أثيرت عاصفةٌ، في الأيام الأخيرة، حول حرمان الشيخ من الأكل مع اللاعبين الصّغار!
تبدو المسألة مثيرةً للشّجن في بلدٍ يمتّع فيه الشيوخ بنوعٍ من التبجيلِ، يحظون بموجبه برعايةٍ في مسائل تتجاوز الأكل إلى غيره من «الملذّات»، وبطاعةٍ عمياء حتى في المواضع التي تنتفي فيها أسباب الطّاعةِ.
لكن، لماذا يراد للشيخ أن يأكل  مع الصّغار، ولماذا يتمّ الحديث عن غضبه من منعه من مأدبتهم؟ هل يتعلّق الأمر بمحاولة تسفيه أم بمشكلة لدى شيخ يتطلّع إلى زمن غيره؟
قد نحتاج إلى مراجعةِ سيكولوجيّة الشّيوخ لفهم ما حدث، فالشيخ الجزائري يعاني من مشكلة مع الزّمن، فمثلما توقّف زمنُ شيخِ المدرّبين في ثمانينيات القرن الماضي، توقّف زمن شيوخٍ في مراحل سابقة من القرن نفسه، الأمر الذي جعلهم يواجهون صعوبةً في التعاطي مع المحيطِ الجديدِ أو مع الأشخاصِ الذين ظهروا متأخرين على مسرحِ الحياةِ.
وقبل أن ننتقد سلوك الشيخ على تقديم الأكل والسّفر على المبادئ والعمل، والمجاهرة بالشكوى من «حرمانٍ» فرديّ عوض تشخيص المشكلة العامّة، علينا أن ننتبه إلى أنّ صعود سلّم الزمن يحتاج إلى مرافقةٍ، خصوصاً في الدرجات الأخيرة ، حيث يعود الشيخ فعلا إلى مراحل سحيقة من صباه، وفق ما يؤكده المشتغلون في حقل «النفس» وغابتها، وبالضبط إلى  أوّل مرحلتين من مراحل النموّ المعروفة في التحليل النفسي، فيظهر شغفه بأكل الطيّبات وهوسه بالتملّك و عدم التفريط فيما يملك تحت ضغط النزوات البدائيّة النائمة وقد عادت إلى النّشاط، وفق ما يؤكده  كبار «المعالجين» الذين يقرّون بصحّة المقولة الاجتماعيّة عن «العودة إلى الطفولةِ»، وينصحون بمرافقة خاصّة لهذه الفئة، بدايةً من مرحلةِ التقاعدِ التي يعيشها الإنسانُ المعاصرُ كصدمةٍ ومأساةٍ، لأن «التقاعدَ» يحيله على الموتِ، فيشرع في إنتاج آليات مقاومةٍ للتشبّث بالحياة. و المجتمعات العارفة هي التي تُحسن الاستثمار في الإنسانِ باستغلال أحسن ما فيه، ورعايته قبل الاستغلال وبعده، وعدم تصفيّة «الرّمز» على نحو غير لائقٍ، بإخراجه من زمنه ودفعه نحو الفشلِ، فكرة القدم اليوم، مثلا، تستند إلى العلوم والمعارف وليس إلى ماضٍ مجيدٍ، وما ينطبقُ على الكرةِ يصدق على غيرها من الحقول.
ملاحظة
المشكلة ليست في الشيخِ، ولكن في النظرة الجمعيّة إليه أو فيما ننتظره منه، كلّ مرّة، ونحن ننشدُ تكرار مجدٍ حدث في الماضي، عوض أن نعمل على توفيرِ أسباب مجدٍ جديدٍ.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى