تُعاني السينما في الجزائر من «سوء الفهم» تماماً كما تعاني من اختفاء القاعات، وتنسحبُ المعاناة الأولى على سائر الفنون، بعد اختفاء «النّقاد» وبروز «علماءِ الكلام» على شبكات التواصل الاجتماعي وفي بعضِ المنابر الإعلاميّة.
وباتت السينما مطالبةً بمحاكاةِ الواقع والتخلّي عن «حميميّاتها» لإرضاءِ الذائقةِ الجديدةِ لأجيالٍ حُرِمت من سِحر القاعات المُظلمة والشاشات الفضيّة، و لم تعرف روائع السينما إلا من خلال أفلام «منقّحة» تعرض في قنوات تلفزيونيّة.
و أصبح المُمثّل ملزماً بتقمّص شُخوصه في الواقع وليس في الأفلام، إذا دفعه حظُّ عاثرٌ إلى لعبِ أدوار شخصيّات تاريخيّة، لأنّ محاكم التفتيش التي سيقيمها نقّاد ما بعد النّقد، قد تصلُ إلى حدّ الحديث عن سلوكه في الحياةِ وقناعاته الدينيّةِ وشكلهِ وشجرةِ سُلالته.
«سوء الفهم» ذاته يدفع الفنّ السّابع إلى القيّام بأدوارٍ ليست أدواره، كالتأريخ مثلاً، استئناساً بأفلامٍ تناولت ثورة التّحرير في السنوات الأولى للاستقلال، أو الامتثال لرواياتٍ تاريخيّة صارمةٍ ترفض الخيال الذي هو عماد كلّ فنٍّ وتفرضُ تمجيدَ و أسطرةَ  الشّخوصِ والوقائعِ، ويُسقط  عن السينما صفتها كفنّ يلهو صانعه مع حواسِ المتلقي و يُشركه في إبداعه بالإيحاء، ويراوغه ويخادعه وقد يستفزّه ويُرعبه، وفقَ أعرافٍ درجَ عليها آلهة الشاشات و الجمهور منذ تعليبِ الضُّوءِ وتسخيره في لعبةِ خلقٍ جديدةٍ، مَزجت المسرح والتشكيل والتصوير و الموسيقى من أجل “الإمتاع”، أجل المُتعة هي الغاية الأولى والأخيرة للسّينما  وأشقّائها وشقيقاتها، أما “الحقائق” فلها مجالاتها وحقولها وكذلك شأن الوعظِ والإرشادِ، لأن «إصلاح» أعطاب الحياة يتمّ في الحياة السعيدة وليس في الأفلام وليس في الرّوايات، والنّقد بمفهومه العدوانيّ الشّائع في أيّامنا، يليق بالمفسدين في الحياة وليس بالممثّلين وكتّاب الكتب و أطفال الخيالِ الذين هربوا من الحياة نفسها إلى اللّغة أو الضوء.
و الحاصلُ أننا نفتقد إلى نقدٍ يقوم على قواعد سليمة في السينما كما في الأدبِ وسائرِ الفنونِ، وضع جعل بعض المشتغلين في الحقل الإعلاميّ بقنواته الكثيرة و جرانينه ينصبون “حواجز مزيّفة” للمبدعين بغرضِ تسفيههم أو تكفيرهم ثم تقديمهم طعاماً طيّباً للغوغاء، ويتحمّل المسؤولية “سوء الفهم” الذي أصاب الصّحافة أيضا، بل أنه بات يتمدّد في حياتنا كذلك الدّاء الذي ظهر في البليدة مؤخراً، مع فارقٍ غير هيّن، يتمثّل  في كون الدّاء الثاني يمكنُ تطويقه والقضاء عليه!

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى