قد تكون مواقف ترامب هي التعبير القاسي عن حقيقةِ العلاقات الدوليّة، لكنّها التعبير الأصدق، فخلف الموت المعلن تزدهر تجارةٌ رابحة لغربٍ يبحث عن توليفةٍ مستحيلةٍ بين القيّم وتجارة السلّاح، وبين نهبِ الآخر ووعده بالحريّة.
ثمّة أشياء لا تُهدى، لذلك يصاب المعوّلون على «عدالةِ» الغرب بالخيبة كلّ مرّة. والخطأ ليس خطأ الغرب، بل هو مشكلة من يريدون الاستفادة من دورةِ تاريخٍ لم يجرّبوها، أو جني  ثمار حضارات أخرى لها مساراتها وشروطها، دون أن يقدّموا، على الأرضِ، ما يشفع لهم بأكلِ الثمرات.
يفرحُ إخوانُ الجزائر بصرامةِ شيخهم المتجهّم على ضفاف بحر مرمرة ويقدّمونه كساهرٍ على الحقّ بعينٍ لا تنام، ويغفلون عن مفاوضاته لنيل حصّة من عائدات جثّة.
 يبدو الأمر غريباً: ما الذي يدفع جزائرياً للتماهي مع «خليفةٍ» لا يفيد في نهاية المطاف سوى نفسه وشعبه؟ وما الذي يدفع خصمه للتماهي مع نموذجٍ غربيّ،  في وقت تبقى فيه أبوابُ البطولةِ مفتوحة هنا، وبإمكان الممثّل أن يلعب في فيلمه الخاصّ؟
الخاسرُ الأكبر في مقتلةٍ هو الميت وحده مهما كثـر النائحون، ولن تكون الدّموع وكلمات العزاء سوى تفصيل لن يخدم الحكاية ولن يُحفظ في سردها، لكنّ علماء السّوق الذين تنتشر مقولاتهم في عصرنا السّعيد، عرفوا كيف تُرضع المأساة دون أن تترك مرارة، وكيف يخرج الحيّ من الميت، من تدميرٍ سريعٍ لبلدانٍ يُعاد إعمارها، ومن عائدات سيوف يدفع القاتلُ والقتيلُ ثمنها.   
 لقد أثبتت الحروبُ الحديثةُ أن التجارب غير قابلةٍ للاستنساخ، فضاعت على الأممِ الصّغيرة فرصُ اكتشاف الديمقراطيّة تحت غبار المعارك، أو العثور على العدالة في جراب “الحلفاءِ”.
ثمّة مكابدة تمرّ بها الشّعوب والأمم في العبور إلى الرّفاه، ثمة درب صحيح يُسلك، فإذا أخطأت الطّريق إلى هدفٍ، فالذّنب ليس ذنب الهدف ولا ذنب الطّريق،
و إذا بحثت عن مستقبلك في الماضي، فالذنب ليس ذنب الماضي الذي مضى وانقضى ولا ذنب المستقبل الذي لن تراه.
إنّ تكريس قيّم العدالة والحريّة لن يكون إلا نتيجة لتجربة داخليّة بكلّ ما تقتضيه من نضالٍ، و لن تكون هديّة تُهدى أو سلعة تشترى مع الغذاء والدواء.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى