضامين، وإنما لوجود صراعات شخصية بين الإدارة والأساتذة في قسم اللغة العربية منتصف التسعينيات، وبما أن خمري كائن غير قابل للتدجين رافضا له، فقد كان غير مرحب به. وذكر المتحدث، أن خمري قبل سفره إلى فرنسا كان أستاذا عاديا بسيطا، إذ تعرف على الأفكار المعاصرة حين ذهب إلى فرنسا، لينطلق في الاطلاع على خبايا النقد الحداثي، فعاد إلى أراضيه وهو مثقل بهذه المعارف مؤهلا لزراعتها في الوسط الجامعي، إلا أنه لم يكن الأول الذي يفعل ذلك لكنه كان في طليعة الأسماء التي أسست للمناهج النقدية الغربية الجديدة في الجزائر.
وأضاف المتحدث، أن خمري انشغل بالنص لفترة طويلة تصل إلى 10 سنوات وعمل على نقل علومه إلى اللغة العربية، ولهذا كان من أكثر الناس الذين استعملوا الخطاب والكتابة، كما بحث عن جذور العلم الغربي في التراث العربي، وانشغل بالممارسة النقدية على النصوص الشعرية والسردية، مضيفا أن الفقيد ناقد حداثي لم يتنكر يوما لتراثه وإن كان تغلغله في تراث أجداده متأخرا عن تشعبه بحداثة عصره النقدي، لكنه آمن أن الإلمام بالتراث ضرورة نقدية لا جدال فيها، وقد كان الفصل الأول من كتابه نظرية النص والفصل الثالث من مؤلفه الظاهرة الشعرية العربية أكثر من أدلة ملموسة تبرز مواقع الحضور التراثي في فكره النقدي.
وأضاف أنه وإن مات خمري عاشق النصوص فستظل حتما كلماته التي وهبها من العشق والجد والإخلاص ما يكفي لتأمين حياتها من بعد موته، قائلا إن خمري قد فتنه النص وشغفه حبا فاختاره خليلا اصطلاحيا لنسج أحكام نظرية النص والتنقيب في أصولها التراثية وفروعها الحداثية.

* الدكتور رياض بن الشيخ الحسين
حداثيٌ لم يناصب التراث العداء
يقول عميد كلية الآداب والحضارة الإسلامية، الدكتور رياض بن الشيخ الحسين، إنه عرف خمري كأستاذ بجامعة الأمير عبد القادر، أين درسه بمرحلة الماجستير، ويصف المتحدث أستاذه خمري بأنه كان صارما جديا، قليل الكلام إذ يغلب عليه الصمت ويعبر عن أفكاره بأيسر السبل وأقصر العبارات، لكنه في نفس الوقت كان سهل المعشر وطيب النفس مع امتلاكه لروح مرحة ليست صعبة أو معقدة، لكن قلة كلامه وغلبة الصمت عليه جعلته ينطوي على سريرة ليست معروفة بشكل واضح لدى عامة الناس إلا المقربين منه.
وأضاف بن الشيخ، أن خمري لم يكن سهلا أبدا في تعامله مع الطلبة أثناء البحث العلمي بل كان دقيقا وصارما، إلى جانب اهتمامه الكبير بالسيميائيات، واشتغاله على النصوص، فوفق ما يقال عنه من معارفه فإنه كان محيطا بالنصوص مطلعا عليها عاملا على تحليلها متوخيا للدقة العلمية في تفسيرها.
