الرواية الجزائرية تعاني من الشاعرية  و ضعف الانتشار!
كيف ينظر الناقد والدارس العربي إلى الرواية الجزائرية الآن؟ وأين يضع الرواية الجزائرية تحديدا مقارنة بنظيرتها في مختلف الأقطار العربية؟ وهل هناك خصوصية ما في التجربة الجزائرية؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحتها النصر على أكاديميين وباحثين من عدة أقطار عربية على هامش مشاركتهم في ملتقى عبد الحميد بن هدوقة في البرج.
أعد الملف: عثمان بوعبد الله
الطيب ولد العروسي
لا فائدة من روايات تنشر و تبقى مثل الرسائل السرية
يرى الأستاذ الطيب ولد العروسي الحاصل على شهادة الدراسات المعمقة بجامعة السوربون في الأدب و الحضارة العربيين، و شهادة في علم المكتبات و التوثيق من جامعة فانسان، ابن ولاية المدية المقيم بفرنسا أن هنالك الكثير من الأدباء الذين كتبوا و انطلقوا من عديد المناطق بالجزائر و استطاعوا أن يخلدوا القرى و المدن التي ولدوا فيها، على غرار عبد الحميد بن هدوقة، كما خلدوا الثقافة الجزائرية و الذاكرة الشعبية بكل مكوناتها، بانتقال أعمالهم و انتشارها و ترجمتها إلى العديد من اللغات عبر العالم، لكن ما يحدث حاليا للرواية الجزائرية فيعتقد أن هنالك كم هائل من الأعمال الروائية، لكن المشكل ليس من حيث الكم أو الفنيات، بل يتعدى ذلك حسب تجربته كمهني في علم المكتبات و التوثيق بمكتبة معهد العالم العربي بباريس منذ أكثر من ثلاثين سنة، إلى المشكل المطروح على مستوى المسؤولين على الثقافة بالعالم العربي الذين هم بحاجة إلى التفكير بجدية حول كيفية توزيع الأعمال و كيفية توصيلها إلى القارئ، فالرواية حسب اعتقاده عندما تصدر و تبقى مثل الرسالة السرية لا فائدة منها لأن من لا يستطيع أن يمنحني كتابته أو أن ألتقي بروايته بالصدفة، لا يمكنني بهذه الطريقة أن أبني فكرة عن الرواية الجزائرية من خلال ما هو متوفر حاليا في الأسواق.
و يضيف أنه لا يمكنه أن يبني فكرة كاملة إلا عندما يكون لديه القدرة على الاختيار، و تكون هذه الروايات حاضرة و متوفرة بالأكشاك و نقاط البيع و المكتبات و تنظم حولها أيضا مجموعة من اللقاءات، فهذه الأشياء المغيبة عن المشهد الأدبي و الثقافي الجزائري، يمكن أن يركز عليها، إن أراد المسؤولون على قطاع الثقافة و دور النشرأن تثري العمل الروائي فلا بد أن توصله إلى القارئ، لقد التقيت بكتاب و روائيين جزائريين ليسوا على علم بما كتب كل واحد منهم، فما بالك القارئ البسيط الذي يحاول القراءة لهؤلاء الكتاب.
أما عن استفادة الرواية الجزائرية و انفتاحها على باقي  الفنون و الأجناس، يشير إلى أن هناك الكثير من الروايات التي حولت إلى افلام، كما أن هناك الكثير من الروايات التي كانت موضوع أعمال فنية، مبديا أمله في عقد  لقاءات و ملتقيات ترتبط بمواضيع محددة، مثلا الرواية والسينما، الرواية والفنون أو الرواية و المسرح وغيرها، فهي تعطي إمكانية كبيرة لمناقشة فكرة استراتيجية و مهمة للرواية، فهذه التقاطعات هي موجودة ويمكن الاستدلال عليها في رواية»أين غاب القمر» لعلاوة كوسة الذي يبدأ قصته بالذهاب إلى المتحف و من المتحف يستنتج مجموعة من الأشياء المهمة .

سمير خليل أستاذ بكلية الآداب جامعة بغداد بالعراق
الرواية الجزائرية تبالغ في الشعرية و تغفل السرد
يعترف سمير خليل عضو اتحاد الأدباء العرب والأدباء العراقيين وعضو بنقابة الصحفيين العراقيين، أن النتاج السردي الجزائري أبهره إبهارا تاما لكونه يمثل نضوجا في المجال السردي الروائي والغريب كما يضيف أنه وجد من الشباب ما له قدرات متألقة ومفيدة في مجال السرد الروائي، بما يثري المشهد الأدبي ويجعله متنوعا بين القديم والحديث وبين التراث والمعاصرة، وأعمال الرواد والجيل اللاحق.
يضيف أنه كان سعيدا بتعرفه على أسماء بارزة و بطبيعة الرواية الجزائرية و بقدرات الروائيين الجزائريين و ما فيها من تقنيات كبيرة، لكن ما أثاره هو الفرط في استعمال النزعة الشعرية في الرواية الجزائرية، في سياق استدعاء بعض الفنون و تداخلها في الرواية و بالتأكيد ما عاد الأن أي نص أدبي مستقل، فكل نص الآن لا بد أن يتفاعل مع النصوص الأخرى، فلا يمكن أن نتعامل مع الرواية خالصة ومع الشعر لوحده لا بد من تفاعل بينهما و هذه ميزة كبيرة للشعر و للرواية، لكن ما يميز الرواية الجزائرية حسب اعتقاده أنها ذات بعد شاعري، مضيفا أنه قد حاول البحث عن سبب هذه النزعة الشعرية في الرواية، لحد الآن أجد أن هناك ميزة ظاهرة و مهيمنة على الرواية الجزائرية، رغم أن الأسلوب الشعري لم يعد هو الطاغي، لأنه سلاح ذو حدين فإذا كان القاص و الروائي يمتلك طاقات إبداعية جيدة يمكن له أن يخلص نصه من عدم هيمنة الشعر على النص، و هناك من تنزلق الأمور لديه فتختلط الأوراق و يصبح صوت الشخصية و صوت الراوي واحدا، و لا فروقات بين الشخصيات فالجميع يتحدث شعرا و هذا أمر غريب لا يجوز لا بد من فواصل بين الأصوات بين شخصيات الرواية، ففي الرواية الجزائرية لم أجد على الأقل في هذا الملتقى (ملتقى بن هدوقة للرواية 08-10نوفمبر 2016) من تحدث عن ما يسمى بما وراء السرد في حين قطعنا في المشرق شوطا كبيرا في تقنية ما وراء السرد و نتمنى للدارسين في الجزائر أن يلتفتوا لهذه الظاهرة لأنها تقنية عالية الجودة.

مها خيربك ناصر أستاذة الدراسات العليا بالجامعة اللبنانية
ننظر إلى الرواية الجزائرية بمنظور تكريمي و النقد العربي بحاجة إلى أدوات حديثة
تعتبر مها خيربك ناصر، أن الرؤية اللبنانية للرواية الجزائرية بصفة عامة تمر عبر منظار تكريمي يحترم و يضطلع على ما ينتجه الجزائريون،على أمل أن تكون هناك تفاعلية أكبر بيننا، مشيرة إلى أنها تؤمن بالأدب كأدب خارج التصنيفات الجغرافية، فعندما أقرأ نصا روائيا لأديب جزائري ما يميزه عن نص روائي لأديب لبناني ربما يتعلق بقضايا المكان و القضايا التي تطرح محليا، فمثلا نحن نركز على الحرب اللبنانية أما الكتاب الجزائريون فتركيزهم الكبير على قضايا العشرية، إذا القضايا إنسانية و في مثل هذه القضايا لا يمكن أن نفصل بين الأدب اللبناني و الأدب الجزائري .
مها خيربك ناصر الحاصلة على دبلوم دراسات عليا بالجامعة اللبنانية و دكتوراه دولة في اللغة العربية و أدابها، ترى أن الساحة الثقافية العربية تشهد حضورا بارزا لدراسات نقدية تناولت الروايات العربية، منها ما عكست التمايز البحثي و العمق الفكري و الثقافي للباحث العربي الأكاديمي، رغم عدم خلو البعض منها من رغبات مبطنة، كرغبة أساتذة جامعيين في مساعدة طلابهم أو الرغبة في الحصول على شهادة الدكتوراه أو على رتبة أكاديمية.
و أضافت أن النقد الروائي العربي يحتاج إلى ابتكار أدوات نقد عربية حديثة تعين الدارسين و الباحثين على قراءة النص الروائي العربي وفقا لأليات تفرضها خصوصيات اللغة و الموروث الثقافي والديني والفلسفي والاجتماعي والسياسي، يضاف إليها التركيزعلى معرفة طبيعة الفضاء الثقافي والإعلامي والاجتماعي والسياسي الذي أسهم في إنتاج العمل الروائي .
و جزمت بأنه لا ريبة في أن الرواية العربية المعاصرة أصبحت بحاجة إلى قراءة نقدية بعيدا عن الانطباعية و التسليع و الامتهان.
أما عن استفادة الرواية من باقي الفنون، فترى أن الرواية و المسرح و الأعمال الأدبية تتلاقى حول نقطة أساسية هي اللغة، و بخاصة المسرح و الرواية القائمين على قضيتين رئيسيتين هما عملية السرد و عملية الحوار، فالمسرح يوصف من خلال الحركة و الرواية توصف بالكلام إذا كلاهما يقدم وصفا داخليا و وصفا خارجيا.

بديعة الطاهري أستاذة الآداب بجامعة ابن زهر بالمملكة المغربية
المقارنة بين ما يكتب في المشرق و المغرب من روايات يرتكز على التاريخ
تقول بديعة الطاهري أستاذة جامعية بالمملكة المغربية حاصلة على دكتوراه الدرجة الثالثة من جامعة باريس 03 و دكتوراه دولة من كلية الأدب بجامعة ابن زهر، أن النص الروائي العربي بصفة عامة، بدأ يفكر في نفسه منذ نهاية الستينيات في القرن الماضي، و أصبح للروائي هم جديد إلى جانب القضايا التي انشغل بها في النص الروائي خلال الفترات السابقة لستينيات القرن الماضي، و هو التفكير في أليات و تقنيات جديدة و من هنا أصبح النص الروائي فضاء للحوار مع مجموعة من النصوص المختلفة، لدى البعض كان هذا الانفتاح مجرد تجريب أليات كتابية و لكن عند الروائيين الكبار الذين كان لهم وعي كبير بمفهوم الرواية و برسالتها كان هذا الانفتاح وسيلة من وسائل نقل علاقات جديدة أفرزها الواقع العربي لم يكن الأسلوب الكلاسيكي و الواقعي قادرا على الإلمام بها، إذا هناك انفتاح على الفنون يمكن أن يحكمه عاملان الأول البحث عن خصوصية الرواية العربية سواء في الجزائر أو المغرب أو المشرق أما العامل الثاني فإن هذا الشكل الجديد دعا إليه الواقع الجديد و من ثم انفتحت الرواية على مجموعة من الأجناس الأدبية منها الشعر و الأمثال و السينما و القرآن الكريم، فكان هناك تناص مع نصوص أخرى بعضها أدبي و البعض الأخر غير أدبي لكن هذه النصوص التي انفتحت عنها لكي تتخذ لها معنى داخل النص الروائي، فهي لم تكن نصوص مقحمة و إنما دعت إليها ضرورة النص باعتبارها منتج لمعنى ما و هو يحتاج إلى هذه الأليات و هذه التقنيات، فعاد البعض مثلا إلى التراث و التاريخ و بعض الأليات و التقنيات الموجودة في الكتابات التراثية، لأن الحوار مع الأجناس الأدبية لم يكن من خلال اقحام هذه الأجناس في الرواية، و انما استفادت من بعض الأليات الكتابية المأخوذة من كتب التاريخ و كتب الأخبار مثل ألف ليلة و ليلة التي أفادت الروائي العربي في الكتابة الروائية.
و تضيف في هذا الصدد أنها اشتغلت على رواية للطاهر وطار (الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي)، و تبين لها أن نصه الروائي جديد و الجدة فيه لا تعود فقط إلى أن الطاهر وطار كان يريد تجريب مجموعة من الأشكال فالنص فيه انفتاح على نصوص أخرى و انفتاح على التاريخ و القرآن الكريم و الشعر و الأمثال و الحكم و هذا التوظيف كان دلاليا، لأن الطاهر وطار استطاع بدوره أن يلم بالعلاقات الجديدة، مشيرة إلى أنها عندما قرأت هذا النص تبين لها أن فيه مداخل متعددة لدراسته من بينها الغرابة، و حاولت أن تدرس هذه الغرابة باعتبارها موضوع لواقع جزائري بصفة خاصة، و لكنه واقع عربي بصفة عامة على اعتبار أن ما وقع في العشرية السوداء «كما تسمونه في الجزائر» لم يكن حالة انسانية و اجتماعية معزولة بل كانت حالة عربية وجدناها في ليبيا و في مصر و العراق و كانت فيما قبل بالدول الأسيوية التي توجد بها حركات إسلامية، فالطاهر وطار صحيح أنه ارتبط بالمجتمع الجزائري و لكن التقط جميع مظاهر العنف في فضاءات مختلفة بمصر و ليبيا و الشيشان و مناطق مختلفة، و هذا النص الروائي لم يكتبه فقط لكي ينقل لنا الأحداث و إنما ليقول لنا أشياء كثيرة جميلة في هذا النص عبر الغرابة و الدعوة إلى عدم التشبث بالحقيقة الواحدة فنحن لا نملك الحقيقة في هذه الحياة بل هي ملك مشاع بين الناس و علينا أن نؤمن بالاختلاف.
و قالت أن الرواية الجزائرية و المغاربية لو تتم مقارنتها بما يكتب بالمشرق من روايات فتكون المقارنة على مستوى التاريخ فالرواية المشرقية قديمة لأن التاريخ الأول للرواية إذا قلنا بأنها حديثة فإنها ترجع للقرن التاسع، و قد دخلت بعض المحاولات و لم تكن رواية بالمعنى الحقيقي الذي عرفناه في القرن العشرين و إنما كانت البدايات الأولى المؤسسة لجنس الرواية بشكل الكتابات الرحلية التي كتبها الطهطاوي و سليم البستاني و غيره و تم أحياء الموروثات العربية الشعبية و كتابتها و طبعها و جمعها، كما كانت مجموعة من الوسائل التي ساعدت على بروزها منها الصالونات الثقافية و الصحافة و غيرها، و ظهرت بعدها بعض التيارات المتأثرة إما بالكتابات الروائية القديمة و إما بالكتابات الأجنبية، و لكن التأثر بالكتابات التراثية لم ينبع من صميم الواقع بل كان مجرد ردة فعل ضد الأخر الذي يعتبر مستعمرا و قويا، و بناء عليه فرواية متأثرة بالعالم العربي نجدها متأثرة بكتابة المقامات بصفة خاصة تراثية قديمة و لكن القارئ لم يستسغها لأن مستواها كان أرفع من مستوى القارئ العادي و بالتالي تخلف هذا النمط من الكتابة و ظهرت الكتابة الواقعية التي تتخذ موقعا وسط ما بين كتابة الصحافية و التراثية لأنها انصفت إلى الواقع و حاولت أن تنقل و هناك تجربة نجيب محفوظ أحسن نموذج لما تحدثت عنه.
و تضيف بديعة الطاهري أن تراكم العمل الروائي في الجزائر و المغرب بدأ من سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي و الشكل الروائي الغربي عرف تغيرا في الخمسينيات من القرن الماضي، و لكن بالنسبة للرواية عرفت تغييرات في الستينيات و يواكب النص الروائي المغربي و الجزائري هذا التغيير، بطبيعة الحال كانت مواضيع متعددة تشير إلى المحلية لأن الاهتمام كان بالتاريخ و الذاكرة و الهوية و الأسئلة التي يطرحها الواقع، و لكن في العمق كان تمثيل لسلوكات و لقيم و علاقات نجدها متشابهة في المجتمع العربي و المغربي ، قضايا مشتركة و لكن هناك اهتمام فالرواية المغاربية و الجزائرية كانت حاضرة لتلتقط الجديد و ظهرت تيارات لكتابات روائية تهتم بالذات الكاتبة بإحساسها بتجربتها لكنها كانت في العمق هي جسر للإطلالة على العالم الخارجي و القضايا، فالتجربة الجزائرية تجربة متنوعة فيها رواد و مؤسسين و فيها جيل حاول ترسيخ الرواية و جيل حاول تجديد النص الروائي و رواية واقعية وغرائبية و رواية عجائبية و الجميل في كل هذا أن الروائي كان يكتب من واقع و حس و لجمالية الكتابة، و كان للكثير من الروائيين وعي بأن الكتابة لا تأتي بشكل عفوي و إنما عبر التراكم و المعرفة و القراءة و التجربة و لنا في العديد من الروائيين أمثلة على ذلك، مبرزة اعتزازها بتجارب الطاهر وطار و واسيني الأعرج كنماذج، كما أن المرأة انخرطت في الكتابة سواء بالجزائر أو المغرب و خير دليل -كما أضافت- تجربة أحلام مستغانمي التي اعتبرتها تجربة رائدة كونها لم تكتب عن المرأة فقط بل كتبت عن الوطن و عن تحولاته و عن العلاقات فهي كانت مبدعة و لم تكن امرأة في كتاباتها فهناك كتابات أخرى التقطت فيها بعض العلاقات و المشاكل الخاصة بالمرأة لكن لم تكن المرأة كفرد اجتماعي معزول و إنما كعلاقة داخل المجتمع.              
ع/بوعبدالله

الرجوع إلى الأعلى