أصبحوا في كلّ مكان ببذلاتهم  الأنيقة ومواكبهم السّريعة وأصابعهم المرفوعة أمام الكاميرات، ستّينيون في الغالب و خمسينيون ، يتحدّثون نفس اللّغة، يقدّمون “رواياتهم” الخاصّة عن الواقع فيبدو أنّهم يرون ما لا يراه غيرهم، لن يتردّدوا في مجادلة المهندسِ في هندسته أو المعماريّ الذي يظهرون له تفوّقهم عليه في حسن تسخير الفراغ أو يشيرون عليه، من نظرة سريعة، بإعادة النّظر في مخطّطاته.
  يتمتّعون بحظوةٍ في حياتنا العامّة، فهم يتولّون مسؤوليات هامّة محلياً ومركزياً، وبمرورِ السّنوات و ضُمور “المؤسسات السيّاسيّة” المُنتجة للكوادر، خلت لهم السّاحة وباتوا “يهيمِنون” على صناعة القرار، وتقديم “روايات” عن الأحداث والوقائع تقوم على تمجيد العمل العاديّ وإنكار السلبيّ وعدم تحمّل المختلف.
ودون التقليل من شأن قدراتهم في التسيير، فإن “ما أصبحوا عليه” ظاهرة تستحقّ النّقاش في بلد يكابد من أجل استكمال بناء مؤسّساته الحديثة بعد هزّة الحرب الأهلية، خصوصاً وأن تدبير الشأن العام يعرف اختلالات  قد يحوّلها التكرار إلى أزمات.
يتعلّق الأمر هنا بخريجي المدرسة الوطنيّة للإدارة في القرنِ الماضي، الذين انتدبوا في مختلف المواقع، و باتوا يعتمدون طريقةً “إداريّة” في التسيير تفتقد، أحياناً، إلى المرونة التي يقتضيها الإشراف على الجماعات المحليّة، مثلاً،  حيث يبرز الخطاب المتعالي للإطار الإداريّ الذي يسفّه المنتخب ويقلّل من شأن المجتمع المدني، ويعتبر المواطن كائناً منزوع الذّكاء، ويحيل إلى ذاته «كمُرسل” جاء ليُخرج النّاس إلى النّور، هذا “الفكر” تكشفه بعض الفيديوهات التي تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، وتطرح بإلحاح مسألة «فهم» مسؤولين للمسؤوليّة كمنّة وكرم وسخاء منهم وليس كوظيفة مقابل أجر ومقابل حساب.
منذ سنوات تمّ فتح ورشة إصلاح هياكل الدولة، وقد كان هذا المشروع جواباً على خلل عاينه خبراء فحصوا أداء هذه الهياكل التي تحتاج إلى تحيين ومراجعة يقتضيهما تطوّر الحياة وتعقيداتها، هذا الإصلاح لا تزال الحاجة إليه قائمة، مثلما تبدو الحاجة ملحّة إلى إعادة الاعتبار للمؤسسة السياسية كمزوّد للأمة بالإطارات في مختلف التخصّصات، إذا لا يعقل أن يهيمن الأسلوب الإداري أو “ينفرد” الإداريون و المقاولون بالتسيير والتدبير في غياب رقابة سيّاسيّة ومدنيّة محليّة تضمن التوازن وتكشف الانحرافات وتجنّب الأزمات، لأن الديمقراطية تبدأ من هنا  والاستبداد أيضا.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى