يشبه الراي الجزائري في نشأته موسيقى البلوز أو الريغي الأمريكية، فهو صوت المهمّشين الباحثين عن الهوية والبسطاء ، هو فن عابوا عليه تمرّده على المنظومة الأخلاقية الاجتماعية لأنه تغنى بالمتعة الحسية، لكنه استطاع  في النهاية أن يفرض نفسه على مجتمع رفضه خلال بداياته، ثم عاد بعد قرن من الزمن ليطالب اليونسكو بتبنيه كإرث إنساني، بل و أن الجزائر دخلت في «نزاع» مع بلد جار حاول «السطو» على هذا الفن الذي تحوّل من فن منبوذ إلى عنوان فخر.
إعداد : نور الهدى طابي
الراي حركة غنائية، بدأت في الغرب الجزائري وتحديدا في بوادي سيدي بلعباس و وهران و مستغانم و غليزان، تاريخ نشأته يعود حسب بعض الباحثين إلى زمن التدخل الإسباني في الجزائر في القرن 18، وقد امتد تأثيره إلى شرق المغرب على اعتبار أن تلك المرحلة من التاريخ عرفت غياب حدود فاصلة بين البلدين، وهو تحديدا ما خلق اليوم صراعا حول هوية هذا الفن و انتمائه.
تؤكد بحوث عديدة بأن الراي موسيقى تنحدر من فن البدوي الذي كان شائعا خلال ثلاثينيات القرن الماضي وحتى منتصف الخمسينيات وهو لون عرف مؤدوه بالشيوخ، يعتمد في الكلمة والمدلول على الموروث الشعبي أو الشعر الملحون، ومن أهم شعرائه مصطفى بن براهيم " 1870-1800"، شاعر كان يتغنى بالمرأة و الحياة الأقرب إلى المتعة الحسية، كما تطرق لحرقة الهجران و الغربة، ومن هنا تحديدا اتخذ الراي فيما بعد مواضيعه.
معالم الراي الحالي بدأت تتضح تدريجيا بفضل مرحلة انتقالية عاشها فن البدوي وهي مرحلة أسست لها الحرب العالمية الثانية عندما انفتحت المدينة نوعا ما على العرب الذين سكنوا الأحياء الشعبية الهامشية، واحتكوا مع المعمرين من الأوروبيين و تحديدا الفرنسيين و الإسبان المتواجدين بكثرة في مدن الغرب الجزائري مهد الراي.
مسار هذا الفن انقسم إلى ثلاثة محاور رئيسية، المحور الأول شكلته وهران و مستغانم، مركز رموز الأغنية البدوية على غرار الشيخ حمادة و الشيخ المداني، أما المحور الثاني فيتمثل في عين تموشنت وحمام بوحجر، أين بدأ البدوي يفرض نفسه في المقاهي الشعبية و الملاهي وهنا كان للموسيقى الإسبانية و الفلامينكو لمسة واضحة طغت على البدوي الذي بدأ يتغيّر.
بالمقابل شكلت سيدي بلعباس تيارت و سعيدة المحور الثالث، أين برز البدوي    الخشن أو " الهارد" الذي يعتمد على الكلمة القوية، و من هنا بدأت القصيدة في التراجع لحساب القصيدة القصيرة المتحررة من القافية و التي تعتمد أكثر على التكرار، وبدأ استخدام صرخة "يا رايي " كسمة مميزة لهذا الفن ينتشر كبديل عن عبارة " يا ليل يا عين" المشرقية، و كان أول من استخدمها هم أحمد زرقي و الشاب دريسي العباسي، كما سطع في هذه المرحلة اسم المغني بوطيبة الصغير الذي أخرج البدوي إلى إيقاع مختلف و كلمات شعبوية تلاه بعد ذلك كل من مسعود بلمو و بوثلجة و آخرون.
ومع نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، بدأت معالم الانتقال من البدوي إلى ما عرف بعد ذلك بالعصري تظهر، بعدما خرج هذا الفن من بوتقة البادية و استقر بشكل نهائي على هومش المدينة و الأحياء الشعبية أين ذاع بشكل كبير و انتشر في مقاهي وهران وحاناتها، وهناك أدخلت عليه آلات موسيقية جديدة كالترومبيت و السكسوفون و الكمان و القيثار الكهربائي، عوضت بشكل تدريجي "القصبة و القلال"، ومن ثم تطور هذا الفن منتصف الستينيات و زاد انتشاره أكثر على اعتبار أنه كان لسان حال البسطاء و وسيلة للتعبير عن واقع الحياة و القضايا الاجتماعية، ما دفع السلطات الرسمية إلى تبنيه لاحقا.
وهنا يشير الباحثون إلى أن مقتل الفنان الشاب حسني شقرون في سبتمبر 1994 بوهران كان بمثابة منعرج فاصل في مسيرة الراي، فالحادثة دفعت بالعديد من الأسماء الرايوية الشابة لمغادرة وهران باتجاه فرنسا و تحديدا باريس و مارسيليا، على غرار الشاب خالد ومامي و رشيد طه و فضيلة و صحراوي و الزهوانية، وهو ما ساهم في انتشار هذا الفن أكثر و تسويقه للعالم بصورته الحالية، التي طوّرها الفنانون الشباب مع بداية الألفية الثانية بأن مزجوه بالفنون الموسيقية الأخرى كالراب، الريغي، الشرقي وحتى الكلاسيكي، و في 2004 برز نوع جديد انشق عن الراي وهو مزيج من الراب والآرنبي سماه المهاجرون الراي-آنبي.
الشيخة الريميتي سلطة صوت الأنثى في الفضاءات الذكوريــة
مع بداية الخمسينيات بدأ شيوخ الراي ينقلون قصائدهم من المديح الديني إلى سرد مآسي السكان بسبب الاستعمار الفرنسي و صعوبة المعيشة، وقد برز في هذه المرحلة اسم حفر عميقا في ذاكرة الأغنية الرايوية وهي الشيخة الريميتي" 1923 - 2006"، واسمها الحقيقي باضياف سعدية، اشتهرت بالريميتي بعدما سمعها أحد الفرنسيين وهي تكلم ساقي إحدى الحانات أين كانت تغني وتطلب منه بلغة فرنسية ركيكة أن يعيد ملأ كأسها " remettez "، لتشتهر بعد ذلك في بهذا اللقب.
 تعد الريميتي بمثابة الأم الروحية للراي العصري، بداياتها مع الغناء كانت في سن 16، بعدما أصبحت يتيمة دفعها الفقر للانضمام إلى فرقة من الموسيقيين التقليديين أين تعلمت الغناء والرقص، و في عام 1943 انتقلت إلى بلدة ريفية في غليزان وبدأت كتابة أغانيها الخاصة التي كانت تصف من خلالها حياة الفقراء. لجأت الريميتي لفترة طويلة إلى الغناء في الأفراح في مقابل حصولها على الطعام، ومن هنا بدأت شهرتها. في العام 2006 توفيت في باريس، كانت تعول أسرة مكونة من 36 فردًا وشهرتها تجوب الآفاق بعد أن غنت في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة تركتا مخلّفة رصيدا يفوق 400 شريط كاست.
الريميتي قدمت الراي بصورة مختلفة فقد غنت للمرأة في الفضاءات الذكورية أي الملاهي والمقاهي، وكانت تنتقد ظلم الرجل وقسوة الاستعمار، وهو ما جعلها تترك بصمتها الخاصة، فقد غنت للثورة في ملاهي المعمرين خصوصا في الفترة بين 1955و1956 أين أصبحت أغانيها أكثر التزاما بقضايا الثورة فغنت        " نوّري يا لغابة" و واد الشولي"، وحسب الكاتب والصحفي أحميدة العياشي فإن أغانيها كانت بمثابة مرثية للشهداء.
سنة 1962 غنت الريميتي للاستقلال " شعب الجزائر شعب مناضل"، وخلافا لها كانت هنالك أصوات نسائية أخرى فرضت نفسها على فن شيوخ البدو على غرار حميدة العباسية و الشيخة الجنية، التي تناولت قضية المرأة بسوداوية أكثر، فكانت تغني عن الحظ أو " الزهر"، و عالجت المواضيع الاجتماعية بطريقة غيبية أكثر، إذ ركزت في أغانيها على العين و الحسد وكانت تعتبرها أسباب بؤس المرأة في مجتمعها.
نسمات أحمد وهبي المشرقية و رياح بلاوي الهواري الإسبانية
قبل أن ينتشر الراي بصورته الحالية كان يعرف بالعصري الوهراني و قد كان فنا يميل إلى الكلاسيكية، كلماته ملتزمة تتحدث عن الحب و الوحدة لكن في حدود ما يقبله المجتمع، مثلته خلال الستينيات أسماء كبيرة أبزها عبد القادر الخالدي صاحب رائعة " بختة"، وكذا أحمد وهبي و بلاوي الهواري.

عرفت هذه المرحلة بروز تيارين مختلفين جسدا صراع الهوية القائم في مجتمع ما بعد الحرب، وهو مجتمع كان يبحث عن تصنيف له هل يكون عربيا شرقيا، أم يقلد النموذج الاستعماري.
 مثّل التيار المشرقي أحمد وهبي الذي كان يميل أكثر إلى مزج العصري الوهراني بالإيقاعات الشرقية وكان متأثرا بعبد الحليم و أم كلثوم و عبد الوهاب، بينما مثّل التيار الغربي كل من أحمد صابر صاحب الأغاني المسيسة التي انتقدت هفوات النظام الاشتراكي، و كذا بلاوي الهواري الذي مزج الإيقاعات الاسبانية و الايطالية مع فنه، وهو في النهاية التيار الذي عمم لأبعاد سياسية بالدرجة الأولى فرضها الانتقال من الاشتراكية إلى النظام الليبرالي المنفتح.
عداء اجتماعي وصراع البحث عن الهوية
الراي خرج من كباريهات وهران وهو موسيقى تحكي عن النساء، عن الجنس والكحول، وهذا كاف لتحوم حوله الشبهات، لذلك فإن الراي لم يكن يبث في التلفزيون والإذاعة أيام الحزب الواحد، فقد كان يعتبر "ساقطا"، مع أن الجميع كان يملك كاسيت راي في جيبه، وفي حوار مع مجلة فرنسية قال رشيد طه، بأن الباعة في "حي بارباس بوهران" كانوا يستقبلون بأنفسهم الشّيوخ ويساعدونهم على صنع أغلفة الكاسيتات من خلال الاستعانة بصور عارضات أزياء من مجلات الموضة".
 وفي إحدى المرات كما صرح للمجلة، " كنت قد رأيت على إحدى كاسيتات الشيخة زوز صورة "امرأة في غاية الجمال"، ظننتها صاحبة الكاسيت واتصلت بالرقم المطبوع في الخلف… لكنني وقعت على عامل الهاتف لدى مجلة "لارودوت" النسائية".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الراي استطاع أن يكبر بعيدا عن رعاية السلطة لأنه اعتمد بالأساس على المنتجين الخواص الذين استفادوا كثيرا من ثورة الكاسيت كما قال الباحث بجامعة وهران حاج ملياني، مضيفا كنا في مرحلة الاشتراكية و قنوات الاتصال كانت موجهة من قبل السلطة التي أرادت فرض نموذج ثقافي موحد لم يلب احتياجات المجتمع الذي أراد التعبير عن مشاكله، فوجد لنفسه حركة فنية مختلفة لا تنتمي إلى المدارس الموسيقية الأكاديمية المعروفة .
 و يقول الكاتب و الصحفي أحميدة العياشي للنصر، بأن هذا الفن كان وسيلة الفئات المهشمة التي سُرق منها الاستقلال للتعبير عن ذاتها، فالمجتمع كان يعاني أزمة هوية سببها المرحلة الانتقالية أي ما بعد الاستعمار، لذلك فالسلطة فرضت نوعا من الحظر على الراي بعد 1962، و هنا حسبه، بدأ الراي يعبّر في دلالات أغانيه عن الخيبة الاجتماعية بالاعتماد على الإرث الذي تركه الاستعمار وهو العنف و تحديدا العنف اللفظي الذي ترجم في التعبير عن العلاقة مع المرأة و وصف السلوكيات الاجتماعية
 هذه المرحلة من عمر موسيقى الراي، تزامنت مع احتدام الصراع السياسي على السلطة " صراع الولايات"، أين كانت الجزائر على باب حرب أهلية، وهنا عبّر الراي عن هده الخيبة الاجتماعية بطريقته إذ انكفأ على نفسه وحاول أن يعبّر عنها من خلال الإشادة باللذة الجسدية والحديث عن الحياة الحسية كالخمر والجنس مثلا، وهو خطاب صدم المنظومة الأخلاقية التي أرادت أن تثبتها السلطات الرسمية ومن هنا همّشت هذه الأغنية في وسائل الإعلام. وحتى الصحافة الجزائرية كما أضاف المتحدث، لم تتعامل مع هذه الحركة الموسيقية كظاهرة ثقافية واجتماعية ولم تبحث في أسبابها أو حاولت فهمها بل تعاملت مع الراي بمنطق إيديولوجي وحكمت عليه أخلاقيا وقاطعته، وكذلك فعلت الجامعات.
ويذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك إذ يعطي للدلالة الاجتماعية لهذا الفن بعدا أعمق حيث يقول " خلال الستينيات كان مغنو الراي يُعرفون بالشيوخ و كذلك أئمة المساجد، وكان من بين شيوخ مغنون راديكاليون أغانيهم عنيفة كالشاب عقال، الذي تخلى عن الأغنية في الثمانينيات و نقل مشجيته إلى الجبال بعدما التحق بصفوف الجيا و أصبح أميرا".

الفنان مسعود بلمو
الراي ولـد في شـرنـقتي و طـار بـأجنحــة الشـاب خـالد
موسيقى الراي ليست لقيطة، هي فن له تاريخ نواته الأولى هي الفولكلور، لكن انطلاقته الحقيقة كانت بداية من 1962، أي بعد الاستقلال، بكل تواضع أقول أنني كنت أول من أسس للراي بمفهومه الحالي أو " البوب راي" الذي صنع من خالد و مامي وغيرهم نجوما.
طوّرت بفضل البحث و الرغبة في الجديد موسيقى تعتمد على الإيقاعات العصرية و أدخلت عليها آلات جديدة، كان ذلك بعين تموشنت أين أسست أول فرقة لي اعتمدت على إيقاعات الطبول و القرقابو، وكنت أحيي الأعراس، بوثلجة بلقاسم الوهراني كان أيضا من أباء الراي هو و قاضي ميسوم، بفضلنا خرج هذا الفن من الحانات إلى استوديوهات التسجيل سنة 1974.
تلك المرحلة لم تخدمنا فنيا لأن الراي كان ممنوعا في الراديو و التلفزيون بسبب كلماته التي تناولت المتعة الحسية، كنا شبابا يافعين نغنى في أماكن معينة لها جمهورها الخاص الذي يتوجب علينا تلبية أذواقه، لكن الراي تحرر بعد ذلك بداية من سنة 1985، إلا أننا لم نكن من جنى ثمار التجديد، بل جناها جيل الشباب من أمثال خالد حاج براهيم، الانفتاح الإعلامي خدمهم لأنهم كما قال بوطيبة الصغير مرة" خالد كان شابا و حاضرا لمتطلبات تلك المرحلة".
 أضيف على قوله بأن خالد كان مبدعا في كل مرة كان يفاجئنا بالجديد لأنه كان متشبعا بالموسيقى الغربية وعرف كيف يوظفها، كما أن مقتل حسني شقرون خدمه كثيرا، فحسني أسس لعلاقة عشق بين الجمهور والراي وخالد عرف كيف يستغل إرث المرحوم. الراي في تلك الفترة لم يكن مجرد فن بل كان صوت الشباب نبض الشارع و صورة تغيراته، لكنه اليوم يغرق في الإسفاف و يستغل تجاريا بشكل ينقص من قيمته.

الإعلامي و الروائي سعيد خطيبي
نـسخـة جـزائـريــة عـن الـريغي الأمـريكــي
هذه الحركة الموسيقية تشبه في نشأتها موسيقى الريغي الأمريكية، لأنه فن الطبقات المهمّشة يعبر عن مجريات الشارع، لكنه يتمتع بخصوصية ومرجعية مختلفة باعتباره نمطا مستقلا مشتقا من فن البدوي.
الراي موسيقى متشبعة بقضايا المجتمع، فهو نتاج صراع طبقي معين عبرت عنه حركات فنية جديدة ولدت خلال القرن الماضي، لذلك فقد واجه الرفض في بداياته تماما كالأغنية القبائلية، لأنه لم يكن يصب في مديح السلطة ويتعارض مع النموذج الثقافي الموحد ذي الأبعاد الجغرافية و الإيديولوجية، الذي أرادت الطبقة الحاكمة فرضه، وهو نمط موسيقي ثقافي ثوري كرست له أسماء كبيرة كوردة الجزائرية و رابح درياسة. أما مرحلة الانفتاح على الراي فجاءت بعد أن أدركت السلطة بأن هذا الفن يملك قاعدة شعبية كبيرة و يعتبر صوت الشارع حاولت احتواءه و السيطرة عليه من خلال تبني الشباب و فتح أبوب الإذاعة و التلفزيون أمامهم.
والحديث عن الشباب هنا يجرنا للحديث عن الشاب خالد، الذي لا يرجع نجاحه لوصفة سحرية بقدر ما هو نتاج تجارب سابقة بالإضافة إلى كون تعامله مع صافي بوتلة و جورج غولدمان قد خدمه كثيرا، المميز في خالد هو أنه قدم شيئا جديدا في وقت مناسب، لكن السؤال الآن هو هل سيستمر الراي وهل مازال قادرا على التجدد؟
و يؤكد سعيد خطيبي الكاتب و الصحفي، بأن اليهود أثروا كذلك في موسيقى الراي تماما كباقي الطبوع الموسيقية الجزائرية الأخرى، فالحضور اليهودي كان له دور طاغ بفضل أغاني " موريس المديوني و مسعود المديوني"، فضلا عن ذلك فإن صحوة الراي الحقيقية كانت في فرنسا وهنا لعب يهود فرنسا دورا لوجيستيكيا هاما في انتشار الأغنية، وهنا نذكر اسما مهما هو " ميشيل ليفي" المنتج السابق للشاب مامي، الذي كان من المؤسسين لمهرجان موسيقى الراي في فرنسا سنة 1986.

الكاتب و الصحفي أحميدة العياشي
هـجرة الراي إلى فرنسـا و توظيفه سياسيـا فتح لـه أبواب العالـمية
شهرة الراي و سرعة انتشاره تعود لكونه أقرب إلى صرخة فئة اجتماعية مهمشة خذلتها النخبة الحقيقية التي تحولت إلى نخبة بيروقراطية متحالفة مع السلطة الرسمية، فخلقت هذه الفئة لنفسها قيما مضادة تبناها المجتمع تدريجيا بعد صعود الأغنية الرايوية من البادية إلى المدينة، بفضل سياسات هواري بومدين الذي أسس لمصانع كبرى أخرجت أزيد من 300 امرأة من البيت و أدمجتها في مشروع عصرنة المجتمع الذي أنجر عنه تأثر كبير بنمط الحياة الغربية.
هذا التحول أجبر السلطة الحاكمة بداية الثمانينيات على تبني هذه الحركة الفنية و توظيفها اجتماعيا و سياسيا، وذلك مع بداية تخليها على الاشتراكية و تحولها نحو الليبرالية وهنا بدأ الراي ينتقل من مفهوم الشيخ إلى الشاب و انطلقت ثورته في وهران مع بروز خالد و مامي و آخرين.
السلطة سايرت تحول القيم الاجتماعية آنذاك و وظفت الراي كدليل على ذلك، ومن هنا تم الاعتراف به وفتحت قنوات الراديو أمامهم، فروّجت له القناة الثالثة التي كانت واجهة التيار الإصلاحي خلال فترة الرئيس الشاذلي بن جديد، كما أدخل الراي  لمقام الشهيد و أدرج ضمن السياسة الثقافية، بعدما تبنى الكولونيل الصادق المعروف بالعقيد تونسي الشاب خالد، الذي تحدثت عنه الصحافة بإسهاب وقتها.
بدوره وظف جهاز الشرطة الراي في محاولته للتحرر من النظام الأرتودكسي الاشتراكي المتشدد، وذلك من خلال حركة الجمعيات التي تأسست تحت شعار " شبيبة 2000"، و التي اعتمدت على القاعدة الشعبية الاجتماعية لهذا الفن.
أما الانطلاقة العالمية فكانت من فرنسا، خلال مهرجان الراي "ببوبينيي" في الضاحية الباريسية سنة1988، أين كان الجيل الثاني من المهاجرين المتمركزين بباريس و مارسيليا، يواجهون أزمة هوية " هل هم فرنسيون أم عرب؟"، انعكست من خلال أعمال عنف، حاولت آلة الميديا الفرنسة و كذا السلطة احتواءها من خلال توظيف هذا الفن الذي انتشر بين المهاجرين و عبر عنهم، فأسست لأول مهرجان للراي، الذي أعادت من خلاله إنتاج هذه الأغنية ومن ثم صدرتها للجزائر و العالم.

الرجوع إلى الأعلى