ووقف المتحدث، من خلال تصفحه لكتاب نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال، أن كاتبه خمري، قد حاول التحدث عن النص وتفسيره، مع تقديم مفهومه ومنظوره للنصوص الأدبية، فلطالما تميز بالدقة المتناهية محاولا المزج بين القديم والحديث في دراسته للنصوص، والمزاوجة بين الدراسات القديمة التراثية وحتى الحداثية، ولهذا فمعظم دراساته تقريبا تحمل هذه السمة، كونه من الحداثيين لكن ليس من المغالين في الحداثة بل يلقي اهتماما حتى بالمجال التراثي، وفي كتاب نظرية النص يحاول خمري على حد قول المتحدث، أن يخلق لنفسه التميز والفرادة، فكل من يقرأ كتابه هذا يفهم أن الرجل فعلا كان متميزا وفريدا من خلال قراءاته الكثيرة والمتنوعة لمختلف الكتابات العربية القديمة وحتى الغربية الحداثية ولا سيما النص الفرنسي.
وأضاف العميد، أن خمري قد أخذ أيضا من أستاذته جوليا كريستيفا مصطلح التناص الذي أبدعت فيه، فاستعمل مفهومه ومنظوره في كتابه نظرية النص مع تزويده بأبعاد أخرى نصية اشتقها من قراءاته المتعددة لعدد من الكتاب والنقاد الأوروبيين، الذين شكلوا بدورهم شخصية حسين خمري، لكن مكوناته لم تكن قصرا على ما تلقاه في فرنسا وفقط بل كان مزودا بنصوص كثيرة ومفاهيم عربية قديمة والتي كان يسوق لها في فرنسا مع الأساتذة الذين تتلمذ عندهم على غرار جوليا، فالرجل كان مزدوجا بين الحديث والقديم.
وقال المتحدث، إن خمري بعد عودته من فرنسا وأثناء فترة تدرجه في التحصيل العلمي إلى أن بلغ رتبة البروفيسور، كان يعمل دوما على تقديم ما تعلمه بباريس، فعرض معلومات جديدة لم تكن متوفرة بالجزائر في سنوات الثمانينيات، لكن المصطلحات والمنظورات الحداثية لم تلق قبولا أو ترحيبا ممن تلقوها فحتى زملائه في التدريس وقفوا له بالمرصاد كون الإنسان بطبعه عدو ما يجهل، فظلوا متمسكين باعتقادهم أن القديم أكثر جدوى وفائدة من الحديث، كما ربطوا الحديث والحداثي بالجانب الأخلاقي.
وعدد بعضا من أعمال الناقد، منها ما خطت باللغة العربية وهي بنية الخطاب الأدبي وبنية الخطاب النقدي وفضاء المتخيل والظاهرة الشعرية العربية الحضور والغياب، كما لديه كتابان الأول بعنوان" الترجمة في الجزائر" وآخر " جوهر الترجمة"، ما يدل على أن خمري لم يختص في النقد ونظرية النص وفقط بل كان مهتما بالترجمة أيضا.

الدكتورة أمال لواتي
زرع أبجديات فهم النقد ومقاصده الإبداعية والحضارية
قالت الدكتورة أمال لواتي، من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، إن خمري ترك خلفه حسا نقديا ووعيا مرجعيا وحداثيا، وهو الذي دعا إلى فتح الحوار الجاد مع التراث العربي الإسلامي الشمولي الزاخر، بعد أن عطل دوره الاستلاب الثقافي، مؤكدا في أطروحات أسبقية ما جاء به علماء الإعجاز والبلاغة والنقد في علوم اللغة والدلالة والنص، على النموذج الغربي اللساني والبنيوي والسيميائي، معتزا بتثبيت الجذور وإحياء الأصول مؤمنا بصورة الذات الحضارية ورافضا لصور الغياب، مضيفة، إنه بعث في محبيه حلم امتلاك القلم النقدي، خصوصا وأنه زرع أبجديات فهم النقد ومقاصده الإبداعية والحضارية وكذا تثمين القراءة المفتوحة على نصوص لها هويتها الموصولة بالفكر الإنساني، قائلة، لقد تعلمنا منه كيف نقرأ الأدب الذي في منظوره إيمان وحياة وموت وحب وحرب وأمل وخوف، وعلائقه أن الإيمان والحياة والموت هي علاقة الإنسان بالعالم والحب والحرب هي علاقة الإنسان بالإنسان والأمل والخوف هي علاقة الإنسان بنفسه وغير ذلك من العلائق الممكنة التي تكشف عن شرعية وجودنا في هذا العالم، مؤكدة، إنه سيبقى قدوة في العلم وفي البحث شغفا وفي الخلق قيمة وفي الحياة سيرة يذكرها التاريخ في سجل الخالدين.  
وأفادت المتحدثة، أنها كانت إحدى طالباته في الدكتوراه تخصص أدب عربي حديث ومعاصر، أين حظيت بإشراف المرحوم على رسالتها إلى جانب آخرين، قائلة إن إشرافه عليها أثر كثيرا على مسارها العلمي، نظرا لرصيده العلمي والمهني، إذ علّمها كيف يكون الشغف بالبحث شعورا نفسيا وعاطفيا، وكيف يتحول إلى قيمة أخلاقية عندما غرس فيها مناقب الطموح والمثالية والتواضع، مع الاجتهاد والصدق والأمانة، كما ساعدها على كسب خصوصيتها العلمية بإرشادها إلى قواعد المنهجية البحثية، والارتكاز على المتابعة والتقصي والموضوعية والإقناع وتوخي الحقيقة، وكذا القراءة النقدية التي تعتمد على الآليات المفاهيمية والمصطلحية المؤسِّسة للبحث العلمي، كما منحها بعد مسيرة الإشراف حلم امتلاك القلم النقدي والرؤية البناءة الشمولية لدراسة الأدب، فجعلها ذلك من تلامذته وقرائه المتابعين باهتمام لكتاباته ومنجزاته في مجال النقد والأدب والترجمة.
ومن أهم الخصوصيات المعرفية والنقدية للمرحوم خمري، حسب لواتي، أنه قدم رؤية توفيقية بين التراث والحداثة، مركزا على التراث باعتباره منجزا لا يخلو من الحداثة، وقصده من ذلك ليس إثبات سبقه التاريخي، وإنما اكتشاف الوعي المعرفي والبعد الحداثي في التراث، لصياغة نظرية نقدية عربية تمتلك روح التجديد والتحديث مع ما يلائم الواقع المعاصر والمتغير.
وسارت قراءاته النقدية المعاصرة، تقول المتحدثة، وفق مبدأ التفاعل بين التراث والحداثة، للخروج من الجدل العقيم إلى المحاورة الجادة، وهذا ما حققه في دراساته عن اللسانيات والأسلوبية والسيميائية والشعرية، والتي احتوتها مقالاته وكتبه على غرار سرديات النقد والظاهرة الشعرية وفضاء المتخيل ونظرية النص وغيرهم، إذ فصل في كثير من القضايا الفكرية والنقدية، بعودته إلى الأصول المرجعية والمعرفية في التراث العربي والحداثة الغربية، وبلغاتها الأصلية والمترجمة، متمنية في الأخير، أن يقرأ الباحثون والنقاد ما ترك من إضاءات و استشرافات نقدية ويثمنوا مشاريعه البحثية.

* الدكتورة آمنة بلعلى
تميز بالجدية والصرامة العلمية
تؤكد الدكتورة آمنة بلعلى من جامعة مولود معمري بتيزي وزو، التي عرفت حسين خمري بفرنسا أثناء تحضيرهما لشهادة الدكتوراه، أن خمري قد جاء في مرحلة مهمة جدا من مراحل النقد العربي، خصوصا وأنه قد تواصل مع التراث الغربي الكبير، واطلع على تحولات الحداثة وما بعد الحداثة، ليتواصل في نفس الوقت مع التراث العربي ويجيب عن سؤال مهم جدا، وهو هل يمكن أن نكون حداثيين وتراثيين في نفس الوقت؟، مضيفة، أنه استطاع الجمع بين الحداثة والمعاصرة، وأن يكون مؤصلا في نفس الوقت، فهو يرى أن المعرفة التراثية العربية القديمة تحديدا البلاغة العربية القديمة والنقد، مجرد مساهمات فكرية كأي مساهمة قامت في مكان آخر، ولهذا السبب هناك نقاط تلاقي بين الفكر العربي والغربي، وانطلاقا من هذه النقطة استطاع خمري، أن ينجز أطروحته في الحديث عن النقد وضرورة النقد ونظرية النقد، كون الهاجس الأساسي بالنسبة لحسين خمري هو هاجس تنظيري، إذ كان يرغب في التحدث عن ماهية النقد والأدب قبله وماهي وظيفته، ما يرجعنا إلى المفاهيم الأساسية لنظرية الأدب التي لم يعد هناك حديث عنها، خصوصا مع هيمنة النقد التطبيقي الذي أزاح التفكير في مفهوم النص ووظيفته وأدواته، وحتى مفهوم النقد ووظيفته.
فخمري حسب المتحدثة، قد أعاد إحياء هذه المفاهيم الأساسية التي لا يمكن تجاوزها في أي مكان وزمان، مؤكدا أن للنص وظيفة مرتبطة بالمجتمع والسياق الاجتماعي الذي أنتجه، تماما كما للمبدع وظيفته وللنقد وظيفته الخاصة به على اعتبار أنه حدث ثقافي، ومن هنا كانت إسهامات خمري في الإطار التنظيري للنقد العربي المعاصر.
كما تمثل الناقد المعارف، ولهذا تحديدا وصفته المتحدثة، بأنه يمتلك عقلا قرائيا متعددا، فرغم كونه درس على البنيويين في فرنسا، إلا أنه لم يكن متخصصا للمفهوم الذي دعت إليه منظومة التخصص، وإنما كان يأخذ من كل علم بترف وكان يؤمن بأن للنص سياقاته الخاصة كالسياق الاجتماعي، كما أنه لم ينظر إلى فكرة التناص على أنها نظرية شكلية كما نظر إليها كثيرون، فهو اعتبرها علاقة تفاعل سياقات وتاريخ سياقات بعضها مع بعض، قائلة إنه دمج التاريخ والمجتمع والثقافة في مفاهيمه وأطروحاته حين يقرؤها، ولذلك أعتبره قارئا مركبا وموسوعيا، فهو استطاع أن يجد العلائق ببحثه الدائم عن العلاقات بين النصوص، إلى أن توصل إلى ايجاد العلاقات القائمة بين النقدين الغربي والعربي القديم، ليقف على وجود نقاط تلاق كبيرة تجمع بين مدخلين هما السيميائيات والبلاغة في الفكر العربي والغربي المعاصر، لذلك تحدث عن كيف فكر البلاغيون وعلماء الأصول والنقاد من العرب القدامى تفكيرا سيميائا في النص، وإيمانهم بأن العلامة والدلالة والمعنى والتأويل أساس كل شيء، وهو الأمر نفسه الذي تطرقت إليه السيميائيات الغربية والبلاغة الجديدة.  كما استوعب خمري حسب الدكتورة، المبادئ الأساسية للسيميائيات بكونها علم يدرس العلامة والدلالة والمعنى وكيفية تشكلهما من خلال التأويل، فعندما فهم هذا المستوى النظري للسيميائيات عند جوليا كريستيفا وغريماس وشارل استطاع العبور إلى النصوص وتحليلها بالاستناد إلى فهمه للعلامة وكيفية اشتغالها ومدى حاجة الانسان إليها وكذا علاقة العلامة بمستعمليها وكيف تتشكل الدلالة، ولذلك لا نتعجب أنه عندما درس أستاذه عبد المالك مرتاض دراسة تأويلية سيميائية عنونها بـ " ميم عين" تماما مثلما درس رولان بارت قصة سارازين " اس زاد"، فقد كان من أكثر المهتمين بالسيميائيات الذين استوعبوا حقيقة كيف يمكن الاستفادة من الدرس السيميائي المعاصر في دراسة النصوص والأشخاص. وقد كان البحث العلمي بالنسبة للناقد مسؤولية كبيرة تقوم على الصرامة والجدية باعتباره شرط أساسي من شروط التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأي بلد، ولذلك فقد عرف عنه أنه باحث جاد صارم جدي في عمله وفي بحوثه وكتبه.

*  الدكتورة ليندة خراب
خمري نص لا يموت وأعماله سيرة ما بعد الموت
تقول الدكتورة ليندة خراب من جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، عن أستاذها حسين خمري، أنه كان علامة فارقة في النقد الأدبي والدراسات الأدبية، مؤسسا لثقافة الاختلاف ومفهوم الغرابة، فمن يقرأ لخمري كأنما يقرأ لعالم بأسره وليس لرجل واحد، نظرا لإلمامه بمرجعيات عدة، فهو المنفتح والمنتمي من غير تعصب، إذ جسد طيلة مشواره الحافل وسطية أدبية نقدية، مع امتلاكه لأسلوب مميز في المصطلح العربي التراثي القديم في كل ما يجمع بين سياقات نقدية ثقافية وعربية تراثية وأخرى نقدية غربية، وتبقى هذه القامة الفارهة حسب المتحدثة، نص لا يموت وما خطته أنامله سيرة ما بعد الموت، كيف لا وهو الذي صارع الكلمة وأحيا النقد كحكاية.
وترى خراب، أن من يتصفح تاريخ الناقد وأعماله الأدبية، سيجد أن خمري قد استوقفته عبارة الفاعلية المتبادلة التي وضعته أمام معنى عميق للتناص، الذي لا يجب اختزاله في مجرد شواهد تقتطع من سياقاتها النصية، ليكشف عن مصادرها الأولى، وهو الذي يقول حسبها في تصوره عن التناص بمفهومه الدقيق " إنه لا يعني ضم النصوص والشواهد إلى جنب بعضها البعض ولكنه يعمل على إدخالها في شبكة من العلاقات الحية التي تربط الأوشاج المختلفة لثقافة معينة أو ثقافات متباينة وهكذا يصير التناص في مفهومه الواسع صيغة من صيغ التحول"، فهو حوار عميق بين النصوص التي لها أبعاد لسانية وجمالية وثقافية وليس مجرد تكديس للشواهد وتحر للمصادر.واتبع خمري حسب الدكتورة، أستاذته جوليا كريستيفا التي تعتبر التناص إنتاجية نصية يتم الانتقال فيها من الاستشهاد الحرفي إلى هدم النصوص وتحويلها عن سياقها المرجعي لاحتضان معان جديدة تختلف عن سابقاتها، وبهذا لا يكون التحول التناصي إلا تحويلا لسانيا إيديولوجيا وتاريخيا ثقافيا، مضيفة أن خمري قد اقترح الانتقال من حدود البنية إلى دراسة فضاء النص الذي يشمل البنية والبناء معا، كما قدم أيضا مقاربة تناصية أصلية لرواية " معركة الزقاق" لرشيد بوجدرة التي تستحضر مدونات تاريخ الأندلس وخطبة طارق بن زياد ونصوص ابن خلدون، مرتشفة من رحيق اللغات اللسانية وغير الللسانية من لغة العلوم والترجمة والجداريات والفن التشكيلي والشعر والأغنية والأمثال ليتم صياغتهم وفق هندسة سردية محكمة البناء. فخمري وفق خراب، لم يغادر "معركة الزقاق" قبل توشية قراءته التناصية مستدعيا محفوظه من النصوص التي تقاسم الرواية موضوعاتها ولغاتها وانقساماتها، على غرار " نجمة أغسطس" لصنع الله إبراهيم، ورواية " التحور" لميشال بوتور، ورواية " بحار جبل طارق" لمارغريت دوراس، ورواية " سقوط القسطنطينية" لجان ريكاردو، أما من الناحية الأسلوبية فقد لاحظ خمري أن رواية " معركة الزقاق" تشبه رواية " المماحي" لآلان روب غرييه، فكلتاهما تتخطيان حاجز اللغة التعيينية وتهدمان الشكل التقليدي للرواية بالتكرار وكثرة الأوصاف.
كما ترى الدكتورة، أن كتيبة التناص التي جهزها قارؤها المحنك حسين خمري قد أثبتت نجاعتها حين تمكنت من بسط سلطتها التخييلية على بنية النص فحاصرت باقتدار مناطقها المعتمة وحازت أبعادها القصية وتسلمت تباعا مفاتيح قلاعها المحصنة، قائلة إنه لا يتمكن من هذا إلا قارئ محترف خبِر شروط القراءة وتمكن من ناصية منهجه، خصوصا وأن النص التناصي لا يسلم نفسه بسهولة، فقارئ التناص حسبها، إن لم يكن متسلحا بدقة الإجراء موسوعيا ممتلئا بغزارة المحفوظ على الطريقة الخلدونية فسيغادر القلعة خاوي اليدين، وما أكثرها النصوص المدججة بالتناص التي لم يستطع قرائها العاديين ملأ فراغاتها واستكشاف نصوصها الغائبة وفتح مغاليقها كما ذكرت خراب.
ودارت كذلك بين حسين خمري وعبد الفتاح كليطو ورومان ياكبسون مطارحات نظرية ونقدية كما تقول الدكتورة، تناولت بعض المعارف والرؤى والاصطلاحات، إذ أخذ خمري مصطلح الغرابة عارية من عبد الفتاح كليطو ووصله بمفهوم سلطة الحكي، أين تكف اللغة عن استخدام التعيينات المعجمية وتستجلب معان غريبة ومجازية، وبذلك تتحرك اللغة في فضاء من الغرابة، فحسين حسب المتحدثة، يندرج في صف الغرابة والإغراب والاستغراب، شرط ألا تكون إغرابا يفصل عن الواقع، فالألفة والغرابة بالنسبة لخمري سمات خطابية وما بعد خطابية ما حمله على ربط الألفة بالواقع والغرابة بالمتخيل.
وتحدثت ليندة خراب، عن الكتابة في " فضاء المتخيل" على أنها كتابة ثورية لا تنفصل مسلماتها عن الأدب والنقد والمنهج واللغة والتاريخ، فهي كتابة تقارع الحجة دون تقعر فاضح وتدعوا القارئ برفق دون تعنت إلى مراجعة موقفه من العالم وفلسفته عن الحياة والموت، مضيفة في ذات السياق، أنها استوقفتها عبارة اقتطعها خمري من سيرة رولان بارت الموسومة " بارت بقلمه"، مفادها " الحياة دراسة مرض تعيينات والباقي لقاءات صداقة حب أسفار قراءات لذات ومخاوف ... وبكلمة واحدة الأصداء"، قائلة أنه من العجب مقاسمة خمري لرولان بعض أصداء الحياة وأن يعيش مثله سيرة ما بعد الموت، التي لا تعاش إلا بالانغماس الكامل في معترك الفعل والاستمتاع بمباهج الكتابة، مشيرة، أن خمري قد صنع حياته الثانية وعاشها ردحا طويلا من الزمن مشهرا في وجه الموت مداده وكلماته ونصوصه إلى أن أتاه الموت مباغتا ذات يوم كوفيدي حزين، مستفسرة في الأخير، هل سينصف التاريخ خمري وغيره من الأفذاذ الذين صنعوا الاستثناء الحضاري بسيرة حياة تمتد إلى ما بعد الموت ؟

* الأستاذ رياض شروانة
متصوف غارق في زهده
ذكر الأستاذ رياض شروانة، من جامعة السوربون بفرنسا، إنه ليس من المبالغة تكراره في كل مرة يثير فيها خبر وفاة المرحوم الصديق حسين خمري إثر وباء كورونا، بأنه ولحد الساعة لم يتقبل الخبر وما زال تحت الصدمة، قائلا، " تلقيت هذه الفاجعة في 13 من جانفي 2021، عندما فتحت شاشة هاتفي على صفحة الفيسبوك ليصادفني منشور للصديق الكاتب واسيني الأعرج كان ينعي فيها وفاة المرحوم، كما عجت كذلك صفحات الفيسبوك برسائل التعزية لعائلة الفقيد ومن عرفوه، وأذكر يومها أني تريثت ببعث رسالة إلى ابنته دلال من أجل تعزيتها متمنيا أن يكون الخبر طائشا غير حقيقي، فاتصلت فورا بالصديق الكاتب ولد العروسي الذي رد علي بصوت يملأه الحزن والأسى مؤكدا صدق الخبر الذي تناقلته لاحقا قنوات تلفزيونية وصحف يومية على غرار جريدة النصر التي كان أحد أقلامها".
وأضاف المتحدث، إنه قد تعرف على المرحوم حسين بعد أن أبدت الصديقة الكاتبة جاكلين برونو رغبتها في ترجمة كتابها الصادر سنة 2007 عن دار النشر لامارتون والموسوم " la dame du chemin des crêtes "، إلى اللغة العربية، إذ ترثي فيه أمها وتستحضر بعضا من ذكرياتها التي قضتها بالجزائر، قائلا إنها كلفته بمهمة البحث عن مترجم لعملها، ودون تفكير طويل وقع اختياره على المرحوم حسين، على اعتبار إنه ترجم عدة أعمال بلغات مختلفة، وزكى هذا الاختيار أيضا جراح أسنان كان على صداقة بالمرحوم، فراح يطلبه هاتفيا لكنه لم يرد على المكالمة وقتها، مضيفا، إدراكه فيما بعد أن هذا السلوك ليس بفعل اللامبالاة، وإنما لقضاء خمري معظم وقته بالمكتبات ومراكز البحث.
وعند حلول موعد اللقاء بالمرحوم خمري، يقول شروانة، أن مصافحته ليد الناقد أشعرته بالوقار في الوهلة الأولى، كما أدرك مع الوقت أن الفقيد دقيق في مواعيده لا يتأخر عنها، مضيفا إنه في بداية اللقاء أحس بعدم اهتمام خمري بالمشروع المطروح عليه، لكن سرعان ما تبدد هذا الشعور، كون المرحوم كان يصغي لما يقال له قبل الخوض في غمار المسألة، واصفا إياه بالرجل المتصوف الغارق في زهده، وما لاحظه المتحدث في خمري وفق قوله، إنه بمجرد مناولة الكتاب له، أخذ في تصفحه مباشرة ما شكل لديه انطباعا بأنه قارئ نهم.
وأفاد المتحدث، أن خمري عاد للقائه في موعدهم الثاني، محملا بقرار قبول ترجمة الكتاب، وهذا بعد أن طلب مهلة أسبوع للتفكير في الموضوع والاطلاع على محتوى النص، ويقول شروانة، لست مبالغا إذا قلت إني وجدت الرجل قد حفظ الكتاب عن ظهر قلب بعدما أبدى إعجابه الكبير بمحتواه، وما زاده عزما على المضي قدما في إنجاز المشروع، هو حصوله على موافقة دار النشر والكاتبة من أجل ترجمة العمل، لكن لجائحة كوفيد 19 رأي آخر، فقد أخذت روح حسين خمري واجتاحت معها مشروع الترجمة وكذا أعمالا أخرى كان الناقد بصدد إنجازها.

الرجوع إلى الأعلى