أحيت مُحاولات مواجهة الموسيقى بالصّلاة مخاوف النّخب، التي رأت في هذا النّوع الغريب من الاحتجاجِ عودةً للتيّار المتشدّد الذي خبا في أعقاب الحرب المدمّرة التي عاشتها الجزائر في الأنفاسِ الأخيرةِ من القرنِ الماضي.
لكنّ الظّاهرة تحتاج إلى قراءاتٍ هادئة متخفّفة من الرّيبة التي تُصاحب ، في الغالب، تعاطي المثقّفين مع المسائلِ المرتبطةِ بالدّين، ومنتبهة إلى واقعِ مجتمعٍ يفتقد إلى مؤّسسات عصريّة ويرتكز على بُنى تقليدية تتزين بمظاهر حداثة كاذبة، وإلى إنسانٍ غير مكتمل البنيانِ، يحاول تدارك النّقص بالتديّن، مثلما يحاول معالجة إخفاقاته  بالدّواء ذاته.
و يحتاجُ «التديّن» و تمظهراته في الجزائر إلى فحصِ المختصين من علماءِ الاجتماعِ وعلماءِ النّفس، لتقديم إجابات ذات مصداقيّة، وتفسير إفراطِ الجزائريين في إظهار الالتزام بالطّقوس الدينيّة، فهم أكثـر الشّعوب التزاماً برمضان إلى درجة أن الحياة تكاد تتوقّف في هذا الشهر، وتجد من يقتّر في حياته قليلة المسرّات من أجل توفير مصاريف الحجّ والعمرة وقد يستدين لشراء كبشِ العيدِ، أما القَسم الديني فتحوّل إلى لازمةٍ على كلّ لسانٍ تعفي صاحبها من أدوات الإقناع وتكفي للبرهان على أنه على حقٍّ، ولفت جزائريون الانتباه وهم يصلّون جماعةً في مطارات غربيّة وشرقيّة  في إشهارٍ لهويّة دينيّة يحملُ رسائلَ لكنّه لا يُؤشّر بالضّرورة على "استقامةٍ" في السّلوك والمُمارسات خارج دائرةِ الطّقس المُعلن فيما يشبه عرضٍا هستيريا. وأغرب من ذلك أنّ الجزائري قد يثور لما يراه مساساً بالمقدّس لكنه لا يجتهد في تغيير واقعه أو القيّام بنشاطٍ له منافعه العامة، إذ يشغله خطأ بسيط في مسألة دينيّة بكتاب مدرسيّ لكنّه لا يكترثُ بالمناهج ولا بمحتوى البرامج، بل إنّ التعليم ذاته يكاد يُختصر لدى كثير من الأولياء وصنّاع الرأي في الصّحافة الرّائجة في المحتوى الديني، في التباسٍ خطيرٍ بين تلقّي العِلم وتلقّي الدّين، يُحيل إلى سيّادة مفهومٍ تقليديّ لعمليّة التعلّم رغم انتشارِ المدارسِ الحديثةِ والجامعات منذ عقود.
واللّافت أنّ النّخب السيّاسية ظلّت منذ الاستقلال تستغلّ الدّين كورقةٍ، عوض أن تجيب على الإشكالات المطروحة بالأفكار والبرامج، أو تحمل على عاتِقها مشاريع تمْدين المُجتمع وتحديثه ليتلاءم مع طبيعةِ الدولة، مساهمة في النّكوص الذي نشهده اليوم.
ملاحظة
يشير انتشار مظاهر ادعاء «التديّن» إلى خللٍ لا يُستهان بخطورته في مُمارسة الحياة!

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى